ملخص
حسم المعركة عسكرياً ممكن لكنه مكلف ويأخذ وقتاً أطول، فكلما زحف الجيش نحو منطقة توسعت قوات "الدعم السريع" في منطقة أخرى إذ أصبحت المسألة مجرد انتشار وظهور إعلامي أكثر مما هو سيطرة على الأرض.
في ظل تقدم الجيش السوداني في حربه مع قوات "الدعم السريع" التي قاربت العام، على صعيد جبهة أم درمان باستعادته مواقع ومساحات واسعة من هذه المدينة كانت في يد الأخيرة، إضافة إلى بثه طوال الأيام الماضية مقاطع فيديو مصورة لقواته وهي تمشط الأجزاء الغربية والجنوبية من المدينة، يبدو أن هناك تحولاً كبيراً في مسار العمليات، وهو ما يطرح تساؤلات حول تغير موازين القوى في هذه الحرب وإمكانية حسمها عسكرياً؟
هجوم ومطاردة
الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية اللواء أمين إسماعيل مجذوب يقول إن "العمليات الآن بعد مضي عام كامل تسير بصورة روتينية، إذ تصدت القوات المسلحة للصدمة الأولى من الحرب وامتصتها تماماً، وانتقلت لمرحلة الدفاع النشط بتدمير الكتل الصلبة والبقاء بمواقع معينة مع سحب المواقع الصغيرة وتجميعها في مواقع أكبر، وتراوحت هذه المرحلة بين أربعة وخمسة أشهر، ثم انتقلت لمرحلة الهجوم والمطاردة، وحالياً تعمل هذه القوات في ما يسمى بالعمليات بتطهير المدن وهي تأخذ وقتاً طويلاً باتباع استراتيجية وتكتيك معين من أجل المحافظة على ما تبقى من السكان المحاصرين في مواقع تحت سيطرة قوات "الدعم السريع" وهو ذات الأسلوب الذي اتبعه الجيش في حصار مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون وتطهير مناطق أم درمان المختلفة يوماً بعد يوم حتى وصل إلى منطقة سوق ليبيا بغرب المدينة والصالحة جنوباً".
ويضيف "الشيء الذي تغير في المشهد حالياً هو أن الدعم السريع افتقد القيادة والسيطرة والخطط الواضحة في الميدان، إذ نجد أن كل مجموعة منفصلة من قوات تلك الميليشيات تعمل كما ترى بعيداً من أي تنسيق عملياتي موحد، وهو ما جعل الجيش ينطلق نحو عمليات الهجوم، كما أن دخول أسلحة جديدة كالمسيرات والمدفعيات طويلة المدى والصاروخية مكن القوات المسلحة السودانية من تدمير أي حشود للدعم السريع، وهذا هو الأسلوب الذي كانت تستخدمه الأخيرة في بداية الحرب من ناحية كثافة النيران في منطقة معينة مع الهجوم المتتالي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأردف مجذوب "من الواضح أن الجيش قطع سلاسل الإمداد عن قوات الدعم السريع لذلك لجأت تلك القوات للتجنيد المحلي في المناطق التي تتوسع فيها كقرى الجزيرة وسنار ومناطق شرق النيل، لكن مثل هؤلاء المجندين الجدد ليس لديهم أي معرفة بالقتال أو هدف محدد مما قد يجعلهم يهربون من ساحة المعركة، وكذلك من السهل أن ينسحبوا أو يتم تدميرهم بحسب مقدرات القوات المسلحة التي تتفوق عليهم تفوقاً كاملاً".
ونوه إلى أنه "من الملاحظ أن قوات الدعم السريع تفتقد مسألة الحاضنة الشعبية فكلما دخلت هذه القوات منطقة تحدث انتهاكات وسرقات وعمليات نهب واغتصاب وعنف جسدي وجنسي، من ثم فقدت أي نوع من التعاطف من قبل المواطنين، وهذه واحدة من المؤثرات والكوابح التي تحد من تطور عملياتها وتراجع مقدراتها، وكذلك تراجع الحشد الذي توفر لها في الأيام الأولى من الحرب".
وختم الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية "في تقديري أن حسم المعركة عسكرياً ممكن لكنه مكلف ويأخذ وقتاً أطول، فكلما زحف الجيش نحو منطقة توسعت قوات الدعم السريع في منطقة أخرى، إذ أصبحت المسألة مجرد انتشار وظهور إعلامي أكثر مما هو سيطرة على الأرض، من ثم من الأفضل الحسم بالمفاوضات مراعاة لما يعانيه الشعب من تدهور اقتصادي واجتماعي وبيئي وفقدان للتعليم والحاجات الغذائية لغالبية المواطنين، سواء في مناطق الصراع أو غيرها من المناطق الآمنة".
كر وفر
عضو القيادة المركزية العليا للضباط وضباط الصف والجنود المتقاعدين (تضامن) المقدم محمد عبدالمنعم مقلد يوضح أن "المشهد العسكري في العاصمة يؤكد تماماً أن قوات الدعم السريع أخلت ارتكازاتها داخل أحياء مدينة أم درمان لأسباب منها عدم جدوى توزيع وانتشار القوات بمناطق لا تشكل أهمية حيوية أو استراتيجية، والتركيز على إحكام حصار المناطق العسكرية مثل سلاح المهندسين والسلاح الطبي باعتبارهما آخر معاقل قوات الجيش جنوب أم درمان".
وتابع مقلد "كما نجد أن قوات الدعم السريع حدت من استخدام العربات القتالية خصوصاً بعد دخول المسيرات التابعة لقوات الجيش المعركة، وهذا لا يعني انتقال الأخيرة تكتيكياً من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، وما يؤكد ذلك اكتفاء الجيش بالأحياء التي انسحبت منها الدعم السريع من دون أن تعزز تقدمها لفك حصار سلاح المهندسين وبقية المناطق التي تحت سيطرة الأخيرة".
حمائم وصقور
من جهته أفاد المتخصص في الاقتصاد السياسي بالجامعات السودانية، الحاج حمد بالقول "في نظري أن التقدم بالنسبة إلى العمليات العسكرية في هذه الحرب لا يزال فكرياً، ويبدو أن الدعم السريع استولت على مناطق مساحتها واسعة جداً في البلاد، فمعظم إقليم دارفور تحت سيطرتها، ولم يتبق للجيش إلا مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، أما إقليم كردفان فهو في الأساس تتقاسم الحركة الشعبية (شمال) بقيادة عبدالعزيز الحلو جزءاً منه خصوصاً منطقة جنوب كردفان، والجزء الآخر فيه كر وفر، لكن كفة الدعم السريع مرجحة ما عدا مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان التي يسيطر عليها الجيش، فيما نجد أن ولاية الجزيرة بأكملها محتلة من قبل الدعم السريع".
وزاد حمد "في رأيي أن الجيش ما زال يناور ويستخدم طاقات الحركة الإسلامية مثل كتائب البراء بن مالك بعد أن تحولت مجموعات الدفاع الشعبي التي تكونت كميليشيات في فترة النظام السابق إلى تسميات جديدة، في حين أن تحالف الجيش مع حركتي مالك عقار ومني أركو مناوي لم يقدم تغييراً نوعياً في الميدان، بل إن انسحاب قوات الأخير من الفاشر لها معان سالبة".
وواصل "هذه الخريطة تؤكد استحالة حل هذه الحرب عسكرياً، من ثم من الضروري أن تتواصل جهود التفاوض السلمي للوصول إلى صيغة تنهي هذا القتال، والإيجابي ما أعلنه المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو، أخيراً، بأن منبر جدة سيتم استئنافه في 13 أبريل (نيسان)، فمن الواضح أن بيرييلو حصل على موافقة الأطراف كافة، وهذا بلا شك يجعل كل طرف يحاول أن يبرز إمكاناته حتى يعزز موقفه التفاوضي، لكن ما شاهدناه، أخيراً، من تضارب بيانات وادعاءات من قبل طرفي الصراع بخصوص السيطرة على جسر ود البشير بمنطقة أمبدة غرب أم درمان يؤكد أن سيطرة أي طرف على منطقة معينة تكون بشكل موقت".
وأشار المتخصص في الاقتصاد السياسي إلى أنه "من الواضح أن قوات طرفي القتال أرهقتها الحرب وأن قبولهما بالمفاوضات يعني أن هناك باب أمل قد فتح، لكن يبقى موقف الأطراف المتشددة من القبول بالحل السلمي، فمعروف أي أطراف في داخلها حمائم وصقور".