ملخص
أشعل الهجوم الإيراني افتراضات متضاربة بين الخبراء في الغرب والشرق الأوسط، وخلف الإجابات القطعية المتداولة سلسلة من التعقيدات الناجمة عن نوع الأسئلة المطروحة مثل هل كان الهجوم بالمطلق فاشلاً؟ هل سترد إسرائيل؟ هل سيدعم الرئيس الأميركي جو بايدن رداً إسرائيلياً؟ وهل تعمدت إيران أن تطلق نحو 300 صاروخ ومسيّرة فقط لاستعادة الردع لا إيذاء تل أبيب؟
الشرق الأوسط متصالح مع الأسئلة أكثر من الإجابات، فالضبابية التي تحف أزماته وسياسات قواه الإقليمية والدولية منيعة عن المقارنة. هذه الأسئلة تضاعفت أخيراً بعد الهجوم الإيراني الذي يلف الغموض كثيراً من تفاصيله، فهناك من سمّاه "محاولة فاشلة" لحفظ ماء الوجه وهناك من أكد محوريته في استراتيجية الردع الإيرانية.
وخلف الإجابات القطعية المتداولة سلسلة من التعقيدات الناجمة عن نوع الأسئلة المطروحة مثل هل كان الهجوم بالمطلق فاشلاً؟ هل سترد إسرائيل؟ هل سيدعم الرئيس الأميركي جو بايدن رداً إسرائيلياً؟ وهل تعمدت إيران أن تطلق نحو 300 صاروخ ومسيّرة فقط لاستعادة الردع لا إيذاء تل أبيب؟.
واشنطن لا تريد عملية عسكرية إسرائيلية مضادة
"اندبندنت عربية" سألت مساعدة نائب وزير الدفاع الأميركي سابقاً دانا سترول كيف سيبدو شكل الدعم والانضواء الأميركي لو قررت إسرائيل الرد على الهجوم الإيراني، فأجابت أن "هناك توترات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فرسائل إدارة الرئيس جو بايدن توضح أن واشنطن تلتزم بصورة لا لبس فيها الدفاع عن إسرائيل وحماية القوات الأميركية المتمركزة في المنطقة، لكنها في الوقت الحالي لا تدعم عملية هجومية".
وأضافت سترول التي أشرفت على سياسة "البنتاغون" في الشرق الأوسط بين عامي 2021 و2023، أن الرئيس بايدن سيكون "محبطاً" لو قررت إسرائيل تنفيذ عملية هجومية تزيد التصعيد في المنطقة وتهدد بـ"حرب تقليدية"، مؤكدة في الوقت نفسه أن الدفاع عن إسرائيل ما زال "ركيزة أساسية" في استراتيجية الأمن القومي الأميركي، ولذلك ستستمر المبيعات العسكرية لإسرائيل وستواصل القيادة المركزية الأميركية التعاون معها.
وتشير تصريحات بعض الباحثين والمسؤولين الأميركيين السابقين إلى تحول في منظورهم لضرب إيران مباشرةً، فبالأمس كانت هذه الدعوة طرحاً شاذاً في واشنطن كما تظهر انتقادات العامة والنخبة لجون بولتون أحد أبرز المنادين بمواجهة طهران عسكرياً، لكن اليوم هناك تشجيع على الاستهداف المباشر، بخلاف المخاوف والتحذيرات التي كانت تطغى على مجتمع واشنطن من خطورة دخول الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع إيران، وهو ما لا يُستبعد حدوثه في حال دخلت تل أبيب في صراع مباشر مع طهران.
وقال مدير عام معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى مايكل سينغ إنه من "الخطأ" أن تتوقع واشنطن من إسرائيل الامتناع عن الرد بسبب فشل الهجوم، مشيراً إلى أن إيران وبقية أعداء الولايات المتحدة تستغل نقاط قوتها وعاداتها لمصلحتها وأن مهاراتها في الصبر والدفاع وضبط النفس قد تشجع الخصوم على التهور وشن مزيد من الهجمات.
فشل الهجوم الإيراني في إيذاء إسرائيل لا يلغي أهميته
فشلت الصواريخ والمسيّرات الإيرانية في اختراق الدفاعات الإسرائيلية، ويرجع الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية الإيرانية فرزين نديمي هذا الفشل إلى رداءة جودة الصواريخ الإيرانية وعدم موثوقيتها مقارنة بالأنظمة الغربية المتطورة، مما أعاقها عن تحقيق أهداف عمليتها التي صممتها لتكون "جريئة" بغية تغيير قواعد اللعبة وتقويض التفوق العسكري الإسرائيلي.
لكن خلف الفشل، أشار الباحث خلال حديثه في ندوة بـ"معهد واشنطن" إلى أن إيران لم تكن مهتمة بأن يكون هجومها مفاجئاً بقدر حرصها على اختبار قدراتها الحالية وقال إن "إيران استخدمت أنوعاً مختلفة من الصواريخ الباليستية لاختبار قدرتها على اختراق الدفاعات الإسرائيلية والتعلم قدر الإمكان من هذه التجربة".
ويخالف حديث نديمي الافتراضات حول أن إيران تعمدت إغفال عنصر المفاجأة حتى يكون هجومها "غير فاعل"، فعلى العكس يرى الباحث أن طهران أرادت أن يكون هجومها "مميتاً"، لافتاً إلى أن هذه التجربة ستدفع إيران إلى تقليل اعتمادها على وكلائها، وزيادة استثمارها في برنامجها الصاروخي بما يشمل صواريخ "كروز" الأسرع من الصوت وربما تسعى إلى الحصول على مساعدة روسيا في ذلك.
ويختلف المشرف العام على مركز البحوث الأمنية في "جامعة نايف العربية" هشام الغنام مع هذا الرأي، قائلاً إن "تصوير الهجوم الإيراني على أنه فاشل مبني على افتراضات أهمها أن إيران أرادت إحداث أكبر قدر من الخسائر البشرية والعسكرية في إسرائيل، وهذه القراءة خاطئة لأن إيران لم تستهدف إلحاق خسائر بشرية ومادية مهمة، بل أرادت أن ترسل رسالة واضحة إلى إسرائيل بأنها قادرة على ضرب أهداف داخل العمق الإسرائيلي، واختارت رداً محسوباً لا يؤدي الى حرب مفتوحة مع الولايات المتحدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووصلت هذه الرسالة الأحد الماضي وفق الباحث السعودي لأن إيران تمكنت من القيام بذلك وأوصلت عدداً من الصواريخ الى قواعد عسكرية بعينها، قاعدة نيفاتيم (خمسة صواريخ) وقاعدة رامون (أربعة صواريخ)، والقاعدة الأولى لها رمزية خاصة لأن الطائرات التي دمرت القنصلية الإيرانية في دمشق انطلقت منها. وأضاف أنه "لو أرادت إيران إحداث ضرر مخيف وكبير بإسرائيل لما أبلغت دول الجوار بموعد ضربتها لإسرائيل، وهناك تقارير تفيد بأن تفاصيل الضربة نفسها تم إبلاغها لهذه الدول حتى تغلق أجواءها وحتى تبلغ أيضاً الولايات المتحدة".
وتابع أن "إيران أعلنت عن بداية ضربتها منذ اللحظة التي أطلقت فيها مسيّراتها والتي احتاجت الى ساعات عدة قبل بلوغ الأجواء الإسرائيلية وهو وقت أيضاً كافٍ للولايات المتحدة وإسرائيل للإعداد لإسقاطها. كما أنها استخدمت جيلاً قديماً من المسيّرات والأسلحة الصاروخية والعدد الكبير منها الذي أطلقته كان هدفه فقط إغراق أنظمة الدفاع الجوي الأميركي والإسرائيلي بهدف التمكن من الوصول إلى القاعدتين العسكريتين وتمكنت من ذلك".
الإسرائيليون يريدون الاحتفاظ بحق الرد
واستضافت الندوة أيضاً زوهار بالتي الذي شغل منصب رئيس مكتب السياسات والسياسة العسكرية في وزارة الدفاع الإسرائيلية وتولى قيادة مديرية استخبارات "الموساد" ومناصب أخرى في الجيش.
يعكس حديث بالتي عاملين في مشهد المنطقة المقبل، الأول منسوب القلق المتزايد من إيران في إسرائيل والخوف من أن يكون السكوت عن هجومها دافعاً لها لتكراره، مما قد يؤدي إلى زيادة الضغط على واشنطن لاتخاذ موقف أقوى من برنامجيها النووي والصاروخي، فبالنسبة إلى إسرائيل إذا كانت إيران مستعدة لإرسال مئات الصواريخ فما الذي سيمنعها من استخدام "النووي" ضدها.
ويقول بالتي، "من يستخدم أكثر من 300 صاروخ، لا يريد من ذلك اختبارها، بل يريد قتل أكبر عدد ممكن من الإسرائيليين"، مشيراً إلى أن قرار مهاجمة إسرائيل "سوء تقدير" إيراني لمتانة العلاقة بين واشنطن وتل أبيب التي واجهت بعض العقبات أخيراً في إشارة ضمنية لحرب غزة، إلا أنها تظل ثابتة واستراتيجية.
أما العامل الثاني، فهو انفتاح الخبراء العسكريين الإسرائيليين اليوم على استهداف إيران مباشرة. وكان في نبرة المسؤول الإسرائيلي السابق بعض الانفعال، وفي أحيان كان جلياً أنه لا يريد فقط مخاطبة واشنطن، بل الإيرانيين أنفسهم، لإيضاح رسالة ردع وتأكيد على القدرات الهجومية الإسرائيلية، تحديداً لدى قوله، "إيران لم ترَ بعد قدراتنا الهجومية، أقول لكم، إنها أفضل بكثير من قدراتنا الهجومية، ستكون صادمة إذا استخدمناها وأرجو أن نستخدمها بحكمة".
ويحدد المسؤول السابق هدفين لضرب مصالح بفاعلية وهي منشآت البرنامج النووي و"حزب الله" في لبنان، لكنه يفضل ألا تستعجل بلاده في الرد حتى لا يكون الرد باهتاً، بل قوياً و"صادماً" للإيرانيين. وقال، "إسرائيل ستنتقم، لا يهم كثيراً متى يحدث ذلك"، مشيراً إلى أن تل أبيب بحاجة اليوم إلى استراتيجية لتحديد أولوياتها، وأهم أولوية هي إعادة الرهائن من غزة.
ويرد الغنام على هذا الحديث قائلاً إن "بعض التقارير تفيد بأن الغالبية العظمى من المسيّرات والصواريخ أسقطتها الولايات المتحدة وليس إسرائيل". وعما إذا كانت تل أبيب سترد، أجاب، "لا يمكن الجزم إن كانت إسرائيل سترد أو لا، لكن يمكن القول إن عدم الرد في مصلحتها أكثر من الرد، وكذلك يمكن لإسرائيل تفضيل القيام بالرد وألا يكون ردها على الأرض الإيرانية. هنا يمكن لإيران تجاهله وعدم الرد مباشرة على إسرائيل".
وأشار الباحث إلى أن هناك ثلاثة عوامل تجعل إسرائيل في موقف صعب، "الأول أن إسرائيل هي من بدأ بهذه الجولة، والثاني أن الولايات المتحدة لا تريد حرباً إقليمية، والثالث أن أي رد إسرائيلي يعقبه رد إيراني ستكون كلفته عالية على إسرائيل وعلى الإقليم، بخاصة من حلفاء إيران في الإقليم".
من جانبها، ترى سترول أن الهجوم الإيراني كان "فشلاً ذريعاً" لأنه لم يحقق أحد أهداف طهران المتمثل في إخراج الولايات المتحدة من المنطقة، فالجيش الأميركي اليوم موجود في الشرق الأوسط، بل عزز من تمركزه، لافتة إلى أن الردع الإيراني أصبح "موضع شك".