Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما مصير الخطط التي وضعتها إثيوبيا لدرء شرارات المحيط الملتهب؟

أعلنت "لجنة الحوار الوطني" إتمامها عملية تحديد المشاركين في 850 بلدة من بين 940

تعد إثيوبيا حل النزاعات بالطرق السلمية والتمسك بالحوار أهم شرطين لتحقيق السلام (أ ف ب)

ملخص

أطلقت الحكومة الإثيوبية حواراً شاملاً أعدت له برنامجاً لتحقيق سلام حقيقي ودائم

يؤدي النزاع القائم على بعض المناطق عند حدود إقليمي أمهرة وتيغراي إلى تهديد حقيقي للسلام في إثيوبيا، لا سيما مع تصاعد النشاط العسكري لجماعة "فانو"، إضافة إلى واقع اللاسلم الذي تعانيه بعض المناطق في إقليمي أرومو وأمهرة.

ولتحقيق السلام أنشأت الحكومة "لجنة الحوار الوطني" التي أجازها البرلمان لتحقيق السلام الشامل.

حادثتان تعكسان واقع الفوضى التي تعيشها تلك المنطقة، الأولى مقتل المسؤول السياسي المعارض في "جبهة تحرير أورومو" بتي أورغيسا في مسقط رأسه بمنطقة ميقي في إقليم أروميا الأربعاء الـ10 من أبريل (نيسان) الجاري، تبع الحادثة كثير من التفاعلات، إذ دانت "جبهة تحرير أرومو" ما وصفته بـ"القتل الوحشي لأورغيسا"، وطالبت جهات غربية بالتحقيق الشفاف حول ملابسات مقتله، كما دان رئيس اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان  (EHRC)دانييل بيكيلي الحادثة، وطالب السلطات بمحاسبة المتورطين.

والحادثة الثانية ما شهدته منطقة بولي في وسط العاصمة أديس أبابا من إطلاق نار في الـ13 من أبريل الجاري، وقالت الشرطة في العاصمة الإثيوبية إن ثلاثة أشخاص قتلوا بعد تبادل لإطلاق النار مع أعضاء جماعة "فانو" المسلحة، وكان أحد القتلى مدنياً فيما ينتمي الآخران إلى المجموعة، بحسب بيان صادر عن الشرطة، كما أصيب اثنان من ضباط الشرطة. وتعد الحادثة الأولى من نوعها لجماعة "فانو" في العاصمة، إذ تنشط الجماعة في إقليم أمهرة، ويشير البعض إلى أنها تعمل لنقل عمليتها للعاصمة أديس أبابا.

هاتان الحادثتان دلالة على ما يعانيه السلام من أزمة في وقت تتحدث فيه الحكومة عن خطط تطاول مختلف القضايا الوطنية.

توطين السلام

وكانت الحكومة الإثيوبية شرعت في العمل لتحقيق سلام حقيقي، وأطلقت حواراً شاملاً أعدت له برنامجاً مستغلة أجواء ما بعد اتفاق سلام بريتوريا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، لتجدد دعوة إرساء سلام شامل بين جميع مكوناتها القومية. وكان البرلمان الإثيوبي أجاز في 2022 "لجنة الحوار الوطني" التي تتكون من 11 شخصاً، والتي أعلنت في أبريل الجاري عن إتمامها عملية تحديد المشاركين في 850 بلدة من بين 940 بلدة مستهدفة.

وأشار المتحدث الرسمي باسم اللجنة طبيبو تادسي إلى أن اللجنة نفذت سلسلة من الأنشطة التي شارك فيها 130 ألف شخص.

وعلى صعيد متصل، تتجه الحكومة الإثيوبية للتوفيق بين الواقع السياسي وما يشهده من ظروف، والضغوط الأميركية والغربية في شأن حقوق الإنسان في إثيوبيا والتي تضاعفت منذ حرب تيغراي من جهات غربية، مطالبة الحكومة بإجراء تحقيق شامل في ملف حقوق الإنسان والاعتراف بما ارتكب من أخطاء.

وأجازت الحكومة الخميس الـ18 من أبريل الجاري وللمرة الأولى، مشروع "سياسة العدالة الانتقالية"، والذي وافق عليه مجلس الوزراء الإثيوبي، وقالت الحكومة إن المشروع يخضع لمزيد من التداول ليكون حيز التنفيذ اعتباراً من تاريخ إجازته.

ويعالج القانون المرتقب إرث انتهاكات حقوق الإنسان التي سببتها الصراعات في إثيوبيا خلال الفترات الماضية، إضافة لما يرسمه من إجراءات وتشريعات ترمي إلى تطبيق العدالة الانتقالية، وفرض التدابير اللازمة لضمان عدم حدوث انتهاكات مستقبلاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ضغوط ورفض  

وكانت وزارة الخارجية الإثيوبية رفضت في بيان لها في أكتوبر (تشرين الأول) الولالماضي بيان مستشارة الأمم المتحدة المعنية بمنع الإبادة الجماعية أليس وايريمو نديريتو، الذي تحدثت فيه عن الوضع الإنساني في إثيوبيا، وأعلنت وزارة الخارجية الإثيوبية من جانبها رفضها بيان المستشارة الأممية، واصفة البيان بـ"غير المسؤول والمتهور"، مشيرة على افتقاره للدقة والموثوقية، واعتماده فقط على تقرير اللجنة الدولية لخبراء حقوق الإنسان المعنية بإثيوبيا.

وكان بيان صدر عن الأمم المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) 2023 شدد على أهمية تركيز العدالة الانتقالية المطالبة بها إثيوبيا تجاه حقوق الإنسان، على أن تشمل المساءلة الجنائية وتقصي الحقائق، والتعويضات وإصلاح مؤسسات، بحسب ما ورد في بيان المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

 تشابكات

وضمن السعي الحكومي تجاه السلام، أوضح طبيبو تادسي أن "لجنة الحوار الوطني" مستمرة في جهودها لإتمام تحديد المشاركين في البلدات المتبقية في الأسابيع القادمة.

وتتلخص مهمة لجنة السلام والحوار الوطني الإثيوبية في "تسهيل تقنيات الحوار والمصالحة الشاملة التي تعمل على تضميد الجراح، وبناء الإجماع حول المشكلات الرئيسة، ومساعدة إثيوبيا في معالجة قضاياها المعقدة".

الواقع الذي تعيشه إثيوبيا يعاني تشابكات عدة، سواء في الظروف المحلية وما تشهده من اضطرابات، أو الطموح الحكومي الذي يعالج يوميات ومتطلبات الحياة والتنمية التي تطمح إثيوبيا بلوغها، فضلاً عن الإشكالات الإقليمية، وإلى جانب كل ذلك ما تتسبب فيه الضغوط الدولية من تعقيدات.

اختبار نوايا

تجربة سلام بريتوريا التي اعتمدتها إثيوبيا كهدف لبناء سلام قومي شامل، قد اختبار نوايا الوفاء ببعض بنود السلام تجاه مناطق في شمال إثيوبيا كان نص الاتفاق على إرجاعها لواقع ما قبل حرب تيغراي (ما يعني ذلك رجوعها لإقليم تيغراي). فالنزاع القومي عند الحدود بين إقليمي أمهرة وتيغراي، وما بين جبهة تيغراي والقوات الخاصة بإقليم أمهرة (قوات فانو) يعرض مسار السلام لخطر حقيقي. وقال بيان لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد إنه يتابع بقلق عميق "التوترات المتصاعدة بين المجتمعات المحلية في المناطق المتنازع عليها في شمال إثيوبيا، بما في ذلك مناطق رايا ألاماطا وزاتا وأوفلا".

ودعا البيان كلا الجانبين إلى وقف الأعمال العدائية بصورة عاجلة وضمان سلامة المدنيين لإنهاء النزوح المتجدد للسكان المحليين، وشدد على أهمية التنفيذ الكامل لاتفاق السلام من خلال الوقف الدائم للأعمال العدائية بين الحكومة الإثيوبية و"جبهة تحرير تيغراي".

وعلى نطاق آخر، تمثل مناطق واقعة في غرب إثيوبيا تنتشر فيها قوات إريترية (منذ حرب تيغراي) مصدر قلق، وكان رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإثيوبية المشير برهانو جولا، قال في مارس (آذار) الماضي في كلمة بمناسبة الذكرى الـ128 لانتصار عدوة، "إن الأعداء الأجانب يفاقمون الصراعات الداخلية في إثيوبيا بسبب الخوف من ظهور إثيوبيا كقوة في المنطقة". وأضاف أن "الأعداء الأجانب بدأوا حرباً بالوكالة ضد إثيوبيا".

من جهته وفي مقابلة مع التلفزيون الإثيوبي (قسم اللغة التقرنجة)، قال وزير الدفاع الإثيوبي أبراهام بلاي، إن "الأراضي المتنازع عليها مثل منطقة ولقايت وتسيقدي وكافتا حمرة في غرب تيغراي، والتي منحت لإقليم أمهرة إبان الحرب على تيغراي وظلت تطالب بها تيغراي أيضاً، سيتم تحريرها (من المتمردين)"، من دون أن يذكرهم.

هدف إنساني

فيما يتعلق بالسلام كهدف إنساني، يقول عبدالمنعم عثمان طه الرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في السودان، "السلام هدف تجمع عليه كل الدول، ومن أجله أنشئت منظمة الأمم المتحدة، وبدأت في عام 1945 إشرافها على العالم على أنقاض عصبة الأمم المتحدة التي كان ينظر إليها كونها (عصبة المنتصرين) خلال الحرب العالمية الأولى. وانتهت عصبة الأمم رسمياً عام 1946 بعد فشلها في الحيلولة من دون نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939". ويضيف "لكن بوجود الوعي العالمي والتظلمات الحادثة، هناك مساعي حقيقية لتحقيق الغايات السامية ضمن أهداف وميثاق المنظمة الأممية. والدول الأفريقية تمثل جزءاً من ميثاق الأمم المتحدة، وتعمل لخدمة مصالحها على رغم مما تعانيه". ويوضح "ومن ضمن مساعي الأمم المتحدة لتحقيق السلام العالمي كان إنشاء منظمات إقليمية خاصة بكل دولة لحل مشكلاتها، باعتبار أن أهل البيت أدرى بحل مشكلاتهم. وتصدى الاتحاد الأفريقي لعديد من القضايا الشائكة كالمشكلة الصومالية السابقة، وكان له دور مساعد في الوصول إلى اتفاق بين الحكومة والمتمردين في جمهورية أفريقيا الوسطى، وأخيراً ما لعبه من دور في إبرام اتفاق بريتوريا للسلام بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي".

"شيء من هذا"

الكاتب والمحلل الصومالي أحمد قيسوود يقول "قضية السلام والأمن في الدول الأفريقية تمثل أهم الأولويات، لا سيما أن بلداناً أفريقية عدة تعاني الاضطرابات والحروب القبلية ما يسبب التخلف والفقر المدقع". ويلفت إلى أن "الأمن يمثل أساس التنمية والنهضة، وعلى الدول الأفريقية تركيز كل ما من شأنه أن يحقق لها الاستقرار. فعلى المستوى المحلي، يعاني عديد من الدول الأفريقية من تفاوت اجتماعي سواء نتيجة فساد أو أسباب أخرى، وعليه فإن تحقيق العدالة الاجتماعية بين أبناء الوطن الواحد يقرب الشرائح بعضها إلى بعض، ويخلق التعايش السلمي والتفاعل الإيجابي بين مختلف الأطراف، ويباعد بينها وبين ما يعرقل مسار السلام والاستقرار". ويضيف، "وفيما يتعلق بالسلام الإقليمي، فمن أهم الشروط احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، إضافة إلى التزام الطرق الشرعية لنيل أي حقوق أو تحقيق أي مكتسبات، سواء تمثلت في فوائد جغرافية كالمنفذ المائي الذي تطالب به إثيوبيا أو غيره من مطالب". ويوضح، "ويمثل حل النزاعات بالطرق السلمية والتمسك بالحوار أهم الشروط لتحقيق السلام في الداخل المحلي أو الإقليمي، ما سيسهم في تخفيف التوترات بين الدول وعدم الانجرار إلى أي أفعال عدائية تعمق المشكلات بين البلدان".

وعن تأثر الدول فيما بينها جراء الحروب الأهلية، يقول "ما يحدث في أي دولة تتأثر به دول مجاورة لها، سواء كان سلبياً أو إيجابياً. فتزايد التوترات المحلية، سواء في إثيوبيا أو الصومال أو غيرها ينعكس على مجالات التعاون بين القطاعات التجارية والأمنية والعسكرية، والجماعات الإرهابية تستغل ظروفاً كهذه لتحقيق أجنداتها سواء في إثيوبيا أو الصومال".

كثير من التحديات

من جانبه يقول رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية ياسين أحمد، "ظلت الحكومة الإثيوبية جاهدة للحصول على الأمن والاستقرار لقناعتها بأن تحقيق النهضة يقتضي في المقام الأول تحقيق السلام الذي يعقبه أمن واستقرار، ولا يقتصر ذلك على نطاقها المحلي فحسب، وإنما على المستوى الإقليمي". ويشير، "هذه الاستراتيجية الإثيوبية تواجهها تحديات محلية وإقليمية عدة، لذلك وضعت أديس أبابا رؤيتها التي تتضمن الحوار الوطني الشامل لحل القضايا والتحديات المزمنة في البلاد".

ويوضح أحمد، "استراتيجية السلام تهدف إلى خلق آفاق أرحب نحو الازدهار وهو الشعار الذي ترفعه الحكومة، ولكن للأسف دائماً ما تشكل التدخلات الخارجية عائقاً تجاه ذلك".

المزيد من تقارير