ملخص
من الملاحظ هذا العام خفوت الصوت الجماهيري المنادي بالانفصال واستعادة الدولة الجنوبية على حدود عام 1990 مقارنة بالأعوام السابقة، ربما للشعور بالإحباط من الخيارات السياسية المتاحة في ظل تقصير القوى كافة، بمن فيها تلك التي تتبنى فكرة الانفصال بعد أن أصبحت شريكة في سلطة "الحكومة الشرعية".
تحل الذكرى الـ34 لعيد الوحدة اليمنية في ظل جملة من التحديات، إذ يأتي الانقلاب الحوثي في طليعة العوامل التي تتهدد الدولة اليمنية برمتها، وكذلك "المشروع الوطني" الذي جاء تتويجاً لنضالات الشعب اليمني شمالاً وجنوباً.
وجاءت المناسبة محاطة بتحديات وطنية تتعدى دعوات "فك الارتباط" الذي تتبناه قوى جنوبية إلى مخاوف من شبح التشرذم والنزاع المنفلت تحت سطوة السلاح الذي أضحى حاملاً للمشاريع السياسية، بدلاً من مبدأ التعددية الحزبية الذي صاغه دستور الوحدة اليمنية التي قامت في الـ 22 مايو (أيار) 1990 بدمج الجمهورية العربية اليمنية (الشمالية) وجمهورية اليمن الديمقراطية (الجنوبية) في مشروع "دولة الوحدة" الذي حمل اسم الجمهورية اليمنية.
ومن الملاحظ هذا العام خفوت الصوت الجماهيري المنادي بالانفصال واستعادة الدولة الجنوبية على حدود عام 1990 مقارنة بالأعوام السابقة، ربما للشعور بالإحباط من الخيارات السياسية المتاحة في ظل تقصير القوى كافة، بمن فيها تلك التي تتبنى فكرة الانفصال بعد أن أصبحت شريكة في سلطة "الحكومة الشرعية".
يوم هادئ
ومع ذلك لا تزال الدعوات إلى استعادة الدولة الجنوبية قائمة، لكن مع الوضع في الاعتبار حال التوافق الذي أحدثه تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في السابع من أبريل (نيسان) 2022 وفق مرسوم للرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، برئاسة رشاد العليمي وعضوية سبعة آخرين يشكلون طيف المكونات اليمنية، بمن فيهم رئيس المجلس الانتقالي الذي تأسس عام 2017 الجنوبي، عيدروس قاسم الزبيدي، والذي يتبنى علناً خيارات فك الارتباط وبات صاحب الصوت الأعلى في هذا الجانب، خصوصاً وهو من يحكم قبضته على العاصمة الموقتة عدن إضافة إلى مناطق جنوبية أخرى.
وجرت العادة أن تشهد هذه المناسبة فعاليات جماهيرية وسياسية تعبر عن مواقفها سواء بالتأييد أو بالاحتجاج ضد هذا المشروع الذي يرى قطاع أنه فشل، في حين يرى آخر أن الإشكال ليس في "المنجز الوطني الحلم" الذي ظل ينشده اليمنيون شمالاً وجنوباً، ولكن في القوى السياسية التي أدارته وقررت تركيبته وتقاسمت سلطته وثروته بمعزل تام عن الشعب اليمني ومصالحه.
ويمكن فهم هذا الخفوت الذي تجلت تعبيراته في احتفاء رئيس مجلس القيادة بهذه المناسبة خارج البلاد، مقتصراً على خطاب متلفز وجهه للشعب اليمني من العاصمة السعودية الرياض، الداعم الأبرز للحكومة والشعب واليمني، ربما لتجنب حرج إقامة احتفاء رسمي في العاصمة الموقتة عدن بدلاً من صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، كما جرت عادة بروتوكول المناسبات الوطنية.
الحوثي والانقسام
وأمام حال التوافق الذي تخللته تساؤلات عن مدى صمود "الوحدة اليمنية" أمام رياح التشظي التي تتهدد بعديها السياسي والاجتماعي، جاءت كلمة رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي لتجدد التزام مجلس القيادة بقيم الشراكة في السلطة والثروة والتوافق الوطني، من خلال تمكين السلطات المحلية وترسيخ لامركزية الحكم.
واتهم العليمي ميليشيات الحوثي بتكريس "الانقسام في البلاد مادياً ومعنوياً، والعمل بشكل ممنهج على تفتيت البنية الاجتماعية"، مشيراً إلى أنه ليس أمام الميليشيات سوى الجنوح نحو السلام أو الذهاب باتجاه مغامرة عسكرية شاملة لفرض إرادتها القمعية، التي قال إنها ستواجه بمقاومة الشعب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم تأكيد العليمي أن القضية الجنوبية تمثل أساس الحل الشامل للأزمة من خلال "الانفتاح على كل الخيارات لتمكين الشعب من تحقيق تطلعاته، وتقرير مركزه السياسي بموجب المرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية"، فإن المجلس الانتقالي جدد تمسكه بمشروع الانفصال.
وأشار المجلس الانتقالي في بيان له إلى أنه "ملتزم ومستمر في العمل لإنجاز ما سماه مشروع فك الارتباط"، واعداً بإقامة "دولة على أسس المواطنة والعدالة والمساواة والشراكة الوطنية". كما أكد الزبيدي خلال حضوره عرضاً عسكرياً لفصائل تتبع "الانتقالي" في عدن، أنه ماض في "استعادة الدولة الجنوبية المستقلة كاملة السيادة".
والمجلس الانتقالي الجنوبي هيئة سياسية يمنية تشكلت في الـ 11 من مايو 2017، وتضم غالبية محافظي محافظات جنوب اليمن التي كانت تمثل جغرافياً ما كان يُعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، كما يضم وزراء ومسؤولي محافظات ويترأسه الزبيدي، ويسيطر على محافظات عدن ولحج والضالع وشبوة وأبين جنوب اليمن.
السلام حديث واعد
ولعل اللافت في مناسبة هذا العام تطرق كلمات الفرقاء اليمنيين إلى جهود السلام الدولية الرامية للتوصل إلى صيغة حل نهائي للصراع الدائر منذ 10 أعوام، إذ حدد العليمي أربعة مبادئ للسلام مع جماعة الحوثي بينها "التمسك بالمرجعيات الوطنية والقرارات الدولية وحماية عملية السلام بضمانات إقليمية ودولية".
وتتضمن هذه المبادئ أيضاً "التمسك بالمرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية بخاصة القرار الأممي (2216) وعدم المساس بالمركز القانوني والسياسي لليمن"، كما تتضمن "الشمولية في أية عملية سلام وحمايتها بضمانات إقليمية ودولية، والانفتاح على جهود الوساطة لتخفيف معاناة المواطنين".
وفي كلمة له بالمناسبة ذاتها طلب القيادي الحوثي مهدي المشاط من السعودية، الراعية لخريطة طريق الحل السياسي، البدء الفوري في تهيئة وتعزيز الأجواء الداعمة لبناء الثقة في الجانبين الإنساني والاقتصادي، والمضي قدماً في طريق السلام وتصفير الأزمات والصراعات.
وحزناً على مقتل الرئيس الإيراني والوفد المرافق له جراء تحطم مروحيته الأحد الماضي، أعلنت الميليشيات الحوثية تأجيل الاحتفالات بذكرى الوحدة، في تأكيد جديد على تبعيتها للنظام الإيراني.
وكان جنوب اليمن وشماله دخلا في وحدة اندماجية في الـ 22 من مايو عام 1990، بعد ماراثون طويل من المفاوضات بين الدولتين تتويجاً لمبادئ ثورتي الـ 26 من سبتمبر (أيلول) 1962 ضد حكم الأئمة في الشمال، والـ 14 من أكتوبر (تشرين الأول) 1967 ضد الاحتلال البريطاني في الجنوب، وخلصت إلى اتفاق بين رئيس الشطرين حينها، علي عبدالله صالح (شمال)، وعلي سالم البيض (جنوب).
غير أن "الإنجاز الوطني" الذي ظل يحلم به اليمنيون تحول إلى كابوس مع تزايد الشكوى الجنوبية مما يصفونه بـ "سياسات التهميش والإقصاء والإلغاء الممنهجة" التي تمارسها سلطات صنعاء، ودخول مسؤولي البلدين ممثلين في الحزبين الحاكمين "المؤتمر الشعبي العام" يسانده "حزب الإصلاح" ذو المرجعية الإخوانية، والحزب الاشتراكي اليمني، إلى إعلان الحرب الأهلية التي استمرت قرابة شهرين خلال صيف عام 1994، وانتهت باجتياح القوات الشمالية عدن وباقي المحافظات الجنوبية، تحت شعار الشرعية والحفاظ على اللحمة الوطنية ومجاهدة المد الشيوعي بفتاوى دينية لا تزال تثير الجدل والسخط الجنوبي حتى اليوم.
الاستخلاص والحاجة
في قراءة تسعى إلى تكثيف خلاصة تجربة دولة الوحدة وتحدياتها، قال السفير اليمني لدى بريطانيا ورئيس البرلمان في دولة الوحدة سابقاً ياسين سعيد نعمان إن الوحدة كانت حلماً استهدف تغيير الواقع الذي شكلته عوامل تاريخية غير وحدوية، ورأى أن ذلك جرى عندما "صنعت الوحدة جمهورية موحدة لم يُسمح لها بأن تصنع وطناً، ومع غياب الوطن ظلت الجمهورية الموحدة عرضة لتجاذبات واستقطابات ذلك الواقع الذي اصطدمت به الوحدة وبعوامله المقاومة لها". وأضاف "بدلاً من البحث في طبيعة المشكلة التي تمثلت في غياب مشروع الوطن عن هذه العملية التاريخية وهي الوحدة، أعيد شحن هياكل الجمهورية الموحدة بروح انفصلت كلية عن الحلم بغد يستقر فيه اليمن ويتحول إلى وطن للجميع".
وتطرق إلى "الأزمة التي نشأت بسبب ذلك، وكان من الضروري إقامة دولة الوحدة للانتقال إلى بناء الوطن الذي حلم به اليمنيون، لكن المركز الذي انتقلت إليه منظومة سلطة الدولتين القديمتين، نظام الحكم في العاصمة صنعاء، تمسك بهياكل دولته القديمة بتعديلات شكلية وتعثر بناء دولة الوحدة، ومعه أخذ مشروع الوطن يتبخر ويخرج من دائرة الفعل ويحل محله مشروع الحرب". وخلص نعمان إلى أن "مشروع الحرب استمر ينتج الحروب ويثبت في أرض الواقع العوامل التاريخية المقاومة للوحدة عبر الموقف الرافض لإقامة دولتها".
من جانبه قال الرئيس الأسبق علي ناصر محمد إن تحقيق الوحدة اليمنية من أيام التاريخ الذي كتبه الشعب اليمني بنضالات وتضحيات آلاف الشهداء من أبنائه المناضلين، وأكد محمد، المقيم في العاصمة المصرية القاهرة، أنه "حان الوقت لإنهاء الحروب بما يؤدي إلى استقرار اليمن واستثمار خيراته وثروته من خلال الحاجة إلى مشروع وطني تشترك في صياغته كل القوى الوطنية في اليمن من دون استثناء وإقصاء لأحد، ويضع في عين الاعتبار الخيارات الكبرى السياسية والاقتصادية والأمنية، وعلى أساس أولويته لوقف الحرب واستعادة الدولة".
من جهته أكد البرلمان العربي دعمه المساعي الهادفة إلى إيجاد حل سياسي نهائي وشامل للأزمة اليمنية يحفظ وحدة اليمن وسيادته، وهنأ رئيس البرلمان عادل العسومي اليمن قيادة وحكومة وشعباً لمناسبة تحقيق الوحدة، والذي يوافق الـ22 من مايو كل عام.
ومن جهة أخرى جددت الولايات المتحدة الأميركية اليوم الأربعاء التأكيد على موقفها الداعم لجهود إحلال السلام في اليمن، متعهدة بمضيها في الوقوف إلى جانب اليمنيين للتغلب على الشدائد وتحقيق الازدهار، وقال بيان للسفير الأميركي لدى اليمن ستيفن فاغن لمناسبة الذكرى الـ 34 لعيد الوحدة اليمنية إن "الولايات المتحدة تدعم بقوة الجهود الرامية إلى تحقيق وقف دائم للأعمال العدائية بين الأطراف من خلال إيجاد حل سياسي يقوده اليمنيون". وأضاف السفير أن "الشعب اليمني يستحق أن ينتهي هذا الصراع، وأن يرى بلاده تسير نحو الازدهار، ونحن نعرف منذ القدم أن الشعب اليمني دائماً ما يعمل معاً للتغلب على الشدائد، ونقف معه اليوم وفي المستقبل".