على مر التاريخ عرفت مصر بأمرين، نهر النيل وأهرام الجيزة الثلاثة، وبدا وكأن هناك رابطاً متيناً يربط بينهما، ومن غير أدنى مقدرة على فصم عرى تلك العلاقة.
أما النيل فكان من اليسير أن تقوم الرحلات الاستكشافية عبر سطحه والإبحار جنوباً، ليتمكنوا من معرفة مصادره ونقاط انطلاقه، فالأمر موصول بالجغرافية على رغم أنه دخل تاريخهم ككيان مقدس، وفي كتاب الموتى أو "الخروج إلى النهار"، كان المتوفى في مصر القديمة يدافع عن نفسه في محكمة الآلهة بأنه لم يلوث النيل.
غير أن المشهد اختلف من حول الأهرام، ذلك الرمز المصري الأشهر والمحير، لا سيما أنه نشأ على أرض مصر، وليس في مكان آخر سواها، وعليه يتوجب أن تكون أوراقه وأفكاره كافة لديهم، غير أنه من العجيب أن برديات المصريين القدماء، إلا ما هو نادر، تشير إلى الطريقة التي بنيت بها الأهرام بهذا الشكل العجيب، لا سيما الهرم الأكبر الذي يتألف من نحو 2.3 مليون حجر يزن كل منها نحو ثلاثة أطنان، وهو ما يعني أن إجمالي كتلة الهرم تزن 6.5 مليون طن، وبارتفاع 146.5 متر.
هنا تطفو على السطح علامة الاستفهام الأكثر دهشة عبر بضعة آلاف من السنين "كيف استطاع المصريون القدماء نقل هذه الأحجار الهائلة من أماكنها البعيدة من جبال مصر الجنوبية إلى أقصى الشمال على النحو الذي جرت به المقادير؟ ثم كيف لهم أن يرفعوا هذه الأطنان الهائلة، وعلى الضد من قوى الجاذبية الأرضية، من غير رافعات حديثة كالتي نراها في بناء ناطحات السحاب وكانت وقتها أعلى مبنى على وجه الأرض؟
التساؤلات مثيرة والإجابات غامضة، كما أن الروايات متعددة، والنظريات مختلفة ومتباينة، وما من أحد حتى الساعة قادر على القطع بصحة إحداها وتهافت الأخرى.
وليس سراً القول كذلك إن هناك أمماً محيطة بمصر، حاولت سرقة مجد هذا البناء، من خلال قصص لا تتساوق مع أحداث التاريخ، أو وجودها لفترة زمنية ما فوق أرض مصر، ناهيك عن أن بعضهم الآخر مضى في محاولة باهتة لسرقة البناء الأشهر من تاريخ المصريين، ونسبه إلى حضارات وكائنات فضائية.
مهما يكن من أمر، فإن قراءة حديثة تربط بين نهر النيل والأهرام، قد تفسر لنا بعضاً من أسرار هذا البناء الشاهد والشاهق على حضارة أمة سبقت الأمم، ماذا عن ذلك؟
نهر النيل في حياة المصريين
من بديهيات القول إن نهر النيل لعب دور شريان الحياة في تاريخ المصريين القدماء، ولهذا فإن المؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت حين زار مصر أطلق صيحته التي ستضحى شاهداً طوال التاريخ اللاحق بأن "مصر هبة النيل".
هذا القول في واقع الحال يحتاج إلى شيء من المساءلة الفكرية لا سيما أن نهر النيل يمر عبر 4160 ميلاً (نحو 6694.871 كيلومتر) من شرق ووسط أفريقيا ويمر بـ11 دولة، لم تقم على أرض أية منها حضارة مثل تلك التي قامت على أرض مصر، وعليه يمكن تصحيح مقولة هيرودت إن "مصر هبة المصريين".
مهما يكن من أمر فإن النيل هو شريان الحياة الذي وهب الحياة للصحراء، كما كتبت ليزا سالادينو الأمينة العامة المساعدة في متحف "كارنيغي" للتاريخ الطبيعي في بيتسبرغ "لولا النيل لما كانت هناك مصر التي نعرفها". وبذل المصريون جهوداً كبيرة في واقع الحال من أجل الاستفادة من نهر النيل، فكان على الناس الذين يعيشون على ضفافه أن يعرفوا كيفية التعامل مع الفيضانات السنوية للنهر، كما طوروا مهارات وتقنيات جديدة من الزراعة إلى القوارب والسفن.
وكان نهر النيل نقطة محورية بالنسبة إلى المصريين القدماء لدرجة أن تقويمهم بدأ العام بالشهر الأول من الفيضان، حتى أن الديانة المصرية كانت تكرم آلهة الفيضانات والخصوبة، وأعطى النيل للمصريين فرصة لأن يضحوا مجتمعاً إنسانياً هادئاً مستقراً، ومن هنا ظهر الميل إلى التفكير والتأمل، ومن ثم وجد الوقت الكافي لبناء المعابد الشاهقة.
فهل كان للنيل دور مساعد ما في ظهور الأهرام على وجه أرض مصر؟
عن أفرع نهر النيل القديمة
من غير إغراق في الجغرافيا أو الطوبوغرافيا، يمكن القول إن نهر النيل له رافدان رئيسان: النيل الأبيض والنيل الأزرق، ويعتبر النيل الأبيض تقليدياً منبع المياه، إلا أن النيل الأزرق هو مصدر معظم مياه مجرى نهر النيل، إذ يحتوي على 80 في المئة من المياه والطمي، والنيل الأبيض أطول وينبع في منطقة البحيرات الكبرى، ويبدأ من عند بحيرة فيكتوريا، ويتدفق عبر أوغندا وجنوب السودان، بينما يبدأ النيل الأزرق عند بحيرة تانا في إثيوبيا، ويتدفق إلى السودان من الجنوب الشرقي، ويلتقي النهران عند العاصمة السودانية الخرطوم، ولعله من المؤكد أن الاكتشافات العلمية يوماً تلو الآخر، تكشف عن المثير في شأن نهر النيل الذي مر بمراحل عدة عبر 600 ألف سنة قبل أن يصل إلى شكله الحالي المعروف، والشاهد أنه عبر استخدام وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" أحدث أساليب التصوير عبر الأقمار الاصطناعية، تأكد من أنه كانت هناك أفرع مختلفة لنهر النيل، غالبيتها طمرت لأسباب جيولوجية .
وفي هذا السياق استخدمت صور الأقمار الاصطناعية التي تتدفق شمالاً من المرتفعات الإثيوبية لتحديد المجاري المائية الجافة في الصحراء الواقعة غرب نهر النيل، وهذه الصور توضح أن هناك أكثر من رافد طمر بالفعل تحت الرمال، وإن ذهب بعضهم إلى القول إنه لا تزال هناك كميات هائلة من المياه الجوفية باقية من أثره. وهنا السؤال "هل لعبت تلك الأفرع أو بعض منها دوراً ما في عملية بناء الأهرام في موقعها الحالي في منطقة الجيزة التاريخية"؟
يقول الجغرافيون نعم، كان مجمع أهرام الجيزة يطل على فرع من نهر النيل لم يعد موجوداً، وكان هذا الفرع في أعلى مستوياته خلال ما يعرف بـ"الفترة الرطبة الأفريقية". ماذا عن هذا الأمر بشيء من التفصيل؟
الفرع المفقود ونظرية لبناء الهرم
لم يكن نهار الخميس الـ16 من مايو (أيار) الجاري يوماً اعتيادياً لدى الباحثين والمستكشفين، لا سيما بعد أن نشرت مجلة Communication Earth & Environement خريطة لنهر النيل جرى تصميمها باستخدام التصوير عبر الأقمار الاصطناعية وتحليل نوى الرواسب، وأظهرت فرعاً جافاً من نهر النيل يبلغ طوله 64 كيلومتراً مدفوناً منذ فترة طويلة تحت الأراضي الزراعية والصحراء.
فهل في الأمر حدث مغاير عما جرت به الاكتشافات الجغرافية حول النيل من قبل؟
المؤلفة الرئيسة للدراسة الباحثة المصرية الأصل إيمان غنيم تقول "إنه على رغم بذل عدد من الجهود لإعادة بناء الممرات المائية المبكرة لنهر النيل، إلا أنها اقتصرت إلى حد كبير على مجموعات عينات التربة من المواقع الصغيرة، مما أدى إلى رسم خرائط لأجزاء مجزأة فقط من أنظمة قنوات النيل القديمة، وهذه الدراسة الأولى التي تعتبر باحثتها الرئيسة غنيم أستاذة ومديرة مختبر الفضاء والاستشعار عن بعد بالطائرات من دون طيار في قسم علوم الأرض والمحيطات بجامعة "نورث كارولينا" تعد الأولى من نوعها التي تقدم أول خريطة للفرع المفقود من نهر النيل منذ فترة طويلة .
ماذا عن مواصفات هذا الفرع المفقود؟
بحسب الباحثة غنيم كان عرض هذا الفرع نحو نصف كيلومتر، وعمقه لا يقل عن 25 متراً على غرار نهر النيل المعاصر، وأطلق عليه "فرع الأهرام".
فهل كان هذا الفرع هو الطريق الذي يسر للمصريين القدماء بناء الأهرام لا سيما هرم خوفو الكبير؟
المؤكد أن عدداً من الأهرام التي يعود تاريخها لعصر الدولة القديمة والمملكة الوسطى، بها جسور تؤدي إلى هذا الفرع وتنتهي بمعابد الوادي التي كانت بمثابة موانئ نهرية. وفي هذا الصدد تقطع جوديث بيري عالمة الآثار الجيولوجية بجامعة "كامبريدج" بالمملكة المتحدة بالقول "تبدو الأهرام وكأنها عمل ضخم جداً، لكن الأمر أقل صعوبة إذا كان بإمكانك نقل الحجارة الكبيرة بالقارب بدلاً من حملها على الأرض". على أن حديث الفرع المفقود لا بد ولكي يكتسب صدقية بعينها، أن يبحث عما يكمله ويتممه، أي الموانئ، فمن غير أثر للموانئ، وحتى لو تم التثبت من فكرة الفرع المفقود، فإنه لن يكون هناك رابط مع فكرة نقل الأحجار من خلال فرع النيل إلى موقع البناء الحالي.
هل كانت هناك موانئ بالفعل؟
تاريخياً تناول عدد من علماء الآثار المصريين فكرة وجود موانئ بالقرب من منطقة أهرام الجيزة، ومن هؤلاء عالم الأثار الأميركي مارك لينر صاحب الذراع الطولي في البحث والتنقيب عن آثار مصر الفرعونية القديمة.
وقبل 10 سنوات، وبالتحديد في 2014، أشار لينر إلى أن الموانئ التي كانت تأوي بناة الأهرام، واكتشف بعض منها، وجدت فيها آثار أخشاب مستوردة من بلاد الشام، لا سيما أخشاب شجر الأرز. وسأل لينر ما إذا كان يفعل كل هذا الأرز الشامي في ثكنة للعمال المصريين العاديين؟
من هنا بدأت تتبلور فكرة أن تلك الأماكن كانت تأوي أطقم السفن القديمة التي ترسو في موانئ قريبة جداً من موقع بناء الأهرام الحالية، وإضافة إلى ذلك اكتشف فريق لينر حوضاً بالقرب من بلدة تحمل اسم الملكة خنت كاوس، التي ربما كانت ابنة منقرع، وغالب الظن أن هذا الحوض كان امتداداً لميناء أو واجهة بحرية على بعد أقل من ميل (1.60934 كيلومتر) من أقرب قناة لنهر النيل، وهذا هو أيضاً المكان الذي اكتشف فيه علماء الآثار مسكناً كبيراً ربما عاش فيه كهنة الطائفة الملكية. ومن هنا يؤكد لينر أن الجيزة هي الميناء المركزي آنذاك لثلاثة أجيال، خوفو وخفرع ومنقرع.
فهل يمكن اعتبار لينر أول من فتح الباب لحوار وجود فرع مفقود للنيل بالقرب من الأهرام؟
ذلك كذلك قولاً وفعلاً، فهو الذي طور نظرية مفادها بأن المصريين قاموا بتسليم الحجارة إلى الأهرام في الجيزة من خلال نظام من القنوات والموانئ، مما يسلط الضوء على سر كيفية قيام القدماء المصريين ببناء هذه الهياكل الحجرية الضخمة. ويقول لينر العالم الأميركي المقيم في بوسطن ومدير مؤسسة أبحاث "مصر القديمة" إن بحثه يشير إلى أنه عندما كان نهر النيل يفيض، كان بإمكان المصريين توجيه القوارب المحملة بالحجارة إلى مدينة ساحلية رئيسة في مجمع الأهرام. ويعتقد لينر أن المصريين، وهم مهندسون بارعون، قطعوا الممرات المائية من نهر النيل عبر السهول الفيضية التي تغطيها الرمال الآن والتوسع العمراني في القاهرة، وتظهر الرسوم التوضيحية التي طورها لينر المياه على بعد مئات عدة من الياردات (الياردة تساوي 0.9144 متر) من الهرم الأكبر، وهي رؤية مذهلة لأي شخص يعتقد منذ فترة طويلة أنها محاطة بصحراء مغبرة.
هل كان لا بد بالفعل من وجود ميناء بالقرب من الأهرام؟
الجواب مرتبط بأحجار الأهرام التي بنيت في الغالب بحسب لينر من الحجر الذي استخرج من الموقع مباشرة، لكن هناك أحجاراً أخرى في الأهرام كان لا بد من جلبها من بعيد بما في ذلك الغرانيت من أسوان على بعد 370 ميلاً (595.457 كيلومتر) إلى الجنوب، والحجر الجيري الأبيض من طرة عبر نهل النيل. غير أنه وعلى رغم أن نظرية القناة المائية والموانئ على الفرع المفقود، تساعد في فهم كيفية وصول الأحجار الهائلة التي يزن بعضها نحو 20 طناً إلى منطقة الأهرام، إلا أن هناك تساؤلاً محيراً "كيف نقلت هذه الأحجار من القوارب وسحبت إلى موقع بناء الأهرام؟ ثم يبقى التساؤل اللغز حتى الساعة هو كيفية رفع هذه الأحجار إلى مثل هذا الارتفاع ناهيك عن الطريقة التي تمت بها عملية تركيب هذه الأحجار في هذا البناء الهائل غير المسبوق وبهذه الصورة المدهشة. هل يأخذنا هذا التساؤل إلى منطقة النظريات المختلفة وربما المتضاربة، وفيها كذلك ما هو فوق خيالي مرتبط بمن هم من خارج كوكب الأرض؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نظريات مختلفة في بناء الأهرام
على مر آلاف عدة من السنين بقي سر تركيب هذه الأحجار ورفعها مثاراً ومداراً لكثير من الأحاجي، بين ما هو قابل للتصديق والإقناع علمياً، وما هو خارج عن دائرة المألوف والمعروف والموصوف.
خذ إليك بعضاً من تلك النظريات، ومنها أن المصريين القدماء وبأدواتهم البسيطة، لكن ببراعة هندسية لم تعرفها أمة من الأمم من قبل استطاعوا الوصول إلى درجة هائلة من النعومة في الأحجار باستخدام عمودين متساويين في الارتفاع متصلين بحبل مشدود، وضعت تحتهما الصخور، وسمح لهم هذا بمعرفة ما إذا كانت الصخور يمكن أن تنزلق إلى الداخل والخارج من تحت هذه الحبال إذا وجدوا نقطة كان عندها الحبل يتلامس بشكل واضح مع سطح الصخرة.
ووجهة نظر أخرى تقول إنه ربما كانت الطريقة الأفضل والأكثر منطقية لتحقيق الأسطح الملساء تماماً للصخور هي أن الأحجار صنعت عن طريق صب الخرسانة الجيرية السائلة، التي غطيت بعد ذلك لتشكل بسهولة شكلاً هندسياً مثالياً.
هذا التوجه يدعمه عالم المصريات جان فيليب لوير، واكتشفه من خلال وجود فقاعات هواء على سطح بعض أحجار الأهرام مما يدل أن الهواء ربما أصبح محصوراً تحت الخرسانة السائلة.
ورأي ثالث يعرف بفكرة المنحدرات وبعضها متعرج والآخر حلزوني، وجميعها تدور في فلك واحد وهو وجود بناء مجاور أكبر من الهرم، تسحب الأحجار من عليه، ورفعها تالياً إلى الهرم، لكنها من الناحية العملية تبدو غير قابلة للتصديق، إذ قال بعضهم إنها تناسب فكرة الأعداد الهائلة من العمال الذين عملوا في وقت الفيضان وتوقف الزراعة على بناء الهرم.
فهل من طرح آخر في نظريات البناء يتسق والاكتشاف الحديث - القديم في شأن وجود فرع للنيل بالقرب من الأهرام يمكن أن يلقي مزيداً من الضوء على الغموض التاريخي للأهرام؟
الممر المائي السري ونظرية الرمح
بحسب الطرح القائل إن هناك فرعاً للنيل كان يمر من القرب بالمنطقة الكائن بها مجمع الأهرام، فإن هذا الفرع الذي يبلغ عرضه نحو 500 متر، كان كبيراً بما يكفي لحمل كمية كبيرة من تصريف النيل منذ أكثر من 4 آلاف عام خلال فترة المملكتين القديمة والوسطى، وهذا يعني أن النهر كان قائماً أثناء بناء الهرم.
وعطفاً على ذلك فإن فرع النهر هذا لم يكن يسمح فقط بحركة الأحجار الثقيلة ومواد البناء فحسب، بل أيضاً العمال اللازمين لبناء الموقع، وفي هذا الإطار تنشأ نظرية أخرى من نظريات نقل الأحجار الهائلة، من خلال إقامة جسر مائي طويل تحت الأرض، يبدأ من عند مصدر مياه محلي على مسافة معقولة من المحجر، ثم استخدام أعمدة المياه لتعويم الحجارة إلى أعلى. وتشير هذه النظرية إلى أنه استخدم هذا الجسر المائي لنقل الأحجار، وأنها قطعت وشكلت في الماء بعد قطع الحجر بدقة، ثم ربطت قطع خفيفة من مادة الطفو بالحجر، وبهذه الطريقة سيطفو الحجر إلى الأعلى وسيكون سطحه محمياً من الاصطدام بالأحجار الأخرى. الذين يقولون بهذا الطرح يستندون إلى أن هناك بالفعل بعض الأدلة التي تشير إلى أن هذه الأنواع من أعمدة المياه استخدمت للمساعدة في الإنشاءات من أجزاء أخرى من العالم. وعلى سبيل المثال يعتقد أنه استخدمت القنوات لبناء معبد "أنغكور وات" في كمبوديا.
ومع ذلك تظل هناك تساؤلات حائرة حول هذا الطرح، ذلك أنه إذا كانت استخدمت هذه القناة في بناء الهرم الأكبر بالجيزة فأين ستذهب في نهاية المطاف؟ ولماذا هدمت لا سيما أن هناك من الأثريين من يزعم أن إنشاءها استغرق نحو 10 سنوات وبذل فيها كثيرون من الجهد والتعب؟
ولا يستبعد الباحثون أن يكون هناك من بعد أثر لها، وأنها قد تبدو كائنة تحت جدران الأهرام الهائلة التي لا يدري أحد ما الذي تخبئه أسفلها.
وأخيراً طفت على السطح تساؤلات عميقة حول الأهرام، وما إذا كانت هياكل مستقلة قائمة بذاتها فوق سطح الأرض فحسب؟ أم أنها رؤوس مسلات ومعابد مطمورة تحت الأرض على أبعاد سحيقة، وأنها تمثل ضمن ما تمثل طريقاً للبوابات النجمية إلى عوالم أخرى خارج الكرة الأرضية؟
وهذا التساؤل ربما يأخذنا إلى الحديث عن العلاقة بين الأهرام وعن سكان الفضاء والكواكب الأخرى، فهل يعقل أن يكون الأمر بالفعل على هذا النحو؟
الأهرام بناء فضائيين لا بشريين
تقتضي الموضوعية في بعض الأحيان أن نتعرض لأفكار تبدو متهافتة، ومنها القول إن الأهرام ليست بناء بشرياً اعتيادياً، بل هو نتاج لعمل كائنات من حضارات أخرى غير مرئية، حضارات جاءت من خارج الكرة الأرضية، وقامت في أزمنة بعينها ببناء الأهرام ثم رحلت عنا، وتركت اللغز قائماً على الأرض حتى الساعة.
وتستند هذه النظريات إلى رؤى العجز عن التفسير، إن جاز التعبير، بمعنى أنه بسبب القصور عن فهم، أو إيجاد طرق وميكانيزمات تساعد في فك الطلاسم الخاصة ببناء الأهرام، يلجأ إلى التفسيرات الغيبية، من قبيل القول إنها لم تكن مشاريع أرضية، استمر بناؤها عقوداً من الزمن وشارك فيها عشرات الآلاف من المعماريين والمهندسين البارعين، بل إنها أنشئت بواسطة كائنات فضائية، وزوار من كواكب أخرى، أو في أضعف التفسيرات أنها بنيت من خلال المصريين القدماء، أولئك الذين تثاقفوا في وقت معين قبل التاريخ مع سكان كواكب أخرى.
ويستند هذا التوجه لقصص تاريخية قديمة غير مثبتة، ولا تعدو أن تكون سرديات ميثولوجية، كالقول إن المصريين القدماء هم أحفاد قارة أطلانطس، وإنه عند غرق تلك القارة التي جاء على ذكرها أفلاطون في كتاباته قبل الميلاد، استطاعوا الهبوط فوق جبال إثيوبيا، ومن هناك نزلوا وعبروا من خلال نهر النيل، إلى أن وصلوا إلى الوادي الأخير، أي أرض كوش، تلك التي تمتد حتى مصب البحر الكبير، أي البحر الأبيض المتوسط.
هذه النظريات راجت كثيراً لدى راغبي الشهرة، على رغم أنه لم يقم عليها دليل علمي واحد حتى الساعة، ومال أصحابها لتفسير براعة المصريين القدماء وعلاقتهم بعلم الفلك والنجوم، والعلاقة المرسومة بين قمة الهرم والنجم الشعري، عطفاً على أفكار بعض المخترعين مثل "تيسلا"، الذي اعتبر الأهرام بمثابة مولدات للطاقة الكهربائية حول العالم.
وما بين هذه وتلك تتبقى هناك نظرية واحدة أخيرة، ربما هي الأحداث التي تفسر لنا مسألة رفع أحجار الأهرام، ومن غير اللجوء إلى الخرافات الخارجة عن السياقات التاريخية.
ترطيب الرمال وسحب الأحجار الهائلة
تكاد تكون هذه النظرية هي الأحدث والأهم والقابلة للتصديق ضمن نظريات عديدة، وهنا يعتقد نفر كبير من العلماء أن حجارة الأهرام نقلت فوق أكوام من الرمال التي بللت، وذلك لسهولة سحب الحجارة من دون التسبب في الاحتكاك، والقائلون بهذا الرأي يدفعون بالخبرة الشخصية لأي إنسان يمشي على شاطئ البحر، والفرق بين الرمال إذا كانت جافة أو مبللة. ففي الحالة الأولى سيكون السير شاقاً صعباً وبطيئاً، فيما حالة كون الرمال مبللة ستكون الحركة أيسر وأسرع.
فهل هناك تجارب علمية أو برديات أو صور تاريخية مصرية قديمة تدعم هذا الطرح؟
قبل بضعة أعوام قام الفيزيائيون في جامعة "أمستردام" بالتحقيق في القوى اللازمة لسحب الأجسام الثقيلة على مزلجة عملاقة فوق رمال الصحراء، واكتشفوا أن ترطيب الرمال أمام الجهاز البدائي يقلل الاحتكاك على المزلجة مما يجعل تشغيلها أسهل.
هل هنا بداية حل اللغز المعقد الذي طال آوان سره؟
والتقط الباحثون أدلة من المصريين القدماء أنفسهم، إذ تظهر لوحة جدارية اكتشفت في مقبرة "تحوت حتب" القديمة، التي يعود تاريخها لعام 1900 قبل الميلاد، 172 رجلاً يجرون تمثالاً ضخماً باستخدام حبال مربوطة بمزلجة، وفي الرسوم يمكن رؤية شخص يقف على مقدمة الزلاجة، ويسكب الماء على الرمال. وكانت هذه الدراسة التي وقف عليها أستاذ الفيزياء في جامعة "أمستردام" البروفيسور دانييل بون مدخلاً مثيراً وأخيراً لواحدة من نظريات تحريك الأحجار ومن ثم بناء الأهرام.
ما الذي يتبقى؟
باختصار يمكننا القول إنه وعلى رغم الرؤى والاكتشافات كافة والنظريات والطروحات، يظل سر الأهرام، لا سيما الهرم الأكبر حتى الساعة، محجوباً عن أعين الناظرين وأفهام الباحثين، لا سيما في ظل عدد من المعطيات الخاصة بتكوينه بأحجاره بموقعه، بوضعه بين الأرض والشمس، مكانه وإشاراته لنجوم السماء ومجرات الفضاء.
وعبر بضعة آلاف من السنين، لم يعثر داخل الهرم على مومياء واحدة، أو تابوت بعينه، ولم يمكن الوصول حتى الساعة إلى عمق أعماقه، أو سبر أغواره الجيولوجية.
ثم يبقى السؤال المثير والخطر: هل كان بناء الهرم قبل طوفان نوح أم بعده؟ لم يقدم أحد جواباً شافياً وافياً عن هذا التساؤل، والجواب يحمل على الحيرة والشكوك بأكثر من السؤال نفسه، ذلك أنه إذا كان قبل الطوفان، فلماذا لم يقدر عليه؟ وإذا كان بعده فمتى يبوح بأسرار ما حدث؟
الخلاصة... يبقى السر كامناً وكأنه قدر مقدور في زمن منظور.