ملخص
انتخاب ممثلين للمشاركة في جمع مقترحات أعمال الحوار الوطني الإثيوبي من أكثر من 1000 منطقة في 10 أقاليم ومدن مختلفة في البلاد
في ظل الظروف التي تعيشها إثيوبيا، هناك قناعة بين المكونات السياسية كافة بأهمية الحوار الوطني، وتأتي الحكومة الإثيوبية في مقدمة المنادين به.
فهل يمثل الحوار الوطني مقصداً حقيقياً ترجوه الحكومة؟ أم شعار مرحلة؟ وما هي مهمات لجنته الحالية؟ وما انعكاساته على الساحة السياسية ومدى تفاعل الأحزاب والجماعات السياسية المعارضة مع أعماله؟.
بدأت إثيوبيا السبت الماضي رسمياً إطلاق المرحلة الأولى من الحوار الوطني في العاصمة أديس أبابا ليشمل المكونات الإثيوبية كافة، بهدف معالجة الخلافات الوطنية المتوارثة مع الاعتراف بالنزاعات والخلافات الطويلة الأمد والعمل على حلها.
الوحدة والإجماع
ويأتي الحوار كاستجابة للتوجه نحو سلام قومي شامل، وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أعلن عن حوار وطني خلال ظروف الحرب الماضية بين الحكومة و"جبهة تيغراي" بهدف التوصل إلى حلول تجاه المواضيع السياسية التاريخية والحالية.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2021، صادق مجلس النواب (البرلمان الإثيوبي) على تشكيل لجنة الحوار الوطني كمؤسسة مستقلة يناط بها إجراء حوار وطني شامل، وكلّفت اللجنة المكونة من 11 عضواً تعزيز عملية الحوار والمصالحة الوطنية الشاملة، لتبدأ أولى مهماتها باختيار ممثلين للحوار من الأقاليم الإثيوبية كافة، من ثم مباشرة المحادثات حول المسائل الوطنية ومساعدة البلاد في حل مشكلاتها المعقدة.
شملت الجلسة الافتتاحية إجراءات تنويرية وترتيبية على أن تستمر جلسات الحوار حتى اليوم الثلاثاء بمشاركة الممثلين المختارين من مختلف شرائح المجتمع، وتشهد هذه المرحلة اختيار المشاركين لبنود جداول الأعمال ذات الصلة بالمحادثات، وتتضمن كذلك انتخاب ممثلين من المحليات الجغرافية للانضمام إلى المشاركين الآخرين.
وأوضح مفوض لجنة الحوار مسفن أرايا أن لجنة الحوار الوطني تعمل على تحقيق الوحدة على رغم التحديات الكثيرة، مشيراً إلى أنه تم انتخاب الممثلين للمشاركة في جلسات جمع مقترحات جدول الأعمال من أكثر من 1000 منطقة في 10 أقاليم ومدن مختلفة في البلاد.
آراء واتهامات
من جهته، أكد وزير السلام بنالف أندوالم أن التوصل إلى توافق في الآراء حول القضايا الرئيسة في البلاد أمر محوري لضمان السلام المستدام، مؤكداً ضرورة عبور الجيل الحالي من التحديات وتحقيق الطموح في بناء الدولة القومية.
وأضاف في كلمته خلال الافتتاح أن "الحوار البناء بين جميع فئات المجتمع، بمن فيهم النخب والعامة، يضطلع بدور فاعل في تحقيق التوافق الوطني".
وكانت عضو المجموعة الاستشارية للجنة الحوار الوطني راهيل بافي قالت إن "الحوار يمثل فرصة ذهبية لجميع الإثيوبيين لطرح الأجندة الوطنية الحاسمة على الطاولة للمحادثات".
على صعيد آخر، اتهمت المعارضة الإثيوبية في تجمع أحزاب المعارضة (CoP) (يضم 11 حزباً)، الحزب الحاكم برئاسة آبي أحمد، باستخدام لجنة الحوار الوطني لأغراض سياسية، معتبرة أن اللجنة "لم تنجح في تحقيق هدفها المعلن المتمثل في تسهيل حوار وطني شامل".
وأشار بيان المعارضة وفق صحيفة "أديس ستاندرد"، إلى أن تعيين اللجنة تم "ضد روح الإعلان"، وأنه كان يفترض التركيز على الأهداف الأساسية بدلاً من "السعي إلى تحسين العلاقات مع المجتمع الدولي لتأمين القروض والمساعدات"، مما أدى إلى "افتقار الشمولية والشفافية في عملية التشاور الوطني".
وأوضحت الصحيفة أن إصدار بيان تجمع أحزاب المعارضة جاء بعد يوم واحد من إعلان هيئة الحوار الوطني بدء أعمالها في أديس أبابا.
الكاتب والباحث الإثيوبي عبدالرحمن أحمد يرى أن الحوار الوطني الإثيوبي "من الأمور المهمة جداً في بناء الوحدة والتفاهم والتعاون بين أفراد المجتمع الإثيوبي"، لافتاً إلى أنه "من خلال هذا الحوار، يتم تسليط الضوء على قضايا مختلفة تواجه البلاد والمواطنين، ويتم إيجاد حلول لهذه المشكلات بصورة سلمية ومبنية على الحوار والتفاهم، فضلاً عن أنه يعزز الديمقراطية والمشاركة المجتمعية، مما يتيح للمواطنين التعبير عن آرائهم واقتراحاتهم والإسهام في صناعة القرارات التي تؤثر في حياتهم". ويرى أن "الحوار الوطني الإثيوبي أداة مهمة لتعزيز السلام والاستقرار والتنمية في البلاد، ويعكس تفاعل الحكومة والمواطنين مع بعضهم بعضاً لبناء مستقبل أفضل للجميع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تفاعل حقيقي
رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية ياسين أحمد يقول من جهته إن "الحوار الوطني الذي دخل الآن حيز الفعل، يأتي من منطلق حسن النوايا الذي تبديه الحكومة مقصداً وليس شعاراً، فهو يتماشى مع عمق الثقافة الإثيوبية في المكونين القومي والقبلي اللذين يتعاملان فطرياً بثقافة الصلح والتصالح"، ويضيف أنه "إذا لم تتَح فرص لتوجهات جادة نحو التصالح الحقيقي خلال الحكومات الإثيوبية المتعاقبة، فحكومة حزب الازدهار برئاسة رئيس الوزراء آبي أحمد لها السبق الحقيقي في إنجاح حوار يخرج البلاد من أزماتها التاريخية إلى بر الأمان، بوضع حلول جذرية للمشكلات السياسية المزمنة، مما يعتبر إنجازاً وطنياً".
ويتابع أن "هناك تفاعلاً حقيقياً من الجانب السياسي كما أن المواطن الإثيوبي مهتم بأمر الصلح لأنه بذلك يصلح حال الوطن"، وتحدث عن "توافق حول أهداف ومقاصد الحوار الوطني بين الحكومة الإثيوبية وأحزاب المعارضة، ولكن ربما الخلاف يكمن في إجراء تقييم حول الإنجازات والإخفاقات لترتيبات الحوار منذ أن بدأت مسيرته وحتى الآن، وما يتعلق كذلك بالجدول الزمني المحدد قبل موعد الانتخابات الإثيوبية المرتقبة في منتصف عام 2026".
ويوضح أنه "في ما يتعلق بتأييد الأحزاب والقوى السياسية والجماعات فهو واضح كوضوح الشمس منذ البداية، فهذه الجهات ظلت تطالب الحكومة بإجراء حوار وطني شامل ونزيه، وهي في ذلك ترجو أن تكون هناك حلول جذرية للمشكلات السياسية والقومية حتى تنقل البلاد إلى بر الأمان"، مضيفاً أنه "من المؤشرات التي تدل على جدية الحكومة تجاه السلام والتصالح المجتمعي موافقة مجلس الوزراء الإثيوبي على عودة الأحزاب السياسية المحظورة بعد التزامها القميص الحزبي الذي فصلته الحكومة في البعد من الجهوية. والقرار الحكومي في شأن الأحزاب يمهد الطريق لإعادة الاعتبار لكثير من هذه الأحزاب السياسية التي كانت شُطبت في السابق، بما فيها حزب ’الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي‘ واستئناف نشاطها".
إنهاء الازمات
من جهته، يوضح الصحافي والأكاديمي الصومالي أحمد جيسود أن "إثيوبيا ظلت تشهد أزمات داخلية متتالية خلال الأعوام الأخيرة، أدت إلى تداعيات خطرة على الأمن والاستقرار، بل وحدة إثيوبيا، ويأتي الحوار الوطني في ظل هذه الظروف، وبذلك فإن نجاحه قد يشكل فرصة لإنهاء الأزمات الداخلية في إثيوبيا".
ويعرب عن اعتقاده بأن "هذه المبادرة تمهد الطريق للأمام في حال استغلالها بصورة صحيحة، بإشراكها أبرز الحركات المسلحة الرئيسة التي تقود الآن الحراك ضد حكومة آبي أحمد".
ويرى أن "تفاعل الأحزاب والجماعات السياسية تجاه أعمال لجنة الحوار الوطني ﻣرﻫون ﺑﻣدى انصياع الحكومة لمطالبهم من أجل التوصل إلى الحل الشامل الذي يرضي جميع الطوائف والقوميات وحتى الأقليات في توزيع الثروات والمناصب السياسية، وتمكين كل المواطنين من التمتع بالحريات العامة وإجراء الإصلاحات في المؤسسات العامة".
ثقافة الحوار
وفي ما يتعلق بجوهر الحوار ومدى نجاحه، تقول أستاذة العلوم السياسية المساعدة وخبيرة الشؤون الأفريقية نجلاء مرعي إن "عملية الحوار الوطني بدأت رسمياً في إثيوبيا لمواجهة التحديات الكبرى وتعزيز ثقافة الحوار بدلاً من الصراع، وتعزيز التقارب والإجماع بين القوى المتعارضة"، وتضيف أنه "في الواقع، يتوقف نجاح الحوار على توافر الإرادة السياسية من جانب آبي أحمد، وحرص الأطراف المشاركة فيه على تقديم التنازلات الكافية بهدف إنجاحه، فتحقيق السلام في حاجة إلى تنازلات كبرى من النظام الحاكم والأحزاب المعارضة في آن واحد".
وتردف "لكن في تقديري، عملية الحوار الوطني في شكلها ومواضيعها والأجواء المحيطة بها، لا ترقى إلى مستوى الخروج من أزمة عدم الاستقرار والاضطرابات الراهنة، إذ لا تتوافر المخرجات المطلوبة لتحقيق الاستقرار والتنمية المنشودة".
أجواء حرب
وتعتبر مرعي أن الأجواء التي تحيط بالحوار أجواء حرب، في ظل عدم مشاركة الحزبين السياسيين الأكثر شعبية في إقليم أوروميا "جبهة تحرير أورومو" (OLF) ومؤتمر أورومو الفيدرالي (OFC)، والجماعة المسلحة "جيش تحرير أورومو"، وعدم دمج جماعة "الفانو" الأمهرية التي تشكل خطورة على وحدة البلاد، وإمكان تفككها وقيام دول جديدة على أرضها، أو انضمامها إلى دول أخرى تربطها بها روابط عرقية وقبلية، كلها أسباب ربما تضعف جدوى عملية الحوار".
وعن شكل ومواضيع لجنة الحوار الوطني، تقول إنها "شهدت استقطابات حادة"، مشيرة إلى أن "الحزب الحاكم الذي يعد جزءاً من المشكلة وطرفاً أساسياً فيها، هو من يدير العملية ويستحوذ على قرارات اختيار الوسطاء في هيئة المفوضين، مما يعد انتهاكاً لشفافية الإجراءات". وتضيف "لذا، لمسنا شكوكاً تراود الأحزاب السياسية الرئيسة، منها الطلب المقدم من المجلس المشترك للأحزاب السياسية الإثيوبية (EPPJC)، بضرورة مراجعة الخطوات بغية ضمان المشاركة الهادفة لأصحاب المصلحة الرئيسين وشفافية الإجراءات".
وتقول "من وجهة نظري، من الممكن وجود الحزب الحاكم كطرف رئيس، لكن بشروط وضمانات معينة تحد من سيطرته على سير العملية، مع ضرورة المشاركة العادلة لكل أصحاب المصلحة، كشرط أساس لضمان إنجاح المسار التشاوري حول المصالحة الوطنية".