Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماليزيا "عملاق أشباه الموصلات" القادم من بعيد

استفادت من التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين لتعزز مكانتها العالمية في صناعة الإلكترونيات

الشركات الصينية تتطلع إلى ماليزيا لتجميع أشباه الموصلات (رويترز)

ملخص

صناعة أشباه الموصلات في ماليزيا تحمل وعداً هائلاً كمحفز للنمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي. ومن خلال معالجة نقص المواهب وتعزيز هياكل الأجور وتعزيز التعاون الاستراتيجي، تستطيع ماليزيا إطلاق العنان لإمكاناتها الكاملة باعتبارها لاعباً رائداً في المشهد العالمي.

تجاوز حجم سوق أشباه الموصلات العالمي بحسب تقديرات 600 مليار دولار عام 2023، ومن المتوقع أن تنمو سوقها الرائجة إلى 2060 مليار دولار بحلول عام 2032. ويمثل القطاع أحد أبرز الصناعات التي تعتمد عليها التقنيات الحديثة في العالم، لذا تحتاج إليه كبرى الشركات والمؤسسات العالمية. ولعل جزيرة تايوان هي الأشهر في صناعات هذا القطاع، إذ تمتلك الشركات التايوانية حصة سوقية تبلغ 68 في المئة، لكن التوتر الجيوسياسي بالجزيرة دفع كثيراً من الشركات للتفكير في تحويل قبلة التقنية إلى بلدان أخرى وتنويع مراكز عملياتها.

وفي الفترة الأخيرة، برزت ماليزيا كأحد أهم المحطات لصناعة أشباه الموصلات، مستفيدة من التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين والحرب التكنولوجية، لتعزز مكانتها العالمية في صناعة الكهرباء والإلكترونيات، لتكون نقطة محورية في تنويع سلسلة التوريد العالمية للحد من الاضطرابات والأخطار الجيوسياسية. كما أعلن رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم عن خطة استراتيجية لتطوير صناعة أشباه الموصلات، بما يدعم مركز ماليزيا في الصناعة، ويعمل على إبرازها كأهم الدول في الصناعة خلال الأعوام المقبلة.

أشباه الموصلات... عصب التكنولوجيا الحديثة

في الآونة الأخيرة تزايد الطلب على أشباه الموصلات عالمياً، باعتبارها إحدى الركائز الرئيسة في صناعات التكنولوجيا الحديثة، بدءاً من الاتصالات وحتى الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية. وتعد أشباه الموصلات دوائر أو وحدات إلكترونية أساسية مصنوعة من مواد مثل السيليكون والجرمانيوم وكربيد السيليكون وغيرها، وهي جزء لا يتجزأ من الأجهزة والأنظمة الإلكترونية مثل أجهزة التخزين والذاكرة الموقتة والدوائر المتكاملة التناظرية ووحدات حماية الذاكرة ووحدات التحكم الدقيقة وأجهزة الطاقة المنفصلة وغيرها.

وباعتبارها أحد المكونات المهمة للمنتجات الإلكترونية، تعمل أشباه الموصلات على تطوير منتجات وخدمات عالية التقنية، وهي قوة رئيسة تدفع التنمية الاقتصادية العالمية والابتكار التكنولوجي، وأساس لا يمكن الاستغناء عنه في تطبيقات حياتنا اليومية والصناعات المختلفة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي (AI)، وإنترنت الأشياء (IoT)، واتصالات الجيل الخامس (5G)، والحوسبة السحابية، والمركبات الكهربائية (EV)، والمركبات ذاتية القيادة، والرعاية الصحية، والأنظمة العسكرية، والنقل والطاقة النظيفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويبرز أحد تقارير مؤسسات الأعمال أن حجم سوق أشباه الموصلات العالمي قدر بـ611 مليار دولار خلال عام 2023، ومن المتوقع أن ينمو من 681.05 مليار دولار عام 2024 إلى تريليوني دولار بحلول عام 2032، بينما ذكرت رابطة صناعة أشباه الموصلات في تقرير لها الشهر الماضي أن المبيعات العالمية لأشباه الموصلات بلغت 137.7 مليار دولار خلال الربع الأول من عام 2024، بزيادة قدرها 15.2 في المئة مقارنة بالربع الأول من عام 2023.

وعلى الصعيد الإقليمي، ارتفعت المبيعات على أساس سنوي في شهر مارس (آذار) بالصين (27.4 في المئة) والأميركتين (26.3 في المئة) وآسيا والمحيط الهادئ/ جميع البلدان الأخرى بنسبة 11.1 في المئة، لكنها انخفضت في أوروبا بنسبة -6.8 في المئة واليابان (-9.3 في المئة)، فيما حافظت المبيعات الشهرية على ثباتها حتى في الصين، لكنها تراجعت في أميركا (-0.1 في المئة)، وأوروبا (-0.9 في المئة)، وآسيا والمحيط الهادئ/جميع البلدان الأخرى (-1.2 في المئة).

تمثل أسواق أجهزة الكمبيوتر والاتصالات ما يقارب ثلثي إجمال المبيعات، بينما تمثل قطاعات مثل السيارات والصناعة والإلكترونيات الاستهلاكية النسبة المتبقية، ولكن في الأعوام الأخيرة شهد القطاع تغييراً بسبب التقدم التقني وظهور عدد من التقنيات التي أصبحت تعتمد بصورة أكبر على أشباه الموصلات. وارتفعت مبيعات صناعة الاتصالات، وشهد قطاع السيارات أكبر نمو في حصة مبيعات الرقائق ليصبح ثالث أكبر سوق نهائي خلال عام 2023.

وتشير التقديرات المستقبلية لاحتمالية أن تنمو صناعة أشباه الموصلات العالمية مع ارتفاع استخدام الإلكترونيات والتكامل عبر التطبيقات مثل أجهزة اتصالات الشبكات ومعالجة البيانات وأنظمة الأتمتة الصناعية والإلكترونيات الاستهلاكية والسيارات والمشاريع الحكومية.

تايوان اللاعب الأبرز

وتمتلك الشركات التايوانية حصة سوقية تبلغ 68 في المئة بصناعة أشباه الموصلات، فيما تعد شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات (TSMC) أكبر شركة لتصنيع الرقائق التعاقدية في العالم، وتنتج نحو 90 في المئة من أشباه الموصلات الرائدة عالمياً، والتي تستخدم في الذكاء الاصطناعي (AI) وتطبيقات الحوسبة. فعلى سبيل المثال، لا يمكن إنتاج أشباه الموصلات الأكثر تقدماً من شركة Apple، والتي تحوي مليارات الترانزستورات، إلا في مبنى واحد داخل حرم TSMC المترامي الأطراف في تايوان.

ومع بوادر اندلاع الحرب التجارية والحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين عام 2018 وتفشي جائحة كوفيد-19 عام 2020، نمت عن تقهقر في سلسلة توريد أشباه الموصلات العالمية شديدة التركيز جغرافياً. إضافة إلى أن التوتر في الجزيرة التايوانية جعل عدداً من الشركات والدول تبحث عن مراكز أخرى لعملياتها، وتتجه نحو تنويع مراكز الإمداد والصناعة، والتخلي عن استراتيجية التركيز في مكان واحد.

استراتيجية وطنية ماليزية

وتحمل صناعة أشباه الموصلات في ماليزيا وعداً هائلاً كمحفز للنمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي. ومن خلال معالجة نقص المواهب وتعزيز هياكل الأجور وتعزيز التعاون الاستراتيجي، تستطيع ماليزيا إطلاق العنان لإمكاناتها الكاملة باعتبارها لاعباً رائداً في المشهد العالمي لأشباه الموصلات لترسم طريقاً نحو النمو المستدام والازدهار، فلدى ماليزيا ما يمثل 13 في المئة من الاختبارات والتعبئة العالمية بصناعة أشباه الموصلات.

وتعزيزاً لمكانة ماليزيا في صناعة أشباه الموصلات، أطلق رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم أخيراً الاستراتيجية الوطنية لأشباه الموصلات (NSS)، والتي وصفت بأنها "وثيقة حية" لجعل ماليزيا لاعباً عالمياً رئيساً في مجال التكنولوجيا التي يمكن الوصول إليها، وتهدف الاستراتيجية إلى تعزيز التعاون مع الشركات في جميع أنحاء آسيا وبقية العالم.

وحددت الاستراتيجية الوطنية لأشباه الموصلات ثلاث مراحل، تركز الأولى على استفادة ماليزيا من قدراتها الصناعية الحالية لتحديث عمليات التجميع والاختبار، التي تتم الاستعانة فيها بمصادر خارجية من خلال عمليات التعبئة والتغليف المتقدمة، بينما تركز الثانية على تطوير قدرات الدولة في مجال تصميم وتصنيع واختبار شرائح الذاكرة والمنطق المتطور والتطلع إلى دمج مشتري هذه الرقائق، وتهدف المرحلة النهائية إلى دعم تطوير الشركات الماليزية ذات المستوى العالمي في مجال تصميم أشباه الموصلات والتعبئة المتقدمة ومعدات التصنيع.

ومن بين أهداف الخطة الاستراتيجية الماليزية، جذب ما يزيد على 100 مليار دولار من الاستثمارات في إطار المرحلة الأولى، إلى جانب إنشاء ما لا يقل عن 10 شركات ماليزية في مجال التصميم والتعبئة المتقدمة بعائدات تتجاوز خمسة في المئة وما لا يقل عن 100 شركة مرتبطة بأشباه الموصلات.

التنافس الأميركي الصيني "فرصة العمر"

تشهد صناعة أشباه الموصلات في ماليزيا طفرة، تتركز في ولاية بينانغ الشمالية. وتعمل الشركات الأوروبية والأميركية الكبرى على إنشاء مرافق جديدة أو توسيع المرافق القائمة، بهدف بناء سلاسل توريد عالمية مرنة لهذه المكونات الأساس. واجتذبت بينانج رقماً قياسياً قدره 12.8 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر خلال عام 2023، وهو ما يتجاوز المبلغ الإجمالي للأعوام السبع السابقة مجتمعة.

وتستثمر الشركات الرائدة مثل "إنتل" بصورة كبيرة، مع التزام بقيمة سبعة مليارات دولار لإنشاء مصنع جديد في بينانغ. وتعد الحكومة الماليزية تطوير الصناعة هذه "هدفاً حاسماً"، فيما أشارت تصريحات لكبير وزراء بينانغ تشاو كون يو إلى  أن ثلاث شركات صينية لأشباه الموصلات حريصة على الاستثمار في بينانغ باستثمارات إجمالية تبلغ 100 مليون دولار أميركي، بما يعزز تصميم الدوائر المتكاملة المتنامي في بينانغ ونظام التغليف المتقدم.

وذكر وزير الصناعة والاستثمار الماليزي ظافرول عبدالعزيز أن التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين والحرب التكنولوجية يعد فرصة مهمة لماليزيا لتعزيز صناعة الكهرباء والإلكترونيات، إلى جانب تنويع سلسلة التوريد العالمية للحد من الاضطرابات والأخطار الجيوسياسية. وإلى جانب ذلك، تتطلع عديد من الشركات العالمية إلى إعادة تصميم سلسلة التوريد الخاصة بها، والانتقال إلى مواقع أكثر أماناً ومرونة للتخفيف من الأخطار، وذكر الوزير أن ماليزيا يجب أن تستغل ذلك، وأن تصبح أكثر مرونة وتغتنم الفرصة لأن الفشل في القيام بذلك يؤدي إلى ضياع ميزة اقتصادية يمكن أن تعيدنا لأعوام إلى الوراء.

وأوضح الوزير خلال مؤتمر صحافي حول الاستراتيجية الوطنية لأشباه الموصلات، "اليوم لدينا بالفعل 50 عاماً من الخبرة، وبخاصة في مجال تجميع واختبار أشباه الموصلات بالاستعانة بمصادر خارجية، وعلينا أن نبني على قوتنا وقدراتنا الحالية حتى تتمكن الشركات المحلية والدولية من الانتقال إلى الواجهة والحفاظ على قدرتها التنافسية ومبتكراتها في الصناعة".

وفي مارس الماضي، أفادت صحيفة "فايننشال تايمز" أن ماليزيا برزت كوجهة غير متوقعة لصناعة أشباه الموصلات العالمية، متفوقة بذلك على الصين التقليدية المفضلة وسط مساعي الشركات لحماية مصالحها الجيوسياسية. وذكر التقرير الذي نشرته الصحيفة أن عشرات الشركات أنشأت مراكز عمليات لها في شبه الجزيرة الماليزية خلال الأشهر الـ18 الماضية، وبخاصة في بينانغ، مثل عملاقتي الرقائق الأميركية "ميكرون" و"إنتل"، وشركتي أشباه الموصلات الأوروبية "إيه أم أس أوسرام" و"إنفينيون" وشركة "فينشي ميتال" للتكنولوجيا.

وأوضح التقرير أن ماليزيا كانت جزءاً من "الواجهة الخلفية" لسلسلة توريد تصنيع أشباه الموصلات على مدار العقود الخمسة الماضية، إذ شاركت في تعبئة وتجميع واختبار الرقائق، لكنها تحاول الآن الارتقاء بسلسلة القيمة وإشراك خبرتها في أنشطة أعلى ذات قيمة مثل تصنيع الرقائق وتصميم الدوائر المتكاملة.

المزيد من تقارير