ملخص
تتناول رواية "أنثى موازية" للكاتب المصري علي قطب أوضاع مجتمع يعاني الفساد والانهيار من خلال العلاقة المتعثرة بين عبير وأحمد.
لا يمكن التعامل مع رواية "أنثى موازية "(دار العين) للكاتب المصري علي قطب، باعتبارها فحسب تصويراً سردياً لحياة امرأة محددة تدعى "عبير"، تنتمي لأسرة متوسطة الحال، فأبوها موظف بسيط لا يملك غير راتبه، وهي كبرى أختيها غادة وفدوى. ويمضي قطار العمر سنة بعد سنة وتجربة فاشلة إثر أخرى من دون زواج إضافة إلى فشلها في الحصول على وظيفة مناسبة، هنا تتجاوز الرواية حياة "عبير" لتتناول أوضاع مجتمع بأسره، تنهار فيه أحلام الطبقة المتوسطة بوصفها رمانة الميزان. يبحث "أحمد" حبيبها عن عمل فلا يجد، الأمر الذي يضطره للتعاون من نائب في البرلمان دائرته يدعى "حمدي الصفتي".
يعمل أحمد مع الصفتي مسؤولاً عن دعاياته السياسية ومروجاً لمصالحه، ومن هنا يأتي الفساد حين يدعو متعاوناً مع الصفتي إلى تعديل الدستور خدمة لابن رئيس في التسعينيات، وهو ما يؤثر في علاقة عبير به لأنه لا يزال يبحث عن وظيفة أكثر استقراراً ولا تخضع لأهواء حمدي الصفتي فيؤجل الزواج أو لا يجرؤ عليه. وهنا يتداخل العام والخاص ويصبح للسياسة حضورها اللافت. فنجد إشارات إلى حرب أميركا على العراق "في هذه اللحظات يساور عبير قلق على المستقبل. ينقبض قلبها، تحاول أن تبعد أي فكرة سيئة عن بالها، لكنها تفشل في ذلك وتظل مشاهد دخول القوات الأميركية (إلى بغداد) في ذاكرتها لا يمحوها الزمن". وتتوالى الإشارات السياسية فنجد حديثاً عن صحة ياسر عرفات المتدهورة وتعاطف لاعب كرة قدم مصري مع غزة، وعرضاً أكثر تفصيلاً لحركات الإسلام السياسي، بخاصة التيار السلفي، إذ تزور "بدر" عبير من دون سابق معرفة وتقدم نفسها "أنا أخت الشيخ سيف الإسلام إمام جامع الصحابة". وتستأذنها في مقابلة أخيها، وعندما يأتي تفاجأ بطلبه الزواج منها. يقول "لا بد من زوج يساعدك وتساعدينه على طاعة الله وإنجاب أطفال يخدمون الإسلام ويرفعون شأنه".
حياة بين نقيضيندار العين)
هكذا تجد عبير نفسها محاصرة بين سياسة الحزب الحاكم، وقيود تزمت التيار السلفي الذي يسلبها آدميتها وحريتها وحقها في اختيار من تشاء. ويظل مصير عبير مرتبطاً بمصير أحمد في علاقته بالصفتي حالماً أن كل شيء سينحل بعد انضمام الأخير للحزب الحاكم. يقول لعبير ولنلاحظ عامية الكلام "فات الكتير (مر الكثير)، ما بقي إلا القليل، شوية صبر (قليل من الصبر) وكل المشكلات هتنحل (ستحل)". فالحزب الحاكم مفتاح حل كل شيء على المستوى العام والخاص. بينما الشيخ سيف لا يريد لها بتعبيره الأثير إلا الستر ومراعاة تقاليد المجتمع، وأن تكون في عصمة رجل أي رجل. من الوارد أن تتسبب هذه الحياة في ولادة نزعات شريرة عند عبير، فأصبحت تسعى إلى خراب البيوت الهشة التي لا تحتاج سوى مجهود بسيط للهدم. هذه التجارب المريرة جعلت عبير تعتقد أنها تعاني مرضاً نادراً لا يصيب إلا فرداً في المليون... "تشخص مرضها كطبيب نفسي محترف"، وتسميه "عجز إيجاد البدايات"، ومن علاماته ممارستها الدائمة لجلد الذات والشعور الدائم بالفشل وما تواجهه في نومها من كوابيس، كالسقوط من فوق جبل أو مطاردة وحوش مخيفة لها. وهو ما يدفعنا إلى وصف هذه الرواية بأنها "رواية نفسية"، على رغم اجتماعيتها الظاهرة وإشاراتها السياسية الكثيرة فالبطولة هنا معقودة لشخصية واحدة هي عبير، وهناك تصوير تفصيلي لكل متاعبها وأمراضها وكل من عداها مجرد مساعدين ومساعدات لتوضيح هذه المعاناة أو التسبب فيها. تذهب إلى طبيبة نفسية تسرد لها متاعبها وإحباطاتها فتنصحها بالبكاء، لأنه سيخلصها من مشاعرها السلبية. ويربط الكاتب مشكلة عبير بظروف البلد عامة، فهي "مرتبكة مثل الوطن المرتبك". فالوطن هنا عاجز عن توفير فرص عمل مناسبة لأبناء الطبقة الوسطى، وهو ما عاناه أحمد وعبير طوال الرواية وكان سبباً في عدم زواجهما. والعاجز أيضاً عن تقديم تعليم جيد، فقد تعلمت عبير كما تقول للطبيبة "في مدارس الدولة المهترئة". وعلى رغم ثقتها أن بداخلها طاقة تشعرها أنها تستطيع تحقيق كل ما تريد، لكنها تصطدم بمجتمع "أقر عقوده الاجتماعية من أيام الفراعنة، ولم يحاول أن يغيرها".
معلقة في الهواء
بعد لومها من جانب بعض معارفها على ما فعلته مع إلهام وسمير، تجد نفسها راغبة في أن تكون "معلقة في الهواء لا أقارب لها ولا من يهتم بأخبارها ليطمئن أو يتشفى". وهكذا يستمر الكاتب في استعراض معظم حياة عبير أو المواقف "المفصلية" فيها، منذ أن كانت طالبة في كلية التجارة إلى تقدمها في العمر ووصولها إلى ما يسمى مرحلة "العنوسة". لهذا كان من الطبيعي أن يستخدم ما يسمى الثغرة الزمنية، سواء تم ذلك في الانتقالات العمرية الكبيرة أو بين الأحداث اليومية. وهذا ما يفسر ابتداء كل مقطع سردي بما يوحي بمرور الزمن والرجوع إلى فترة سابقة مثل قول الراوي العليم "قبل نزول الفيديو بأربع سنوات تقريباً" أو "قبل خمس سنوات أخرى" في تسريع واضح للزمن وصولاً إلى الحاضر. وهو ما يؤكد توظيف الكاتب لتقنية "الفلاش باك"، إضافة إلى تقنية "كسر الإيهام" عبر عدم إشباع توقعات المتلقي. ومع الوقت تتأكد عبير أن مرور الزمن ضدها وأن ما كانت ترفضه بالأمس تتمناه اليوم، مدركة أنها "لو انتظرت أكثر ستتنازل أكثر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تجسد عبير أزمة المرأة الشرقية عموماً إذ يتعامل معها بوصفها مجرد جسد، فمعظم من تعاملوا معها كانوا ينظرون إليها هذه النظرة بمن فيهم العجوز صاحب المكتب الذي اضطرت إلى العمل فيه حين تُفاجأ بتحرشه بها والموقف نفسه يتكرر كلما التحقت بعمل جديد. وللتعبير عن ذلك تتبع عبير أو بالأحرى السارد ما يسمى السرد العكسي فتعيش دائماً في الماضي مسترجعة تجاربها المؤلمة ومتذكرة على النقيض علاقات الآخرين الناجحة. وتلاحظ مثلاً "أن هند صديقتها المقربة قد توطدت علاقتها بحسام زميلهم"، مما يزيد من حدة المفارقة والإحساس بالاغتراب والاكتئاب، وفي الأخير تجد عبير في فضاءات السوشيال ميديا "عالماً آخر يجذبها إليه ويشغلها عما حولها ويعزز رغبتها في الانعزال عن الواقع".
معظم السرد في هذه الرواية يتم بضمير الغائب الذي يستخدمه الراوي الخارجي العليم لكننا نلاحظ انتقال الكاتب إلى ضمير المتكلم بصورة مفاجئة وعابرة، ثم يعود السرد إلى ضمير الغائب مرة أخرى. وأخيراً يمكن القول إنه على رغم محورية "عبير" ودوران السرد حول حياتها فإن الرواية تعد تعبيراً عن أزمة جيل عانى البطالة والعجز عن تحقيق حياة مستقرة.