Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتخابات بريطانيا استحقاق محسوم النتيجة ومعقد التداعيات

فوز مؤكد لـ "العمال" ومآلات ضبابية للتصويت بالنسبة لبقية الأحزاب والمستقلين

استطلاعات الرأي تتوقع فوز حزب العمال بأكثرية مطلقة في الانتخابات المقبلة (غيتي)

ملخص

لا ينتظر البريطانيون أية مفاجآت في انتخابات 2024 لجهة من يسكن المنزل رقم 10 بعد أقل من أسبوعين، ولكن كثيراً من نتائج الاستحقاق الجديد تبقى معلقة بانتظار فرز الأصوات حتى يعرف الشارع من يجلس كمعارضة في مقابل الحكومة العمالية المقبلة، وهل تغير المزاج العام لناحية معادلة الحزبين الرئيسين في المملكة المتحدة.

يتوجه البريطانيون الأسبوع المقبل إلى مراكز الاقتراع في انتخابات تشريعية يرجح أن يحقق حزب العمال فيها فوزاً كاسحاً يضع حداً لحكم "المحافظين" المستمر منذ 14 عاماً، وتخلله خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وتداعيات وباء كورونا وحرب أوكرانيا، إضافة إلى تقلبات اقتصادية كثيرة وفضائح سياسية مختلفة.

يتقدم العمال على خصومهم بنحو 20 نقطة منذ أشهر في استطلاعات الرأي، مما يبدد ترقب الفائز الأول في انتخابات الرابع من يوليو (تموز) المقبل، بعد حملة باهتة للحزبين الرئيسين تمحورت حول الاقتصاد والصحة الهجرة، أما ترتيب المراتب الثانية والثالثة وما بعدها في الاستحقاق الجديد فهو ما يشغل الشارع في هذه الأيام.

حرص المحامي والرئيس السابق للنيابة العامة زعيم "العمال" كير ستارمر البالغ من العمر 61 سنة على تفادي أي خطأ أو هفوة في حملته الانتخابية، إلى حد بدا أنه يفتقر للجرأة في  مواجهة رئس الوزراء ريشي سوناك، المصرفي ورجل الأعمال المنحدر من أصول مهاجرة الذي يبلغ 44 سنة، ويعتقد أنه أكثر ثراء من الملك تشارلز.

بعد وصوله إلى قيادة "العمال" قبل أربع سنوات إثر هزيمة قاسية في عهد اليساري جيريمي كوربن، عمل ستارمر على إعادة تركيز الحزب في الوسط وتطهيره من معاداة السامية التي اتهم سلفه بالسماح في انتشارها. يتسم ستارمر بالجدية والصرامة، ولا يثير الحماسة كزعيم "العمال" الأسبق توني بلير عام 1997، لكنه يعد بـ"التغيير" بعد "الفوضى والانقسام" اللذين يتهم "المحافظين" ببثهما منذ تسلمه السلطة عام 2010، مع تعاقب خمسة رؤساء حكومة من الحزب الأزرق على المنزل رقم 10 وسط لندن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المناظرة الأخيرة

يبدي البريطانيون من جميع أنحاء البلاد استياءهم حيال لوائح الانتظار الطويلة في نظام الصحة العامة، وتراجع الخدمات العامة وتردي البنى التحتية. وقال فرانك هاسلام المتقاعد السبعيني الذي التقته "وكالة الصحافة الفرنسية " في سوق مدينة بوري شمال إنجلترا، إن كل شيء تدهور ولا يرى أي خير للمستقبل في هذا البلد، على حد تعبيره.

على وقع حالة التململ هذه إزاء ما آلت إليه الأمور في عهد المحافظين، التقى رئيس الحكومة وزعيم المعارضة العمالية في ثلاث مناظرات قبيل انتخابات 2024. تباينت استطلاعات الرأي في تقدير نتائجها شعبياً، ولكن الخلاصة لم تتغير وبقي كير ستارمر هو المرشح الأقوى لقيادة المملكة المتحدة في السنوات الخمس المقبلة، كما لم تتحسن التوقعات إزاء الهزيمة التي يمكن أن تطاول الحزب الأزرق في الاستحقاق بل ازدادت سوءاً.

في المناظرة الأخيرة اتخذ النقاش بين المتنافسين شكلاً من الهجوم الشخصي، فاتهم سوناك خصمه العمالي بالتعامل مع الناس على أنهم "حمقى" في خططه للحد من الهجرة القانونية وغير الشرعية، بينما اتهمه ستارمر زعيم "المحافظين" بـ"الانفصال عن الواقع" لأنه ثري ويصعب عليه تقدير احتياجات الناس في الخدمات العامة. 

وكما كرر سوناك دعوته الناخبين إلى عدم "الاستسلام" لحزب العمال، ردد ستارمر شعاره بأن 2024 يمثل "فرصة التغيير" بعد 14 سنة من حكم المحافظين، أما الجديد فكان الحديث عن فضيحة المراهنات على موعد الانتخابات التي طاولت بعض كبار أعضاء الحزب الحاكم ومرشحاً من "العمال" يخضعون جميعهم لتحقيقات أمنية.

يقول الدبلوماسي والمتحدث السابق باسم الحكومة البريطانية جيرالد راسل، إن المناظرات التي جربت بين الأحزاب لم تغير من النتائج المتوقعة ولم تضف للعمال كثيراً من الدعم، لافتا في حديث مع "اندبندنت عربية" إلى أن استطلاعات الرأي لم تتغير تقديراتها على نحو واسع، وما زالت الرغبة بإزاحة "المحافظين" عن السلطة هي الميزة الغالبة والمحرك الرئيس لتوجهات الناخبين في الاستحقاق المقبل.

عهد المحافظين

في ظل سياسة التقشف الشديدة في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، دعا رئيس الوزراء في حينه ديفيد كاميرون عام 2016 إلى الاستفتاء الذي أدى بعد سنوات من الخلاف والانقسامات إلى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي، ثم خلفته تيريزا ماي التي أطاح بها فشل الحصول على اتفاق طلاق بين لندن بروكسل يوافق عليه البرلمان، وبعدها بوريس جونسون الذي حقق "بريكست" واعداً بعصر ذهبي جديد.

بعد تسجيله انتصاراً غير مسبوق منذ المرأة الحديدة مارغريت ثاتشر في الانتخابات البرلمانية خلال ديسمبر (كانون الأول) 2019، اضطر رئيس بلدية لندن السابق إلى الاستقالة تحت ضغط ما يسمى بـ"فضائح الحفلات" التي اتهم فيها جونسون بمخالفة قواعد الإغلاق خلال وباء كورونا. خلفته في المنصب ليز تراس التي لم تستمر ولايتها سوى 49 يوماً، بعدما تسببت خططها لإقرار تخفيضات ضريبية من دون تأمين تمويل لها، ببث الذعر في الأسواق المالية مما أدى إلى انهيار قيمة الجنيه الاسترليني مباشرة.

سعى ريشي سوناك منذ وصوله إلى السلطة خلفاً لتراس في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 إلى ترتيب الوضع والنهوض بالحزب، لكنه وقع في فخ وعوده مثل طرد اللاجئين إلى دولة رواندا، أو وضع حد لتوافد "مهاجري القوارب" عبر بحر المانش، إضافة إلى إخفاقه في تقليص قوائم الانتظار على خدمات الصحة الوطنية، وخفض الدين العام الذي وصل إلى ما يعادل قيمة الناتج المحلي الإجمالي للدولة وفق تقارير مختصة. 

استفاد سوناك من تحسن طفيف في الوضع الاقتصادي بعد أزمة كلفة المعيشة، فدعا إلى الانتخابات في الصيف بدل الخريف، غير أن صعوبات عديدة اعترضت حملته، مثل تداعيات مغادرته لفعاليات ذكرى انتهاء الحرب العالمية، وفضيحة الرهانات غير القانونية على تاريخ الانتخابات التي يبدو أن عدداً من دائرته متورط فيها.

 

عوامل معلقة

يبدو فوز كير ستارمر مؤكداً، لكن هناك بعض العوامل غير المحسومة تدفع إلى انتظار نتائج الانتخابات المقبلة، إذ ينصب الاهتمام على حزب "ريفورم" المعادي للهجرة، وهو الأكثر يمينية بين أحزاب بريطانيا، مع احتمال فوز زعيمه نايجل فاراج الذي تصدر حملة "بريكست" بمقعد في البرلمان بعدما فشل سبع مرات من قبل.

استطلاعات الرأي الأكثر تشاؤماً بالنسبة إلى المحافظين تتوقع ألا يبقى لهم سوى عشرات النواب في مقابل 344 مشرعاً في البرلمان المنتهية ولايته، حتى ريشي سوناك نفسه يمكن أن يفقد مقعده ليكون أول رئيس حكومة منتهية ولايته يخسر في دائرته، والطامة الكبرى أن الحزب الأزرق قد يبعد من السلطة والمعارضة للمرة الأولى في تاريخه.

العقبة ذاتها تعترض السباق لخلافة سوناك، إذ من غير المؤكد أن يحتفظ عدد من المرشحين لهذا الموقع بمقعدهم البرلماني، كما يمكن أن يشهد الحزب انسحاب بعض أعضائه لصالح أحزاب أخرى، ناهيك عن أن أكثر من 120 مشرعاً محافظاً قرروا عدم الترشح أو الانسحاب من الحياة السياسية تماماً قبل استحقاق عام 2024.

من العوامل المعلقة أيضاً مدى تأثير حرب غزة ومقاطعة الجاليتين العربية والمسلمة لحزب العمال في الانتخابات المقبلة، كذلك فرص الرقم القياسي من المستقلين الذين تقدموا للاستحقاق الجديد، سواء بملء إرادتهم أم بعدما حرموا من الترشح عن أحزابهم مثلما حدث مع النائبين العماليين السابقين جيرمي كوربين وفايزة شاهين.  

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات