Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لمن أصوات اليهود؟ ماضي اليمين الفرنسي ينازع مستقبله

لم ينجح بالتخلص من إرثه التاريخي في معاداة السامية وتساؤلات مستمرة حول التوافق بين الهوية الدينية والانتماء السياسي

أنصار يرفعون الأعلام الفرنسية بينما تلقي رئيسة "التجمع الوطني" مارين لوبان خطاباً انتخابياً (أ ف ب)

ملخص

إلى أين تتجه بوصلة اليهود في فرنسا، وهل هناك احتمالات لعودة حدة معاداة السامية في ظل حلول حزب من الأحزاب المعادية للسامية في هذه الانتخابات؟

عندما فازت مارين لوبان زعيمة حزب "التجمع الوطني" في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية في فرنسا بدأت بعض الأحزاب السياسية تواجه اتهامات بمعاداة السامية. ويعتبر هذا الاتهام سلاحاً سياسياً قوياً قد يؤثر بشكل كبير على آراء الناخبين، بخاصة الناخبين اليهود الذين يعبرون عن قلقهم إزاء تصاعد حالات معاداة السامية.

ومع تشديد القوانين في فرنسا على منع التعبير العلني عن الكراهية تجاه اليهود، تزداد التوترات السياسية حول اتهامات التمييز ضد السامية، مما يثير تساؤلات حول ما يعتبر تمييزاً ضد السامية وما لا يعتبر كذلك. وهذا يطرح أيضاً أسئلة حول مدى تأثير بوصلة اليهود في الانتخابات التشريعية الفرنسية.

تحت المجهر

من بين الأحزاب التي وُجهت إليها اتهامات بمعاداة السامية يتصدر حزب "فرنسا الأبية" بقيادة جان لوك ميلانشون القائمة بسبب مواقف بعض أعضائه وتصريحاتهم المثيرة للجدل حول إسرائيل والقضية الفلسطينية. في حين يبرر الحزب مواقفه بأنه يعارض الصهيونية وليس السامية، لكن الحد الرقيق بين الاثنين يظل محور جدل في النقاشات السياسية.

بالإضافة إلى ذلك، واجه حزب "الجبهة الوطنية"، الذي أسسه جان ماري لوبان وضم عدداً من النازيين القدامى، انتقادات شديدة بسبب جهوده المكثفة لجذب الأصوات اليهودية في فرنسا، بخاصة بعد الأحداث التي شهدتها إسرائيل، مما زاد من التوترات داخل المجتمع الفرنسي وبين الأوساط اليهودية.

في السياق نفسه، تسعى الأحزاب والشخصيات المتهمة بمعاداة السامية إلى الدفاع عن أنفسها من خلال توضيحات وتبريرات لمواقفها وتصريحاتها، مؤكدة أن انتقاداتها تأتي من منطلق سياسي شرعي وليس من حيث الكراهية العرقية أو الدينية.

 

 

في هذا السياق، صرح الباحث السياسي نبيل شوفان قائلاً، "على رغم محاولة حزب (الجبهة الوطنية) بقيادة مارين لوبان إصلاح ما أفسده برونو ميجريت خلال التسعينيات، فإنه منذ سنوات يعلن نفسه درعاً لليهود ضد معاداة السامية والإسلاموفوبيا."

وتابع شوفان، "بعد هجوم (حماس) في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سارع الحزب بالوقوف إلى جانب الدولة اليهودية في حربها ضد الإرهاب الإسلامي في الشرق الأوسط، وأيضاً الفرنسيين في مواجهة معاداة السامية التي يتهمون جزءاً من اليسار المتطرف بتغذيتها."

وأشار شوفان إلى أن زعيمة الحزب مارين لوبين، أكدت أن (الجبهة الوطنية) تدافع عن أمن إسرائيل، على رغم من صعوبة العلاقة التي كانت بين جان ماري لوبان والجالية اليهودية. وأكدت المرشحة الرئاسية السابقة أن معاداة السامية في حزبها أسهمت في قرار استبعاد والدها من الحزب الذي أسسه.

وجاء في حديث جوردان بارديلا إلى اليهود في فرنسا، أن "التجمع الوطني" يعتبر درعاً ضد الأيديولوجيات الإسلامية بالنسبة إلى عديد من الفرنسيين من ذوي الديانة اليهودية، من دون الانتباه إلى حقيقة أن اليهود والمسلمين الفرنسيين هم جيران وأصدقاء وزملاء عمل، وقبل كل شيء هم أبناء فرنسا وإحدى قيمهم الأساسية هي الأخوة بموجب العقد الاجتماعي للجمهورية الفرنسية الخامسة.

يشير شوفان إلى أنه حتى عام 1970، كان الحزب اليميني المتطرف يفتخر بالشخصيات البارزة مثل بريمو دي ريفيرا مؤسس حركة "الكتائب" الفاشية، والصحفي روبرت برازياك مؤسس صحيفة "جو سوي بارتو"، التي كانت تدعم الحركات الفاشية حتى انتصار شارل ديغول في الحرب العالمية الثانية وإغلاقها.

ويلفت الباحث السياسي إلى أن اليمين المتطرف لا يتمتع بمصداقية تبعث على الاطمئنان بالنسبة إلى اليهود الفرنسيين، مع حقائق تدل على وجود علامات أيديولوجية معادية للسامية، بعضها مباشرة وبعضها غير مباشرة ولكنها تأخذ بعداً عميقاً.

ورداً على سؤال حول احتمالية تصويت اليهود لحزب لوبان ومسار بوصلتهم، أوضح شوفان أنه على رغم انتشار الدعوات داخل الجالية اليهودية بمقاطعة التصويت، هناك أصوات صحفية دعت إلى التصويت لمن يتخذ موقفاً ثابتاً ضد معاداة السامية، ويظهر واضحاً في معاداة السامية الجديدة".

إرث التاريخ

تاريخياً، ارتبط حزب التجمع الوطني بقيادة جان ماري لوبان بتصريحات وفضائح معادية للسامية، وعلى رغم الجهود التي بذلتها مارين لوبان لتحسين صورة الحزب والتخلص من إرث والدها، لكن التهمة لا تزال تطارد الحزب. فتصريحات سابقة وأعضاء متطرفون في الحزب يستمرون بإحداث جدل، مما يعزز المخاوف من استمرار وجود تيارات معادية للسامية داخل الحزب.

تأسس حزب "التجمع الوطني" الفرنسي، المعروف سابقاً باسم "الجبهة الوطنية"، عام 1972 على يد جان ماري لوبان. منذ نشأته كان الحزب مثيراً للجدل بسبب مواقفه القومية المتطرفة وآرائه العنصرية والمعادية للمهاجرين. ومن بين الاتهامات التي واجهها الحزب منذ تأسيسه معاداة السامية. وترتبط جذور معاداة السامية في حزب "التجمع الوطني" بشكل كبير بمؤسسه جان ماري لوبان، الذي عُرف بتصريحاته المثيرة للجدل، والتي غالباً ما تضمنت إشارات معادية للسامية. ففي عام 1987 أثار لوبان جدلاً واسعاً عندما وصف غرف الغاز النازية بأنها "تفصيل" في تاريخ الحرب العالمية الثانية. هذا التصريح وغيره من التصريحات المشابهة عزز الصورة السلبية للحزب كمنظمة تتبنى مواقف معادية لليهود.

 

 

على رغم محاولات الحزب تغيير صورته في السنوات الأخيرة، فإن ماضيه لا يزال يلاحقه. في عام 2011 تولت مارين لوبان، ابنة جان ماري لوبان، قيادة الحزب وسعت إلى تحسين صورته وجعله أكثر قبولاً في الأوساط السياسية والعامة. حاولت لوبان الابتعاد من التصريحات المباشرة المعادية للسامية والتركيز على قضايا أخرى مثل الهجرة والأمن والهوية الوطنية. وعلى رغم الجهود المبذولة لتحسين صورة الحزب لا يزال "التجمع الوطني" يواجه اتهامات بمعاداة السامية. عديد من النقاد يرون أن التحولات في الحزب سطحية، وأن الجوهر العنصري والمعادي للأقليات لا يزال قائماً. حوادث متعددة وتصريحات مثيرة للجدل من قبل بعض أعضاء الحزب تستمر في تعزيز هذه النظرة.

من جهة أخرى، لم ينجح اليمين الفرنسي في التخلص من إرثه التاريخي في معاداة السامية، حيث لا تزال بعض التيارات اليمينية تحمل مشاعر عدائية تجاه اليهود، تشابه تلك التي سادت خلال فترة قضية دريفوس أو التي دعمها بول دروموند. هذه المشاعر تجعل اليهود يترددون في الانحياز إلى اليمين كخيار سياسي.

عندما تعرضت فرنسا لهجمات إرهابية من قبل متطرفين إسلاميين استهدفت ضحايا يهوداً، أثر ذلك على الدعم السياسي المقدم لمارين لوبان من بعض الناخبين اليهود في الانتخابات الرئاسية. على رغم أن هذا الدعم كان محدوداً إلا أنه كان ملحوظاً بما يكفي. في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) استغل "التجمع الوطني" الفرصة لتأكيد مواقفه، حيث عبر قادة الحزب عن تضامنهم مع الجالية اليهودية في فرنسا ودعمهم للرد العسكري الإسرائيلي.

نوايا "التجمع الوطني"

في الوقت الحاضر، تتزايد التوترات والمخاوف حول نوايا حزب "التجمع الوطني" الفرنسي، بخاصة بعد حملاته السابقة ضد وجبات الـ"كوشير" في المدارس، ودعوته لحظر ارتداء الـ"كيبا" للرجال اليهود في الأماكن العامة. زعيم الجالية اليهودية في سارسيل، مويس كحلون، أبدى فهمه لجذب بعض الأشخاص نحو "التجمع الوطني" بسبب أحداث أكتوبر، لكنه عبر عن أسفه لاستخدام دعم اليهود لأغراض سياسية، محذراً من أن هذا النوع من السياسة قد يؤدي إلى تقسيم الجالية اليهودية.

لسنوات عدة شهد حزب "التجمع الوطني" الفرنسي اهتماماً متزايداً بجذب الأصوات اليهودية، وارتفعت هذه الجهود بشكل خاص بعد الهجوم الذي نفذته "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي. هذه الأحداث زادت من التوترات داخل المجتمع الفرنسي، بخاصة في الأوساط اليهودية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم أن المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا أشار إلى جهود حزب "التجمع الوطني" لجذب الأصوات اليهودية، فإنه حذر من المبالغة في هذا الأمر، مؤكداً عدم وجود بيانات تدعم فكرة تأثير كبير لهذا الحزب على الأصوات اليهودية.

وأشار تقرير هيئة مراقبة حقوق الإنسان الفرنسية في السنة الأخيرة، إلى تجاهل بعض الأحزاب لمسائل معاداة السامية، بما في ذلك بعض الأحزاب اليسارية المتطرفة ودوائر علماء البيئة. كما ألقى التقرير الضوء على التوجهات العنصرية ودعوات الكراهية داخل أقصى اليمين والفئات المقربة من حزب "التجمع الوطني".

يبقى هناك قلق مستمر في شأن تقلبات مواقف حزب "التجمع الوطني" وتناقضها حول القضايا اليهودية، مما يؤثر على رؤية واضحة حيال مصالح الجالية اليهودية في فرنسا.

أفق تحسين الصورة

هذه التطورات تأتي في سياق تزايد الشعور بالهوية الدينية والسياسية بين الجالية اليهودية، وبخاصة في ظل التحديات المتنامية المتعلقة بمعاداة السامية في فرنسا، بما في ذلك التعبيرات المتزايدة عن العداء تجاههم في السياسة الفرنسية. بالإضافة إلى ذلك يثير دعم بعض أفراد الجالية اليهودية لحزب "التجمع الوطني" تساؤلات حول التوازن بين الانتماء السياسي والهوية الدينية.

سيرج كلارسفيلد، المؤرخ والناشط في حقوق الإنسان، أعرب عن دعمه لحزب "التجمع الوطني"، مشيراً إلى أن الحزب لا يتبنى سياسات معادية للسامية كما تفعل بعض الأحزاب اليسارية المتطرفة. في هذا السياق أكد كلارسفيلد أن دعمه للحزب يأتي في إطار حاجة متزايدة لتعزيز الأمن ومكافحة التطرف، مما يثير تساؤلات مستمرة حول مدى التوافق بين الهوية الدينية لليهود والانتماء السياسي في فرنسا المعاصرة.

 

 

من جهة أخرى، يجد اليهود الفرنسيون أنفسهم في مأزق بين خيارات صعبة في الساحة السياسية الحالية، حيث لا توجد لديهم خيارات واضحة أو مريحة. وفي ظل الانقسامات المتصاعدة والتوترات المستمرة المتعلقة بمعاداة السامية، يصبح من الضروري بشكل متزايد البحث عن حلول سياسية واجتماعية جديدة تضمن لهم الأمن والاستقرار، وتبتعد عن الانزلاقات المتجددة نحو التطرف والعنف.

ختاماً يبقى السؤال: إلى أين تتجه بوصلة اليهود في فرنسا، وهل هناك احتمالات لعودة حدة معاداة السامية في ظل حلول حزب من الأحزاب المعادية للسامية في هذه الانتخابات؟

المزيد من تقارير