ملخص
يخشى سكان غزة كثيراً المرحلة الثالثة للحرب والتي تعني بالنسبة إليهم الهرب بسرعة حتى من دون اصطحاب أمتعتهم.
مبتسماً أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن خطته الآن تشير إلى بدء المرحلة الثالثة من العملية العسكرية الإسرائيلية في حرب القطاع، وهي مرحلة "جز العشب" التي تتمثل في تنفيذ عمليات هجوم خاطفة ومحدودة ضد ما تبقى من قوة حركة "حماس" التي يرغب في القضاء عليها كأحد أهداف الحرب.
وفي أول نموذج عملي على أرض الواقع للمرحلة الثالثة حصل الجيش الإسرائيلي على معلومات استخباراتية مهمة تفيد بأن "حماس" تعيد بناء قدراتها العسكرية والمالية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، أي في النصف الشمالي للقطاع. وبناء على تلك المعلومات توغلت الدبابات الإسرائيلية رفقة مدرعات ومعدات هندسية في الحي بصورة مفاجئة ومن دون سابق تحذير أو إنذار، وبعد أن تمكنت القوات من محاصرة الشجاعية طلب المتحدث باسم الجيش من سكان المنطقة الإخلاء الفوري، لحمايتهم وأمنهم.
اهربوا بسرعة
وبسرعة هرب السكان من الشجاعية ولم يكن لديهم الوقت لتنفيذ الأوامر العسكرية، وتحدثت "اندبندنت عربية" إلى عدد من السكان الهاربين وسألتهم عن صورة المرحلة الثالثة، ويصف سلامة مريش الوضع قائلاً "فجأة سمعنا صوت الدبابات في المنطقة وبدأوا بواسطة مكبرات الصوت يطلبون منا الإخلاء الفوري".
وحمل سلامة حقيبة طوارئه على ظهره محتضناً طفله بين يديه وهرب راكضاً من الشجاعية نحو حي آخر غرب المدينة. وأضاف "المرحلة الثالثة من الحرب تعني رعباً حقيقياً لأنه فجأة تجد الجيش أمام بيتك ويطالبك بالإخلاء".
وتقول ملاك أبو حطب تلك الفتاة التي تساعد والديها الكبيرين سناً "سمعت عن بدء المرحلة الثالثة من الحرب وأنها أقل عنفاً، وحينها استبشرت بأن فرص النجاة ستكون أفضل لكن فجأة طلب مني الإخلاء من حي الشجاعية".
وجهزت ملاك قليلاً من الأمتعة التي تلزم لوالديها وسحبتهما بواسطة عربة صغيرة وأخذت تركض في الشوارع بحثاً عن أية نجاة، وقالت "إن يداهم الجيش أية منطقة في غزة يظن أنها بؤرة لـ’حماس‘ فهذا شيء خطر جداً، لأنه يعرض حياتنا لخطر فضلاً عن أن أوامر الإخلاء تكون فورية".
وذكرت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية "كان" أن المستوى السياسي في تل أبيب وافق على انتقال الجيش إلى المرحلة الثالثة من الحرب في غزة خلال شهر يوليو (تموز) الجاري، ولم تحدد موعداً لبدء تنفيذ هذه المرحلة، لكن "القناة 13" العبرية أعلنت بصورة رسمية أن المرحلة الثالثة بدأت فعلاً. وذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية أن المرحلة الثالثة للحرب تدخل حيز التنفيذ بمجرد انتهاء عمليات الجيش في رفح أقصى جنوب قطاع غزة.
وبعيداً من موعد بدئها، ما المرحلة الثالثة من الحرب؟ وماذا يعني الانتقال إليها؟ وما تأثيرها في سكان غزة؟ وهل تطبيقها يقضي فعلياً على ما تبقى من حركة "حماس"؟ وكم ستستغرق هذه المرحلة؟
ماذا عن المرحلة الثالثة؟
في بداية الحرب التي انطلقت خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أعلن الجيش الإسرائيلي عن المرحلة الأولى للقتال والتي تمثلت في القضاء على عناصر "حماس" الذين تسللوا إلى المناطق الإسرائيلية، وتدمير بنية الحركة داخل قطاع غزة من الجو. واستغرقت هذه المرحلة 21 يوماً فحسب.
وبعدها انتقل الجيش الإسرائيلي إلى المرحلة الثانية من القتال وهي أعنف مراحل الحرب، إذ تخللها اقتحام بري لكل مدن قطاع غزة تقريباً في شأن تدمير بنية "حماس" تحت الأرض وفوقها والقضاء على عناصر الحركة بصورة فعالة في الميدان، واستغرقت هذه المرحلة العنيفة نحو ثمانية أشهر متواصلة.
وبحسب نتنياهو فإن القوات الإسرائيلية تتقدم نحو "نهاية مرحلة القضاء على جيش ’حماس‘"، ويقول صراحة "سيكون هناك استمرار لضرب ما تبقى من عناصر ’حماس‘. نحن نقترب من الإعلان عن انتهاء المرحلة الثانية من الحرب والانتقال إلى مرحلة أقل حدة".
ووفق تعريف "كان" للمرحلة الثالثة من الحرب فإنها تعني "جز العشب" أي التركيز على عمليات خاطفة محدودة بهدف القضاء على ما تبقى من عناصر "حماس"، وذلك لتحقيق أحد أهداف الحرب وهو القضاء على قدرات الحركة ومنعها من الحكم أو القدرة على شن هجمات ضد إسرائيل.
وفي المرحلة الثالثة من الحرب على غزة فإن الجيش الإسرائيلي سيسحب قواته من داخل الأحياء والمدن في القطاع ولكنه لن يغادر غزة، وسيتمركز الجنود في محوري نتساريم وفيلادلفيا بهدف إطلاق عمليات ضد "حماس" من تلك المناطق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل سيقضى على "حماس"؟
وفقاً لخطة الجيش الإسرائيلي فإن قواته لن تتحرك في غزة إلا بناء على معلومات استخباراتية تفيد بأن هناك احتمالاً لوجود رهائن محتجزين أو قادة للفصائل الفلسطينية متخفين أو قدرات وعناصر لـ"حماس" يخططون لتنفيذ أنشطة ضد إسرائيل، أو بنى تحتية لم تصل إليها القوات المسلحة.
ولا تقتصر المرحلة الثالثة من الحرب على "جز العشب" فحسب بل تبحث عن صورة "اليوم التالي للحرب". وبحسب خطة الجيش فإنه خلال تلك المرحلة سيعود سكان شمال غزة إلى ثلاث مناطق وسيشكل في تلك البقع إدارة محلية بعيدة من "حماس"، ويعلنها بعد ذلك "فقاعات إنسانية".
وبصورة تدريجية ومع مرور الوقت يضمن الجيش الإسرائيلي أنه قضى على ما تبقى من قوة لـ"حماس" وشكل في الوقت ذاته إدارة مدنية للقطاع. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت "نحن بصدد الانتقال من المناورة الحربية المكثفة إلى أنساق أخرى من العمليات الخاصة، سنعمل فيها على تثبيت خطة الفقاعات الإنسانية وهي اليوم التالي للحرب".
كم تستغرق وقتاً؟
من غير الواضح كم ستستغرق المرحلة الثالثة من وقت لكن المؤكد أن هدفها إطالة أمد المواجهة، إذ يقول الباحث في الشؤون العسكرية العقيد شادي النقلة "في حرب غزة لا يوجد استحقاقات قاطعة تدل على الانتقال من مرحلة إلى أخرى، وهناك تداخل كبير في مراحل القتال"، مضيفاً أن "قطاع غزة شهد خلال الأسابيع الماضية عمليات إسرائيلية بأنماط عسكرية جديدة تختلف عن صورة المناورات البرية الكبرى وفق قراءة عملية والشجاعية وبحسب ما هو معلن من الجانب الإسرائيلي فإنها تتركز على مبادئ عدة ومحددات عسكرية منها توافر معلومات استخباراتية دقيقة، والاعتماد على السرعة والمفاجأة فضلاً عن عنصر التكامل في عمليات إطلاق النار، مما يعني أن المرحلة الثالثة بدأت".
ويوضح الباحث العسكري أن "أية عملية عسكرية في المرحلة الثالثة تشمل إنجاز الهجوم في وقت قصير يراوح ما بين ساعات إلى أيام قصيرة، بخلاف ما كان في المرحلة الثانية والتي تراوحت مدة عملياتها العسكرية ما بين أسابيع وأشهر".
ويعتقد النقلة أن هذه المرحلة قد تمتد إلى أشهر عدة وربما إلى آخر العام الحالي، وفيها ستسعى تل أبيب إلى التأسيس لمرحلة حكم غزة في اليوم التالي مما يعني إطالة أمد المواجهة إلى أطول فترة زمنية ممكنة.
كيف تؤثر في سكان غزة وما رأي "حماس"؟
منذ انطلاق عملية الشجاعية كأول نموذج للمرحلة الثالثة بات سكان غزة يخشونها، إذ إن خطرها كبير عليهم لدرجة أنهم لن يمنحوا وقتاً كافياً للنزوح وستكون الخسارة البشرية في صفوف المدنيين مرتفعة جداً.
أما من جهة حركة "حماس" فقال عضو المكتب السياسي فيها محمد نزال "إننا مستعدون لدراسة مستقبل غزة وجاهزون لإنهاء الحرب ولكن من باب صفقة تبادل"، لكن في الوقت نفسه "لا نخاف من التهديدات الإسرائيلية في شأن المرحلة الثالثة. هذه الحرب قامت من أجل أهداف ونحن نسعى إلى تحقيقها".