Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يريد الساسة الأميركيون كبار السن البقاء في مناصبهم؟

المشكلة يبدو أنها لا تقتصر على المنصب الرئاسي بل تمتد إلى كونها حالة عامة تشمل النخبة التي أصبحت توصف بأنها حكومة الشيخوخة

بايدن وترمب ليسا الزعيمين الوحيدين المتقدمين في السن (رويترز)

ملخص

ربما يكون الأهم هو حقيقة أن الأنظمة القديمة تمنع الأفكار الجديدة من الدخول إلى النخبة الصغيرة التي تصنع السياسة الوطنية في الولايات المتحدة، وفي الوقت الحالي لا تظهر الحكومة الأميركية المسنة أية علامات على أن تصبح أصغر سناً في أي وقت قريب.

فما ينتظر الولايات المتحدة في قادم الأيام؟

منذ المناظرة الانتخابية الكارثية التي كشفت عن تدهور الحالة الإدراكية للرئيس الأميركي جو بايدن تضاعفت ضغوط الديمقراطيين لإقناعه بالتنحي، لكنه لا يزال يصر على التشبث بالسلطة واستمرار ترشحه لانتخابات الرئاسة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، غير أن المشكلة يبدو أنها لا تقتصر على المنصب الرئاسي، بل تمتد إلى كونها حالة عامة تشمل النخبة السياسية الأميركية التي أصبحت توصف بأنها حكومة الشيخوخة أو حكم كبار السن.

فما الأسباب التي جعلت أميركا مختلفة عن الديمقراطيات الأخرى؟ ولماذا يظل كبار السن من السياسيين المنتخبين في مناصبهم لفترات طويلة ولا يطيحهم الشباب؟

حكم كبار السن

تعد أنظمة الحكم التي تتسم بالشيخوخة أكثر شيوعاً بين القيادات الدينية مثل الفاتيكان أو آيات الله في إيران، كما كانت شائعة أيضاً في اللجان الحاكمة الشيوعية مثل المكتب السياسي السوفياتي خلال الحرب الباردة، لكن في الديمقراطيات الغربية يكون القادة المسنون أقل شيوعاً، ففي بريطانيا بلغ عمر رئيس الوزراء ريشي سوناك 44 سنة، كما يبلغ عمر رئيس الوزراء المنتخب حديثاً كير ستارمر 61 سنة، وفي فرنسا بلغ عمر الرئيس إيمانويل ماكرون 46 سنة، وفي كندا بلغ عمر رئيس الوزراء جاستن ترودو 52 سنة، أما في إيطاليا فقد بلغ عمر رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني 47 سنة.

 

ومع ذلك تبدو الولايات المتحدة الآن في حالة تناقض واضح مع الديمقراطيات الغربية، فالرئيس الحالي جو بايدن سيبلغ 82 سنة بعد أربعة أشهر، وهو أكبر رئيس في تاريخ أميركا، كما يبلغ عمر منافسه الجمهوري دونالد ترمب حالياً 78 سنة، وكان ثاني أكبر رئيس بعد رونالد ريغان يشغل المكتب البيضاوي، إذ ترك ريغان منصبه عن عمر يناهز 77 سنة في حين ترك ترمب منصبه في سن 74 سنة، مما جعله ثالث أكبر من يتولى هذا المنصب خلف بايدن وريغان، وإذا فاز ترمب بالانتخابات المقبلة سيتجاوز بايدن كأكبر رئيس أميركي سناً لأنه سينهي ولاية حكمه الثانية في يناير (كانون الثاني) 2029 بعد أن يكمل 82 سنة بسبعة أشهر.

خارج البيت الأبيض

لا تقتصر مشكلة شيخوخة النخبة السياسية في أميركا على شاغلي المنصب الرئاسي في البيت الأبيض، إذ إن بايدن وترمب ليسا الزعيمين الوحيدين المتقدمين في السن، بل هو اتجاه مشترك بين الحزبين، فزعيم الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر يبلغ من العمر 73 سنة، وزعيم الأقلية الجمهورية ميتش ماكونيل يبلغ من العمر 82 سنة، وتجاوز عمر أكبر أعضاء مجلس الشيوخ سناً، وهو السيناتور الجمهوري تشاك غراسلي 90 سنة، ولا يخطط للتقاعد، بينما بلغ السيناتور المستقل بيرني ساندرز 82 سنة ولم يذكر التقاعد على الإطلاق.

وفي مجلس النواب تترشح نانسي بيلوسي الديمقراطية من كاليفورنيا ورئيسة مجلس النواب السابقة البالغة من العمر 84 سنة لإعادة انتخابها لفترة ولايتها الـ19، ويبلغ عمر كل من بيل باسريل جونيور وهو ديمقراطي من ولاية نيو جيرسي وإليانور هولمز نورتون وهي ديمقراطية عن واشنطن العاصمة 87 سنة، ويبلغ عمر كل من الجمهوري هارولد روجرز من ولاية كنتاكي والديمقراطي ماكسين ووترز من كاليفورنيا 86 سنة، بينما يبلغ عمر النائب الديمقراطي عن ولاية ماريلاند ستيني هوير 86 سنة، والقائمة تطول، في حين لم يشر أي من هؤلاء السياسيين إلى أنه سيتقاعد قريباً.

وبصورة عامة هناك 20 عضواً في الكونغرس بمجلسيه يتجاوز 80 سنة، بينما يبلغ متوسط أعمار المشرعين في مجلس النواب 57.9 سنة، وفي مجلس الشيوخ 65.3 سنة، مما يجعله ثالث أكبر كونغرس من حيث متوسط الأعمار في التاريخ الأميركي لدرجة أن صيدلياً في "الكابيتول" هيل تصدر عناوين الأخبار قبل بضع سنوات عندما كشف عن أنه كان يقدم الوصفات الطبية لعلاج مرض ألزهايمر لأعضاء الكونغرس.

استياء متصاعد

وعلى رغم أن حالة التذمر ترتفع وتيرتها الآن في شأن حالة بايدن الإدراكية وهفواته وعثراته التي لا تنتهي، فإنها كانت موجودة في شأن السياسيين من كبار السن في واشنطن منذ فترة طويلة، وعبرت عنها استطلاعات للرأي أشارت إلى أن ستة من كل 10 أميركيين يشعرون بقلق شديد من أن أعضاء الكونغرس أكبر من أن يمثلوا الشعب الأميركي بحسب استطلاع أجرته "رويترز" ومركز "إبسوس،" كما نشرت شبكة "سي بي أس نيوز" استطلاعاً مختلفاً أجرته مؤسسة "يوغوف"، ووجدت أن ثلاثة أرباع الأميركيين يعتقدون أنه يجب أن يكون هناك حد أقصى لسن الخدمة في المناصب المنتخبة وأنه يجب ألا يتجاوز 70 سنة.

وارتفعت دعوات إلى فرض حدود عمرية للمناصب الفيدرالية المنتخبة، بخاصة أن ضباط إنفاذ القانون الفيدراليين يخضعون للتقاعد الإلزامي عند سن الـ57 سنة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حراس المتنزهات الوطنية، ومع ذلك فإن الوظيفة الأكثر إرهاقاً في العالم (رئيس الولايات المتحدة) ليس لها حد أقصى للعمر.

ولا ينسحب هذا على تيار سياسي أو حزب بعينه، فخلال الانتخابات التمهيدية دعا المرشحون الجمهوريون للرئاسة مثل نيكي هيلي (52 سنة) وفيفيك راماسوامي رجل الأعمال في مجال التكنولوجيا الحيوية البالغ من العمر 39 سنة إلى تغيير الأجيال، بل دعت هيلي إلى إجراء اختبارات الكفاءة العقلية للمرشحين الذين تزيد أعمارهم على 75 سنة قائلة إن مجلس الشيوخ هو دار رعاية المسنين الأكثر امتيازاً في البلاد.

مخاوف الشباب

ولعل أحد أسباب استياء الرأي العام الأميركي في مسألة السن هو كيف يمكن لدولة عظمى مترامية الأطراف يتمتع مسؤولوها ومشرعوها وكبار قضاتها بسلطات محلية ودولية هائلة أن تتحمل وجود قادة غير قادرين على الفصل بين القضايا المعقدة التي تحدد العصر الحالي، بخاصة حينما يتخذ القادة المسنون قرارات للأجيال المقبلة، في حين أن القادة الأصغر سناً ربما يكونون أكثر اهتماماً وقلقاً للتصدي لتغير المناخ من أولئك الذين لن يضطروا مع تقدمهم في السن إلى مواجهة الآثار الكارثية مع تصاعد درجات الحرارة وارتفاع مستويات سطح البحر وانخفاض إنتاج الغذاء في المستقبل.

ومع سيطرة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 70 سنة على السياسة الأميركية يتزايد القلق من إقصاء أصوات الشباب ومخاوفهم، فعلى رغم أن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة يشكلون غالبية سكان الولايات المتحدة، فإنهم لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة من النواب في الكونغرس.

تمييز معكوس

ووفقاً لدراسة أجرتها رابطة المتقاعدين الأميركية يعتقد 93 في المئة من البالغين فوق سن الـ50 أن التمييز على أساس السن ضد العاملين الأكبر سناً أمر سائد في مجتمع الأعمال الأميركي، وترجع جذوره إلى عوامل مثل الافتقار إلى الكفاءة التكنولوجية أو محدودية عمر العمل بسبب التقاعد الوشيك، وهو أمر ينتشر من محال البقالة إلى شركات "وول ستريت"، إذ يُتجاهل العمال الأكبر سناً في التعيينات والترقيات، كما تفضل الصناعات الأميركية القادة الشباب، ومع ذلك يظل السؤال هو لماذا يكون العكس صحيحاً عندما يتعلق الأمر بالسياسة؟

ولهذا تشير المتخصصة في الشأن القانون في جامعة "نيويورك" نيكوليتا كولباكوف إلى أنه على رغم أن الخبرة والأدوار الاستشارية لها قيمة، فإن الحكومة تعمل على إدامة نظام يبدو أنه يفضل السن على الكفاءة في المجال السياسي، بينما من الأهم إعداد أجيال جديدة من العقول النيرة لأميركا المستقبل، لأنه من المفيد للبلاد أن تدعم جيلاً جديداً من القادة القادرين على مواجهة تحديات العصر بقوة وبصيرة جديدة.

 

امتهان السياسة

لكن المشكلة الحقيقية التي تواجه المسؤولين المنتخبين في أميركا ليست فقط السن، ولكن امتهان هؤلاء السياسة بما يتناقض مع إيمان الآباء المؤسسين في الولايات المتحدة بالمشرعين المواطنين من العاملين في الصناعات المختلفة، والذين يتمتعون بخلفيات مهنية متنوعة، ويقدمون خبراتهم في العالم الحقيقي إلى الحكومة، لكن في ظل الوضع الراهن فإن السياسيين المهنيين، وهم جزء من الطبقة السياسية لا يمثلون الأميركيين العاديين.

وبحسب المتخصص في مجال القانون والمجتمع في جامعة "شيكاغو" أمان مجمودار، يعتمد هؤلاء السياسيون على إعادة انتخابهم، ويدفعهم خطر فقدان وظائفهم إلى الدفاع عن أهداف قصيرة المدى لاسترضاء الناخبين بدلاً من تقديم رؤية طويلة المدى، وهذا يؤدي إلى عدم الاستقرار، وعلى سبيل المثال، ظل الدين الوطني الأميركي، الذي بلغ الآن 33 تريليون دولار، موضع تجاهل لفترة طويلة من قبل الجمهوريين والديمقراطيين على رغم أن أكثر من 75 في المئة من الأميركيين الذين تزيد أعمارهم على 50 سنة يشعرون بالقلق من نفاد أموال الضمان الاجتماعي خلال حياتهم، وقد تخسر الولايات المتحدة هيمنتها العالمية لمصلحة الصين.

أسباب رفض التقاعد

وبالنسبة إلى الرئيس بايدن قد يكون الأمر أكثر وضوحاً في تفسير سبب رغبته الأكيدة في الاستمرار في السباق الانتخابي فهو من ناحية يرى أنه الوحيد القادر على تنفيذ المهمة أي هزيمة ترمب، كما يريد أن يحظى بفرصة كاملة في الرئاسة مثل أي رئيس آخر استكمل دورتين رئاسيتين، ويعتقد أن فرصه في الفوز لا ينبغي أن تتأثر بالأخطاء التي شابت 90 دقيقة من المناظرة الانتخابية ضد ترمب، بل يجب أن تستند إلى ثلاثة أعوام ونصف العام من منجزات ولايته الرئاسية الأولى، كما أن لدى بايدن ثأراً شخصياً مع ترمب ولا يريد أن ينسحب حتى لا يمنح الرئيس السابق فرصة النيل منه وإعلان أنه قضى عليه خلال المناظرة، لكن بالنسبة إلى باقي معظم كبار السن الآخرين مما يسمى جيل طفرة المواليد الذين ولدوا في الفترة من عام 1946 إلى عام 1964 وشكلوا أكبر مجموعة أجيال في تاريخ الولايات المتحدة حتى تجاوزهم جيل الألفية قليلاً، فإنهم يؤخرون التقاعد لأنهم لا يستطيعون التوقف عن العمل بسبب التضخم أو نقص مدخراتهم، لكن بالنسبة للقادة السياسيين الذين يتوافر لديهم كثير من الأموال في البنوك، وعديد منهم من أصحاب الملايين فسيتمتعون إذا تقاعدوا بمعاشات التقاعد الحكومية ومزايا الرعاية الصحية لذلك ليس من المحتمل أن يكون سبب رفضهم التقاعد مالياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نظريات الرفض

وتتمثل إحدى النظريات في الإنكار وفقاً للمتخصصة في مجال العلوم السياسية في جامعة فرجينيا ماري كيت كاري، إذ لا أحد يحب أن يتم تذكيره بموته، ويربط بعض الأشخاص بين التقاعد والموت غالباً بسبب آخرين يعرفونهم ماتوا بعد تنحيهم مباشرة، وهو ما قد يفسر سبب بقاء كل من السيناتورة ديان فاينشتاين وقاضية المحكمة العليا روث بادر غينسبيرغ لفترة طويلة في المنصب، وماتا وهما لا يزالان في منصبهما عن عمر يناهز 87 و90 سنة على التوالي.

وبالنسبة إلى الآخرين ربما يعتمد الأمر على الهوية، إذ يعمل عديد من كبار القادة لجعل هويتهم بأكملها مرتبطة بوظائفهم، وهناك نظرية أخرى هي "نظرية الأنا"، إذ يعتقد بعض القادة التنفيذيين وبعض المشرعين أنه لا غنى عنهم، وأنهم الوحيدون الذين يمكنهم القيام بمهمة ما، وفي عالم السياسة غالباً ما يكون اهتمامهم منصباً على السلطة، إذ يفكر هؤلاء في الاستمرار بالإدلاء بالأصوات الحاسمة في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ المنقسم بشدة، أو الاستمرار في إلقاء الخطب والتحليق على متن طائرة الرئاسة كرئيس، أو إقناع بأنهم ينقذون الديمقراطية، ولهذا من السهل معرفة السبب وراء رغبة عدد قليل منهم فقط في التقاعد أو ترك مناصبهم.

نظام سياسي معيب

ويشير متخصصون في الانتخابات إلى أن نظام الحملات السياسية صمم لإبقاء كبار السن في مناصبهم، فالسياسيون الذين يمتلكون أموالاً طائلة وراءهم، أو أولئك الذين يتمتعون بكثير من التقدير والمكانة السياسية، تكون لديهم فرص أكبر للفوز وعادة ما يكونون أكبر سناً، وهذا هو سبب فوز شاغلي المناصب في سباقاتهم لإعادة الانتخاب في أكثر من 90 في المئة من الحالات، مما يفسر سبب ضعف فرص الأصوات الجديدة والشابة في النظام السياسي الأميركي.

وربما يكون الأهم هو حقيقة أن الأنظمة القديمة تمنع الأفكار الجديدة من الدخول إلى النخبة الصغيرة التي تصنع السياسة الوطنية في الولايات المتحدة، وفي الوقت الحالي لا تظهر الحكومة الأميركية المسنة أية علامات على أن تصبح أصغر سناً في أي وقت قريب، لكن إذا دعمت الأحزاب السياسية والناخبون الشباب المرشحين من صغار السن خلال موسم الحملة الانتخابية فقد يتغير ذلك، مثلما فعل بعض السياسيين الشباب مثل بيت بوتجيج وجوش هاولي وماديسون كاوثورن وألكساندرا أوكاسيو كورتيز، إذ صنعوا أسماء لأنفسهم بين أقرانهم الأكبر سناً، لكن قصص كفاحهم ضد شاغلي المناصب تثبت أن النظام السياسي لا يعمل لصالحهم.

المزيد من تحلیل