يبدو أن السؤال المتعلق بمستقبل وجود القوات الأميركية في العراق لا يزال رهن التطورات السياسية في البلاد، خصوصاً مع تضخم النفوذ الإيراني، والتوترات التي تشهدها المنطقة على إثر الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة.
وعلى رغم التكهنات الكثيرة خلال السنوات الماضية بخصوص انسحاب أميركي من البلاد كما حصل عام 2021 في أفغانستان، إلا أن هذا السيناريو يبدو مستبعداً لدى صانعي القرار في واشنطن، مع تأكيدات مسؤولين في الإدارة الأميركية لـ "اندبندنت عربية" أن وجود القوات "مرحبّ به" من قبل حكومة "الإطار التنسيقي" التي يترأسها محمد شياع السوداني.
ولعل ما أعاد إلى الأجواء، مرة أخرى، الحديث عن مستقبل القوات الأميركية في البلاد، هو تهديد الميليشيات الموالية لإيران أخيراً باستئناف استهداف القوات الأجنبية في حال عدم التوصل إلى اتفاق يفضي إلى خروجها من العراق، الأمر الذي يضع حكومة بغداد أمام تحدٍ كبير.
مهمة مستمرة
وحصلت "اندبندنت عربية" على تصريح مقتضب من المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، بخصوص وجود القوات الأميركية في العراق، إذ قال إن إدارته "تعمل بشكل وثيق مع الحكومة العراقية من خلال اللجنة العسكرية المشتركة، والمحادثات مستمرة، لذلك لست في وضع يسمح لي أن أصرح حول أي جدول زمني لانسحاب القوات". وأضاف كيربي أن لدى واشنطن "مهمة بالغة الأهمية في محاربة تنظيم داعش في العراق، وتلك المهمة مستمرة، وسنواصل التباحث مع الحكومة العراقية بهذا الشأن". وأكد أن القوات الأميركية موجودة في العراق "بدعوة من الحكومة العراقية ونحن نقدر هذه الدعوة".
وجود مرحب به
وفي سياق متصل، حصلت "اندبندنت عربية" أيضاً على تصريحات خاصة من الخارجية الأميركية بخصوص مستقبل وجود القوات الأميركية في العراق، وقال المتحدث الرسمي الاقليمي باسم الخارجية الأميركية سام وربرج إن "المناقشات مستمرة مع الحكومة العراقية بخصوص مستقبل القوات الأميركية في البلاد"، مؤكداً "عدم وجود قرار حتى الآن بهذا الخصوص". وأضاف أن "الحكومة العراقية حتى الآن ترحب بوجود القوات الأميركية وقوات الناتو في البلاد"، مبيناً أن هذا هو "الموقف الرسمي الذي نتعاطى معه".
وبشأن تهديد الميليشيات الموالية لإيران باستئناف عملياتها، أشار وربرج إلى أن "واشنطن في النهاية لا تتعاطى مع وجهات النظر المختلفة للأحزاب، إذ لدينا علاقة رسمية مع الحكومة، وهي حتى الآن ترحب بوجود القوات الأميركية". وتابع أن "مستقبل وجود أي قوات أميركية أو قوات لحلف الناتو مرهون بدعوة من الحكومة العراقية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قادرون على حماية قواتنا
ولطالما قامت هذه الميليشيات بقصف القواعد الأميركية في العراق خلال السنوات الأربع الماضية، إلا أنها توقفت عن استهدافها قبل نحو أربعة أشهر على إثر تصعيد واشنطن ردودها التي أدت إلى مقتل عدد من القادة الميدانيين لتلك الفصائل.
وبشأن احتمال عودة الهجمات على القوات الأميركية في العراق، بيّن المسؤول الأميركي أن بلاده "قادرة على حماية قواتها، وأبواب الحكومة العراقية مفتوحة لنا لمناقشة أي قلق"، لافتاً إلى أنه "لو لم يكن الباب مفتوحاً أمامنا مع الحكومة العراقية لكان ذلك تحدياً يواجهنا". وتابع وربرج أن واشنطن "تتوقع من الحكومة العراقية اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير الحماية للقوات الأميركية وأي قوات أجنبية في البلاد". وختم أن واشنطن "لا تغضّ الطرف عن النفوذ الإيراني في المنطقة، ولا نزال نعتبر إيران أكبر راعية للإرهاب في المنطقة وربما العالم. وعندما ننظر إلى كل التحديات الأمنية والأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة نجد إيران خلفها"، مضيفاً أيضاً "لدينا مخاوف بشكل عام من استمرار النفوذ الايراني في العراق، وهذا لا يخص مؤسسة معينة فحسب بل البلد بأكمله".
ركن رئيس في "عولمة" الوجود العسكري الأميركي
في المقابل، رأى رئيس المركز "العربي- الأسترالي" للدراسات أحمد الياسري أن الملف العراقي بات ينظر إليه من قبل صانعي القرار في واشنطن بوصفه "أحد أركان عولمة الوجود الأميركي في دول العالم". وأضاف أن فكرة "تدعيم واشنطن وجود قواتها عالمياً" يعطي انطباعاً بأن أي انسحاب أو تغيير مسار لقواتها يمثّل "أمراً غير وارد في حسابات الإدارة الأميركية". وأشار الباحث في شؤون الجماعات المسلحة إلى أن "وقوع العراق ضمن مناطق العولمة العسكرية الأميركية، يجعل المبادرة والقرار فيه أميركياً حصراً، ولن تكترث واشنطن لكلام الفصائل أو حتى قرارات البرلمان والحكومة". ويبدو أن "إدراك واشنطن دوافع الميليشيات في المطالبة بخروج القوات الأميركية من البلاد والمرتبطة بالصراعات السياسية الداخلية" ما يدفعها إلى "عدم التعاطي معها بشكل جدي". ولفت إلى أن "الحكومة العراقية لن تطلب من أميركا إخراج قواتها من العراق، إذ كانت زيارة السوداني الأخيرة إلى واشنطن دليلاً واضحاً على ذلك، خصوصاً أنه لم يذكر ملف الانسحاب بل ملف الانفتاح وتدعيم القدرات العسكرية".
وتعطي رغبة حلف شمال الأطلسي "الناتو" الانفتاح وتوسعة الوجود في الشرق الأوسط لمواجهة التمدد الروسي- الصيني "انطباعاً واضحاً باستحالة الانسحاب الأميركي"، بحسب الياسري الذي أشار إلى أن "أي انسحاب سيعد تراجعاً أمام المعسكر الشرقي، خصوصاً مع إدراك واشنطن أن معادلة الصراع مع المنظومة الروسية- الصينية تمثلها إيران". وختم أن أي حديث عن المطالبات بانسحاب أميركي من العراق يمثّل "نكتة تستخدمها الأجنحة المسلحة للحصول على مكاسب داخلية".
وكان مسؤولون في حلف شمال الأطلسي قد تحدثوا، في وقت سابق، أن الاهتمام بدول "الجوار الجنوبي" الذي يشمل الشرق الأوسط وأفريقيا، يأتي للحد من تمدد النفوذ الروسي والصيني في المنطقة.