Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما دور حكومة تصريف الأعمال في هذه المرحلة الانتقالية بفرنسا؟

لن تكون قادرة على اتخاذ قرارات كبرى إلا في حالات الطوارئ القصوى مثل الكوارث الطبيعية أو الاضطرابات الكبيرة في النظام العام

غياب الغالبية المطلقة يفرض استمرار حكومة تصريف الأعمال في فرنسا (أ ف ب)

ملخص

تكلف حكومة تصريف الأعمال فقط بمهام ضمان استمرارية المؤسسات واتخاذ قرارات عاجلة عند الضرورة، من دون القدرة على اتخاذ قرارات سياسية أو إلزامية للحكومة القادمة

عادة ما يعين رئيس الجمهورية في فرنسا حكومة جديدة بعد أيام قليلة من الانتخابات التشريعية. إلا أن هذه المرة، ومع غياب الغالبية المطلقة لأي كتلة حزبية، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الإبقاء على حكومة غابرييل أتال المستقيلة لتصريف الأعمال حتى تعيين حكومة جديدة.

كيف يؤثر غياب الغالبية المطلقة على تشكيل الحكومة والاستقرار السياسي في فرنسا، وما دور حكومة تصريف الأعمال في هذه المرحلة الانتقالية؟

دور حكومة تصريف الأعمال في فرنسا

تصريف الأعمال هو إجراء يتيح لمؤسسات الدولة الاستمرار في عملها عندما يتعذر تعيين حكومة جديدة. ويسمح للرئيس الفرنسي بعقد مجلس وزاري مع الحكومة المستقيلة، بشرط ألا يتم تناول قضايا سياسية مهمة في الاجتماعات. تكلف حكومة تصريف الأعمال فقط بمهام ضمان استمرارية المؤسسات واتخاذ قرارات عاجلة عند الضرورة، من دون القدرة على اتخاذ قرارات سياسية أو إلزامية للحكومة القادمة.

في هذا السياق، لا يمكن لحكومة تصريف الأعمال استخدام المادة 49.3 التي تتيح تمرير القوانين من دون تصويت النواب. كما لا يسمح النظام البرلماني للحكومة المستقيلة باقتراح أو المصادقة على القوانين. يقتصر دورها على الحفاظ على استمرارية عمل المؤسسات وضمان الأمن العام.

في الأثناء، تستطيع حكومة تصريف الأعمال المصادقة على قوانين جديدة فقط في حالتين استثنائيتين، أولاً، يمكنها المصادقة على قانون المالية الجديد عبر مرسوم، ثم عرضه على الجمعية الوطنية للتصديق عليه. ثانياً، يمكنها إعلان حالة الطوارئ عبر مرسوم، ولكن لمدة لا تتجاوز 12 يوماً، إذ يتطلب تمديد هذه الفترة تصويت نواب الجمعية الوطنية.

"سيناريو صعب"

يقول المحلل السياسي نبيل شوفان في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، "تشكل الائتلافات السمة المميزة للنظام السياسي في عديد من البلدان الأوروبية التي اعتادت أن يكون على رأسها قادة لا يتمتعون إلا بغالبية نسبية، إلا أن فرنسا لم تعتد على النظام البرلماني هذا، لذا فإن غياب الغالبية المطلقة وتقارب عدد مقاعد الكتل الفائزة في البرلمان من أحزاب ديمقراطية ووسطية وليبرالية ويسارية وأقصى يسارية واجتماعية وبيئية وحتى يمينية متطرفة، يعد سيناريو صعباً". ويعتقد شوفان أن "هذا سيناريو يصعب تخيله عملياً لا سيما أن رئيس الحكومة لا ينتخب من قبل النواب كما في ألمانيا إنما يعينه رئيس الجمهورية في حال عدم وجود غالبية مطلقة -حتى لو كانت ائتلافية".

ويرى المحلل السياسي أنه حتى الجبهة الشعبية الجديدة لو اقترحت اسماً من دون امتلاكها غالبية مطلقة ووافق الرئيس وتم تشكيل الحكومة، فإن أي طيف سياسي كالتحالف بين الأحزاب السياسية المؤيدة لماكرون واليمين الجمهوري، من شأنه أن يطيحها إذا ما أراد النواب ذلك.

وعلى رغم أن فرنسا شهدت فترات تعايش مؤسساتي بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة بوجود غالبية برلمانية، فإن الاتهامات من معسكر الرئاسة تجاه الجبهة الشعبية الجديدة بامتلاكها برامج أقل جدية وشروط أكثر تعقيداً، تجعل هذا التعايش صعباً للغاية، وفقاً لما يراه المحلل السياسي نبيل شوفان. وأشار شوفان إلى أن ثقافة التسوية داخل البرلمان الفرنسي ليست راسخة، وأن برامج الكتل الثلاث الرئيسة والكتل الأصغر تختلف وتتناقض بصورة كبيرة. هذا يعني في رأيه، أن ترشيح رئيس وزراء من كتل عدة لا يضمن بالضرورة مشاركة جميع الكتل في الحكم أو تمثيلها في الحكومة والتحكم بقراراتها.

وأوضح أن فرنسا لم تشهد من قبل اتفاقاً بين أربعة أحزاب على خريطة طريق للحكم كما هي الحال في السويد أو بلجيكا أو هولندا، إذ يتم توضيح سياسات الحكومة الناشئة في مجالات مثل التعليم والهجرة والاقتصاد خلال فترة حكمها. كما تطرق إلى ما حدث في إسبانيا، إذ اشترط حزب سومار اليساري المتطرف إقرار عفو عام عن الانفصاليين الكتالونيين مقابل التحالف مع حزب الشعب الذي يتزعمه رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، مما مكنه من الحكم على رغم عدم حصوله على غالبية مطلقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويفيد المحلل بأنه في حال وصول رئيس وزراء من كتلة أقصى اليسار أو أقصى اليمين، فسيمنع من تنفيذ برنامجه من قبل البرلمان نفسه، وأيضاً من قبل المفوضية الأوروبية التي تخطط لبدء "إجراء تأديبي" ضد فرنسا بسبب العجز الاقتصادي. علاوة على ذلك، فإن المفوضية الأوروبية ومحكمتها لن تسمحا بإغراق البلاد بالمهاجرين ولا بإغلاقها بوجههم، بالتالي يرى شوفان "أننا سنكون أمام رئيس وزراء غير قادر على تحقيق وعوده الانتخابية، وأمام رئيس للدولة لا يستقبل مراسيم ومشاريع قرارات معقولة للتوقيع عليها. هذا الوضع سيصيب جميع الناخبين بخيبة أمل، وستعاني البلاد من انسداد مؤسساتي".

وفي السياق ذاته، أكد شوفان أنه إذا حدث ذلك، سيتقلص دور فرنسا في الاتحاد الأوروبي وسيضعف موقفها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في العالم. وتابع قائلاً، "بالنسبة لصحيفة ’وول ستريت جورنال’، فإن قرار ماكرون بقبول استقالة رئيس وزرائه هو قبل كل شيء تكتيكي يسمح لغابرييل أتال ووزرائه بمزاولة مهامهم كنواب، ثم إبقائه في تصريف الأعمال لأكثر من تسعة أيام، وهي أطول فترة انتقالية في تاريخ الجمهورية الخامسة".

وأضاف أن الخبراء الدستوريين الفرنسيين يعتقدون أن الرئيس إيمانويل ماكرون لن يتمكن ديمقراطياً من الاحتفاظ بغابرييل أتال إلى الأبد. يمكن الضغط عليه من قبل المجلس الدستوري، مجلس الشيوخ، أو النواب أنفسهم من خلال إطاحة حكومة أتال إذا ما طرحت حكومته للثقة، مما سيلزم الرئيس بقبول استقالة رئيس وزرائه.

وفي ما يتعلق بالفترة التي أعطاها ماكرون للغالبية لتنظيم نفسها والخروج بمرشح وبرنامج واضحين، لمح شوفان إلى أن الانتظار ستة أشهر أو سنة لن يكون مقبولاً. وأكد أن أتال سيظل رئيساً للوزراء بكامل الصلاحيات، بما في ذلك السلطات التنظيمية الضرورية لتنظيم أولمبياد باريس 2024، إلا أن خبراء الدستور الفرنسي يرون أنه يجب احترام نتائج التصويت وإرادة الشعب.

ووفقاً لخبراء الدستور الفرنسي، يمتلك الرئيس "فترة معقولة" ليحتفظ برئيس وزرائه الحالي، إذ يتحمل الفرنسيون مسؤولية تصويتهم. أشار شوفان إلى أن "فرنسا تعاني غيبوبة سياسية تمنعها من التقدم نحو تشريعات جديدة وإصلاحات هيكلية ضرورية". وأوضح أن فرنسا تجد نفسها محكومة بحكومة تصريف أعمال لا يمكنها أخذ المبادرة، وتسير شؤون الدولة والخدمات فقط. كما أوضح أنها لن تكون قادرة على اتخاذ قرارات كبرى إلا في حالات الطوارئ القصوى، مثل الكوارث الطبيعية أو الاضطرابات الكبيرة في النظام العام.

ماكرون يقبل استقالة حكومة أتال

قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استقالة رئيس الوزراء غابريال أتال، بعد فشل معسكره الرئاسي في تحقيق الغالبية في الانتخابات التشريعية المبكرة، بحسب ما أفادت الرئاسة الفرنسية. ومع اقتراب موعد استضافة فرنسا لدورة الألعاب الأولمبية، أعلن المصدر نفسه أن حكومة مستقلة ستتولى تصريف الأعمال حتى تشكيل حكومة جديدة.

وأشار المصدر في بيان إلى أن "إنهاء هذه الفترة بسرعة يتطلب تعاون القوى الجمهورية لتشكيل ائتلاف". وفي نتائج الانتخابات التشريعية، حصل الائتلاف اليساري للجبهة الشعبية الجديدة على أكبر عدد من المقاعد، لكنه لم يحقق الغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية. توزعت المقاعد بين ثلاث كتل رئيسة، إذ حصلت الجبهة الشعبية الجديدة على 190 إلى 195 مقعداً، بينما حصل المعسكر الرئاسي للوسط اليمين على نحو 160 مقعداً، وحصل أقصى اليمين وحلفاؤه على 143 مقعداً.

وأمام ما سبق يبقى السؤال: ما هي الخيارات المتاحة للرئيس ماكرون ومعسكره للخروج من هذا المأزق السياسي، وهل يمكن تحقيق استقرار سياسي في الفترة المقبلة؟

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير