Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما نيات المعارضة الجزائرية من إنهاء القطيعة مع انتخابات الرئاسة؟

أقدم حزب معارض قدم مرشحه بعد غياب ربع قرن عن الاستحقاق المقرر في سبتمبر المقبل

من تظاهرت الجزائريين إبان إنطلاق الانتخابات في 2021 (أ ب)

ملخص

وتعتبر مشاركة جبهة القوى الاشتراكية وهي أقدم تشكيلة سياسية معارضة في البلاد، الحدث الأبرز في انتخابات 2024 بعد مقاطعة منذ انتخابات 1999، حين خاض رئيس ومؤسس الحزب الراحل حسين آيت أحمد المعترك الرئاسي، لكنه انسحب عشية فتح صناديق الاقتراع رفقة خمسة مرشحين آخرين، بحجة أن اللعبة محسومة مسبقاً والمنافس آنذاك عبدالعزيز بوتفليقة مرشح السلطة الفائز.

على عكس الاستحقاقات الرئاسية السابقة دخلت المعارضة السياسية في الجزائر معترك الانتخابات الرئاسية المقررة في السابع من سبتمبر (أيلول) المقبل بقوة، وبين من أعلن الدعم والتحالف والمقاطعة والمشاركة قبلت اللجنة المستقلة للانتخابات ملفي مترشحين ينتميان لاثنين من أبرز أحزاب المعارضة، وهما حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية.

مشاركة لافتة لـ"الكبار"

وخفت الصوت السلبي للمعارضة في الجزائر وانخرطت في التحضير للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها هذا الصيف، وتعد هذه المشاركة لافتة هذه المرة بعد مقاطعة دامت نحو ربع قرن، مرفوقة مع انتقادات شديدة اللهجة ضد السلطة لما تراه من اختلالات وسياسات عرجاء، إضافة إلى رفضها للممارسة السياسية لما تتضمنه من تحول في المواقف وممارسة الابتزاز.

وتعتبر مشاركة جبهة القوى الاشتراكية وهي أقدم تشكيلة سياسية معارضة في البلاد، الحدث الأبرز في انتخابات 2024 بعد مقاطعة منذ انتخابات 1999، حين خاض رئيس ومؤسس الحزب الراحل حسين آيت أحمد المعترك الرئاسي، لكنه انسحب عشية فتح صناديق الاقتراع رفقة خمسة مرشحين آخرين، بحجة أن اللعبة محسومة مسبقاً والمنافس آنذاك عبدالعزيز بوتفليقة مرشح السلطة الفائز.

وإذا كانت مشاركة "الأفافاس" الاسم المختصر لجبهة القوى الاشتراكية تعكس التغير في رؤية قياداتها للمستقبل، وللدولة والسلطة وما تتطلبه الأولى من مسؤوليات وطنية، فإن دخول أكبر حزب إسلامي حركة مجتمع السلم المعترك الانتخابي الذي أقحم نفسه مع المعارضة، لم يجلب كثيراً من الانتباه بسبب الماضي الغزير بالمتناقضات السياسية تجاه مختلف الاستحقاقات، ما بين المشاركة تارة، ونقد انعدام الشفافية تارة، ومرة يشارك في الحكومة وأخرى ينضم للمعارضة.

انتقاد وانسحاب ثم انتظار

وأعلن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية مقاطعة الانتخابات الرئاسية في بيان انتقد فيه "كل شيء" ثم اختفى عن الأنظار، في حين التزم حزب العدالة والتنمية الصمت، وتباينت مواقف بقية الأحزاب التي تحبذ وصفها بـ"المعارضة" ما بين دعم المترشحين سواء من أحزاب الموالاة أم المعارضة، في صمت ومن دون ضجيج، ومنها "النهضة" و"طلائع الحريات" و"جيل جديد".

ولم تلبث الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون أن قبلت المشاركة حتى سارعت لاحقاً إلى الانسحاب بسبب "معلومات خطرة حول استهدافي بغرض إقصائي"، ولم يؤثر ذلك في المشهد السياسي العام، بل على العكس طوي الملف بسرعة، مما يكشف عن تراجع حنون وحزبها سياسياً، في انتظار ما يمكن أن تفعله المرشحتان "المعارضتان" المرفوضة ملفاتهما زبيدة عسول وسعيدة نغزة، بعد إتمام المحكمة الدستورية دراسة الطعون.

 

ميكافيلية أو لا تتمتع بالصدقية

وفي السياق يرى الناشط السياسي عدة فلاحي الذي شغل مناصب قيادية في أحزاب عدة غالبها معارضة أن السلطة لم تنجح في إخماد المعارضة فحسب، بل عطلت حتى التفكير في معارضتها، و"يمكن القول حتى النية في معارضتها"، مضيفاً "ربما أكون مجانباً للصواب لأن المجتمع بأسره أضحى يعارض بعضه بعضاً، بمعنى تحول من معارضة السلطة إلى معارضة بينية".

 

وقال فلاحي في حديث مع "اندبندنت عربية" إن "ما يحدث دليل على أننا نعيش تناقضات وعللاً أدت بالعجز والفشل في معارضة السلطة بالمستوى المطلوب، نشاهد ونسمع أحياناً أصواتاً تبدو معارضة، وهي في الحقيقة إما ميكافيلية أو لا تتمتع بالصدقية والنضج".

وختم حديثه قائلاً "المعارضة انهزمت ذاتياً قبل أن تهزمها السلطة، التي هي كذلك تعاني اختلالات ونقائص تؤثر حتماً في مستوى التنمية وتحقيق الرفاهية".

الترويض لا علاقة له بالواقع... المعارضة موجودة

من جانبه يعتقد البرلماني عن حزب جبهة التحرير الوطني علي محمد ربيج أن الحديث عن ترويض السلطة للمعارضة لا علاقة له بالواقع، لأن المعارضة موجودة بحسب رأيه ومتمثلة في "مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية وبعض الشخصيات التي تقدمت للترشح، ولكنها فشلت في جمع الاستمارات"، وقال إن ما يحدث تدافع وشد وجذب بين السلطة والمعارضة، وهذا "ليس في الجزائر فقط ولكن في كل دول العالم، نلمس هذا التصادم والتوتر والتقارب في بعض الأحيان بين الطرفين".

ويتابع ربيج أن المعارضة فقدت بريقها بسبب أن السلطة والحكومات المتعاقبة كانت تتعامل معها بسياسة الحصص أو "الكوطات" لإرضائها، لكن اليوم انتهى هذا الأمر، إذ أصبح كل شيء متروكاً للمواطن، مشيراً إلى أنه يمكن للمعارضة أن تستمر، خصوصاً في ظل التحضير للانتخابات المحلية والبرلمانية، إذ من المنتظر أن تعود بقوة للحياة السياسية، لا سيما بعد "طردها ورفضها من طرف الحراك الشعبي"، وختم أن المطلوب منها إعادة النظر في الخطاب السياسي حتى تستطيع تقديم برامج ومرشحين.

 

ويظهر من بعد إعلان اللجنة المستقلة للانتخابات الذي أفرز ثلاثة مرشحين لكرسي الرئاسة، وهم الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون ورئيس "الأفافاس" يوسف أوشيش وزعيم حركة مجتمع السلم عبدالعالي حساني، أن المعارضة لم يعد باستطاعتها التوحد لمنافسة ما يطلق عليه "مرشح السلطة"، وهي بذلك تفوت على نفسها فرصة خلق بيئة انتخابية تنافسية قد تحدث المفاجأة، بل تمكن السلطات من استمالة عدد من المعارضين بما أدى إلى إضعاف جبهة المعارضة.

فشل سياسة المقاطعة والكرسي الشاغر

وفيما يعتبر حضور حركة مجتمع السلم بمرشح غير مفاجئ في ظل مرافقتها للسلطة في محطات عدة واستجابتها لطلبات عدة، على رغم المقاطعة في أحيان قليلة، فإن قرار حزب جبهة القوى الاشتراكية بإنهاء المقاطعة للعملية السياسية يمثل تحولاً ليس في علاقة "الأفافاس" بالدولة فحسب، وإنما في قدرة السلطة على إقناع أحد أعمدة قوى المعارضة باقتحام العمل السياسي والمنافسة على كرسي الرئاسة.

 

وهذا التحول الذي يرجعه مراقبون إلى فشل سياسة المقاطعة والكرسي الشاغر ترى قيادة "الأفافاس" أنه قرار استراتيجي للحفاظ على الدولة الوطنية وإعادة الاعتبار للسياسة من خلال النقاش العام والمواجهة السليمة للأفكار، مع منح الشعب الجزائري بديلاً سياسياً يعمل على إبراز قطب سياسي وطني تقدمي ديمقراطي يتبنى مشروع إعادة بناء القواعد المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

إلى ذلك يرى القيادي في حزب اتحاد القوى الديمقراطية و الإجتماعية الحبيب لعليلي أن السلطة نجحت في احتواء المعارضة لا إخمادها، موضحاً أن المعارضة في الجزائر منذ عصر بوتفليقة لم تعد تملك برامج بل مجرد نقد للسلطة، وأضاف أن المعارضة تعيش في برجها العاجي ولا تختلط بالمواطن البسيط الذي له اهتمامات غير اهتماماتها، منها ما هو اجتماعي والآخر اقتصادي نجحت السلطة في تلبية بعضها.

ويشير لعليلي إلى أن اهتمامات المعارضة سياسية هدفها الوصول إلى الحكم حتى من دون غطاء شعبي، مبرزاً أن كثيراً ممن كان يتحدث باسم الشعب عام 2019 فشل في جمع استمارات دعم ترشحه حتى من أفراد عائلته، و"لو ترشح بائع خضار في حي شعبي بالجزائر العميقة، لتمكن من جمع توقيعات أكبر مما جمعته المعارضة مجتمعة".

المعارضة لم تكن دوماً في المعارضة

في المقابل يعتبر الباحث المهتم بالشؤون المحلية عبدالرحمن بوثلجة أنه ليست السلطة التي روضت المعارضة أو أخمدتها، على رغم أن مثل هذا الأمر غير مستبعد في السياسة حتى في الديمقراطيات العريقة، لكن المراحل التي مرت بها البلاد منذ الاستقلال، وبالخصوص منذ اعتماد التعددية بداية التسعينيات، هي "التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من معارضة هشة ومغلوب على أمرها، معارضة لا ترى في المواعيد الانتخابية إلا لكسب بعض المقاعد، معارضة ليس لها أي طموح، وبالتالي فهي لا تعد العدة للوصول إلى الحكم"،  مضيفاً أن العشرية السوداء (الحرب الأهلية الجزائرية) وتداعياتها على المشهد السياسي، ومرحلة الفساد التي عاشتها الجزائر بعد مرض الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، عوامل أيضاً قزمت المعارضة.

ويتابع بوثلجة أن المعارضة لم تكن دوماً في المعارضة، بل كانت أحياناً في الحكومة وإن لم تكن في الحكم، مشيراً إلى أن مرحلة الحراك التي عرفتها الجزائر أثبتت بأنه لا يوجد تأثير حقيقي للمعارضة في الشارع، بل بقي الحراك لأشهر من دون تأطير، وقال إن المعارضة لم تلعب أي دور وبقيت تشغل كرسي المتفرج فقط، وختم أن عدم قدرة كثير من المترشحين على جمع العدد الكافي من الاستمارات خير دليل على ذلك.

"معارضون" يستولون على فراغ المعارضة؟

وأمام غياب ضجيج المعارضة السياسية وجدت شخصيات فرحة بتسميتهم معارضين راديكاليين، الفرصة لملء فراغ الساحة برسالة تنتقد الانتخابات والوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتدعو إلى رفض ما وصفتها "مهزلة الانتخابات الرئاسية"، والانخراط في مشروع انتقال ديمقراطي تأسيسي.

ووقع على البيان المطول شخصيات معروفة مثل الرئيس السابق للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس، والسكرتير الأول السابق لجبهة لقوى الاشتراكية علي العسكري، ومؤسس الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي كريم طابو الذي لم يحصل على الاعتماد، إلى جانب عدد من الشخصيات الحقوقية ونشطاء، مثل فضيل بومالة والمحامي عبدالله هبول وسعيد زاهي وفطة السادات وغيرهم.

وأكدوا أن اقتراع الرئاسة المقبل سيكون إخفاقاً آخر على مدى سنوات وأخطر من سابقيه، ليس لأنه مجرد تزكية النظام لنفسه بزبائنية قديمة متجددة، ولكن لأنه سيعمق الشروخ، وسيعمل على تقسيم الشعب وفق أجندة استمرار نظام لا شرعية له، وأضافوا أنه أمام هذا التعنت الرافض للحلول الجذرية والملموسة، وتعليق التغيير السياسي الجاد بدورات انتخابية هزلية ومحسومة سلفاً، يتحتم رسم معالم أخرى لصد المجهول الذي  ينتظر الجزائر وشعبها.

ويبدو من خلال ما جاء في الرسالة أن هذه الشخصيات المعارضة تتجه نحو التكتل سواء تحت غطاء رسمي في شكل حزب سياسي، أم الاستمرار في نشاطها هكذا، كما أن الدعوة إلى المرحلة الانتقالية أو الوصول إلى برلمان تأسيسي هو المقصد بالدرجة الأولى، وهو ما يضع الخطوة أمام مفترق الطرق، على اعتبار أن الأهداف سبق أن رفضتها السلطة جملة وتفصيلاً، كما ترفضها غالب الطبقة السياسية.

ويرى القيادي في جبهة القوى الاشتراكية إبراهيم عوف بخصوص تحول موقف المعارضة أن مشاركة حزبه بالمرشح يوسف أوشيش مرتبطة بثلاثة أسباب بعيداً من نتائج هذه الانتخابات وطريقة تنظيمها، يتعلق الأول بقضية المحافظة على النسيج الاجتماعي الوطني، على اعتبار أن انتخابات2019  مرت من دون منطقة القبائل، أما الثاني فيخص الظروف الجيوسياسية بحكم الأخطار المحيطة بالجزائر اليوم، بينما الثالثة لها علاقة بتسيير أهداف حزبية لاستغلال هذه الساحة الانتخابية لتمرير رسالة الحزب وخطابه السياسي والاحتكاك بالمواطنين وكسر الجمود والإغلاق السياسي الذي فرضته السلطة منذ 2019.

من جانبه اعتبر القيادي في حزب "جيل جديد" حبيب براهمية أن حزبه قدم تحليلاً واقعياً للوضع السياسي في الجزائر ولظروف الانتخابات المقبلة، ورأى أنه من المهم أن يدعو المواطنين إلى المشاركة في الحياة الوطنية، موضحاً أن الانتخابات الرئاسية ستكون المرحلة الأولى لإحياء روح المواطنة بتصويت كل واحد بحسب ما يمليه عليه ضميره واختياره، مطالباً السلطة بأن تجعل العهدة الثانية للرئيس تبون فرصة لتنظيم نقاش حقيقي حول حصيلة الجزائر المستقلة، لا سيما الإصلاحات التي يجب إدخالها على ضوء مشروع مجتمع موضوعي ومتجانس.

تحول في أقل من شهرين... ماذا حدث؟

وغير بعيد وفي شهر مايو ( أيار) 2024 انتقدت أحزاب المعارضة المشاركة في انتخابات سبتمبر الوضع العام في البلاد لا سيما اقتصادياً واجتماعياً، وقال "الأفافاس" على لسان المرشح الحالي للرئاسة السكرتير الأول يوسف أوشيش أن الوضع الاجتماعي في البلاد مترد، وأن "الإجراءات الضرورية المتخذة غير كافية لوقف انهيار القدرة الشرائية لمواطنينا، توازياً مع التآكل الذي تتعرض له العملة الوطنية، والارتفاع المستمر لمستويات التضخم".

وأرجع الأمر إلى "غياب مشروع وطني متفق عليه واضح المعالم ومحدد الأهداف والأحادية في اتخاذ القرارات، والإمعان في إغلاق المجالات السياسية والإعلامية والتضييق على كل أشكال الانتظام الحر للمجتمع، مما يعرض التماسك الاجتماعي إلى الخطر، لاسيما في ظل "التراجع الرهيب للممارسة الإعلامية والغلق المبرمج للمجتمع والتسيير الأمني لشؤونه".

كما اعتمدت حركة مجتمع السلم الخطاب نفسه، وقالت في بيان إنها تنحاز بشكل تام إلى كل المطالب الاجتماعية والنقابية المرتبطة بتحسين الإطار المعيشي للعمال، ودعم القدرة الشرائية المتقهقرة في ظل التحولات الاقتصادية الجارفة والتوازنات المالية الصعبة، وأيضاً ضرورة ترقية الحوار الاجتماعي وتأطير العمل النقابي والإسراع في استكمال القوانين الأساسية لمختلف الفئات لصون حقوق العمال وتحصين بيئة العمل".

المزيد من تقارير