Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تكبح الليرة السورية "الخضراء" عجلة التضخم الهائلة؟

تعادل 100 دولار وتهدف إلى تخفيض الطلب على العملة الأميركية حال إصدارها والشارع الاقتصادي منقسم حيالها

وصلت نسبة التضخم في سوريا على أساس سنوي إلى 122 في المئة خلال أبريل الماضي (اندبندنت عربية)

ملخص

ما قصة تلك العملة "الغريبة" التي يقترح اقتصاديون إصدارها لمعالجة مشكلات التضخم في الاقتصاد السوري؟

لا تتوقف عجلة التضخم عن الدوران في الأسواق السورية إلى الدرجة التي سحقت طبقة السوريين من متوسطي الدخل، ومعها زادت نسب الفقر والبطالة نحو معدلات قياسية وعم الكساد وسط تداعيات انهيار اقتصادي متزايد منذ اندلاع الصراع المسلح، فضلاً عن قلة وضعف حركة الإنتاج والصناعة والزراعة وتضاؤل القوة الشرائية للطبقة المسحوقة اقتصادياً.

تنامي التضخم

ولا غرابة أن 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر وأكثر من 15 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات إنسانية، في وقت كشف البنك الدولي أن أكثر من ربع السوريين يعيشون في فقر مدقع وفق تقرير يرصد الانكماش الاقتصادي الحاصل في البلاد خلال العام الحالي بنسبة 1.5 في المئة مقابل 1.2 خلال العام الماضي.

وتوقع تقرير البنك الدولي الصادر خلال مايو (أيار) الماضي أن يظل التضخم مرتفعاً هذا العام بسبب الآثار الناجمة عن انخفاض قيمة العملة علاوة على العجز المستمر في أرصدة العملات الأجنبية، مع استمرار الإجراءات في خفض الدعم على المواد الغذائية والمحروقات في وقت تشهد البلاد إجراءات لتحويل الدعم العيني إلى نقدي للمستفيدين.

 

 

وفي المقابل، أعلنت معاونة حاكم مصرف سوريا المركزي مها عبدالرحمن عن وصول نسبة التضخم في سوريا على أساس سنوي إلى 122 في المئة خلال أبريل (نيسان) الماضي، وعدت معدل التضخم مرتفعاً وعزت ذلك إلى عوامل دولية وخارجية منها انتشار التهريب على الحدود غير المضبوطة والعقوبات الأميركية والغربية، بينما عزت السبب الداخلي للتضخم الحاصل إلى ضعف الإنتاج وعجز الميزان التجاري.

دولرة الاقتصاد

في غضون ذلك خرجت أصوات عديدة تنادي بضرورة وضع حلول جذرية وشجاعة لوقف التضخم وتراجع قيمة العملة السورية (الليرة)، بعدما هوت منذ اندلاع الصراع المسلح عام 2011 بنحو 99 في المئة، وجاءت الخسارة لتعادل 15 ألف ليرة للدولار الواحد بحسب سعر السوق الموازية غير الرسمي أو السعر المتداول، بينما كان سعر التداول قبل الحرب يراوح ما بين 47 و50 ليرة للدولار الواحد.

ومن ضمن هذه الأصوات طرح مقترح يتضمن طباعة ما يطلق عليه الـ100 ليرة الخضراء وتعني دولرة الاقتصاد الوطني بعملة الليرة السورية، والغاية من إصدارها تخفيض الطلب على الدولار بقصد الادخار وليس بقصد الاستيراد من أجل تخفيض سعره، من دون إلغاء وجود الدولار الأميركي بالأسواق المخصصة للاستيراد.

أثار هذا الاقتراح جدلاً في الأوساط الاقتصادية التي رأت أنه غير مجد وبخاصة مع عدم وجود إجراءات اقتصادية تضع حداً لهذا الجموح الحاصل في عملية التضخم المتزايدة، ولتهاوي الليرة السورية التي استقرت عند حاجز 15 ألفاً مقابل الدولار الواحد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى المتخصص الاقتصادي والمدير المالي جورج خزام صاحب اقتراح "الليرة الخضراء" أن هذه القطعة النقدية تعمل على مبدأ رصيد سوري بالدولار، لتبقى عملة سورية للتداول بالأسواق السورية وليست عملة للتداول في أسواق الخارج، كذلك هي ليست في حاجة إلى تغطيتها بالذهب أو بالدولار أو بالإنتاج لأنه في حال إصدارها فهذا يعني استبدال عملة وطنية بعملة وطنية أخرى ولكن بفئات عالية.

وشرح خزام أن الليرة الخضراء تعني سنداً حكومياً بعملة الدولار قابلة للتداول داخل السوق السورية فقط بقيمة تعادل 100 دولار أميركي حسب سعر صرف البنك المركزي السوري، كما تشبه رصيداً سورياً بالدولار، أي إيداع الأموال بالمصرف بعملة الليرة السورية ولكن التثبيت هو بعملة الدولار ولم يصدر أي موقف رسمي حيال تأييد هذا المقترح أو رفضه.

ويعطي صاحب فكرة "الليرة الخضراء" مثالاً على ذلك، فإذا تم إيداع 12 مليون ليرة بالمصرف وكان سعر الدولار بـ"المركزي" هو 12 ألف ليرة فإن الإيداع يساوي ألف دولار، وإذا ارتفع سعر الصرف بـ"المركزي" إلى 13500 ليرة، فهذا يعني أن الرصيد أصبح تلقائياً 13500000 ليرة، حتى تتم المحافظة على قوته الشرائية من التضخم.

من يوقف الأزمة؟

من جهته يعد الشارع الاقتصادي أن هذا المقترح في حال تطبيقه قد يخفف عن كاهل السوريين أعباء نقل العملات الورقية بالأكياس، فهناك من ينقل ثمن شراء مركبة أو منزل بصندوق السيارة. وعلى رغم اتفاق فريق من الاقتصاديين على أن ذلك يوقف التضخم الحاصل في العملة ويقدم حلاً إسعافياً لكن بقية خبراء الوسط الاقتصادي السوري، ولعل المتخصص المصرفي عامر شهدا واحد منهم، يرون أن الاهتمام بعلاج المشكلة يعد أولوية، وأهم منه الاهتمام بالإنتاج.

ويقول شهدا "في إحدى الدول على عهد الاتحاد السوفياتي طبعت عملة ورقية حمراء واستخدمت ولكنها لم تؤثر في التضخم، فمحاربة التضخم تبدأ بدعم الإنتاج وخفض الكلف".

 

 

وأثناء ذلك يشترط صاحب مقترح "العملة الخضراء" لنجاح العملة الورقية الجديدة في حال إصدارها أن يعلن المصرف المركزي أن السعر الرسمي للدولار هو دائماً أقل بنسبة ثابتة من السعر بالسوق الموازية أو (السوق السوداء)، وأن كل الإيداعات النقدية بالبنوك والمدفوعات بمكاتب الحوالات بمبالغ كبيرة يجب أن يكون نصف قيمتها بـ"الليرة الخضراء".

وعن الاختلاف الجوهري بين "الليرة الخضراء" وباقي العملات العالمية من ناحية الإصدار، يقول إنها لا تحتاج إلى وجود تغطية مقابلة لها بالمصرف المركزي بالذهب أو بالعملات الأجنبية أو بزيادة الإنتاج السلعي بالأسواق، فهي عبارة عن استبدال عملة وطنية بأخرى مثلها، لأن التسمية الأقرب لـ"الليرة الخضراء" هي سند حكومي قابل للتداول أو شيك مصدق قابل للتداول لحامله على صورة عملة، وتجميد مقابل الوفاء له بما يقابله بالليرة السورية في المصرف المركزي، أي إن "الليرة الخضراء" تغطيتها تكون بالليرة السورية فحسب، وفق رأيه.

تجريم التداول

وكانت الحكومة في دمشق أعلنت منع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للدفع أو التداول التجاري، وفرض المرسوم رقم (5) لعام 2024 عقوبات شديدة بعد عرضه على القضاء قد تصل إلى السجن.

ولم تفلح زيادة الرواتب والأجور للعاملين والمتقاعدين في الدولة من سد فجوة التضخم التي ما زالت في طور الارتفاع، على رغم أن الزيادة جاءت بنسبة 50 في المئة وتراوحت أجور العاملين شهرياً ما بين 20 و40 دولاراً أميركياً.

ونتيجة لكل ذلك تلقي الأوساط الشعبية والاقتصادية باللوم على السياسات الاقتصادية المتبعة، وتصر على اتخاذ إجراءات حاسمة تعمل على تحفيز الإنتاج والاهتمام بالواقع الزراعي، بالتوازي مع تداعيات أصابت الاقتصاد السوري منها طول أمد الحرب التي ما زالت تدور رحاها منذ عام 2011، وتعرض البلاد لعقوبات اقتصادية تمنعها من تأهيل المعامل والمصانع المدمرة فضلاً عن زلزال السادس من فبراير (شباط) 2023، الذي أثر في البنية التحية وزادها ضرراً مع أضرار الحرب الروسية وجائحة كورونا وما تبعها من أزمات مالية أرخت بثقلها على الاقتصاد السوري المنهار أساساً.