Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصريون على السوشيال توحدهم غزة وتفرقهم "ترحمات" هنية

يكتفي بعضهم بعدم التعليق احتراماً فقط لما يكابده القطاع من مآس

أطفال في غزة يحملون صور هنية بعد اغتياله (مواقع التواصل)

ملخص

جسامة عملية اغتيال إسماعيل هنية فرضت نفسها على الأخبار وساحات التفاعل بقوة وشدة وحدة لم تفسح مجالاً لالتقاط الأنفاس. الاغتيال المباغت على هامش حرب القطاع التي ألقت بظلال كثيرة على حياة المصريين منذ السابع من أكتوبر 2023.

قلما تثير وفاة شخصية سياسية هذا القدر من الخلاف والاختلاف، والتنقيب في الماضي وتحليل الحاضر وتوقع المستقبل في ضوء مسيرة الراحل وطبيعة سيرته. وحين تنجم الوفاة عن اغتيال لا حادثة تندرج تحت بند القضاء والقدر أو في عملية عسكرية تقتل عشرات وتصيب مئات بينهم المغدور، فإن الاهتمام الشعبي يكون أكبر والانقسام في الآراء حول الآثار المتوقعة للاغتيال يكون أكثر عرضة للشد والجذب.

شد رهيب وجذب لا يخلو من اتهامات وتراشقات تدور رحاها في أروقة المصريين النقاشية، سواء الفعلية أو العنكبوتية، منذ الإعلان عن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية. البعض سارع لفتح دفاتر العزاء الافتراضي لتدوين مشاعر الحزن وتوثيق أحاسيس الألم وتبادل الدعاء على العدو الغاصب والاعتداء الجبان على "البطل" "المقاوم"، والبعض الآخر سارع باستدعاء عناوين الأخبار وموضوعات التقارير وزوايا المعالجات السياسية وتحليلات العمليات النوعية وتغطيات الأحداث الجسام التي ألمت بمصر ودول عدة في المنطقة قبل أعوام.

أعوام التسييس

أعوام التسييس وأزمنة الاستقطاب وملابسات الحكم على الأشخاص بحسب توجهات أيديولوجية هنا أو اتهامات قضائية هناك لم تنته، ربما خفتت حدتها قليلاً في ظل تواتر الأحداث الإقليمية واستقرار الأوضاع المحلية، لكنها تعاود الانفجار في وجوه الجميع كلما وقع حدث جلل أو جرى أمر جسيم.

جسامة عملية الاغتيال فرضت نفسها على الأخبار وساحات التفاعل بقوة وشدة وحدة لم تفسح مجالاً لالتقاط الأنفاس. الاغتيال المباغت جاء على هامش حرب القطاع التي ألقت بظلال كثيرة على حياة المصريين منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ومعظم الظلال تراوحت ما بين دهشة "هجوم ’حماس‘" وردود الفعل التي تراوحت ما بين بعض الفرحين بإلحاق صدمة ما بإسرائيل وأهلها، وبعض المتخوفين مما سيجري في اليوم التالي على سبيل الانتقام والردع، ثم متابعة على مدار الساعة لأخبار القصف والقتل والتهجير والتجويع لأهل غزة، ومعها اطلاع على جهود التهدئة ومجريات التفاوض وتظاهرات الجامعات الغربية، وتضامن الشارع بصورة عامة مع غزة وأهلها.

المقاطعة والدعم

هذا التضامن أسفر عن دعوات لمقاطعة منتجات بعينها بدعوى أن الشركات المالكة لها تدعم أو تساعد أو تتضامن مع إسرائيل وجيشها بصورة أو بأخرى، حتى باتت هناك منتجات شهيرة يعرفها البعض بـ"مقاطعة"، ويفهم الجميع المقصود. لكن حتى المقاطعة والدعوة إليها لم يتفق عليها الجميع، فريق رأى أنها خير طريقة لمعاقبة داعمي إسرائيل وآخر عدها إلحاق ضرر بالعامل المصري في المقام الأول والأخير.

ومع مرور الوقت هدأت حدة الاختلاف كعادة الأمور الساخنة وحافظ من أراد على المقاطعة ونبذها من لا يعتد بها، وحتى متابعة حرب القطاع لم تعد تسيطر على معظم ساعات اليوم، وإن بقي غزة وأهلها وما يتعرضون له ومستقبلهم الضبابي مثار اهتمام وتضامن وتعاطف.

متعاطفون ومؤيدون

المتعاطفون مع جماعة الإسلام السياسي بصورة عامة و"الإخوان المسلمين" على وجه التحديد وجدوا أنفسهم في حالة حداد غير مخطط له. مشاعر الحزن والغضب سيطرت على الغالبية المطلقة من المنتمين لهذا التيار والمتعاطفين لدى الإعلان عن اغتيال هنية. وبدأ البعض في تلقيبه بـ"الشهيد" و"البطل" و"أعظم مواليد القرن" و"رمز المقاومة" و"عنوان الصمود" و"أيقونة التحدي"... إلخ. وانخرط آخرون في حزن عميق تعكسه كتابات ومنشورات على "إكس" ومشاركة لمحتوى يضع هنية في منزلة الزعماء والعظماء. وبينهم من اقترح أو طالب بفتح نقابات مهنية مثل الأطباء والصحافيين لتلقي العزاء في وفاة "الشهيد البطل المناضل" أو "المقاوم السياسي الأيقونة".

 

 

لكن "أيقونة" البعض – على رغم قسوة الاغتيال وحرمة الموت- ما هو إلا قيادي في حركة إسلام سياسي ارتبط اسمها على مدار أعوام ليست بعيدة بجماعات وعمليات وأحداث مصنفة "إرهابية". على الجبهة المقابلة لمن أعلنوا الحداد وقدموا العزاء وسيطرت عليهم مشاعر الفقد والحزن العميق، جبهة أخرى يقف عليها من أخذوا على عاتقهم تذكرة الجموع بعناوين الأمس القريب عن حوادث ارتكبتها "حماس" في مصر في أعقاب اندلاع تظاهرات الـ25 من يناير (كانون الثاني) عام 2011، وتفاصيل حوادث أوغرت قلوب الملايين في سيناء والقاهرة وغيرها من المحافظات، وارتبط معظمها باسم الحركة.

ملصق فلسطين

"حماس" ليست ملصقاً يضعه المصريون على خلفيات السيارات وواجهات المحال. يضع البعض ملصقاً يحمل كلمة فلسطين أو على خريطتها أو فقط الكوفية الشهيرة وذلك منذ اندلاع حرب القطاع، هذا البعض ليس من الداعمين للحركة فحسب أو المؤيدين لجماعة "الإخوان المسلمين" وأبناء عمومها من جماعات الإسلام السياسي، لكنه يحوي قطاعاً من غير المنتمين لأيديولوجيا الإسلام السياسي ويرفع راية الفصل بين الدين والدولة، بل بينهم علمانيون يتهمون أحياناً بالكفر وكراهية الدين. هذه الفئة الأخيرة تدعم غزة أيضاً في الحرب التي تتجرع مرارتها وتجد نفسها في صف الحركة داعمة لقيادييها ومعتبرة إياهم أيقونات المقاومة التي يجب على الجميع دعمها، والامتناع عن التشكيك في ماضيها القريب أو البعيد، أو البحث في أيديولوجيتها، أو إثبات قربها أو بعدها عن فكر الجماعة.

الجماعة لا تظهر على الساحة في مصر بصورة مباشرة أو صريحة خلال هذه الآونة، لكن من يظهر هم داعمون أو محبون أو متعاطفون أو متجردون من مشاعر الغضب جراء عمليات نجم عنها قتلى وجرحى وخسائر من الشرطة والجيش والمدنيين في أعقاب أحداث يونيو (حزيران) عام 2013 التي تخلصت فيها الإرادة الشعبية المصرية من حكم الإخوان.

تعليقات متصادمة

"بعيداً من الإخوان والجماعات والحركات فإن اغتيال إسماعيل هنية هو اغتيال للحق والخير والمقاومة والجهاد والنضال. لعنة الله على كل من شكك في البطل أو انتقص من نضاله أو سخر من إقامته في فنادق فاخرة في قطر أو تركيا أو إيران أو كل ما سبق. إذا كنت أنت هذا الشخص، فأنت ملعون إلى يوم الدين".

"تعب الفقيد كثيراً في التنقل من هذا الفندق الفاره إلى ذاك المنتجع الفاخر. واختار أن يكون منفياً ولم ينفه أحد. اختار أن يكون في مأمن من خطر اندلاع الحرب في غزة المستمر. وثروته قدرتها صحيفة (ذا تايمز) البريطانية بنحو أربعة مليارات دولار أميركي، بينما شبح الجوع والدمار وإراقة الدماء يخيم على غزة".

التعليقات المتصادمة لعبة سخيفة وخطرة. وإشهار أن كل من يعارض أو ينتقد أو يختلف مع وجهة النظر التي يعتنقها هو جاهل أو خائن أو أرعن أو تافه أصبح في حكم المعروف على منصات الـ"سوشيال ميديا".

الـ"سوشيال ميديا" لا تنسى

ولأن الـ"سوشيال ميديا" لا تنسى، فقط تتناسى، وحيث إن المواقع الإخبارية والمراكز البحثية لا تمحي أرشيفها فقط يسقط بالتقادم أو النسيان أو كليهما، فإن الأحداث والحوادث الجلل تعيد إحياء المحتوى الرقمي. فريق من المصريين يعمل بجد وكد لإعادة نشر ما صدر عن حركة "حماس" على مدار أعوام ما بعد أحداث يناير 2011، إما من باب تأكيد سمو الحركة وعظمة فكر المقاومة وروعة أداء القيادات، أو من أجل البرهنة على أنها "إرهابية" وفكرها غارق في أيديولوجيا الإخوان وقياداتها ناصبت مصر وقيادتها العداء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلال ديسمبر (كانون الأول) عام 2013 دانت حركة "حماس" إعلان مصر "الإخوان المسلمين" جماعة إرهابية وأكدت تضامنها مع الجماعة، كما رفض القيادي ورئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية – وقتها - المطالبات التي رفعتها فصائل فلسطينية بأن تقطع الحركة علاقتها مع الجماعة، حفاظاً على قدر أدنى من العلاقة الطيبة مع مصر ونظامها. وقتها قال هنية لمجموعة من الصحافيين "نحن وإن كنا نرفض هذا التوصيف لجماعة الإخوان المسلمين فلا يمكن لأحد أياً كان تأثيره أن يدفع حركة ’حماس‘ أو فصائل المقاومة أن تتنكر لأيديولوجياتها أو تتنكر لتاريخها أو لأبعادها وأعماقها".

أبعاد هذه الكلمات وأعماقها يجري التعامل معها حالياً بعد مرور ما يزيد على عقد وعقب اغتيال صاحبها بمزيج متنافر من فخر عدم إنكار الانتساب للإخوان، وغضب الاعتراف بالانتماء.

إطار متضارب

وفي هذا الإطار المتضارب تدور دوائر المصريين التدوينية على مواقع التواصل إلى حد كبير، ومناقشاتهم الشارعية وعلى المقاهي إلى حد ما. معظمها دوائر يتجاذبها الاختلاف حول توصيف حركة "حماس". ووصف قيادييها ومعايير ومقاييس الفصل بين حرب القطاع وما يجري في غزة ولأهلها من جهة، وبين الحركة باعتبارها الراعي الرسمي والمتحدث الحصري والقائم الوحيد على أمر القطاع من جهة أخرى.

لخصت تدوينة "فيسبوكية" يجري تداولها الخلاف الجاري "من يترحمون على هنية باعتباره بطلاً ومقاوماً نفذوا عمليات تطهير لصفحاتهم من أولئك الذين لا يترحمون عليه أو لا يعدونه بطلاً. ومن لا يعدونه بطلاً ويطالبون بالبحث في علاقة الحركة بالأحداث في مصر منذ عام 2011 قبل الانجراف وراء التبجيل والتعظيم، يطهرون صفحاتهم من أولئك الذين يمجدون هنية ويعدونه بطلاً مغواراً وشهيداً معظماً".

وبين "من وقف إلى جواري وإلى جوار بلدي أدعمه وأحبه قلباً وقالباً، ومن آذاني وآذى بلدي كيف أتعاطف معه أو أغضب على ما يلحق به من ضرر؟". وفي المقابل، فإن "أعظم ما في استشهاد البطل المقاوم المجاهد المثابر الصابر هنية أنه كشف عن هذا الكم من الأغبياء والخونة والأنطاع والخانعين بيننا".

 

 

وفي خضم الاختلاف الكبير والخلاف في التقييم يمتلئ الأثير برسوم كاريكاتيرية استخرجها البعض من أرشيف العنكبوت. هذا كاريكاتير يعود إلى عام 2008 والاعتداء الإسرائيلي على غزة وتصوير "حماس" باعتبارها حائط الصد للقطاع. وهذا كاريكاتير يعود إلى ما بعد أحداث عام 2013 في مصر وتخلص المصريين من حكم الإخوان يصور الحركة باعتبارها داعمة لعدم الاستقرار في مصر ومطالبة بعودة الجماعة على رغم أنف الإرادة الشعبية. وهذا ثالث جرى رسمه أمس أو أول من أمس ويصور شخصاً فلسطينياً يركض وهو يصيح "هنية ما ممتش" (لم يمت) ويبدو عشرات الأشخاص وجميعهم هنية، ورابع لما يبدو أنهم قيادات "حماس" ويتنازع عليهم قيادات إيران، فمنهم من يقبل ومنهم ما يهرب، ولكل رسم كاريكاتيري جمهور يؤيد ويبارك الفكرة، وآخر يشجب ويندد بها.

استخراج الأرشيف

تمضي عمليات استخراج أرشيف الذكريات لتعضيد توجه أو النيل من فكرة. في الأرشيف صور ومقاطع فيديو من غزة خلال عام 2019 تنعي وتبكي وتنتحب لوفاة الرئيس الراحل الإخواني محمد مرسي الذي لقبه البعض بـ"أعظم من حكم مصر". وفي الأرشيف أيضاً صور ومقاطع من غزة خلال عام 2021 توضح عبور معدات مصرية عبر معبر رفح للمساهمة في إعادة إعمار المناطق التي تضررت من القصف الإسرائيلي، وأهل غزة يهتفون باسم مصر ويشكرون الرئيس عبدالفتاح السيسي.

موقف المصريين من اغتيال هنية رافض بصورة عامة حتى أولئك الذين يضمرون العداء ويكنون الغضب تجاه كل ما أو من يتعلق بجماعة "الإخوان المسلمين" يرفضون الاغتيالات، ومنهم من ينأى بنفسه عن المجاهرة بانتقاد "حماس" تقديراً لظروف حرب القطاع واحتراماً لأرواح الآلاف ممن فقدوا أرواحهم في هذا الصراع. على رغم الخلاف والاختلاف و"بلوك" هذا المؤيد لـ"ذاك" المندد والعكس، ووصف محب الحركة لكارهها بالجهل ونعت منتقد "حماس" لمؤيديها بالسطحية، تحافظ الغالبية على الخط الواضح الفاصل بين الموقف من الحركة ودعم غزة وأهلها.

المزيد من تحقيقات ومطولات