Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليل الجزائر يستعيد نبض حياة خنقتها العشرية السوداء

تشجيع التجار ووسائل النقل على تمديد ساعات العمل إلى أوقات متقدمة من الليل في سياق مشروع "المدن التي لا تنام ليلاً"

شوارع الجزائر تغص بالمتجولين ليلاً بين المحال والمطاعم وقاعات الشاي (أ ف ب)

ملخص

الظاهرة ليست دخيلة على المجتمع، إذ أزالتها العشرية السوداء بسبب حالة الطوارئ والحظر الليلي.

يتزاحم الجزائريون في الشوارع متجولين بين المحال والمطاعم وقاعات الشاي، وفي حين كانت الحركة لا تتوقف في أزقة مختلف مدن البلاد منذ الاستقلال، إلا أن عودة هذا المشهد جعل الجيل الحالي يعتبرها ثقافة دخيلة على المجتمع.

حركة ليلية بعد سكون العشرية السوداء

فما إن تغيب الشمس عن سماء الجزائر، حتى يبدأ الجزء الثاني من يوم الجزائريين وتعج الطرقات والأرصفة بالعائلات والشباب والشابات، إما سيراً على الأقدام أو على متن سيارات تحدث ازدحاماً وصخباً مرورياً يستدعي في كثير الأحيان تدخل شرطة المرور، في واحد من المشاهد التي لم يألفها الجيل الحالي الذي عايش فترة ما بعد العشرية السوداء وما رافقها من قوانين حرب وحالة الطوارئ وحظر ليلي، مروراً بمنع التنقلات وضعف الحركة نهاراً وتوقفها مساء، وما يتبعها من محال ومراكز تجارية مغلقة.

وبعد أن تحسنت الأوضاع بدأت الحركة تدب مساء، لكن بشكل مناسباتي مثل الأعياد وخلال شهر رمضان، غير أن الوضع تطور إلى أن أصبحت العادة يومية وروتينية، إذ أصبحت الشوارع مزدحمة كما الطرقات، ليس في المدن الكبرى ولكن أيضاً في المناطق الداخلية التي تصنف في خانة المحافظة، بمن يريد التبضع أو التجول والسمر في الحدائق، مروراً بموائد العشاء في المطاعم وقاعات الشواء، وبجلسات قاعات الشاي والقهوة، إذ لا يمكنك سماع صديق بجانبك يتحدث، ولا يمكنك الرد على الهاتف من قوة الضجيج الصادر عن الجالسين إلى طاولات مختلف المأكولات والعصائر والمشروبات.

الهرب من مشكلات المطبخ

التقينا "كريمة"، ربة منزل برفقة زوجها وثلاثة من أبنائها، في مطعم معروف بمدينة سطاوالي العاصمة الجزائر، تنتظر دورها للحصول على طاولة، باعتبار أن كلها محجوزة، وقالت بخصوص الخرجات الليلية والازدحام الذي بات سمة الطرقات والشوارع إن "الحرارة التي تزداد ارتفاعاً يوماً بعد يوم تدفع إلى اغتنام فرصة الليل للخروج من البيت، كما أن التجوال في هذه الفترة يمنح بعض الراحة النفسية ويزيل ضغط النهار الحار"، مشيرة إلى أن "توافر الأمن وانخفاض أسعار المأكولات جراء المنافسة القوية يشجع أيضاً على تناول العشاء في المطعم بدل هموم المطبخ"، قالتها وهي تبتسم.

في المقابل يرى الزوج كمال (54 سنة) أن ظاهرة السهر خارج البيت ليست جديدة على الجزائريين، بل من عاداتنا التجول والسمر حتى وقت متقدم من الليل، لا سيما في عطلة نهاية الأسبوع. وأوضح أن الأزمة الأمنية التي هزت البلاد قضت على كل ما هو جميل، مبرزاً أنه في وقت مضى كانت قاعات السينما تغص بالرواد كما المسرح والمقاهي، لكن نأمل خيراً مع عودة هذه العقلية على رغم الاختلاف في التفكير لدى الجيل الحالي، فعلى أيامنا كنا نخرج للقاء الأصدقاء وتبادل الأحاديث وتنظيم نشاطات في الطبيعة، أما اليوم فهناك إقبال على المطاعم والمحال التجارية للتسوق".

وقال إن الطابع المادي غلب على السهرات الحالية، مشيراً إلى أنها ليست ثقافة جديدة أو دخيلة على المجتمع، وإنما "نحن ورثناها عن آبائنا وربما أجدادنا".

الثقافة التسويقية

وفي السياق يعتبر عضو إحدى الجمعيات بوعلام سالمي في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن الثقافة التسويقية لدى الجيل الحالي من التجار الشباب تسببت في تحول نمط الاستهلاك وطريقة التسوق، وقال إن قبول المواطن فكرة الذهاب إلى المراكز التجارية برفقة العائلة دفع إلى تشجيع الإقبال على التسوق الليلي، لكن لم يحدث ذلك عفوياً بل نتيجة توفير عدد من الخدمات الجالبة للراحة والاطمئنان، مثل مساحات الأكل والمصليات وأماكن للأطفال وأخرى للأمهات، مضيفاً أن تمديد أوقات فتح المحال والمطاعم حتى أوقات متقدمة من الليل أسهم بشكل كبير في إعادة ظاهرة التسوق الليلي.

وأبرز سالمي أن غالب المتجولين ليلاً يعملون نهاراً، وهؤلاء بالعادة ينتهي دوام عملهم عند الخامسة مساء، وإغلاق المحال عند الساعة السادسة مساء يجعل التسوق غير ممكن، لذا فكر التجار الشباب وبشكل خاص الذين يمارسون بيع الألبسة، في فكرة تمديد ساعات العمل، وبالتالي جلب زبائن "عمال"، ثم توسع الأمر إلى جميع فئات المجتمع بعد أن تبعت خطوة محال الألبسة المطاعم والمقاهي وقاعات الشاي وغيرها، وحتى الأمن ركب الموجة، لتحدث بعد ذلك حيوية جديدة عوضت سبات النهار، مشيراً إلى أن الظاهرة مرتبطة بثقافة جزائرية أزالها الإرهاب وأعادها الشباب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المدن التي لا تنام

وسبق أن حاولت الحكومات المتعاقبة إعادة الروح لليل الجزائري الذي ذهبت به العشرية السوداء، من خلال تشجيع التجار ووسائل النقل على تمديد ساعات العمل إلى أوقات متأخرة من الليل، في سياق مشروع "المدن التي لا تنام ليلاً"، إلا أنها فشلت في كل مرة تطرح الفكرة، وذلك لأسباب عدة أهمها غياب النقل والمواصلات وانعدام الأمن، إذ قال رئيس الاتحادية الوطنية للخبازين يوسف قلفاط إن فتح المخابز ليلاً أمر إيجابي، لكنه يجب أن يقترن بتوفير الأمن والمواصلات، قائلاً "مستعدون لفتح المخابز لغاية الفجر شرط توفير الأمن، فمن غير المعقول أن يجبر الخباز على العمل ليلاً، ليتعرض للسرقة بعد منتصف الليل".

كما طالبت نقابة سائقي سيارات الأجرة بضرورة توفير شرط الأمن، وشددت على أنه لا مانع لسائقي سيارات الأجرة ولا حتى الناقلين الخواص من العمل ليلاً شرط توفير الأمن، واعتبرت ظاهرة الاعتداءات على سائقي سيارات الأجرة ليلاً في تزايد مستمر، وأنه "من غير المعقول أن نجبر السائقين على العمل في مناطق معزولة لا تتوفر على الأمن"، معتبرة أنه "مثلما تعمل الدولة على حراسة وضمان أمن منشآتها كالميترو والترامواي والحافلات، وتمديد نشاطها إلى الواحدة صباحاً، عليها أن تعمل على حراسة محطات النقل لسيارات الأجرة والحافلات لأجل إحياء مشاريع المدن التي لا تنام ليلاً".

من جانبه اعتبر رئيس اتحاد التجار والحرفيين صالح صويلح أن فتح المحال التجارية مرتبط بتوفير الأمن ليلاً، وتوفير وسائل النقل والإنارة العمومية في المدن، مضيفاً أن فتح المحال التجارية قرار اختياري وليس إلزامياً، مؤكداً أن هدف التجار تحقيق الربح المادي، وإذا كان المواطنون سيتوافدون ليلاً فمن البدهي أن يفتحوا محالهم ليلاً لكن هذا مرتبط بمدى توفير الأمن والإنارة العمومية. ودعا إلى تحسين إنارة الأحياء والأزقة ليلاً، وأضاف أن تطبيق إحياء مشروع "العاصمة والولايات الكبرى لا تنام ليلاً"، سيخلق ما يزيد على 3 ملايين فرصة عمل بالنظر إلى عدد التجار والبالغ عددهم مليوناً ونصف مليون تاجر.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات