Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سرقة واعتداءات وقتل... مسلحو "الدعم السريع" يدبون الفوضى في "الجزيرة"

تعاني الولاية الزراعية الرئيسة في البلاد انتهاكات جمة تحرمها الغذاء والأمان

سودانيون يفرون مع تقدم قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة (رويترز)

ملخص

ذكرت ثلاثة مصادر مطلعة بصورة مباشرة على التجنيد داخل قوات "الدعم السريع" إن ما يجذب العناصر في كثير من الأحيان هو تلقيهم وعوداً بحصة من غنائم الحرب، لكن قوات "الدعم السريع" تنفي هذا وتقول إن مسلحيها يتقاضون رواتب شهرية.

عندما بدأ عناصر قوات "الدعم السريع" السودانية في الاستيلاء على المركبات من الأفراد في قرية شرفت الحلاوين، اشتكى كبار رجالها إلى قادة القوات شبه العسكرية.

وقال أربعة مدنيين إن القادة طمأنوا القرية خلال زيارة في مارس (آذار) الماضي بأن قوات "الدعم السريع" ستحمي المدنيين. وبعد ذلك بوقت قصير نشرت القوات مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، اطلعت عليه وكالة "رويترز"، قالت فيه إنها تعاملت مع "عناصر متفلتة" لم تحددها في المنطقة.

لكن في صباح اليوم التالي، وفقاً لما رواه سكان لـ"رويترز"، اقتحم عشرات المسلحين القرية على متن دراجات نارية وشاحنات صغيرة مطلقين النار في الهواء. وذكروا أن المسلحين، وبعضهم كان يرتدي زياً رسمياً، انتقلوا من منزل إلى آخر وسرقوا الأموال والأغراض الثمينة، مما دفع الآلاف إلى الفرار.

وتتطابق روايات السكان مع أخرى من مختلف أنحاء ولاية الجزيرة بوسط السودان، وهي منطقة زراعية رئيسة ومفترق طرق استراتيجي إلى الجنوب مباشرة من العاصمة الخرطوم. وأجرت "رويترز" مقابلات مع 43 شخصاً من 20 منطقة من بينهم سكان وناشطون ومسلحون في قوات "الدعم السريع" استفاضوا في وصف دوامة النهب والخطف والقتل منذ أن سيطرت عناصر "الدعم السريع" على معظم أنحاء الولاية في ديسمبر (كانون الأول) 2023.

 

السيطرة على العناصر

وحرصت قوات "الدعم السريع" على نشر مقاطع فيديو على غرار ذلك الذي بثته في مارس لتظهر أنها تحمي المدنيين وتوفر لهم الطعام والخدمات. لكن السكان قالوا إنها تعتمد على مزيج من المسلحين غير النظاميين يشكل المال الدافع الرئيس لكثير منهم، وإنها كثيراً ما تجد صعوبة في السيطرة عليهم.

ونفذت القوات المسلحة السودانية، التي كانت تتقاسم السلطة مع "الدعم السريع" في حكومة يقودها الجيش حتى اندلاع القتال بينهما في أبريل (نيسان) 2023، ضربات جوية في ولاية الجزيرة إلا أن قوام قواتها البرية هناك قليل، وفقاً لسكان ونشطاء محليين. وذكروا أن الجيش يحشد المدنيين للدفاع عن مناطقهم مما يتسبب في عمليات انتقام دموية ضدهم.

وتقول الأمم المتحدة إن العنف دفع أكثر من 850 ألف شخص إلى النزوح من منازلهم، وعطل نشاط الزراعة الحيوي لإنتاج الغذاء في السودان وأثار تساؤلات حول قدرة قوات "الدعم السريع" على فرض أي هدنة بعد مرور ما يقارب 16 شهراً منذ اندلاع الحرب.

وقال آلان بوسويل من مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة بحثية مقرها بروكسل، "يقر بعض مسؤولي قوات ’الدعم السريع‘ بأن المجموعة ستواجه تحديات داخلية ضخمة إذا توقفت الحرب يوماً ما... ما يربط بعضها ببعض هو الغزو وغنائم الحرب".

وتنفي قوات "الدعم السريع" استهداف المدنيين أو عدم قدرتها على القيادة والسيطرة على قواتها.

وقالت في بيان لـ"رويترز"، "نهب منسوبو الجيش وكتائب الإسلاميين المتحالفة معه ومعتادو الإجرام الولاية، واستمر ذلك بصورة ممنهجة لإدانة قواتنا... على رغم أن قواتنا مهمومة بإدارة المعارك لكنها أيضاً واجهت المتفلتين، بل اشتبكت معهم، وفي سبيل ذلك قتل لنا قادة وجنود في عدد من القرى في مواجهات مسلحة مع المتفلتين".

نزوح الملايين

ورفض المتحدث باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبدالله اتهامات قوات "الدعم السريع" ووصفها بأنها أكاذيب، قائلاً "ميليشيات ومرتزقة ’الدعم السريع‘ الإرهابية ارتكبت كل ما يمكن تصوره من انتهاكات في حق مواطني الجزيرة، نهبوا ممتلكات المواطنين بكل القرى التي اجتاحوها".

وفي أنحاء السودان، تفوقت قوات "الدعم السريع" مراراً على الجيش بفضل التحالفات التي أبرمتها مع الميليشيات القبلية والجماعات المسلحة الأخرى. واستغلت ولاية الجزيرة في يوليو (تموز) الماضي كنقطة انطلاق للتقدم إلى ولايات سنار والنيل الأبيض والقضارف، مما أدى إلى موجات جديدة من النزوح وتوسيع الصراع في قلب المناطق الزراعية بالسودان.

ووفقاً للأمم المتحدة، فر خمس سكان البلاد البالغ عددهم 50 مليون نسمة من منازلهم ويواجه نحو نصفهم خطر انعدام الأمن الغذائي، لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات "الدعم السريع". ويصف مسؤولو المنظمة الدولية الأزمة الإنسانية في السودان بأنها الأسوأ في العالم.

ولم تفلح الجهود الدولية للتوسط بين الجانبين في تحقيق تقدم يذكر، على رغم أن الولايات المتحدة تقود جهوداً لعقد محادثات في جنيف.

وتقول قوات "الدعم السريع" إنها منفتحة على التفاوض في شأن وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية، فيما يقول الجيش إنه لا يمكنه التفاوض قبل أن تخرج قوات "الدعم السريع" من المناطق المدنية وتكف عن ارتكاب الانتهاكات.

 

النشأة

تعود جذور قوات "الدعم السريع" إلى ما يسمى ميليشيات الجنجويد التي ساعدت الجيش في سحق تمرد في منطقة دارفور بغرب السودان قبل عقدين من الزمن، وانتزعت اعترافاً بها كقوة أمنية معتمدة من الدولة في عام 2017.

وتحالفت مع الجيش لإطاحة الرئيس السابق عمر البشير في عام 2019، لكن الجانبين اختلفا في شأن خطة مدعومة دولياً للانتقال نحو الحكم المدني.

وعندما وجد العنف طريقه إلى الصراع على السلطة، استولت قوات "الدعم السريع" بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، سريعاً على الخرطوم الكبرى. ورد الجيش بقيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان بغارات جوية ومدفعية ثقيلة إلا أن ذلك لم يكن له تأثير يذكر.

ثم أحكمت قوات "الدعم السريع" قبضتها على معظم أنحاء دارفور قبل أن تتوغل في الجزيرة التي كانت ملجأ لنصف مليون نزحوا من الخرطوم، واستولت على ود مدني عاصمة الولاية.

وفي دارفور تورطت قوات "الدعم السريع" والميليشيات المتحالفة معها في أعمال عنف على أساس عرقي، لكن السكان في ولاية الجزيرة يقولون إن المسلحين يتهمون بعض المواطنين بأنهم موالون للبشير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غنائم الحرب

ويقول مدير المرصد السوداني للسياسات والشفافية (وهي هيئة مراقبة مقرها الولايات المتحدة) سليمان بلدو، إن البعض يسعى كل من موقعه لتسوية المظالم ضد النخبة السياسية التي ظلت تسيطر على السودان لفترة طويلة، وهو ما يمثل مشكلة لأي هدنة مستقبلية. وقال بلدو إن معظم هذه العناصر يضع الغنائم نصب عينيه.

وذكرت ثلاثة مصادر مطلعة بصورة مباشرة على التجنيد داخل قوات "الدعم السريع" إن ما يجذب العناصر في كثير من الأحيان هو تلقيهم وعوداً بحصة من الغنائم. وتنفي قوات "الدعم السريع" هذا وتقول إن مسلحيها يتقاضون رواتب شهرية.

ويوضح سكان أن "القوات" تضم وحدات من قبائل وميليشيات متنافسة تقع بينها صدامات في بعض الأحيان.

والمسلحون المتمركزون في الحصاحيصا، المنطقة التي تتبعها شرفت الحلوين، يقودهم أحمد آدم قجة الذي كان ضمن ميليشيات نشطة في دارفور قبل الانضمام إلى قوات "الدعم السريع" في بداية الحرب.

وقال سكان ومجندان محليان في قوات "الدعم السريع" لـ"رويترز"، إن هذه المنطقة شهدت بعضاً من أكثر الهجمات التي تعرضت لها الجزيرة قسوة، خصوصاً بعد انقطاع الرواتب.

وقال شاب جرى التواصل معه عبر الهاتف، وطلب عدم الكشف عن هويته مثل عديد من السكان المحليين خوفاً من الانتقام "عندما تسألهم من حميدتي يقولون إنه منحهم السلاح لكننا غير واثقين فيه ولا في جنوده، نحن واثقون في إخواننا فقط".

وتحدث عن رؤية مسلحين يوجهون أسلحتهم إلى قادتهم عندما أصدروا أوامر بإغلاق شبكة اتصالات صغيرة متنقلة كانوا يستخدمونها لبيع خدمة الإنترنت. وعندما سئلت عن الواقعة، قالت قوات "الدعم السريع" إنها لا تسيطر على الشبكة ولا تمنع الناس من استخدامها.

مزارعون تحت التهديد

على الجانب الآخر من نهر النيل في منطقة شرق الجزيرة، نجا السكان من الموجة الأسوأ من أعمال العنف، إذ إن القائد الكبير بقوات "الدعم السريع" في الولاية أبو عاقلة كيكل من المنطقة. ويقول سكان محليون وناشطون إنه يفرض ضريبة حماية وإن المسلحين المتمركزين في المنطقة اشتبكوا مع قوات قجة عندما عبروا للجانب الآخر من النهر.

ولم تتمكن "رويترز" من التواصل مع القائدين، كما لم ترد قوات "الدعم السريع" على أسئلة في شأنهما.

يروي المدنيون رحلاتهم للفرار من قرية إلى أخرى سيراً على الأقدام أو بالسيارات والقوارب والحافلات والعربات التي تجرها الحمير للهرب من مسلحي قوات "الدعم السريع."

وقال أكثر من 20 شاهداً إنهم سرقوا في البداية السيارات والذهب والمال قبل أن يعودوا لاحقاً لسرقة أغراض مثل الملابس والإلكترونيات والطعام التي تباع في ما يسمى "أسواق دقلو"، في إشارة إلى حميدتي.

وعندما لا يجدون شيئاً يبدأون في خطف الناس لطلب فدية ويهددون بقتلهم إذا لم تدفع الأسر، وفقاً للجان مقاومة ود مدني التي توثق عمليات قوات "الدعم السريع" في أنحاء الولاية.

وقال ممثل للجان المقاومة، طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، إنه جرى استهداف مئات القرى وقتل ما لا يقل عن 800 شخص حتى أبريل، لكن انقطاع الاتصالات يجعل من المستحيل تأكيد الأرقام بصورة دقيقة.

 

اعتداءات جنسية وقتل وسرقة

وقالت المديرة الإقليمية للمبادرة الاستراتيجية للمرأة في القرن الأفريقي (وهي منظمة حقوقية) هالة الكارب، إن المبادرة وثقت 75 حالة اعتداء جنسي من قبل عناصر قوات "الدعم السريع" في ولاية الجزيرة.

وقال ما لا يقل عن 17 شخصاً أجرت "رويترز" مقابلات معهم، إنهم شاهدوا تعرض أشخاص للضرب يكون غالباً بالسياط وكذلك عمليات قتل في أثناء الهجمات.

وقالت أم لخمسة أطفال اسمها حنان لجأت إلى الجزيرة بعد فرارها من الخرطوم، إن أحد أقاربها قتل أمامها. وتابعت المرأة التي تم الاتصال بها هاتفياً في بورتسودان "قالوا لا ترفعوه وإلا نقتلكم. اضطررنا إلى دفنه في مكانه".

ووفقاً للسكان والمسؤولين الزراعيين نهب عناصر "الدعم السريع" مخزونات القمح والذرة الرفيعة وغيرهما من المحاصيل، ومنعوا المزارعين من الوصول إلى حقولهم.

وارتفعت أسعار الديزل وأصبحت الأسمدة والبذور نادرة فيما تعرضت الجرارات الزراعية للسرقة.

وحذرت شبكة مدعومة من الأمم المتحدة لمراقبة الأمن الغذائي في يونيو (حزيران) الماضي، من أن مناطق من الولاية معرضة لخطر المجاعة.

ولم ترد قوات "الدعم السريع" على أسئلة حول اضطرابات إنتاج الغذاء، لكنها سبقت أن أنحت باللائمة على الحصار الذي يفرضه الجيش على الولاية، ولم يعلق الجيش على ذلك.

وفي وقت مبكر من الحرب أنشأت قوات "الدعم السريع" قوة أمنية داخلية لمعالجة "الظواهر السلبية"، وهو المصطلح الذي تطلقه على الانتهاكات. وقالت لـ"رويترز" في يوليو الماضي إن هذه القوة ألقت القبض على أكثر من 1000 شخص في الجزيرة معظمهم من السكان المحليين.

وقال سكان إن التأثير كان محدوداً. وفي عدد من الوقائع اندلعت اشتباكات بين شرطة "الدعم السريع" والمسلحين.

المقاومة الشعبية

وفي ظل نقص القوات البرية يحاول الجيش تشجيع ما يسمى المقاومة الشعبية. وقال البرهان في ديسمبر 2023 إن 40 ألف رجل انضموا إلى الجهود في الجزيرة. وأوضحت لجان المقاومة أن كثيراً منهم يشعرون بالغضب من هجمات "الدعم السريع" على النساء.

وقال ممثل لجان المقاومة "تستغل قوات ’الدعم السريع‘ هذا كذريعة للهجوم"، موضحاً أن المجندين المدنيين لم يحصلوا على أي قدر يذكر من الأسلحة أو التدريب.

ووقعت واحدة من أسوأ هذه الحوادث في يونيو الماضي قرب آخر قاعدة للجيش في الجزيرة.

وأوضحت اللجان أنه بعد أن حمل الرجال في قرية ود النورة السلاح ضد قوات "الدعم السريع" قتل مسلحوها أكثر من 100 شخص هناك.

ووصفت قوات "الدعم السريع" ما حدث بأنه اشتباك مع مجندي الجيش وقوات خاصة. ولم يصدر تعليق عن الجيش على رغم أنه توعد في ذلك الوقت بأنه سيرد "رداً قاسياً".

وقالت امرأة قتل زوجها في الواقعة لـ"رويترز"، "زوجي كان معلماً لم يكن يعرف أي شيء عن الحرب ولم يكن لدينا أي شيء نحارب من أجله. لكنه شعر أنه كرجل يجب أن يحارب".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير