ملخص
مزودة بقدرة لا مثيل لها على إمداد الطيار الذي يقودها بوعي غير مسبوق بالظروف المحيطة بساحة المعركة، إذ تستطيع راداراتها المتطورة التقاط وتحليل بيانات المقاتلات المعادية، والتعامل مع أهداف جوية وبرية عدة في الوقت نفسه، وشن حرب إلكترونية للتشويش على رادارات الأعداء وشل اتصالاتهم.
في خضم الصراع المحتدم بين الدول العظمى لفرض سيطرتها الجوية المطلقة وحسم المعارك اعتماداً على سلاح الجو، توصف مقاتلة "إف-35" الأميركية الشبحية من الجيل الخامس، والتي دخلت الخدمة رسمياً عام 2015، بأنها أفضل مقاتلة في العالم اليوم كونها تمتلك مجموعة واسعة من القدرات لا تتمتع بها أية مقاتلة أخرى.
وتعمل هذه المقاتلة بالفعل على إعادة تعريف ساحة المعركة الحديثة من خلال استشعار البيانات ودمجها، وفي المستقبل القريب مشاركة البيانات متعددة المصادر بسلاسة عبر الشبكات، فضلاً عن أنها مزودة بقدرة لا مثيل لها على تزويد الطيار الذي يقودها بوعي غير مسبوق بالظروف المحيطة في ساحة المعركة، إذ تستطيع راداراتها المتطورة التقاط وتحليل بيانات المقاتلات والمركبات المعادية، والتعامل مع أهداف جوية وبرية عدة في الوقت نفسه، وشن حرب إلكترونية للتشويش على رادارات الأعداء وشل اتصالاتهم.
وبينما تمتلك هذه المقاتلة قدرات شبحية للتخفي تفوق مقاتلتي "إف-22" و"إف-117" وقاذفة "بي-2"، ولديها أجهزة استشعار مصممة لاكتشاف وتحديد مواقع رادارات العدو وقاذفات الصواريخ، إضافة إلى تزويدها بحجرات أسلحة عميقة مصممة لحمل الأسلحة وتدمير صواريخ المنظومات الدفاعية الجوية من مسافة بعيدة، يطرح كثيرون تساؤلات إن كانت هذه المقاتلة الخارقة قادرة على تجنب الرصد والتدمير من قبل أكثر المنظومات الجوية الدفاعية تطوراً، أو المقاتلات الروسية الشبحية المنافسة من الجيل الخامس؟
قدرات استثنائية
على عكس أية مقاتلة أخرى قبلها، توفر "إف-35" قدرات متكاملة يمكنها تعزيز قدرات الدفاع الصاروخي، إذ تسمح أجهزة استشعارها الخفية والمتقدمة بدخول المجال الجوي المتنازع عليه والعثور على التهديدات الصاروخية وتعقبها وتدميرها، وبالتالي فهي تتمتع بالقدرة على تنفيذ مهمات هجومية إستراتيجية عالية المستوى يمكن الاستفادة منها لوقف الهجمات الصاروخية المعادية قبل إطلاقها.
وتؤكد وزارة الدفاع الأميركية أن مقاتلة "إف-35" قادرة اليوم على الطيران بسرعات تفوق سرعة الصوت من دون حارق خلفي، وتعقب وتدمير صواريخ "كروز" المعادية، وإضافة إلى ذلك اكتشاف وتتبع التهديدات الصاروخية على مسافة قريبة للغاية، وهي قادرة على ربط معلومات الاستشعار بين المقاتلات والتنسيق مع أنظمة الدفاع الصاروخي القائمة للتعامل مع التهديد القادم، وهذا ما يمكّن أنظمة الدفاع الصاروخي من رؤية التهديدات وتتبعها وتدميرها في وقت أسرع وأكثر أماناً.
وقد طورت شركة "لوكهيد مارتن" هذه المقاتلة الاستثنائية بمساعدة شركتي "بي إيه إي سيستمز" و "نورثروب غرومان"، وهناك ثلاث نسخ منها وهي "إف-35 أ" بكلفة 110 مليون دولار لكل مقاتلة، و"إف-35 بي" (إقلاع وهبوط عمودي) بكلفة 136 مليون دولار، و"إف-35 سي" (على حاملة طائرات) بكلفة 117 مليون دولار.
وتنتج "لوكهيد مارتن" 150 مقاتلة منها سنوياً، في حين تمتلكها 10 دول وهي الولايات المتحدة (553 مقاتلة)، وأستراليا (63)، وكوريا الجنوبية (40)، والنرويج (40)، وإسرائيل (39)، واليابان (36)، وهولندا (34)، وبريطانيا (29)، وإيطاليا (25)، والدنمارك (10).
منظومة "إس-400" الروسية
وبعد أن مررنا على أهم ميزات هذه المقاتلة فلا بد لنا من التطرق إلى إمكان تعقبها وإسقاطها من قبل المنظومات الدفاعية الجوية التي تتمتع بمميزات خيالية، وفي مقدمها منظومة "إس-400" الروسية القادرة على كشف الأهداف الجوية على بعد 600 كيلومتر، والتصدي لـ 80 هدفاً في وقت واحد، والاشتباك مع المقاتلات وتدميرها في مدى يبدأ من 2.5 وحتى 380 كيلومتراً.
وقدرة مقاتلة "إف-35" على تجنب الاكتشاف بواسطة منظومة "إس-400" قضية معقدة بعض الشيء، ولا يمكن الجزم فيها بصورة قاطعة، إذ تم تصميمها بخصائص تخف متقدمة، بما في ذلك هيكل الطائرة الذي يمتص الرادار والطلاءات الخاصة، ودمج أسلحتها داخلياً لتقليل رصدها الراداري، وهذا يعني نظرياً أنه يمكن لهذه القدرات أن تجعل من الصعب على أنظمة الرادار الخاصة بمنظومة "إس-400" اكتشافها وتتبعها.
من ناحية ثانية تستخدم منظومة "إس-400" مجموعة متنوعة من أنظمة الرادار، بما في ذلك رادار المراقبة بعيد المدى ورادار اكتساب الهدف ورادار الاشتباك، ويمكن أن تؤثر القدرات والأداء المحددان لهذه الرادارات، إضافة إلى تكاملها، في قدرة المنظومة في اكتشاف وتتبع الأهداف شديدة التخفي مثل "إف-35".
ومن المرجح أن تؤثر التكتيكات والتقنيات التي يستخدمها طيارو هذه المقاتلة، مثل استخدام الحرب الإلكترونية، في قدرتها على تجنب الرصد، فيما تلعب بيئة التشغيل التي تندرج ضمنها عوامل مثل التضاريس والطقس ووجود دفاعات جوية أخرى، دوراً أيضاً في قدرتها على التخفي.
أما في ما يتعلق بالمنظومة الأحدث من "إس-500"، فتشير الاستخبارات الغربية إلى أنها تمثل تحسناً متواضعاً مقارنة بمنظومة "إس-400"، إذ تمتلك ثلاثة رادارات اثنان منها متطابقان مع "إس-400" والرادار الثالث "77"T6- للكشف عن الصواريخ الباليستية سريعة الحركة، ولا تزال قدراته غير معروفة، كما توجد منظومة واحدة وحسب منها في الخدمة تحمي مضيق كيرتش الذي يلعب دوراً أساساً في توريد الوقود والغذاء والسلع إلى القرم، ويعد أحد خطوط الإمداد الرئيسة للكرملين إلى جنوب أوكرانيا.
وفي المحصلة يمكن الاستنتاج أن قدرات التخفي لمقاتلة "إف-35" يمكن أن توافر لها ميزة ضد منظومة "إس-400"، لكن فعالية هذا التهرب تعتمد على مجموعة من العوامل والسياق المحدد للاشتباك، وستكون التقييمات الشاملة والخبرة الميدانية ضرورية للتوصل إلى استنتاجات نهائية.
منظومة "باتريوت" الأميركية
وعند الحديث عن أفضل المنظومات الدفاعية الجوية في العالم وقدرتها على التعامل مع مقاتلة "إف-35"، فلا بد لنا من أن نذكر منظومة "باتريوت" الأميركية التي تعترض الأهداف ضمن دائرة شعاعها أكثر من 100 كيلومتر، ويصفها الخبراء العسكريون بأنها أحد أكثر أنظمة الدفاع الصاروخي الجوي تشغيلاً وموثوقية وثباتاً.
ومن الناحية النظرية قد تستطيع منظومة "باتريوت" الحديثة الاشتباك وإسقاط "إف-35" في ظل ظروف معينة، وتعتمد فعالية المنظومة هنا على عوامل مختلفة تشمل التكوين المحدد لمقاتلة "إف-35" مثل قدرات التخفي والتدابير المضادة الإلكترونية والتكتيكات التي يستخدمها كل من الطيار ومشغلي منظومة "باتريوت"، ونطاق الاشتباك والظروف المحددة له.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وصممت ميزات التخفي المتقدمة لمقاتلة "إف-35" كي تقلل المقطع العرضي للرادار وتصعب على أنظمة الرادار المعادية اكتشافها وتتبعها، ولكن وكما هو معلوم فلا توجد تقنية تخف مثالية، وفي ظل ظروف معينة قد تكون منظومة "باتريوت" قادرة على اكتشاف "إف-35" والاشتباك معها، وعليه تكون الاشتباكات بين المقاتلات الشبحية المتقدمة مثل "إف-35" ومنظومات الدفاع الجوي الفعالة مثل "باتريوت" في السيناريوهات الواقعية معقدة للغاية وديناميكية، وستعتمد النتيجة على عدد من العوامل ومنها التكتيكات والتقنيات وغيرها من الظروف.
مقاتلة "سوخوي سو-57" الروسية
بيد أن الخطر الحقيقي على هذه المقاتلات الخارقة لا يأتي من المنظومات الدفاعية الجوية وحسب، وإنما من مقاتلات الجيل الخامس الشبحية الأخرى، ولا سيما المقاتلة القاذفة الروسية الأبرز والأخطر "سوخوي سو-57"، التي تؤكد وزارة الدفاع الروسية أنها قادرة على التعامل مع مقاتلات "إف-35".
وبحسب الفرضية العسكرية الروسية فإن ما يعطي مقاتلة "سوخوي سو-57" القدرة على التعامل مع "إف-35" يتلخص بتثبيت نظام "البحث والتتبع بالأشعة تحت الحمراء"، وهذا ما يسمح لها باكتشاف وتتبع الأهداف من دون استخدام الرادار، مما يجعلها أكثر سرية وأقل عرضة للكشف والتشويش.
وبمجرد اكتشاف مقاتلة "إف-35" يمكن للمقاتلة الروسية توجيه الأسلحة الموجهة بالأشعة تحت الحمراء بعيدة المدى وإطلاقها عند استيفاء المعايير، وبالطبع هذا لا يعني بالضرورة إسقاط مقاتلة "إف-35"، إذ من المرجح نظراً لتقنياتها فائقة التطور أن يكتشف قائدها وجود المقاتلة الروسية والصواريخ الموجهة من خلال شاشة العرض المثبتة على الخوذة ثم ويتخذ الإجراءات الدفاعية المناسبة، ولكن هذا السيناريو الافتراضي سيعطل وفق منظور موسكو، مهمات المقاتلة الأميركية ويجبرها على الانسحاب.
وتحمل هذه المقاتلة الروسية صاروخ "R-77" المتوسط المدى والموجه بالرادار النشط مع باحث بالأشعة تحت الحمراء، ويصل مداه إلى 110 كيلومترات، إضافة إلى صاروخ "R-37" بعيد المدى والموجه بالرادار النشط، مع باحث بالأشعة تحت الحمراء بمدى أقصى يبلغ 300 كيلومتر.
ويعتقد الخبراء العسكريون الروس أن هذه الصواريخ بعيدة المدى الموجهة بالأشعة تحت الحمراء تسمح للمقاتلات الروسية بالاشتباك مع "إف-35" على مسافات ممتدة، من دون الاعتماد على الرادار وحسب، مما يجعلها أكثر فعالية في المجال الجوي المتنازع عليه، كما يشار إلى أنه لا يمكن "خداع" الصواريخ الحديثة الموجهة بالأشعة تحت الحمراء بسهولة، وتعتبر أكثر خطورة من الصواريخ الموجهة بالرادار.