Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف اخترقت استخبارات إسرائيل جدران طهران وأخفقت في "هجوم حماس"؟

يوظف "الموساد" 7 آلاف شخص بصورة دائمة مما يجعله ثاني أكبر وكالة تجسس عالمياً

هجوم "حماس" على جنوب إسرائيل مثل لحظة فارقة في تاريخ المنطقة (أ ف ب)

 

ملخص

الهجوم المباغت لـ"حماس" براً وجواً وبحراً على مستوطنات غلاف قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، كشف إخفاقاً أمنياً وسياسياً ذريعاً لـ"الموساد والشاباك" شكل ضربة قوية لسمعتهما المهيبة عالمياً.

من معجون الأسنان المسموم والطائرات من دون طيار وحتى المسدسات المزودة بكاتم الصوت والسيارات والهواتف والغرف المفخخة، وصولاً إلى القصف الجوي بقنابل ضخمة لضمان التدمير الكامل للهدف، برعت إسرائيل لعقود في اغتيال خصومها البارزين ممن تعتبرهم خطراً على أمنها، ووأدت محاولاتهم التطور التقني والعسكري، فلم تقتصر الاغتيالات على تصفية قيادات سياسية وعسكرية فلسطينية داخل غزة والضفة الغربية وخارجها والتي كان آخرها اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، بل تجاوزتها لتشمل قيادات سياسية رفيعة في "حزب الله" اللبناني كاغتيال القائد العسكري للحزب فؤاد شكر في بيروت، فضلاً عن قيادات عسكرية واستخباراتية إيرانية في سوريا.

سياسة الاغتيالات التي بدأتها إسرائيل وتعتمد على استخبارات دقيقة واحترافية لم تكن يوماً أمراً جديداً في السياسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، إذ تعد وكالتا الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) ونشاطه خارج حدود إسرائيل و(الشاباك) وهو جهاز الأمن العام الداخلي، على نطاق واسع من أفضل وكالات الاستخبارات في العالم، ولديهما تاريخ طويل من النجاح والإنجازات في جمع المعلومات ومنع التهديدات من أعداء إسرائيل، كيف لا ويوظف "الموساد" بحسب المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، نحو سبعة آلاف شخص بصورة دائمة، مما يجعله ثاني أكبر وكالات التجسس في العالم، بعد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) وألحق به مدرسة لتدريب العملاء مركزها الرئيس في مدينة حيفا شمال إسرائيل يتم فيها التدريب على قواعد العمل السري والتجسس.

 

 

ووفقاً لما ذكره المحلل الاستخباري الإسرائيلي رونين بيرغمان، في كتابه "قم واقتل أولاً" نفذت إسرائيل منذ قيامها عام 1948، عبر أجهزة استخباراتها ما لا يقل عن 2700 عملية اغتيال بمعدل 38 عملية سنوياً.

إخفاق أمني

الهجوم المباغت الذي نفذته حركة "حماس" براً وجواً وبحراً على مستوطنات غلاف قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وما انكشف معه من إخفاق أمني وسياسي ذريع لكلا الجهازين (الموساد والشاباك) لفشلهما في التنبؤ بالهجوم، شكل ضربة قوية لسمعتهما المهيبة على مستوى العالم ربما لن يتعافيا من تردداته أبداً، لدرجة أن عديداً من السياسيين والأمنيين والعسكريين الإسرائيليين وصفوا هجوم "حماس" بأنه "فشل استخباري كبير"، فكيف لدولة مثل إسرائيل في حالة تأهب دائم وتعيش منذ نشأتها حرباً وجودية وتمتلك أقوى التكنولوجيات المتطورة لاستباق التهديدات وتحييدها، ألا تكون على هذا القدر من الاستعداد والتأهب لصد الهجوم؟ بخاصة أن وثيقة أعدتها وحدة تابعة لشعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي أكدت في يونيو (حزيران) الماضي أن الجيش وأجهزة الاستخبارات كانوا على علم بخطة "حماس" قبل ثلاثة أسابيع من تنفيذ الهجوم.

ووفقاً لهيئة البث الإسرائيلية "مكان" فإن الوثيقة التي حملت عنوان "تدريب الهجوم بالتفصيل من البداية إلى النهاية"، أعدتها الوحدة 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، في الـ19 من سبتمبر (أيلول) 2023، شرحت بالتفصيل خطة "حماس" لاختطاف ما بين 200 و250 جندياً ومدنياً إسرائيلياً. وأكدت أن قيادة الاستخبارات، وقيادة فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي تجاهلتا الوثيقة التي شرحت بالتفصيل سلسلة تدريبات نفذتها وحدات النخبة التابعة لـ"حماس"، عن مداهمة المواقع العسكرية وكيفية اختطاف الجنود والمدنيين، إضافة إلى تعليمات عن كيفية احتجاز وحراسة المختطفين أثناء وجودهم داخل قطاع غزة، فيما نوهت قناة "كان" الإسرائيلية بأن استخبارات القيادة الجنوبية لم تكن فقط على علم بخطة الاختطاف، بل فصلت أيضاً الظروف التي سيحتجز فيها المختطفون، وتحت أي ظروف يمكن إعدامهم.

 

 

وجاء تقرير هيئة البث بعد يومين فقط من إصدار المحكمة العليا الإسرائيلية أمراً موقتاً يأمر مراقب الدولة، بتعليق تحقيقه بالإخفاق الأمني في التصدي لهجمات السابع من أكتوبر 2023، التي تتعلق بالجيش وجهاز الاستخبارات الداخلي بالأمن العام (الشاباك). وبحسب بيانات الجيش الإسرائيلي، خطف خلال الهجوم 251 شخصاً ما زال 116 منهم محتجزين في غزة، توفي منهم 41 في الأقل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى مراقبون أن الوثيقة التي كشفت عنها "مكان" لم تكن مفاجئة، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن معرفة جهات عسكرية واستخباراتية بخطة هجوم "حماس"، ففي يناير (كانون الثاني) الماضي ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حصلت قبل أكثر من عام على وثيقة سرية من 40 صفحة سميت وثيقة "جدار أريحا" تتضمن خطة مفصلة لتنفيذ هجوم غير مسبوق ضد إسرائيل شبيه بهجوم السابع من أكتوبر 2023، وتتحدث عن وابل صواريخ وطائرات مسيرة وعبور مقاتلين بمظلات وسيارات وسيراً على الأقدام. إلا أن فكرة تنفيذ "حماس" هجوماً من هذا النوع كانت مستبعدة تماماً إلى حد أن مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية خفضوا التنصت على الاتصالات اللاسلكية للحركة على اعتبار أنه "مضيعة للوقت".

تحذيرات مسبقة

بحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية فإن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي حذر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مرتين قبل عملية السابع من أكتوبر 2023، من أن الأزمة الاجتماعية والسياسية المحيطة بالتعديلات القضائية تشجع على شن هجمات ضد إسرائيل، مؤكدة أن رئيس قسم الأبحاث في مديرية استخبارات الجيش حذر نتنياهو شخصياً من أن تلك الأزمات ستشجع الفصائل الفلسطينية و"حزب الله" وأطرافاً أخرى على شن هجوم ضد إسرائيل، ومنها هجمات مشتركة.

أما صحيفة "يسرائيل هيوم" فقالت في تقرير نشرته مارس (آذار) الماضي، فإن جهاز الأمن الإسرائيلي الذي يضم الجيش و"الموساد" و"الشاباك"، رصد في السنوات الأخيرة جهوداً تبذلها "حماس" في مجال جمع المعلومات الاستخباراتية عن إسرائيل، إلا أن شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" التي كلفت بالتحقيق ومتابعة تطور مجهود الحركة الاستخباراتي أكدت بأن الوحدة تسيطر على الوضع إلا أن ما تم اكتشافه بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي قطاع غزة والاستيلاء على حواسيب موصولة بمجمع الخوادم، كشف عن قدرات "حماس" في مجال جمع المعلومات الاستخباراتية وهو ما أبقى عناصر الاستخبارات الإسرائيلية في حالة ذهول مطلق.

وتقول الصحيفة إن "حماس" تمكنت من التوغل إلى شبكة كاميرات في "غلاف غزة" والسيطرة عليها، ورصد السياج الأمني المحيط بالقطاع، ومنشآت أمنية حساسة، وزرعت تطبيقات تجسس من خلال التوغل إلى هواتف إسرائيليين وجنود، كما نفذت عمليات قرصنة إلكترونية استخرجت بواسطتها معلومات "استخدمتها جيداً" خلال الهجوم. وأكد المحاضر في قسم الشرق الأوسط في جامعة بار إيلان، نتانئيل بلمر، للصحيفة أن "’حماس‘ لديها جهاز استخبارات نوعي، لم يتم استيعاب خطره بالصورة الكافية في أجهزة الأمن الإسرائيلية". وبحسب موقع "فايننشال تايمز" ينظر إلى فشل إسرائيل في منع الهجوم، على أنه الفشل الاستخباراتي الأكبر منذ هجوم مصر وسوريا المفاجئ في السادس من أكتوبر من عام 1973.

 

 

إخلاء الشمال

وسط محاولات الاستخبارات الأميركية والغربية والإسرائيلية منذ بدء الحرب لتفسير الإخفاق الكبير بعد هجوم "حماس"، ظهرت تساؤلات عديدة وتحليلات عميقة تبحث في ما إذا كانت إسرائيل عمداً تجاهلت تلك التحذيرات، لتنفيذ مخطط محكم يهدف إلى تهجير الفلسطينيين من القطاع، لا سيما في شمال غزة، إذ الحدود المشتركة مع إسرائيل، كيف لا تتزايد تلك الشكوك واستهدفت إسرائيل شمال القطاع بقصف جوي عنيف ومكثف وصفه كثر بأنه خلف دماراً لا مثيل له منذ الحرب العالمية الثانية، ومسح أحياءً كاملة وقضى على البنية التحتية والمستشفيات ومحطات تحلية المياه ومخازن الحبوب، وكل ما قد يصلح للحياة.

ووفقاً لما أعلنته الأمم المتحدة في يونيو الماضي، فإن نحو 55 في المئة من المباني ومعظمها سكنية في قطاع غزة تعرضت للضرر أو للدمار جراء الحرب الإسرائيلية، وذلك استناداً إلى صور التقطتها الأقمار الاصطناعية التابعة لمركز الأمم المتحدة "يونوسات" التي كتبت على منصة "إكس" أن "ما مجموعه 137297 من المباني في غزة تأثرت".

ومنذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023 أجبرت إسرائيل سكان شمال غزة المقدر عددهم بنحو 1.1 مليون من إجمال عدد السكان البالغ 2.4 مليون نسمة على النزوح إلى جنوب القطاع، في حين قدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية أن ما بين 300 ألف و350 ألف شخص ما زالوا عالقين في شمال غزة، لا يستطيعون الانتقال إلى الجنوب ومهددون بالمجاعة. وبحسب "فايننشال تايمز" فإن ضرب إسرائيل عرض الحائط بكل الأعراف والقوانين الدولية وتحدى كل الدعوات الدولية، الرافضة للتهجير القسري للفلسطينيين، يرجح تلك الشكوك على أرض الواقع.

 

 

وفيما تزعم تل أبيب أنها لا تنوي إعادة احتلال غزة بصورة دائمة، إذ كانت قواتها سيطرت عليها لنحو أربعة عقود قبل انسحابها في عام 2005، إلا أن بناء الطرق والقواعد والمناطق العازلة في الأشهر الأخيرة وخصوصاً تحركاتها في تحصين "ممر نتساريم الاستراتيجي" الذي يقسم غزة إلى قسمين، يشير بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إلى دور متزايد للجيش الإسرائيلي ضمن رؤية "بديلة لغزة ما بعد الحرب". ويؤكد محللون عسكريون أن العمليات الواسعة النطاق والطويلة المدى في شمال غزة تذكر "بالخطط الإسرائيلية السابقة لتقسيم غزة إلى كانتونات يسهل السيطرة عليها"، في إشارة إلى استراتيجية "الأصابع الخمسة" التي اعتمدها رئيس الوزراء الأسبق، آرييل شارون، بحيث يجري تقسيم غزة إلى أجزاء يسهل السيطرة عليها أمنياً.

وأكدت صحيفة "لوموند" الفرنسية في تحقيق نشرته في مايو (أيار) الماضي، مدعوماً بالرسوم البيانية التوضيحية، أن إسرائيل بعد أن أجبرت مئات الآلاف من السكان على مغادرة شمال القطاع وسيطرت على طريق يمنع عودتهم، ويحد في الوقت نفسه من مرور المساعدات الإنسانية دمرت بصورة منهجية، على عرض كيلومتر واحد في الأقل، كل المباني على طول الحدود، المتاخمة لحدودها مع القطاع، مما يحرم غزة بصورة دائمة من 16 في المئة من أراضيها الزراعية، التي كانت تنتج قبل الحرب نحو 20 في المئة من حاجات القطاع الغذائية. وبحسب "لوموند" فإن قول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "إن المنطقة الأمنية التي أنشئت في قطاع غزة، على محيط حدود إسرائيل، ستظل موجودة ما دامت الحاجة إلى الأمن تتطلب ذلك"، يؤكد بأن التدمير الهائل للممتلكات المدنية يمكن أن يشكل جريمة حرب، وعلى المدى الطويل استيلاء على الأراضي.

مخطط قديم

هذا الواقع المؤلم تدعمه وثائق كشفت عنها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في الـ31 من أكتوبر 2023، والتي تؤكد أن مخطط إسرائيل بتهجير الفلسطينيين من غزة لم يتوقف، وإن كان قد توارى لفترات عن الأنظار، مشيرة إلى أنه يعود إلى عام 1971. وتضمن التقرير وثيقة سرية تكشف أبعاد المخطط الإسرائيلي قبل 52 عاماً، الذي كان يهدف إلى ترحيل آلاف من سكان غزة إلى شمال سيناء، وذلك بعد احتلال الجيش الإسرائيلي القطاع، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان ‏السورية، في حرب يونيو عام 1967، إذ أصبح القطاع مصدر إزعاج أمني لإسرائيل، وباتت مخيمات اللاجئين ‏بؤراً للفصائل المسلحة الفلسطينية وعملياتها.

ووفق ما ذكرت وكالة "الأسوشيتد برس" الأميركية طرحت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية ثلاثة بدائل من أجل تغيير الواقع المدني في قطاع غزة. ووصف واضعو التقرير أن مقترح تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء الأكثر تفضيلاً لأمن إسرائيل. واقترحت الوثيقة نقل المدنيين في غزة إلى خيام في شمال سيناء، ثم بناء مدن دائمة لهم، وممر إنساني غير محدد، كما سيتم، بموجب المقترح، إنشاء منطقة أمنية داخل إسرائيل لمنع الفلسطينيين النازحين من الدخول.

 

 

ولم يحدد التقرير ماذا سيحدث لغزة بعد إخلائها من سكانها. وذكرت الوثيقة أن إسرائيل تسوق لأهمية وجدوى مقترح التوطين للغزاويين خارج القطاع، الذي يبدو وفق محللين، "معقداً من جهة الشرعية الدولية"، بأن "القتال بعد التهجير يؤدي إلى خسائر مدنية أقل مقارنة بما يمكن توقعه إذا بقي السكان". وفيما قال إسرائيليون ومحللون إن الوثيقة ليست ملزمة، وصفها مكتب نتنياهو بأنها "ورقة مفاهيم"، يتم إعداد أمثالها على جميع مستويات الحكومة وأجهزتها الأمنية، مؤكداً أن تل أبيب تركز حالياً على تدمير قدرات الفصائل الفلسطينية. واستبعدت الوثيقة الخيارين الآخرين، بإعادة حكم السلطة الفلسطينية في غزة أو دعم نظام محلى بدعوى أن كلا الخيارين لن يكون قادراً على ردع هجمات الفصائل ضد إسرائيل، فعودة السلطة الفلسطينية لحكم غزة بحسب الوثيقة "سيكون انتصاراً غير مسبوق للفصائل الفلسطينية المسلحة، الذي سيؤدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين والجنود الإسرائيليين، ولا يحمي أمن إسرائيل".

ووسط كل تلك الشكوك والوثائق والتحقيقات والتقارير منذ بدء الحرب حول تعمد إسرائيل ترك هجمات السابع من أكتوبر 2023 تحدث لنبش مخططات قديمة واقتلاع الفلسطينيين من غزة، يرى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أن الأزمات الداخلية التي عصفت بإسرائيل قبل الحرب وتزامنها مع استقطاب حاد وانقسام مجتمعي كانت سبباً في إضعاف الأمن القومي، وتشتيت انتباه أجهزة الاستخبارات، وربما يكون دفع "حماس" إلى استغلالها بدقة لتنفيذ الهجوم.

المزيد من تقارير