Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مجتمع الغرباء... حين تفصلنا عن الجيران مخاوف الحياة

المناطق الشعبية لا تزال تحافظ على حقوق الجيرة ومواقع التواصل تزيد العزلة وكثيرون لديهم رعب مما قد يخفيه السكان

تبدو الجيرة عاملاً أساساً في حياة ساكني المناطق الشعبية (رويترز)

ملخص

رغم قيمة وجود جار طيب ومتعاون في محيط كل شخص وأهميته فإن الضغوط الاقتصادية وتغير عادات السكان وسلوكياتهم وكذلك العزلة التي تفرضها التكنولوجيا جعلت كثيراً من الطبقات تودّع مفهوم الجيرة إلى الأبد حتى إنهم لا يعرفون شكل من يقيمون في العقار الذي لا يفصل بينهم وبينه سوى بضعة أمتار

قبل أسابيع اكتشفت زوجة شابة تسكن في بناء من خمسة طوابق بمجمع سكني فاخر ضمن القاهرة الجديدة، أن جارهم الذي يفصل بينهم طابقان فقط توفي منذ خمسة أيام في الأقل دون أن يشعر أحد. صُدمت الموظفة بإحدى الشركات الدولية، التي ينتهي دوامها يومياً في الرابعة عصراً، بأنها لم تلحظ شيئاً، وكذلك غالبية جيرانها، بينما القصة كلها بدأت حينما استقبل أحد سكان البناية ضيفاً جديداً فلاحظ انبعاث رائحة غريبة من إحدى الشقق، التي كان يسكنها رجل أعزب في منتصف العمر على مساحة الطابق بكامله، بينما لم يلحظ بقية السكان الرائحة، فيما بعضهم لم يعرها اهتماماً، معتقداً أن السبب ربما يكمن في التأخر بجمع القمامة.

تلك القصة لا تفارق أبداً أذهان الجيران الذين بالكاد يعرفون أسماء بعضهم بعضاً، لا سيما أنها تبدو مثالاً واضحاً على تغير مفهوم مجتمع الجيران، الذي تربى عليه الكثير منهم ممن ينحدرون من مناطق لا تزال حتى الآن تحافظ على مبادئ الجيرة وتعتبرها حقوقاً، بما في ذلك ضرورة السؤال على من يسكنون في المنازل القريبة، ومحاولة تفقد أحوالهم إذا ما تغيبوا يوماً أو يومين.

الجيران هم الأهل البدلاء، وهم الأكثر قرباً، والأكثر قدرة على تقديم العون في حالات الطوارئ، وفي نثر مشاعر الطمأنينة والأمان، لكن هل ضغوط الحياة قلّصت قيمتهم إلى هذه الدرجة أم الخوف مما قد يخفيه الجار من عادات سلبية وتصرفات سيئة جعل الكثير يقصرون تلك العلاقات على السلام العابر والاحتكاك الضروري؟ ليتحول هذا الجار إلى شبح غامض، قد يكون طيباً أو شريراً، لذا من الأفضل بالنسبة إلى الناس تجنبه تماماً واختيار السلامة.

فوبيا الجيران... مرض عصري جديد

الساكن المريض، الذي استجار للمساعدة أصبح في عداد الموتى بعدما جاء أجله، بينما لا يزال جيرانه يعتقدون أنهم لم يقوموا بواجبهم، إذ إن هذه الواقعة لن تفارق أذهانهم بسهولة، لكنهم مع ذلك عادوا جميعاً إلى عزلتهم، ولتجنب أي لقاءات مباشرة أو حضور أي اجتماع مشترك مع بقية الجيران على رغم أن بعضاً منهم "الباب في الباب" كما يقول المثل المصري، فوحداتهم يفصل بينها جدار واحد، فيما يقتصر التواصل على مجموعة "واتساب" يذكرون بعضهم بعضاً من خلاله بدفع الاشتراك الشهري، ودفع متطلبات صيانة المصعد الكهربائي، والتفاعل يكون عادة بصورة روتينية من خلال كلمات مقتضبة أو رمز تعبيري.

يروي أب أربعيني لطفلين في المرحلة الابتدائية، ناصر عبدالله، مشادته مع أحد الأشخاص حينما التقاه في المصعد بالمصادفة، نظراً إلى أن الأب الذي يخشى على أطفاله من الغرباء بعد تكرار حوادث الاختطاف، سأل الشخص الغامض عن هويته، ليدخل معه الأخير في جدال حاد، ولم تنته الأزمة إلا بعد تدخل رجال الأمن بالبناية الذين أكدوا للأب الذي يدير شركة تسويق عقاري، وكان في طريقه للخروج إلى عمله، أن هذا الرجل هو "جارهم الذي يسكن في الطابق الأخير"، إذ كانت تلك المرة الأولى التي يلتقيان فيها، وتبين أن كليهما يعيش في العمارة نفسها إلا أنهما أغراب تماماً.

 

يعتقد ناصر عبدالله أن الجيران، الذين تربى معهم وهو طفل في الحي الشعبي، وتركه منذ نحو 15 عاماً، لم يعد لهم وجود، "نعلم أن البيوت منغلقة على أسرار شتى، وأن النوايا وما يظهر لنا أمر مختلف تماماً، لكن السائد أن الجميع في حينا الشعبي كانوا يثقون في بعضهم بعضاً، وحين نكون في شدة يهرع إلينا كل من بالشارع ليساعدونا، وكذلك في وقت الأفراح، الجميع يأتي ويساعد في المطبخ بل يجلبون أدوات المائدة الخاصة بهم للإسهام في إعداد الولائم".

ويتذكر ناصر مساندة الجيران قديماً "لا أنسى أن من أنقذني حينما سقطت من على الدرج وأنا في السابعة كان جارنا، إذ لم يكن أبي في المنزل فهرع بي إلى المستشفى، لكن الحال تغيرت تماماً لم يعد أحد لديه وقت للسؤال على الجار كما أن كل شخص في المجتمعات السكنية الجديدة منحدر من بيئة مختلفة، فلا أحب أن أغامر وأحرج نفسي بفتح مجال للحديث مع أحد قد لا يتقبل الفكرة من الأساس، كما أن متطلبات عملي تجعلني أبقى لمعظم اليوم في الخارج، ولا وقت لديّ لبذل مجهود إنساني في علاقات قد تشكل عبئاً وضغطاً، قد يكون لدي خوف مرضي من الجيران في هذا الحي أو أنني تأثرت في ما أسمعه من جرائم مرعبة يتسبب فيها الجيران".

الترقي المجتمعي في مقابل التخلي عن الخصوصية

ما يشرحه الساكن، الذي دخل في مشاحنة بسبب اختياره الانعزال عن عالم الجيران درءاً لمشكلات مستقبلية، تفسّره الأكاديمية أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس المصرية هالة منصور، فتقول "السمة الغالبة للعلاقات مع الجيران في الأعوام الأخيرة يمكن أن توصف بـ(السيئة). وعلى رغم أن هناك عادات وتقاليد تحثّ على ود الجار، كما أن الأديان السماوية تأمر بحسن الجوار وبالتواصل مع الجيران وكف الأذى عنهم، فإن الوضع تغير كثيراً في هذه المرحلة".

وتوضح أستاذ علم الاجتماع، "الأنانية أصبحت تتحكّم في سلوك الفرد، كما انتشر ما يسمى بتشيؤ العلاقات، فكل علاقة اجتماعية باتت قابلة للتداول والبيع والشراء، مع الرغبة في البحث عن المصالح السريعة، لذا لا يرحّب الكثير ببذل مجهود في تحسين علاقاته بالجار، كذلك الحراك الاجتماعي من شريحة لشريحة أعلى يسهم بقوة في تسطيح العلاقات مع الجيران، بل قد يجعلها تتلاشى تماماً".

المجتمع الذي تتحدث عن سماته الأساسية الدكتورة هالة منصور، ربما يبدو بعيداً بعض الشيء عن حال المناطق الشعبية التي تبدو فيها الجيرة عاملاً أساساً في حياة ساكنيها، ترى منصور أن حتى هذه المناطق "تأثرت كثيراً، وتغيّرت أحوالها في هذا الجانب، لكنها على رغم ذلك لا تزال تحتفظ بعدد من الأصول والعادات والتقاليد في ما يتعلق بحقوق الجيران". مشددة على أن هناك عوامل تجعلهم يحافظون على هذه العلاقات أبرزها أن "ظروفهم الشخصية والأسرية تجعلهم دوماً بحاجة إلى المساعدة، سواء في أزمة مرضية، أو حادثة مؤلمة، أو حتى حادثة سعيدة، فيتبادلون الموارد ويستعيرونها، ومن لديه سيارة يمكن أن يجعلها في خدمة المحتاج، لا سيما إن كان الموضوع طارئاً، فهم يحافظون على قوة العلاقات".

الجار هو منقذك الأول

وفقاً لهذه الآراء فالكائن البشري بحاجة إلى التواصل مع المقربين منه سكنياً، لأنهم قد يكونون سبباً في حمايته من الأزمات الطارئة. وبحسب دراسة أجريت في جامعة ميشيغان الأميركية، ونشرت نتائجها التفصيلية بدورية بريتيش ميديكال جورنال الإنجليزية، فإنه كلما ارتفعت نسبة الاطمئنان بين الجيران قلّ تعرضهم للأزمات القلبية، فحسن الجوار وفقاً لأكثر من 5000 شخص جرت مراقبتهم على مدى أربعة أعوام يؤثر بصورة مباشرة في صحة الإنسان، ليس فقط لأن هناك كثيراً مستعدون للمعاونة وأخذ المريض الذي يعاني مشكلة طارئة إلى الطبيب، أو إجراء الإسعافات له، لكن لأنه نفسياً حينما يعيش بمجتمع جيراني صحي سوف تقل معدلات تعرضه للنوبات القلبية.

يعتقد كثير أيضاً التصنيفات التي توضع بها المناطق السكنية تنعكس على الأفراد الذين يعيشون فيها، فوفقاً للشائع فإن سكان الأحياء الشعبية أكثر تقبلاً وتلاحماً ورغبة في التعارف، بعكس الأحياء التي توصف مبانيها وطريقة تخطيطها بالراقية.

 

لكن التصنيفات هنا قد لا تكون أمراً مسلماً به في كل الأحوال، فكرة المجمع السكني أو الكومباوند ليست سلبية تماماً كما يجري تصويرها في هذا الجانب، وعلى رغم أن بعضاً يتوقع أن سكانه هم الأكثر عزلة ورغبة في عدم الاختلاط، فإن تجربة الطالبة بالمرحلة الثانوية في إحدى المدارس الدولية، مليكة عبدالله، تبدو مختلفة تماماً.

تشير مليكة إلى أن مجتمع الكومباند بالنسبة إليها أمان، وهي تلتقي بكثير من السكان في النادي الملحق بالمجمع، ويتشاركون كثيراً من الأنشطة مع الحفاظ على الخصوصية، إذ تبقى العلاقة سطحية، لكنها لمست تكاتفاً حقيقياً معها حينما تعرضت والدتها لأزمة صحية، اضطرت الأخيرة للمكوث بالمستشفى وبقيت الفتاة مع شقيقتها الصغيرة، إذ جلست جارتهم التي تسكن في البناية المقابلة معها غالبية اليوم من أجل مساعدتها وطمأنتها.

وعلى رغم صغر سن الفتاة فإنها تسرد واقعة مضادة لبعض الأفكار السائدة، تلفت النظر إلى أنها تسكن في هذا المجتمع منذ عامين تقريباً مع أسرتها الصغيرة، بعدما تركوا منزلهم الأول في حي مرموق أيضاً وسط القاهرة، بسبب أن الجار الذي كان يسكن فوقهم أفسد عليهم حياتهم، بعدما رفض إصلاح السباكة الخاصة به في شقته مما عرضهم لسقوط سقف المطبخ، وإفساد جدران منزلهم، كما أنه كان دائم الشجار مع عائلته، مما يسبب لهم إزعاجاً طوال الوقت، ولم تفلح معه طلبات مراعاة حقوق الجيرة أبداً.

المناطق الشعبية تربح سباق الجيرة

مع ذلك، فالصورة ليست بهذه القتامة لأن التصرفات الفردية السلبية لا تخص طبقة بعينها، إذ تصر المعلمة في إحدى المدارس التجريبية نوران، التي عاشت طفولتها ومراهقتها في قرية بصعيد مصر، ثم انتقلت مع زوجها للاستقرار في إحدى المناطق الشعبية بالقاهرة، أن الجيران هم سندها الحقيقي. مشددة على أن العلاقة الطيبة معهم رافقتها على مدى حياتها سواء في الجنوب أو في العاصمة، حتى إنها تترك أطفالها حينما تتأخر بالخارج في حمايتهم، لأن منهم أقارباً لها أيضاً، وهي بالمثل تتعاون مع جيرانها كلما استدعت الحاجة، إذ إن الترابط بين العائلات لا يزال قائماً بصورة ملحوظة في عدد من المناطق السكنية الشعبية. وتشير نوران إلى أنه لا يزال هناك مراعاة، فإذا كانت هناك حالة وفاة في بيت الجار يجري احترام حزن الأهل، ويؤجل بقية الجيران مناسباتهم السعيدة، حتى يستأذنوا الجار الحزين ويسمح لهم بإقامة حفلتهم أو ما شابه.

وفي لبنان لا يختلف الوضع كثيراً، تقول الموظفة بدوام كامل ريم شاهين، التي تسكن في ضواحي بيروت، التي تنقلت في أكثر من مسكن للإيجار، "متعب جداً التنقل من مسكن إلى آخر، وهذا يفرض على الساكنين الشعور بالغربة في كل حي أو منطقة جديدة ينتقلون إليها، الغربة الأكثر هي الانطباع الذي يعكسه الجيران حولك، بأنك ضيف غريب حللت دخيلاً على العقار الذي يعيشون به، ولا يعلمون عنك شيئاً، فهذا يجعلهم يتعاطون بحذر شديد مع الساكنين الجدد، وبخاصة في ظل الأوضاع الأمنية الأخيرة المتوترة نوعاً ما في لبنان، وازدياد نسبة الحوادث المقلقة من خطف وسرقات وغيرها، فتقتصر العلاقة على تبادل التحية بصورة رسمية ومقتضبة، والحديث حول شوؤن العمارة مثل المصاريف الشهرية لصندوق البناية".

وتجد ريم راحة في العلاقة مع الجيران أكثر في المناطق الشعبية والأكثر ازدحاماً مقارنة بالمناطق الحديثة البناء، فلا تزال تلك المناطق الشعبية، في رأسها، تحتفظ "بنكهة الجيرة" من العلاقات الاجتماعية القوية وزيارة المريض، و"الصبحيات" أي اللقاءات الصباحية بين النساء وتبادل الحديث والطعام السريع، إذ تكون اجتماعات من دون قيود أو رسميات أو مواعيد، حتى وإن قلت نسبتها نوعاً ما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتواصل ريم شاهين، "إذ تدق الجارة على الجارة بابها و(تشرب فنجان قهوة) بكل ترحاب وتدردش معها عن أحوالها وأحوال السكان وغيرها من الأحاديث المشتركة. والأهم أيضاً، هو أن الجيران في تلك المناطق يشكّلون دعماً لبعضهم بعضاً في السراء والضراء، إذ يمكنك طرق بابهم في أية مساعدة طارئة من دون تأفف أو استئذان".

تروي ريم أيضاً تجربة سكنها في إحدى المناطق الحديثة "سكان المبنى (حالهم بحالهم)، ولا يحبذون التعامل مع جيرانهم إلا عند الاضطرار وبصورة رسمية. ربما يعود ذلك إلى أشغالهم وضغوط الحياة اليومية المفروضة عليهم، وبخاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدنية، إذ بات اللبنانيون لا يملكون وقتاً للترفيه أو الفراغ، وبات معظمهم يعمل في وظيفتين لتأمين دخل كاف، لذا فإن الوضع الاقتصادي ألقى ثقله على علاقات الجيران أيضاً".

أما ربة المنزل في العاصمة العمانية مسقط "ن. هـ"، فتذكر أن العلاقات بين الجيران اختلفت بصورة كاملة الآن، إذ تتذكر أن طفولتها كانت أكثر هدوءاً، وفيها متسع للتعرف واللعب مع من هم في مثل عمرها. مشددة على أنها تحمد الله أن في المنطقة التي تسكن بها لا تزال هناك قيم أساسية، بينها احترام الجار ومراعاة مشاعره، لا سيما إن كان لديه مصاب أليم، كما أن هناك طرقاً كثيرة لإظهار الود، لكنها تعتقد أيضاً أن هذا العصر السريع يؤثر بصورة سلبية للغاية في هذه العلاقات ويصيبها في مقتل.

مجتمع الجيران.. دراسات وحكايات

ومثلما تقدّم الأمثال الشعبية صوراً متناقضة لمفهوم الجيرة، فالجار رفيق حنون اختياره أهم من اختيار المنزل نفسه كما يظهر في مقولات مثل "جيران الهنا"، و"الجار قبل الدار، و"الجار للجار"، أو هو لعنة قد تنفجر في أي وقت مثل "اصبر على جارك السو يا يرحل يا تجيله مصيبة"، أو "صباح الخير يا جاري إنت في حالك وأنا في حالي"، فإن الدراما السينمائية والتلفزيونية أيضاً قدمت مجموعة من الأعمال التي تبرز مدى تأثير وجود الجيران في الحياة وبينها "ساكن قصادي" المسلسل الذي ظهر في منتصف التسعينيات، واستعرض عادات وسلوكيات الجيران المختلفة، وكيف تتداخل وتتشابك حتى يبدو السكان وكأنهم عائلة واحدة يأكلون على المائدة نفسها، ويتحدون معاً لمواجهة المشكلات المشتركة.

وفي العصر الحديث أيضاً حقق مسلسل "سابع جار" 2017 نجاحاً ضخماً، واستعرض الترابط بين الجيران على رغم التناقض في شخصياتهم والعادات السلبية التي تصاحب تلك العلاقات، وأبرزها التدخل بصورة سافرة في شؤون الغير. ومن الأعمال الشهيرة أيضاً فيلم "خلي بالك من جيرانك" 1979، ومن المسلسلات أيضاً "الباب في الباب وإيجار قديم وبيت فرح والجار للجار" والمسلسل القطري "الجار" والإماراتي "الجيران"، والمسلسل السوري "بنت الجيران".

وعلى مستوى الدراسات العلمية حرص الباحثون العرب على تناول مفهوم الجيرة ومدى اختلافه بين الطبقات والأحياء، وبينها ما قدمه الباحث ماهر عثمان أبا حسين مؤلف المقالة البحثية التي حملت عنوان "العلاقات الاجتماعية بين جماعات الجيرة في المدينة الحضرية دراسة مطبقة على عدد من أحياء مدينة الرياض"، لمصلحة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالسعودية، فقد توصّل إلى أن صور التواصل بين مجتمع الجيران تقتصر عادة على بعض الصداقات والالتقاء في مسجد الحي، كما أن العلاقات هناك تحترم الخصوصية، و"انتهت الدراسة بتقديم توصيات أبرزها العمل على البحث عن آليات جديدة لتفعيل الدور الحيوي لمؤسسات الحي الاجتماعية، بما يعزز دعم العلاقات الاجتماعية بين جماعة الجيرة".

كما كانت هناك دراسة مستفيضة في جامعة الأنبار العراقية حملت عنوان "ثقافة الجيرة.. دراسة أنثروبولوجية في مناطق السكن الشعبي"، للباحث حسين خليل إبراهيم قدمها عام 2019، وكان واضحاً أن النتائج التي خلص إليها الباحث أكدت قوة أواصر العلاقات بين الجيران في تلك المناطق، لا سيما خلال المناسبات، لكنه أيضاً نوه إلى أن هناك تغيرات واضحة طرأت على مفهوم ثقافة الجيرة منذ نحو 20 عاماً إثر الثورة التكنولوجية، التي أصبحت عائقاً أمام ترسيخ هذا المفهوم. إذ اختلفت طرق التواصل الاجتماعي المعروفة والمباشرة، كما شدد أيضاً على أن الانتماءات الحزبية تؤثر حتماً في طبيعة علاقات الجيرة وتجعلها مشوبة بالخوف والقلق.وما يتعلق بتأثير الواقع الافتراضي في الاهتمام بعلاقات الجيران، فهو أمر واقع وملموس، لأن الانغماس في مواقع التواصل الاجتماعي يؤدي إلى العزلة المنزلية في البيت الواحد، ولذلك من الطبيعي أن تكون عائقاً أمام إنشاء مجتمع جيران صحي سليم.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات