Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من يثق بالعدالة؟ القضاء معضلة حكومات تونس

هناك من يرى أنه استعاد استقلاليته بعد "العشرية السوداء" وآخرون يؤكدون تأزم الوضع أكثر مع مسار قيس سعيد

تؤكد الرئاسة التونسية كل مرة حرصها على استقلالية القضاء من خلال القيام بواجبه في تطهير البلاد من الفاسدين (اندبندنت عربية)

ملخص

نقلت الرئاسة عن سعيد قوله "كما نريد ألا يظلم أحد، لا نريد أيضاً أن يبقى من ظلموا الشعب ونكلوا به وما زالوا في غيهم في افتعال الأزمة تلو الأزمة خارج المساءلة، في إطار محاكمات عادلة يعامل فيها الجميع على قدم المساواة".

بقيت استقلالية القضاء في تونس معضلة كل الحكومات والرؤساء قبل الثورة وبعدها، ومطلب جميع مكونات المجتمع المدني. وفي فترة حكم قيس سعيد ازداد الجدل حول هذا الموضوع، فهناك من يرى أن القضاء استعاد استقلاليته بعد عشرية حكمت فيها حركة "النهضة" الإسلامية، ونجح في فتح ملفات لم يفتحها قضاة الحكومات السابقة على غرار الاغتيالات السياسية والتسفير، وآخرون يؤكدون أن الوضع ازداد تأزماً مع محاكمات منافسين لسعيد في الانتخابات، أو إيقافات لمعارضي مشروعه.

وتؤكد الرئاسة التونسية كل مرة حرصها على استقلالية القضاء من خلال القيام بواجبه في تطهير البلاد من الفاسدين، مضيفة في بيان سابق أن "سعيد أكد إيمانه العميق باستقلالية القضاء والقضاة، وشدد على ضرورة محاسبة كل من أجرم في حق الشعب ونهب مقدراته وما زال يعمل على بث الفتنة وتأجيج الأزمات الاجتماعية".

ونقلت الرئاسة عن سعيد قوله "كما نريد ألا يظلم أحد، لا نريد أيضاً أن يبقى من ظلموا الشعب ونكلوا به وما زالوا في غيهم في افتعال الأزمة تلو الأزمة خارج المساءلة، في إطار محاكمات عادلة يعامل فيها الجميع على قدم المساواة".

القطع مع "النهضة"

في هذا الصدد يعتقد المحلل السياسي مهدي المناعي أن أكثر فترة كان القضاء مقيداً فيها وخاضعاً للتعليمات هي فترة العشرية السوداء، أو بالأحرى فترة حكم "النهضة"، مضيفاً "نتذكر أن أول مؤسسة سعت الحركة إلى تطويعها منذ تسلمها للحكم هي مؤسسة القضاء، وذلك عبر قرار العزل التعسفي الذي اعتمده نور الدين البحيري وزير العدل آنذاك والقيادي بالحركة ضد أكثر من 80 قاضياً بتعلة انتمائهم لحكم ما قبل الثورة".

وتابع "هذا إضافة إلى حركات نقل القضاء التي كانت على مقاس المحسوبية والولاءات، فهذه الفترة شهدت عملية تطويع القضاء وتركيعه، وبعدها توجت هذه المرحلة بالمجلس الأعلى للقضاء الذي انتخب أفراده صورياً لصالح الحركة، ووصلنا إلى مرحلة استقطاب القضاء عبر الحركات القضائية والتعيينات، وخضع القضاء للسلطة التنفيذية والسياسية بثوب ديمقراطي مزيف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف المناعي "شرعت السلطة القضائية آنذاك في تطبيق القانون على الضعفاء وصغار التجار، بينما نسمع عن فساد رجال أعمال يعملون لصالح الأحزاب، واغتيالات سياسية من دون محاسبة، بالتالي عاش القضاء التونسي أحلك فتراته في العشرية الأولى بعد أحداث يناير (كانون الثاني) 2011. ثم جاء الـ25 من يوليو (تموز) 2021 للقطع تماماً مع حلقة قضاء ’النهضة‘ والأحزاب الحاكمة، وعزل القضاة الفاسدين بموجب ملفات وأدلة، وإيقاف قيادات من الحركة تورطت في تركيع السلطة القضائية على غرار القيادي نور الدين البحيري المتهم الأول بجر السلطة القضائية إلى خندق الحسابات الحزبية".

وواصل "لهذا أصبحنا اليوم نشهد محاسبات لرجال أعمال وسياسيين كانوا محميين من أحزاب سياسية، وذلك يدل على أن عامل الخوف الذي كان يطغى على القضاة قبل حكم قيس سعيد سقط تماماً"، مضيفاً "الطبقة السياسية السابقة كانت لديها فرصة حقيقية لتطهير القضاء وإصلاح المنظومة العدلية في تونس بعد دكتاتورية ما قبل 2011، لكنهم فشلوا في ذلك وجعلوا من القضاء سلطة في يد الأحزاب والحسابات السياسية، ونذكر جيداً الإيقافات الفلكلورية لوزراء بن علي من أجل التشفي في مقابل ملفات فارغة لا تدينهم".

في قبضة قيس

لكن منظمات حقوقية ترى عكس ذلك، وتعتبر أن السلطة القضائية أصبحت في قبضة قيس سعيد، إذ أصدر أربعة مقررين خاصين للأمم المتحدة بعد إيقافات لمحامين قبل أشهر قليلة بياناً حول وضع القضاء والمحاماة في تونس، وتناول البيان استعمال وزارة العدل مذكرات العمل أثناء السنة القضائية بشكل تعسفي وخارج كل الضوابط القانونية لنقل القضاة وتغيير تركيبة المحاكم والمشرفين عليها، وتغيير أعضاء النيابة العمومية وقضاة التحقيق والهيئات الحكمية بعد عمليات استجواب للقضاة بواسطة التفقدية العامة في ما يشبه الإجراءات الانتقامية والعقابية.

وأعرب خبراء الأمم المتحدة عن قلقهم حيال استقلالية القضاء بعد قيام رئيس الجمهورية بحل المجلس الأعلى للقضاء في فبراير (شباط) 2022 وعزل 57 قاضياً بإجراءات موجزة في يناير 2022، داعين السلطات التونسية إلى وضع حد لجميع القيود غير المبررة على الممارسة المشروعة للحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات من القضاة والمحامين في تونس، ومؤكدين استعدادهم للحوار البناء في شأن هذه القضايا الحاسمة التي تمت مراسلة السلطات التونسية بخصوصها".

 

 

يذكر أن جمعية القضاة التونسيين سبق أن عبرت في بيان سابق عما اعتبرته "استهدافاً لاستقلال القضاء بحل المجلس الأعلى للقضاء الشرعي وغلق مقره وتطويقه بقوات الأمن وتعويضه بمجلس موقت تابع للسلطة التنفيذية، وبسن مراسيم تخول لرئيس الجمهورية إعفاء القضاة بشكل مباشر خارج ضمانات المحاسبة العادلة والنزيهة والشفافة، وإصدار أمر إعفاء 57 قاضياً وقاضية والتنكيل بهم ورفض تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة لفائدتهم في ما يشبه المجزرة المتواصلة منذ سنتين، فضلاً عن قرارات إيقاف القضاة عن العمل والنقل التعسفية شبه اليومية التي طاولتهم بواسطة مذكرات العمل الصادرة عن وزارة العدل باستغلال حال الفراغ المؤسسي التي أحدثتها في القضاء العدلي بحل مجلسه الموقت فعلياً، وما نتج من كل ذلك من نزع لجميع ضمانات الاستقلالية عن القضاة وإشاعة أجواء الخوف والترهيب في صفوفهم".

فتح قنوات التواصل

لكن رئيس نقابة القضاء أيمن شطيبة يقول خلال لقائه وزيرة العدل ليلى جفال إن "النقابة تؤمن بالحوار والتواصل مع جميع الأطراف والمؤسسات الرسمية، وتسعى دائماً إلى حل أي خلاف بانتهاج سبيل الحوار والتشاور، ومتى شعرنا بأن مصلحة القضاة أصبحت في خطر فإننا لن نتوانى عن اتخاذ أي موقف يتماشى وقناعاتنا الآنف تبيانها، وهو ما تم فعلاً عندما قمنا كنقابة قضاة برفع الإضراب واختيار سبيل الدفاع عن مصالح منظورينا بما يتماشى ورؤيتنا المبنية على الحوار والتشاركية ورفض أي تحالفات أو تدخلات من أي أطراف أو جهات سياسية لحل الخلافات".

وتابع شطيبة "نتشاور مع الجهات الرسمية في الدولة لا غير، وهو توجه يبدو أنه لا يتوافق وطريقة غيرنا"، في إشارة إلى جمعية القضاة التونسيين التي تعارض السلطة وتتهمها بفرض سلطتها على القضاء، مضيفاً "لسنا دعاة هدم بل بناء، نحن قضاة هذه الدولة ولا نتعامل إلا بمنطق الدولة، فهل نحل المشكلات بالتصادم والانفعالية التي من شأنها تأجيج المشكلات، أم نجري حواراً ونفتح قنوات للتواصل لتجنب ذلك؟".

 

 

من جانبه يرى المحلل السياسي والكاتب الصحافي وائل الونيفي أنه "في تاريخ تونس المعاصر طالما كان القضاء في قلب التوظيف السياسي لمختلف السلطات السياسية المتعاقبة على مدار 60 عاماً بين حكم الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، إذ كان القضاء التونسي موظفاً سياسياً وإن كانت له على الورق (في الدستور) ضمانات استقلاليته".

ويتابع "منذ ملف اليوسفيين (معارضو بورقيبة) وصولاً إلى أحداث (الحوض المنجمي) كان القضاء شرساً في تسليط عقوبات قصوى على الناشطين السياسيين، وأبدع في استصدار أحكام قصوى لا تتناسب بالمرة مع الأفعال المرتكبة"، مضيفاً "تجاوز توظيف القضاء التوظيف السياسي ليصبح موظفاً وخادماً في وقت ما لدى عائلة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وأصهاره، وبشكل فاضح وموثق بأحكام قضائية لمصلحة هؤلاء إما مالياً أو إدارياً أو عبر تصفية خصومهم ومنافسيهم".

من يثق بالعدالة؟

ويواصل الونيفي "بعيد الثورة كانت هناك محاولات جدية للإصلاح اصطدمت بإرادة سياسية تتمنع عن ذلك، وترغب في السطو على الجسم القضائي ومواصلة العمل بالكيفية ذاتها التي كان يعمل بها تحت نظام سقط بالثورة"، مردفاً "مع ميلاد دستور جديد (2014) جاءت فصوله بضمانات حقيقية لاستقلالية السلطة القضائية، لكنها سرعان ما تهاوت أمام استقطاب ثنائي حاد داخل الجسم القضائي، تجلت معالمه في الصراع بين أهم شخصيتين قضائيتين في البلاد هما البشير العكرمي والطيب راشد المحسوبين على حركة ’النهضة‘، في وضع كان المجلس الأعلى القضاء المنتخب من طرف القضاة والمحامين عاجزاً عن فرض نفوذه على منظوريه، وهذا عززه الإطار القانوني المنظم للمجلس وتشتت صلاحياته فضلاً عن تعدد أعضائه".

ويضيف الونيفي "بعد الـ25 من يوليو 2021، أي بعد إحكام قيس سعيد قبضته على كل السلطات، عادت السلطة السياسية لممارسة الوصاية المباشرة على السلطة القضائية، وذلك باعتبارها وظيفة كما ينص على ذلك الدستور، فضلاً عن ذلك يقوم رئيس الجمهورية نفسه بتعيين وإعفاء أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وهذا الوضع التشريعي أدى إلى أن تصبح وزارة العدل صاحبة السلطة على الجسم القضائي تعين وتعفي وتؤدب على رغم أنها جهاز تنفيذي"، معتقداً أن "هذا التداخل بين السلطتين أو الوظيفتين كما يصفها الدستور الجديد أدى إلى توظيف القضاء في كل القضايا المطروحة في البلاد توظيفا سيئاً لا يؤسس بالمرة لسلطة قضائية مستقلة يمكن للرأي العام أن يثق في أحكامها".

المزيد من تقارير