Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الفيدرالي" في وضع حرج لتفادي الركود

خطأ البنك المركزي في توقعاته للتضخم يجعله أكثر حذراً في ما يتعلق بسعر الفائدة وأداء الاقتصاد

تراجع معدل التضخم في أميركا إلى 2.5 في المئة مقترباً من المعدل المستهدف من قبل "الفيدرالي" (أ ف ب)

ملخص

تشير الأرقام والبيانات الرسمية للاقتصاد الكلي في الآونة الأخيرة إلى بداية تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على مدى أكثر من عامين الآن في معدلات النمو والنشاط الاقتصادي كله وخصوصاً سوق العمل

انتظرت السوق الأميركية، بل ودوائر المال والأعمال حول العالم، بشغف خطاب رئيس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) جيروم باول أمس الجمعة ضمن المؤتمر السنوي للبنك المركزي في وايومنغ.

وتوقع الجميع أن يكون الخطاب رسالة مفصلة حول خطط السياسة النقدية لأكبر اقتصاد في العالم وتأثير ذلك في الاقتصاد الكلي فيما يتعلق بمعدلات النمو، وبعد إشارات باول بعد أن أكد خفض الفائدة، وإذا كان التقدير العام هو خفض سعر الفائدة الأساس على الدولار بربع نقطة مئوية، فإن الأسواق والمستثمرين ينتظرون إشارات واضحة على كم مرة سيخفض البنك سعر الفائدة قبل نهاية هذا العام وبأي مقدار.

وتشير الأرقام والبيانات الرسمية للاقتصاد الكلي في الآونة الأخيرة إلى بداية تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على مدى أكثر من عامين الآن في معدلات النمو والنشاط الاقتصادي كله وخصوصاً سوق العمل، إذ بدأت نسبة البطالة في الارتفاع قليلاً وتراجعت معدلات التوظيف في أكبر اقتصاد في العالم.

وفي تحقيق مطول لـ"وول ستريت جورنال" خلصت الصحيفة إلى أن سياسة "الفيدرالي" الآن ستكون حاسمة ليس بالنسبة إلى السياسة النقدية ومعدلات التضخم فحسب، وإنما للاقتصاد كله، بل ربما يتعدى الأمر مستقبل استقلالية البنك المركزي عن الإدارة السياسية للاقتصاد.

تباطؤ أم ركود؟

بعد فشل "الفيدرالي" مثله مثل كثير من البنوك المركزية للاقتصادات الرئيسة، في توقع مدى وعمق موجة التضخم التي أعقبت أزمة وباء كورونا لا يرغب البنك في تكرار الخطأ بأن يسارع خفض سعر الفائدة فتعود الضغوط التضخمية في الاقتصاد.

في الوقت نفسه لا يريد باول أن يكون البنك مسؤولاً عن دخول الاقتصاد الأميركي في ركود نتيجة التشديد الائتماني، فمنذ رفع سعر الفائدة منذ عام 2022 حتى نهاية العام الماضي من قرابة الصفر إلى 5.25 – 5.50 في المئة، كان المتوقع أن يؤدي هذا التشديد النقدي إلى ركود اقتصادي، لكن الاقتصاد الأميركي حتى الآن أثبت مرونة عالية وتفادى الركود العميق وما زال يتوسع حتى وإن كان مع بطء نمو الناتج المحلي الإجمالي.

في المؤتمر السنوي للبنك المركزي قبل عامين أشار خطاب باول إلى أن "الفيدرالي" مستعد لقبول حدوث ركود في الاقتصاد مقابل خفض معدلات التضخم عن مستواها الكبير الذي وصلت اليه.

وكانت تلك مقدمة سياسة التشديد النقدي، لكن الآن تراجع معدل التضخم إلى 2.5 في المئة، أي قرب المعدل المستهدف من قبل البنك المركزي عند اثنين في المئة بعدما كان التضخم وصل إلى نسبة سبعة في المئة قبل عامين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أيضاً سوق العمل التي ينظر إليها "الفيدرالي" من كثب في تقديره لسياسته النقدية، بدأ في الهدوء وتراع معدل توظيف الشركات، صحيح أنه ليس هناك تسريح للعاملين، لكن ضغط ارتفاع كلفة الاقتراض بسبب أسعار الفائدة جعل الشركات لا توظف بمعدل كبير، وصحيح كذلك أن معدل البطالة ارتفع الشهر الماضي إلى 4.3 في المئة بعدما كان عند ثلاثة في المئة مطلع هذا العام، لكنها تظل نسبة معقولة حتى الآن.

كل ما يأمل فيه باول أن تكون سياسة خفض سعر الفائدة منضبطة، بمعنى ألا تؤدي من حيث سرعتها وقدرها إلى عودة الضغوط التضخمية في الاقتصاد، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يريد البنك المركزي أن يحمله أحد مسؤولية دخول الاقتصاد في ركود (إذا حدث) نتيجة استمرار أسعار الفائدة مرتفعة وعدم خفضها بقوة وبسرعة.

مفترق طرق

وتستخدم السوق تعبير "الهبوط السلس"، بمعنى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي مع عدم الوصول حتى الانكماش الذي يعني الركود. ومع أن جيروم باول وقيادات "الفيدرالي" يتجنبون استخدام هذا المصطلح، لكن هذا ما يأملونه بالضبط لأنه سيعد تجاوزاً لمفترق طرق في غاية الخطورة، إذ يقارن تحليل "وول ستريت جورنال" الوضع الحالي مع ما حدث في ثمانينيات القرن الماضي بعد موجة تضخم نهاية السبعينيات. إلا أن هناك فارقاً مهماً، وهو أن ارتفاع التضخم الذي أعقب أزمة وباء كورونا على رغم معدلاته الكبيرة لم يكن عميقا، وإنما كان على الأرجح نتيجة اختلال العرض والطلب أكثر منه نتيجة التيسير النقدي الذي استمر لنحو عقد من الزمن حتى أزمة وباء كورونا، وربما هذا ما مكن الاقتصاد الأميركي من تفادي الركود الشديد على رغم رفع "الفيدرالي" أسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة منذ نحو ربع قرن.

لا يتعلق مفترق الطرق بالتبعات الاقتصادية لسياسية "الفيدرالي" ورئيسه باول، فحسب، بل إن هناك تبعات سياسية استقلالية البنك المركزي كذلك، فبعض قيادات الديمقراطيين ينتقدون تأخر البنك في بدء مسار خفض الفائدة، بل وهم على استعداد لتحميل البنك وجيروم باول مسؤولية التباطؤ الشديد في الاقتصاد الذي سيرثه الرئيس القادم بعد انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل من هذا العام.

في المقابل فالمرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترمب أعلن صراحة أنه يريد أن يكون له راي في السياسة النقدية وألا تترك لـ"الفيدرالي". ومع أن ترمب هو من عين باول في منصبه خلال فترة رئاسته السابقة، فإنه يعارض استقلال البنك المركزي. وفي حال أدت السياسة النقدية في الأشهر القليلة المقبلة إلى نتائج غير مرجوة، خصوصاً بدفع الاقتصاد نحو الركود، سيعزز ذلك من حجة ترمب في النيل من استقلال البنك المركزي.