Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تبدل الحروب بالفعل ديموغرافية الدول بالقتل والتهجير؟

يرى مراقبون أن الصراعات الحديثة أصبحت أدوات فاعلة لتغيير الديموغرافيا والتأثير في التركيبة السكانية للبلدان

تأتي سوريا في مقدمة الدول التي تأثرت تركيبتها السكانية بالنزاعات المسلحة (أ ف ب)

ملخص

يرى متخصصون في دراسات السكان والهجرة أن الحروب الحديثة شهدت تحولاً كبيراً في طبيعتها وأهدافها، إذ لم تعُد تقتصر على أنها صراعات من أجل السلطة أو الموارد فقط، بل أصبحت أدوات فاعلة لتغيير الديموغرافيا والتأثير في التركيبة السكانية للدول.

في يوليو (تموز) الماضي، أصدر الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء تحذيراً عكس مخاوف جدية من تأثير حرب غزة الأخيرة في التركيبة الديموغرافية الفلسطينية. ولفت الجهاز إلى أن الاستهداف المتعمد من قبل القوات الإسرائيلية لفئات معينة من السكان، لا سيما الأطفال والشباب، قد يؤدي إلى تشوهات في الهرم السكاني، مما يسفر عن انخفاض في عدد المواليد خلال الأعوام المقبلة مقارنة بما كان عليه في السابق. هذه المخاوف لم تأتِ من فراغ، إذ إن التقديرات تشير إلى أن هذه العمليات العسكرية ستؤثر بصورة ملحوظة في التركيبين العمري والنوعي للسكان في القطاع.

وفقاً لمراقبين تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، فإن التحذيرات من تأثير النزاعات المسلحة في التركيبة السكانية هي في محلها، مستشهدين بأمثلة عدة من بينها التغييرات التي أحدثتها الحروب أخيراً في السودان وسوريا وميانمار وفلسطين، سواء من خلال التهجير أو النزوح أو القتل المتعمد.

ويرى متخصصون في دراسات السكان والهجرة أن الحروب الحديثة شهدت تحولاً كبيراً في طبيعتها وأهدافها، إذ لم تعُد تقتصر على أنها صراعات من أجل السلطة أو الموارد فقط، بل أصبحت أدوات فاعلة لتغيير الديموغرافيا والتأثير في التركيبة السكانية للدول.

الحرب تعيد تشكيل الديموغرافيا السورية

في ما يتعلق بتأثير الحروب في التركيبة السكانية، تأتي سوريا في مقدمة النماذج المتأثرة بالنزاعات المسلحة، فأظهرت الحرب في سوريا آثاراً مدمرة على الديموغرافيا السكانية، ويقول الخبير في دراسات السكان والهجرة أيمن زهري إن التركيبة السكانية في سوريا تأثرت بصورة كبيرة، فكانت البلاد قبل اندلاع النزاع تضم نحو 24 مليون نسمة. ومع ذلك، أدى الصراع إلى نزوح نحو 25 في المئة من السكان داخلياً، ولجأ ما يقارب 6 ملايين شخص إلى محافظات أخرى غير التي كانوا يعيشون فيها. وأشارت تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 6.8 مليون شخص من النازحين داخلياً في سوريا قد اضطروا إلى النزوح مرات عدة، مما أسفر عن تغيرات جذرية في التوزيع السكاني.

وفي سياق متصل، تحدث المتخصص في الشأن السوري تيسير النجار عن تأثير النزاع في التركيبة السكانية في سوريا، مشيراً إلى أن الحسكة كانت من بين أكثر المناطق التي تأثرت ديموغرافياً، إذ شهدت هذه المنطقة موجات من الهجرة الجماعية، مما أثر بصورة كبيرة في تركيبتها السكانية، وذكر النجار الذي اضطر إلى اللجوء إلى مصر أن ريف دمشق كان من بين أكثر المناطق التي هُجّر أهلها، بحيث تغير شكلها تماماً نتيجة للتهجير المكثف، موضحاً في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن هذا التهجير بدّل بصورة مباشرة ديموغرافية الدول المستضيفة للسوريين.

قنابل موقوتة في السودان وميانمار

لم تكُن سوريا وحدها التي تأثرت بالتحولات الديموغرافية الناجمة عن الحروب، ففي السودان مثلاً أدى النزاع المسلح إلى نزوح داخلي واسع النطاق وصل بحسب ما قال زهري إلى نحو 7 ملايين شخص، في حين أن نحو 2.8 مليون شخص لجأوا إلى دول مجاورة مثل تشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان، وأوضح أن الحرب في السودان أدت إلى تغييرات جذرية في التركيبة السكانية.

وفي السياق ذاته، أشار مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية والاستراتيجية في السودان حسن شايب دنقس أبونا إلى أن أكثر الفئات المتضررة من النزاع في البلاد هم الرجال، وأضاف أن إقليم دارفور كان من أكثر المناطق تأثراً ديموغرافياً نتيجة للتهجير القسري للسكان، مما أدى إلى استبدال السكان الأصليين بآخرين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأردف في حديث إلى "اندبندنت عربية" أنه "في دارفور تم استبدال القبائل الأفريقية بعرب الشتات الموجودين في أفريقيا من مالي والنيجر وتشاد، وأثّرت عمليات التطهير العرقي التي مارستها قوات ’الدعم السريع‘ بصورة  واسعة في ديموغرافية تلك المناطق"، ملقياً الضوء على نزوح المدنيين من الخرطوم لتحل محلهم عناصر مقاتلة.

وذكر تقرير "الاتجاهات العالمية" لعام 2024 الذي أصدرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن النزاع في السودان كان من بين العوامل الرئيسة التي دفعت عدد النازحين قسراً إلى الارتفاع، مردفاً أن عدد السودانيين المهجرين من ديارهم بلغ 10.8 مليون شخص بحلول نهاية عام 2023.

وبحسب التقرير، أدت النزاعات المسلحة إلى نزوح الملايين داخلياً، فأشارت تقديرات الأمم المتحدة إلى أن العنف المستمر تسبب في تهجير واسع النطاق للسكان. ووفقاً لبيانات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، فإن ما يقارب  1.7 مليون شخص داخل قطاع غزة، مما يمثل نحو 75 في المئة من سكان القطاع، نزحوا داخلياً نتيجة للحرب.

تأثير واسع المدى

ولا تقتصر تأثيرات الحروب في الدول التي شهدت النزاعات فقط، بل تمتد تداعياتها لتشمل دول الجوار كذلك، خصوصاً تلك التي استقبلت أعداداً كبيرة من اللاجئين، فعلى سبيل المثال في تنزانيا أدى تدفق اللاجئين إليها عام 1994 إلى تغييرات كبيرة في التركيبة السكانية والاقتصادية للمناطق المستضيفة.

ووفقاً لتقرير نشر على مدونة البنك الدولي (أصوات) تحت عنوان "هل ينتقل أثر اللاجئين على المجتمعات المحلية المستضيفة عبر الأجيال؟"، استضافت تنزانيا في نهاية عام 1994 نحو 1.3 مليون لاجئ في مناطقها الشمالية الغربية. وأدى هذا التدفق المفاجئ للاجئين إلى تغييرات ديموغرافية واقتصادية عميقة في المجتمعات المستضيفة، بحيث فاق عدد اللاجئين في بعض المناطق عدد السكان المحليين بنسبة خمسة إلى واحد.

ويقول الباحث في العلوم السياسية عمار علي حسن إن الحروب تغير الديموغرافيا لأسباب عدة، أبرزها الإفراط في القتل، بخاصة بين الشباب الذين يشكلون الغالبية العظمى من المقاتلين، موضحاً في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن الحروب التي تتضمن عمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية تؤثر بصورة مباشرة في عدد السكان، إذ إنها تؤدي إلى تدمير شامل للمنازل والمدن، مما يدفع السكان إلى إعادة توزيع أنفسهم في مناطق أخرى، وشرح أن الحروب الحديثة تسببت في تهجير قسري للسكان كما حدث في السودان وسوريا، بينما أدت الحروب التي استخدمت فيها أسلحة فتاكة كما فعلت الولايات المتحدة في العراق، إلى تغيير ديموغرافية السكان، فأصبح جزء منهم من ذوي الحاجات الخاصة نتيجة للاستهداف العسكري.

وأشار علي حسن إلى أن الحروب الراهنة ستؤثر في أجيال لاحقة مثل أمراض وراثية وعقلية، مما يؤدي إلى تغيير ديموغرافية السكان، وأن من أبرز ما يترتب على الحروب الدائرة حالياً على أرض الغير هو إعادة توزيع السكان على هذا الأساس.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير