ملخص
كيف يستخدم الممثلون أدوارهم للتعبير عن القضايا الاجتماعية والإنسانية والتأثير في الجمهور؟
يستخدم بعض الممثلين أدوارهم للتعبير عن قضايا اجتماعية وإنسانية نظراً إلى قدرتهم على التأثير في الناس والمجتمعات. ولعب الممثل المصري عادل إمام دوراً كبيراً في تسليط الضوء على عديد من القضايا الاجتماعية من خلال أعماله الكوميدية والتراجيدية، من بينها فيلم "الإرهاب والكباب" الذي تناول قضايا الفساد والبيروقراطية، وفيلم "عمارة يعقوبيان" الذي سلط الضوء على الفساد السياسي والطبقي. أما فيلم "تيمور وشفيقة" للممثلة منى زكي فتناول قضايا ترتبط بالمساواة بين الجنسين والدور الاجتماعي للمرأة في مصر، بينما عرض فيلم "كفر ناحوم" للمخرجة اللبنانية نادين لبكي قضية الأطفال المشردين وطرح أسئلة حول الفقر والتهميش وأثر في قلوب الجماهير عالمياً.
لكن أحياناً تحول الظروف دون قدرة الممثل على تقديم أدوار مماثلة، من بينها القيود الإنتاجية والرقابية التي تفرض على المحتوى الفني، والخوف من التبعات الشخصية والتعرض للملاحقة والانتقاد، والضغوط التجارية إذ إن كثيراً من الأعمال تهتم بالنجاح التجاري وجذب أكبر عدد من المشاهدين عبر الموضوعات المرفوضة اجتماعياً، التي تعد من المحرمات، وإنتاج أعمال تتوجه للسوق العالمية مما يحد من تراجع القضايا المحلية ذات الطابع الإنساني والاجتماعي، فضلاً عن استخدام بعض الأعمال لتوجيه رسائل سياسية مباشرة أو غير مباشرة. فكيف يستخدم الممثلون أدوارهم للتعبير عن القضايا الاجتماعية والإنسانية والتأثير في الجمهور والمجتمع؟
وعي وإدراك وضمير
الممثل سامر إسماعيل يؤكد لـ"اندبندنت عربية" ضرورة أن يحمل الممثل قضية ورأياً واضحاً في أدواره خصوصاً ما يتعلق بالهموم اليومية الأساسية التي يعيشها المواطن، كما يجب، بحسبه، أن يتبنى الممثل موقفاً من الشخصية وأسباب قبوله بها ووجوده في العمل، ومن الأفضل أن يحمل الدور رسالة وأن يكون الممثل واعياً ومدركاً بالكامل لها ويتبنى موقفاً واضحاً وحقيقياً منها. فإشعال شمعة أفضل من لعن الظلام، لأن المجتمعات تنهض عندما يؤدي كل منا دوره على أكمل وجه من خلال موقعه، وعندما يكون لدينا وعي وإدراك وضمير تجاه ما نقوم به".
ويفترض بالفن أن يحمل قضايا، ولا يجوز أن يكون مجرداً منها، بحسب إسماعيل الذي يضيف، "في الأقل هناك ممثلون جديون يحاولون ألا تكون أعمالهم مجرد استعراض وسخافة ودس للسم في العسل، وهناك كثير من الزملاء الفنانين، كتاباً ومخرجين وممثلين، لديهم إحساس بالمسؤولية".
خارج التمثيل
أما الممثل طلال الجردي فيقلل من أهمية الممثل في التأثير بالناس والمجتمع من خلال دوره الفني، ويعتبر أن المشروع في حد ذاته، إنتاجاً وقصة وإخراجاً، هو الذي يملك القدرة على التأثير في الرأي العام أو عدمه. مشيراً إلى أن "الممثل لا يؤدي كل هذه العناصر مجتمعة إلا إذا كان في الوقت نفسه كاتباً للعمل ومخرجاً له، لكن أداءه خارج التمثيل من خلال إطلالته عبر الـ(سوشيال ميديا) هو الذي يؤثر في الناس، خصوصاً أنه قدوة لشريحة معينة من الجمهور".
ولأن مسؤولية اختيار الدور تقع على عاتق الممثل وليس أحداً غيره، يؤكد الجردي أن هذا الأمر يرتبط بالممثل نفسه ووضعه المهني والفني والأدوار التي تفرض عليه. موضحاً "من يدخل المهنة حديثاً يمكن أن يرضى بأدوار لا تلبي طموحاته لكي يحصل على فرصته، أما الممثل المخضرم صاحب التاريخ الفني الكبير فيكون دقيقاً في اختيار الأدوار التي تتناسب معه، وإذا وجد أن الدور يمكن أن يؤثر عليه شخصياً تصبح القصة في ملعبه".
ويردف، "بصراحة، قليلة جداً هي الأعمال التلفزيونية والسينمائية التي تحمل قضايا، وهي متوفرة أكثر في المسرح حيث يملك الممثل القدرة على أن يكون النص معبراً عن قضية ما بعيداً من الإنتاج الذي تكون لديه أهداف ومصالح أخرى لا علاقة لها بالقضايا الإنسانية والاجتماعية، لأن المادة التي تقدم له تكون عبر نص وافق عليه المنتج قبل أن يختار الممثلين. لكن أحياناً يمكن أن يجتمع المنتج مع الـ(سوبر ستار) ويناقشا معهاً فكرة العمل كما في تجربة الممثل عادل إمام الذي شاركته أحد أفلامه واكتشفت أنه شريك أساس في اختيار النص، وهو من الفنانين القلائل الذين طرحوا قضايا في أعمالهم وحاربوا من أجلها بالتنسيق مع المنتج، ولا أعرف نجوماً بوزنه فعلوا مثله".
بلطجة ومخدرات
في المقابل يرى الناقد خالد شاهين أن التأثير في المجتمع سلباً أو إيجاباً لا ينحصر بالفن وحده بل أيضاً بوسائل الإعلام. موضحاً "في الفترة الأخيرة راجت الأعمال التي تدور حول قضايا الثأر وترسخ فكرة عدم الامتثال للقانون، فضلاً عن أعمال أخرى تقدم البطل كرجل أعمال يملك المال والمكانة الاجتماعية من خلال عمله في تجارة المخدرات، ويُقبض عليه في الحلقة الأخيرة، وهذا ليس عدلاً بل إن فيه تشجيعاً للمواطن على العمل في هذه التجارة ظناً منه أنه يمكن أن يكسب ثروة كبيرة وأن ينجو بفعلته، لذلك يجب تحكيم العقل عند طرح القضايا المهمة التي تتناول الواقع الذي نعيشه. صحيح أن الفن لا يقدم الحلول، ولكن يفترض به أن يطرح القضايا بطريقة لا تؤثر سلباً في المتلقي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتفق شاهين مع الجردي في عدم تحميل الممثل وحده المسؤولية، قائلاً "المشكلة لا تنحصر بالممثل وحده، بل تبدأ بالمؤلف ثم الممثل البطل يليهما المخرج ثم الرقابة. مثلاً فيلم (الملحد) الذي منع عرضه في الصالات كان قد حصل على موافقة مبدئية من الرقابة على السيناريو، وربما وجد الرقيب فيه شيئاً ما بعد إنجاز تصويره فقرر منع عرضه خوفاً من أن تفهم رسالته بشكل خطأ".
ويتابع، "الأدوار تؤثر كثيراً في الناس والمجتمع سلباً أو إيجاباً، ومحمد رمضان متهم بنشر البلطجة وإفساد الذوق العام في الشارع المصري والعربي، وللأسف معظم الممثلين لا يدركون أنهم يؤثرون في المجتمع، مع أنني ضد اعتبار الفنان قدوة للناس، بل هو قدوة لنفسه وللأشخاص الذين يحيطون به فقط، وهناك فرق شاسع بين القدوة والنموذج، لأن القدوة تتمثل بالأشخاص الإيجابيين أصحاب الفكر والعلم، والفنان يمثل نموذجاً عند الشباب الصغار في السن الذين يقلدون تصرفاته وخصوصاً السلبية".
يؤكد شاهين، "قلائل هم الممثلون الذين يحملون هم الفن، ومعظمهم يدخل المجال طمعاً بالمال والشهرة". موضحاً "في مرحلة أفلام المقاولات أنتج نور الشريف أفلامه من جيبه الخاص، بينما أنتج فريد شوقي أفلاماً له ولغيره، حرصاً منهما على تقديم أفلام تليق بهما وتحترم تاريخهما الفني، ولكنهما وقعا في خسائر فادحة، ولو عرض اليوم على أي فنان المشاركة بأجر ضئيل في فيلم بموازنة متواضعة ولكن بمواصفات عالية تمكنه من المنافسة على جائزة الـ(أوسكار) فلن يقبل، لأن همه الوحيد تقاضي أجر كبير يعادل نصف موازنة العمل، وتحقيق النجاح سواء شارك بنموذج سلبي أو إيجابي".
الحاكم بأمره
بحسب رأي الناقد عبدالستار ناجي فإن تأثير الفنان على المجتمع واحد من أهم القضايا التي تواجه المبدع في كافة المجالات الفنية، والتمثيل يستحوذ على منطقة الاهتمام المحورية وكأن الممثل هو الحاكم بأمره، بينما حقيقة الأمر عكس ذلك، لأن القنوات المنتجة هي صاحبة القرار في كل شيء، ولاحقاً يأتي دور المنتج والكاتب والمخرج وصولاً إلى الممثل.
ويردف "التعبير عن القضايا الاجتماعية والإنسانية يتطلب ثقافة عالية واشتغالاً على الذات وتأمين المناخ ووعياً ثقافياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً للانطلاق إلى آفاق التعبير والتأثير في الجمهور أولاً والمجتمع لاحقاً. والإشكالية الكبرى أن مفردات الوعي والكينونة تبدو ناقصة وضحلة، وأستطيع التأكيد أن هناك نسبة كبيرة من الفنانين بل والنجوم بالكاد يقرأون شخصياتهم والشخصيات التي تحيط بهم في العمل، لذا يأتي الخلل الكبير في التفسير والتحليل والمعايشة، والمطلوب من المبدع والممثل خصوصاً مزيداً من الوعي والثقافة والاشتغال على الذات كي يتسنى له التعبير عن نبض المجتمع والإنسان، لأن النجومية ليست تسريحة وفستاناً وإشاعات، بل هي ضمير ونبض ووجدان".
ويضيف، "كناقد ومتابع أقول إن النسبة الأكبر من نجومنا من الجنسين مجرد فقاعات سرعان ما ستذهب طي النسيان، وقلة هي التي تعرف الطريق للخلود. كل الممثلين أدوات. صحيح أن هناك ممثلين مثقفين شكلوا علامة فارقة في تاريخ الفن العربي كنور الشريف وأحمد زكي وعبدالحسين عبدالرضا، ولكن ماذا يمثل هؤلاء أمام أطنان الممثلين والنجوم الباقين. نحن نحترمهم ونحبهم ولكنهم بمواجهة صناعة يومية سرعان ما تطحن الجميع، وحتى الممثل المثقف قد يجد نفسه مجبراً على الرضوخ. فما فائدة أن يكون مثقفاً وبلا عمل، إن المسألة ليست مثاليات، فهناك التزامات ومدفوعات تنتظره آخر الشهر".