Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف خطف "صخب أوروبا" بريق حلم الطلاب المغاربة؟

في الستينيات والسبعينيات كانت هجرة الطلبة للدراسة في الخارج منظمة ومدعومة من قبل الدولة نظراً إلى قلة المؤسسات الجامعية والتخصصات المتاحة آنذاك

طلبة مغاربة يرون الهجرة إلى الخارج وسيلة للهروب من واقعهم الاجتماعي أو الاقتصادي (أ ف ب)

ملخص

"فكرت في الانتحار مرتين، كذبت على عائلتي أنني نجحت، لكنني في الحقيقة أعيش في الجحيم مكتئبة ومدمنة".

يغادر عدد كبير من الطلبة المغاربة وطنهم متوجهين إلى أوروبا، لديهم طموحات بالدراسة العليا وتحقيق نجاحات كبرى، لكن على رغم أحلامهم وطموحاتهم فإن الواقع في كثير من الأحيان يكون مليئاً بتحديات غير متوقعة قد تهدم آمالهم.

من الفيزياء إلى الإدمان

تنحدر زينب البالغة من العمر 29 سنة من مدينة الخميسات في المغرب وبعد حصولها على الإجازة في الفيزياء أرسلتها عائلتها لتكمل دراستها في ألمانيا، وتروي في هذا الصدد تجربتها قائلة "جئت إلى ألمانيا قبل سبعة أعوام لأحصل على درجة الماجستير في الفيزياء، وكانت عائلتي في المغرب تعتمد على هجرتي لتحسين وضعنا الاجتماعي. لهذا أخذوا قرضاً من البنك لتأمين كلف تعليمي اللغة وسفري إلى ألمانيا".

تعترف زينب بأنها لم تكُن شغوفة بالدراسة، بل كان هدفها الوصول إلى ألمانيا فقط، وعلى رغم نجاحها في امتحان اللغة وتسجيلها في الجامعة، وجدت نفسها منبهرة بحياة الحفلات، وتقول في هذا السياق، "بالنسبة لي كان الوصول إلى فرانكفورت، هذه المدينة الكبيرة بمثابة حلم، كنت منبهرة بالحياة الحديثة، في الأعوام الأولى لم أهتم لشيء سوى الحفلات".

وعلى خلاف أصدقائها كانت زينب تركز فقط على الحفلات وتتجاهل تعليمها، وتقول "غالبية أصدقائي وصديقاتي كانوا معتادين على الشرب والذهاب إلى الجامعة والدراسة، بينما كنت أنا أغيب عن المحاضرات وأشرب بصورة مفرطة لأتحول مع الوقت إلى مدمنة على الكحول".

ومع مرور الوقت، تدهورت حالها وتضيف أنه "بعد أعوام وجدت نفسي بمفردي، فمعظم أصدقائي نجحوا في دراستهم وغادروا إلى مدن أخرى أو إلى بلدانهم للعمل، وكنت أعمل بدوام جزئي لدفع الإيجار والأكل، لكنني أعيش في ظل تهديد مستمر بالترحيل لأنني لم أنجح في الدراسة، والآن أصبحت مدمنة على الكحول، الوقت هنا يمر بسرعة وأنا لم أحقق أي شيء بل فقط تراكمت عندي المشكلات وأنا عاجزة عن حلها".

وعن محاولتها الانتحار تقول زينب "فكرت في الانتحار مرتين، وكذبت على عائلتي أنني نجحت، لكنني في الحقيقة أعيش في الجحيم مكتئبة ومدمنة".

الجامعات في فرنسا

تروي سارة تجربتها في فرنسا التي هاجرت إليها لإكمال دراستها العليا، وهي من عائلة متوسطة ولم يكُن لديها أي تصور عما ينتظرها.

وفي بداية الدورة الدراسية، حضرت حفلاً للطلبة الأجانب في الجامعة، حيث تعرفت إلى مجموعة من الشباب المغاربة وشخص لا يدرس في الجامعة بل يقدم نفسه على أنه يساعد الطلبة، وتقول في هذا الصدد، "كان يدعونا دائماً إلى الحفلات ويعرف كل الأماكن، وكان دائماً يدفع الفواتير ويظهر نفسه على أنه شخص يقدم الدعم للطلبة الجدد".

وتضيف أنه "جعلنا نعتاد على تلك الحفلات ودعمه المالي، لكن مع الوقت بدأ يقدم لنا المخدرات بالمجان، فشعرت حينها بأنه علي أن أتوقف، لكن للأسف بعض أعضاء المجموعة أصبحوا يتعاطون المخدرات وكانت مجرد بداية للاستدراج واستغلال حاجتنا كطالبات للمال عبر دفعنا إلى العمل في الدعارة من أجل الحصول على المخدرات."

وبعدما اكتشفت سارة أن هذا الشخص كان يستغل الطلبة الجدد لاستقطابهم إلى عالم المخدرات والدعارة قررت التوقف، وتقول "شعرت بالخوف وقررت التوقف عن حضور تلك الحفلات، للأسف هناك من وقعوا في الفخ".

التحديات المالية

بحسب حركة "Campagne ROSA"، "في بلجيكا يحتاج الطالب الأجنبي من خارج الاتحاد الأوروبي إلى ضامن من المفترض أن يتكفل بمصاريف الطالب لكي يحصل على تأشيرة، لكن هناك إتجاراً حقيقياً بالضامنين المزيفين، ويوجد مكتب يساعد الطلاب الأجانب في العثور على ضامنين وبمجرد العثور على هؤلاء لا يكون لدى الطلاب أي مصدر للدخل حينها تكون الدعارة الخيار الوحيد كمقابل لضامن".

وبحسب المصدر ذاته، "قد يتحول الضامن إلى قواد يستغل الطلبة جنسياً، مما يجعلهن في حال من العبودية والخضوع التام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتبر أستاذ علم الاجتماع في جامعة محمد الخامس بالرباط الرحيم عنبي أنه "في الستينيات والسبعينيات كانت هجرة الطلبة المغاربة للدراسة في الخارج منظمة ومدعومة من قبل الدولة المغربية، نظراً إلى قلة المؤسسات الجامعية والتخصصات المتاحة آنذاك، وكان الهدف الرئيس من هذه الهجرة هو تكوين كوادر أكاديمية تعود لخدمة البلاد، وفي هذه الفترة كانت الدولة تمنح الطلبة إحساساً بالمسؤولية تجاه الوطن، وكانت المنح الدراسية وسيلة لتحفيزهم للعودة وتحمل مسؤولية بناء المجتمع".

"مغامرات غير مدروسة"

ويضيف أنه "مع توسع الجامعات المغربية وتنوع التخصصات المتاحة في الداخل، لم تعُد الدولة هي المسؤولة عن الهجرة من أجل الدراسة بل أصبحت بعض العائلات تدعم أبناءها بصورة شخصية وتوجههم نحو الهجرة".

ويرى أن "هناك نسبة كبيرة من الطلبة الذين ينظرون إلى الهجرة للخارج على أنها وسيلة للهروب من واقعهم الاجتماعي أو الاقتصادي في المغرب، وليس بالضرورة من أجل الدراسة، لذلك يسافر عدد كبير من هؤلاء الطلبة إلى بلدان أوروبية بحثاً عن فرص، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تحريف مسارهم عن الدراسة نحو الدخول في شبكات غير قانونية".

ويردف عنبي أن "بعض هؤلاء الطلبة يجدون أنفسهم في شبكات تهريب أو مخدرات أو حتى دعارة لأن هذه المغامرات غير المدروسة غالباً ما تؤدي إلى ضياع مستقبلهم"، مشيراً إلى أن غياب تأطير الشباب من قبل الجمعيات المغربية في الخارج يُعدّ من الأسباب التي تزيد من تدهور حال هؤلاء الطلبة، ويقول في هذا الصدد "في الستينيات والسبعينيات كانت الأحزاب قوية تقوم بدور كبير في تأطير الطلبة وتوجيههم نحو بناء الوطن، لكن اليوم تراجع دورها بصورة كبيرة".

 ويدعو إلى ضرورة تدخل الدولة والجمعيات المغربية في أوروبا لدعم الطلبة وتوفير تأطير ملائم لهم خلال مدة دراستهم.

"خطر الفراغ العاطفي"

ويقترح عنبي نموذجاً يتبعه بعض الطلبة الكوريين، إذ تتم استضافة الطلبة لدى عائلات محلية تساعدهم على التأقلم مع الحياة الجديدة، مؤكداً على "أهمية خلق روابط ثقافية بين الطلبة المغاربة ومجتمعهم حتى لا يشعروا بالانفصال والانبهار بالمجتمعات الأوروبية بطريقة تؤدي إلى سوء فهم الحرية والانزلاق في مشكلات اجتماعية".

ويحذر من خطر الفراغ العاطفي الذي يعانيه بعض الطلبة المغاربة في الخارج، لافتاً إلى أن عدداً كبيراً منهم يعاني الشعور بالانعزال.

ويؤكد عنبي أن هذه الظاهرة تتطلب تدخلاً جاداً من قبل الرباط والمجتمع المدني المغربي، داعياً ألأحزاب والجمعيات المغربية إلى العمل على استيعاب الطلبة ودعمهم في البلدان الأوروبية. ويقترح كذلك تنظيم دورات تكوينية للطلبة المغاربة قبل السفر لتهيئتهم للتحديات التي قد يواجهونها وتزويدهم بالأدوات اللازمة لتجنب الانزلاق في مسارات من الممكن أن تؤدي إلى ضياع مستقبلهم الأكاديمي والاجتماعي والنفسي.

المزيد من تقارير