Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إشارات التصعيد الأوكراني وعواقبه على مآلات الصراع

يرى البعض أن هجمات كييف تهدف لزيادة الضغط على روسيا لوقف ضربات دونباس ويذهب آخرون إلى إجبارها للجلوس إلى طاولة المفاوضات

بوتين في اجتماع مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن حول الوضع في منطقة كورسك (أ ف ب)

ملخص

في حال رفع القيود المفروضة على استخدام الأسلحة الغربية بعيدة المدى. ماذا يعني ذلك بالضبط، وما تدابير الاستجابة الممكنة التي يمكن اتخاذها هنا؟ وينطبق الشيء نفسه على نقل الوحدات العسكرية للدول الأعضاء في كتلة الـ"ناتو" إلى أراضي أوكرانيا. 

يتساءل القادة والجنرالات الروس عن هدف ومغزى الجولة الجديدة من تصعيد أوكرانيا للصراع وزيادة هجماتها الواسعة النطاق التي تشنها قواتها المسلحة على أراضي الاتحاد الروسي، وإلى حد كبير، على منشآت الطاقة وتكرير النفط المهمة؟

وفيما يعتبر البعض أن هدف هذه الهجمات التي تصاعدت بصورة خطرة تزامناً مع تقدم القوات الأوكرانية في عمق مقاطعة كورسك الروسية الحدودية، هو فتح مزيد من الجبهات وزيادة الضغط على الجيش الروسي لوقف هجماته في منطقة دونباس، يرى آخرون أن هذه الهجمات ترمي إلى إقناع موسكو بضرورة الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وأنه لا حل عسكرياً للصراع المحتدم والمفتوح بين البلدين منذ أكثر من 30 شهراً.

 وترد روسيا على التصعيد الأوكراني بهجمات على مراكز إطلاق قاذفات صواريخ "أتاكمس" الأميركية والمطارات ومناطق تجمع المتطوعين الأجانب للقتال مع الأوكرانيين ومحطات الطاقة الحرارية. وفي الوقت نفسه، تظل القوات المسلحة للاتحاد الروسي نشطة على جبهة دونباس، وتستعد لصد هجوم واسع النطاق محتمل للقوات المسلحة الأوكرانية في ضواحي خاركوف واتجاهات أخرى.

وبحسب وزارة الدفاع الروسية، تعترض الدفاعات الجوية الروسية منذ 21 يونيو (حزيران) الماضي وتدمر ما بين 30 و40 طائرة من دون طيار من نوع "يوافس" يومياً فوق مناطق البلاد.

ومع ذلك، تستمر كييف في إطلاق طائرات من دون طيار في عمق الأراضي الروسية، على رغم أنها نادراً ما تصل لأهداف استراتيجية أو تسبب أضراراً كبيرة. وهذا بالفعل حدث شبه يومي.

وفي خضم هجومها المضاد الضخم، تطلق أوكرانيا طائرات من دون طيار الواحدة تلو الأخرى في عمق الأراضي الروسية، مستهدفة موسكو أولاً. ومع ذلك، مع استثناءات قليلة، فإن معظم الضربات ليس لها غرض عسكري واضح ولا تؤدي أبداً إلى وقوع إصابات أو دمار، وغالباً ما تُعترض من قبل الدفاع الجوي الروسي أو أنظمة الحرب الإلكترونية.

الغرض من "حرب الطائرات من دون طيار"

العنصر الأساس هو الحرب النفسية، إذ تحاول أوكرانيا ضرب أهداف روسية ذات رمزية عالية، كما يقول خبير الطائرات من دون طيار في جامعة بورتسموث بيتر لي.

ويوضح أن "أوكرانيا أقل قوة بكثير من روسيا بسبب حجمها". "لذا، خصوصاً عندما تكون في مواجهة عدو أكبر بكثير، تسمح لك الطائرات من دون طيار بضرب عاصمة عدوك من بعيد".

"من المعروف منذ قرون أن لهذا آثاراً نفسية".

في أوكرانيا نفسها، تعد مثل هذه الهجمات بمثابة دفعة معنوية لكل من العسكريين والمدنيين الذين يواجهون جميعاً وقتاً عصيباً في الوقت الحالي. إنه ليس عرضاً مبهرجاً للقوة الهجومية خصوصاً، ولكنه يظهر أن الأوكرانيين قادرون على الرد.

ويمكن قول الشيء نفسه عن روسيا، ولكن في الاتجاه المعاكس فقط.

تقول الزميلة في قسم دراسات الحرب في كينجز كوليدج مارينا ميرون، هناك تأثير نفسي في جلب الحرب إلى الوطن الروسي. وتضيف أن "الأوكرانيين يريدون إظهار ضعف الدفاع الجوي الروسي وعدم قدرة النظام على حماية مواطنيه في قلب روسيا".

وتستمر كييف في استخدام الطائرات من دون طيار "للتحريض على الخوف". "بالمعنى الدقيق للكلمة، من الناحية النظرية، يمكن تصنيف هذا على أنه نشاط عسكري غير فعال".

وكثيراً ما دان بوتين "النظام الإجرامي" في كييف، واصفاً ضرباته بطائرات من دون طيار في الاتحاد الروسي بأنه "علامة واضحة على النشاط الإرهابي".

والمفارقة أن هذه الهجمات قد تصبح مفيدة جداً لروسيا لتبرير أفعالها في أوكرانيا، كما أنها يمكن أن تزيد الدعم الشعبي للحرب وتقرب الناس من الكرملين.

إطلاق المفاوضات أم إطلاق الصواريخ؟

من الغريب أيضاً أنه إلى جانب المقالات التي تدعو في الغرب إلى إطلاق يد القوات المسلحة الأوكرانية في استخدام الصواريخ البعيدة المدى ضد أهداف استراتيجية على الأراضي الروسية، وتنشر مناقشات حول موضوع ما إذا كان الوقت قد حان لتحديد الخطوط العريضة للتسوية السلمية. ربما كان السبب وراء حب الصحافة "للسفر وسط الحشود" هو المعلومات التي تفيد بأن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي سيقدم للقيادة الأميركية خلال زيارته الولايات المتحدة نوعاً من خطة للنصر.

وقال المستشار الألماني أولاف شولتز الذي يواجه تباطؤ الاقتصاد الألماني وتراجع شعبية الائتلاف الحاكم، إن الوقت قد حان لبدء التفكير في التسوية. بالمناسبة، من المرجح أن شولتز لن يوافق على تزويد أوكرانيا بصواريخ كروز من طراز "توروس" يبلغ مداها نحو 500 كيلومتر.

 

ويأتي التردد الألماني بعدما لوحظت هجمات بصواريخ "أتاكمس" الأميركية استهدفت شبه جزيرة القرم، لا سيما مدينة سيفاستوبول التي يتخذها أسطول البحر الأسود قاعدة مركزية له. وأثناء الهجوم على المدينة، أسقط أربعة صواريخ أميركية بعيدة المدى مزودة برؤوس حربية عنقودية. إلا أن صاروخ "أتاكمس" آخر انحرف نتيجة لتأثير أنظمة الدفاع الجوي في المرحلة النهائية عن مسار الهدف وانفجر الرأس الحربي في الجو فوق أراضي المدينة، مما أدى إلى مقتل خمسة أشخاص وإصابة أكثر من 125 آخرين.

وتصاعدت الهجمات الأوكرانية بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد الأراضي الروسية، عقب إعلان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أنه يرحب بالمحادثات في شأن استخدام أوكرانيا للصواريخ بعيدة المدى لضرب روسيا، لكن أي قرار في شأن هذه القضية يجب أن يتخذه الحلفاء بصورة فردية. وبعد إجراء رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الأميركي جو بايدن محادثات حول هذا الموضوع في واشنطن منتصف سبتمبر (أيلول) الجاري، لكن لم يُتخذ قرار نهائي.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حذر في وقت سابق من أن حلف "الناتو" سيكون في حالة حرب مع روسيا إذا سمح لأوكرانيا بتنفيذ مثل هذه الضربات. وفي معرض مناقشة الرد الروسي المحتمل على مثل هذه التصرفات، قال ستولتنبرغ إنه "لا توجد خيارات خالية من الأخطار".

 وأضاف، "لا أزال أعتقد أن الخطر الأكبر بالنسبة لنا، بالنسبة للمملكة المتحدة، ولحلف شمال الأطلسي، سيكون انتصار الرئيس بوتين في أوكرانيا".

وقد تمنح الإذن لأوكرانيا بإطلاق صواريخ بعيدة المدى على أهداف في روسيا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 سبتمبر الجاري بحضور فلاديمير زيلينسكي.

في هذه الأثناء، الصحافة الغربية مليئة بالمنشورات التي تقول إن هذا فقط هو الذي سيقرب نهاية الصراع. لا توجد خيارات. وكأن هذه المنشورات ظهرت بأمر من مركز واحد. على رغم أن كل شيء في الواقع أبسط: فقد اعتادت وسائل الإعلام ببساطة على أسلوب الحملات الإعلامية المبنية على أطروحة "ضجيج" معينة في الوقت الحالي. واليوم، ينظر إلى الصواريخ بعيدة المدى على أنها "أسلحة معجزة". وأمس كانت طائرات "أف-16" هي التهديد الغربي الأشد والأخطر. ووفقاً لهذه الصورة للعالم، وبعد تلقيهم سلسلة من الضربات المؤلمة، يتعين على الروس أن يطلبوا السلام بشروط الغرب وكييف.
ونظراً لعدم حصوله بعد على موافقة بايدن على استخدام صواريخ "ستورم شادو" ضد أهداف في روسيا، توجه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى إيطاليا للحصول على الدعم، إذ يقع أحد المشاريع المشتركة لإنتاج هذا الصاروخ البريطاني الفرنسي المشترك.

وكانت إيطاليا نفسها زودت أوكرانيا في السابق بمثل هذه الصواريخ، لكنها لم تمنح الإذن باستخدامها ضد أهداف في عمق الاتحاد الروسي. وسيتم إجراء مشاورات مماثلة مع الفرنسيين والألمان.

ويأمل ستارمر في الخروج بموقف موحد للأوروبيين، مناشداً واشنطن السماح للقوات المسلحة الأوكرانية باستخدام الصواريخ الأوروبية في الأقل، لأنه هو نفسه لا يريد بعد منح مثل هذا الإذن في ما يتعلق بصواريخ "أتاكمس" الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويبرر ذلك بحقيقة أن أوكرانيا قد تم تزويدها بعدد قليل من هذه الصواريخ ويجب استخدامها بصورة أكثر فاعلية ضد أهداف في منطقة القتال، وكذلك في شبه جزيرة القرم. علاوة على ذلك، حدد المحللون العسكريون الغربيون 230 هدفاً محتملاً على أراضي الاتحاد الروسي المعترف بها دولياً، بما في ذلك المطارات ومراكز الاتصالات والمراكز اللوجيستية ومستودعات الذخيرة، التي لا تزال بعيدة من متناول الصواريخ الأوكرانية. يمكن أن تكون عدة أهداف إضافية في المدى إذا وافقت الولايات المتحدة على استخدام صواريخ "أتاكمس" ضد روسيا.
في الواقع، فإن إذن الولايات المتحدة باستخدام "ستورم شادو"، وفقاً لخطة لندن، يجب أن يؤدي بعد ذلك حكماً إلى إلغاء حظر الإذن باستخدام صواريخ "أتاكمس". وبالتعمق في تفاصيل العملية، تبث شبكة تلفزيون "سي أن أن" بالفعل خريطة تشير إلى الأهداف المحتملة للضربات في الجزء الغربي من الأراضي الأوروبية لروسيا، وهذا يعني للشخص العادي أن مسرح العمليات العسكرية سيتوسع ويتسع. ناحية الشرق.

يشار إلى أن عدد صواريخ "ستورم شادو" التي سُلمت إلى أوكرانيا غير معروف، ويبدو أنه ليس كبيراً جداً. على رغم أنه أنتجت المئات من هذه الصواريخ منذ أوائل التسعينيات.
أوكرانيا وصواريخ الغرب وحضن الـ"ناتو"

في أوكرانيا ذاتها نستطيع أن نلاحظ تطوراً في الرأي العام، ولكن ليس في اتجاه الاستسلام. 55 في المئة وفقاً لدراسة أجراها معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، يعارضون بشدة أي تنازلات إقليمية لروسيا. لكن اللافت أن هذه النسبة تنخفض إلى 38 في المئة إذا منحت أوكرانيا عضوية حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي في إطار صفقة كبرى.
من الصعب أن نقول كيف تُدمج دعوات التصعيد ونشر الضربات الصاروخية في عمق روسيا في أذهان المحللين والسياسيين الغربيين مع المناقشات حول السلام. وفي الأرجح أن هذه أصداء لمبدأ رونالد ريغان المتمثل في "السلام من موقع القوة".

 إن أميركا تبالغ في أهمية تهديدات بوتين. "إنها تهدف إلى منعنا من اتخاذ أي إجراء"، هكذا يقول الممثل الأميركي الخاص السابق في أوكرانيا كورت فولكر الذي عُين بالمناسبة في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب.

على أية حال، هذا يقول كثيراً عن الأفكار الغربية حول العقلية الروسية والروح الغامضة المختبئة في أعماق النفس الروسية العصية على الفهم الغربي.
وفي هذا الصدد، فإن تصريح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف خلال زيارة المستشار شولتز أواسط سبتمبر الجاري إلى أستانا مثير للفضول "الحقيقة هي أن روسيا عسكرياً لا تقهر".

 وأشار توكاييف إلى أن مزيداً من تصعيد الحرب سيؤدي إلى عواقب لا يمكن إصلاحها على البشرية جمعاء، وقبل كل شيء على جميع البلدان المتورطة بصورة مباشرة في الصراع الروسي - الأوكراني، معرباً عن رأيه بأنه لا تزال هناك فرصة لتحقيق السلام. ومن الغريب أن يضطر الزعيم الألماني إلى السفر بعيداً من أجل هذه الاكتشافات.

هجمات روسية مضادة

روسيا من جهتها تواصل حملاتها الجوية على أوكرانيا. وأدى هجوم صاروخي على مبنى معهد الاتصالات في بولتافا أوائل سبتمبر إلى مقتل ما لا يقل عن 58 شخصاً وإصابة أكثر من 300 آخرين.

في الأيام التالية، أصبح سكان لفوف وكريفوي روج وبافلوغراد وخيرسون وسومي وخاركوف ومدن أوكرانية أخرى ضحايا لهجمات الصواريخ والطائرات من دون طيار الروسية. وعلى هذه الخلفية، ظهرت تقارير تفيد بأن إيران أرسلت إلى روسيا أكثر من 200 صاروخ باليستي، وتدعو أوكرانيا شركاءها مرة أخرى إلى السماح لها بتدمير أهداف عسكرية في عمق الأراضي الروسية بأسلحة غربية بعيدة المدى.
وقد كثفت روسيا ضرباتها الجوية على أوكرانيا على خلفية عملية توغل القوات المسلحة الأوكرانية في مقاطعة كورسك، اعتباراً من السادس من أغسطس (آب) الماضي، إذ سيطرت على أكثر من 1300 كيلومتر مربع من الأراضي، ومركز تصدير الغاز الحيوي "سودزو" وأكثر من 100 بلدة أخرى في منطقة كورسك.

 

وكما يؤكد الخبراء، فإن قدرة أوكرانيا على الاحتفاظ بجزء من المنطقة الروسية قد تسمح لها بإدراج اتفاق مع موسكو في المستقبل بنداً في شأن تبادل الأراضي، وسيسمح لكييف بتجنب التنازلات الأحادية الجانب.

لكن الكرملين لا يركز على إمكانية إجراء مفاوضات لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية بمشاركة وسطاء. إذا صرح فلاديمير بوتين، بعد بدء عملية كورسك للقوات المسلحة الأوكرانية، بأن موسكو ترفض أي مفاوضات مع كييف. ومع ذلك قال في الخامس من سبتمبر، متحدثاً في المنتدى الاقتصادي الشرقي بفلاديفوستوك، إن السلطات الروسية ليست كذلك ضد الجلوس إلى طاولة المفاوضات على أساس الوثائق المتفق عليها ربيع 2022 في تركيا.

وكان الوفد الروسي في المفاوضات في تركيا قد توصل مع نظيره الأوكراني إلى اتفاق مبدئي على حياد أوكرانيا وإجراء تخفيض كبير في عدد القوات المسلحة الأوكرانية والأسلحة والمعدات والطيران. وفي الوقت نفسه، كان على كييف أن توافق على الوضع الروسي للأراضي الأوكرانية المحتلة. ووفقاً لبوتين، يمكن للصين والبرازيل والهند الآن العمل وسطاء في محادثات السلام المحتملة.

وتعتقد السلطات الأوكرانية أن الكرملين مهتم فقط بتجميد الحرب، وليس إنهاءها، وتدعو الغرب إلى زيادة إمدادات المساعدات العسكرية لأوكرانيا.

وتحتاج أوكرانيا إلى إذن لاستخدام أسلحة بعيدة المدى ضد أهداف عسكرية على الأراضي الروسية من أربع دول: الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، فيما يأمل فلاديمير زيلينسكي أن يلخص نتائج المفاوضات حول هذه القضية مع الرئيس الأميركي جو بايدن في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال سبتمبر.

تشدد روسي

وأدى تسارع التسليح الغربي لأوكرانيا، والتلميح إلى احتمال منحها إذناً باستخدام الصواريخ الجوالة البعيدة المدى ضد أهداف استراتيجية على أراضيها، إلى تشديد موسكو موقفها من عملية التسوية، ورفضها الجلوس إلى طاولة المفاوضات وفق الأجندة الغربية، فأعلنت وزارة الخارجية الروسية الأول من أمس السبت، أن روسيا لن تشارك في "قمم السلام" الغربية الشروط والإجراءات في شأن أوكرانيا.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، تعليقاً على تصريح الرئيس الأوكراني في شأن اعتزامه عقد "قمة سلام" ثانية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) ودعوة روسيا إليها، إن بلادها لن تشارك في "قمم السلام" في شأن أوكرانيا، لأن هذه القمم لا علاقة لها بالتسوية.

وكتبت على الموقع الإلكتروني للخارجية، "لم يشارك ممثلو روسيا في أي اجتماعات في إطار عملية بورجنشتوك ولا ينوون المشاركة. هذه العملية في حد ذاتها لا علاقة لها بالتسوية".

وأضافت، "إن ما يسمى القمة الثانية تسعى إلى تحقيق نفس الهدف، وهو الدفع بـ(صيغة زيلينسكي) غير القابلة للتطبيق على الإطلاق كأساس غير بديل لحل الصراع، والحصول على دعم من الغالبية العالمية، ونيابة عنها، تقديم إنذار بالاستسلام لروسيا". وشددت على أننا لن نشارك في مثل هذه "القمم".

ووفقاً لزاخاروفا، فإن موسكو لا تتخلى عن التسوية السياسية والدبلوماسية للأزمة، وهي مستعدة لمناقشة مقترحات جادة حقاً تأخذ في الاعتبار الوضع "على الأرض"، والحقائق الجيوسياسية الناشئة والمبادرة المقابلة التي صاغها الرئيس فلاديمير بوتين. بوتين في 14 يونيو (حزيران) الماضي.

وشددت على أنه "من دون روسيا ومراعاة مصالحها، من المستحيل التوصل إلى تسوية عادلة ومستدامة".

 

وختمت، "في كييف والغرب لا يفكرون في السلام. إنهم في حاجة إلى الحرب. وهذا ما يؤكده غزو قطاع الطرق للقوات المسلحة الأوكرانية لمنطقة كورسك والسماح لزيلينسكي بضرب عمق روسيا بأسلحة الناتو بعيدة المدى. وهذا استمرار للإرهاب ضد سكان بلدنا. لن نتحدث مع الإرهابيين".

وفي أوائل سبتمبر الجاري، صرح فلاديمير زيلينسكي مرة أخرى بأنه يريد رؤية ممثلين عن روسيا في القمة الثانية في شأن أوكرانيا، في حين ذكرت موسكو مراراً وتكراراً أنها لا تخطط للمشاركة في مثل هذه القمم.

وفي نهاية يوليو (تموز) الماضي، صرح زيلينسكي بأن العالم كله، وكذلك هو نفسه، يريد مشاركة روسيا في المؤتمر المقبل لحل الصراع في أوكرانيا، وإلا فلن يتم التوصل إلى نتيجة في هذا المؤتمر.

وفي أوائل يوليو، صرح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل غالوزين، معلقاً على موضوع القمة الجديدة حول أوكرانيا، بأن الجانب الروسي لا يقبل الإنذارات ولن يشارك في مثل هذه الأحداث.

وانعقد المؤتمر الأول حول أوكرانيا في مدينة بورجنشتوك بسويسرا في الفترة من 15 إلى 16 يونيو الماضي. وذكر الكرملين أن البحث عن طرق للخروج من الوضع في الصراع الأوكراني من دون مشاركة روسيا أمر غير منطقي وغير مجد على الإطلاق.

ودعا البيان المشترك الذي أعقب المؤتمر كييف إلى إعادة السيطرة على محطة زابوريجيا للطاقة النووية، كما يتضمن دعوات لحرية الحركة في البحر الأسود وبحر آزوف، لتبادل وإطلاق سراح جميع أسرى الحرب. كما تتحدث الوثيقة عن ضرورة الحوار بين جميع الأطراف لإنهاء الصراع. ومن بين 91 مشاركاً في الاجتماع، أيد 76 فقط البيان الختامي ولم توقع عليه أرمينيا والبحرين والبرازيل والهند وإندونيسيا وليبيا والمكسيك والسعودية وجنوب أفريقيا وتايلاند والإمارات. وفي وقت لاحق، سحب العراق والأردن ورواندا توقيعاتها على البيان.

 

قبل انعقاد هذا المؤتمر، طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مبادرة لحل سلمي للصراع في أوكرانيا تنص على أن "موسكو ستوقف إطلاق النار على الفور وتعلن استعدادها للمفاوضات بعد انسحاب القوات الأوكرانية من أراضي المناطق الجديدة في روسيا". وأضاف أنه "إضافة إلى ذلك، يتعين على كييف أن تعلن تخليها عن نيات الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وتنفيذ عملية نزع السلاح وإزالة النازية، إضافة إلى قبول وضع محايد وغير انحيازي وخال من الأسلحة النووية". كما طالب بوتين برفع العقوبات المفروضة على الاتحاد الروسي بسبب الحرب في أوكرانيا.

لكن بعد الهجوم الذي شنته القوات المسلحة الأوكرانية على منطقة كورسك، اعتبر بوتين أنه من المستحيل التفاوض مع أولئك الذين "يضربون المدنيين بصورة عشوائية أو البنية التحتية المدنية أو يحاولون خلق تهديدات لمنشآت الطاقة النووية".

وصرح مساعد رئيس الاتحاد الروسي يوري أوشاكوف، في وقت لاحق أن مقترحات موسكو للسلام في شأن التسوية الأوكرانية، التي عبر عنها رئيس الدولة الروسية سابقاً، لم تُلغَ ولكن في هذه المرحلة، "مع الأخذ في الاعتبار هذه المغامرة"، روسيا لن تتحدث مع أوكرانيا.

صواريخ ودرونات غربية تقصف الأراضي الروسية

أظهر الصراع الأوكراني المستمر بالفعل الاستخدام الواسع النطاق لتقنيات الصواريخ والمركبات الجوية من دون طيار من قبل الجانبين الروسي والأوكراني. وعلى رغم أن القدرات الصاروخية الأوكرانية تشكل تهديداً عسكرياً فنياً كبيراً للقوات الروسية، فإن التحدي الخطر بالقدر نفسه يتلخص في حقيقة مفادها أن هذه التكنولوجيات تزودها بها دول ثالثة، وخصوصاً الولايات المتحدة.

بالتالي، حذر المسؤولون الروس مراراً وتكراراً من أن الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا، وخصوصاً توريد الطائرات من دون طيار والصواريخ بعيدة المدى، ينطوي على أخطار تصعيدية كبيرة، مما يجر الولايات المتحدة إلى الصراع. وفي الولايات المتحدة نفسها، تتزايد التناقضات في شأن الكيفية التي قد تؤدي بها المساعدة العسكرية لأوكرانيا إلى تصعيد نووي في العلاقات مع روسيا.

وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى أن استخدام التطورات التكنولوجية الجديدة في ساحة المعركة، بما في ذلك أنظمة التوصيل المتقدمة، يؤثر في فهم ظاهرة التصعيد في حد ذاتها. وهذا لا ينطبق فقط على الطائرات من دون طيار المذكورة أعلاه، ولكن أيضاً على الأنظمة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت نظراً لاستخدامها القتالي الأول في أوكرانيا، واستناداً إلى أمثلة إشارات التصعيد بين روسيا تجاه والولايات المتحدة خلال الصراع الأوكراني. من هنا ينشأ التأثير المتبادل للتكنولوجيات والأفكار المفاهيمية حول التصعيد، فضلاً عن أهمية الاتجاهات الناشئة للعلاقات الروسية الأميركية الاستراتيجية.

خطر استراتيجي

إن إيصال إشارات التصعيد إلى العدو أثناء العمليات القتالية مهمة صعبة للغاية. وفي الصراع الأوكراني، يتفاقم الأمر بسبب حقيقة أن واشنطن متورطة بصورة غير مباشرة في الأعمال العدائية.

فمن ناحية، قد يوفر هذا الفرصة لاستجابة أكثر مرونة للتهديدات "تحت عتبة الصراع العسكري المباشر"، في الوقت نفسه، يزيد هذا من خطر انتشار الصراع إلى ما وراء الحدود الجغرافية الحالية. علاوة على ذلك، كما تظهر الأحداث التي تمت مراجعتها، فإن أخطار حدوث مزيد من التصعيد في الصراع تتزايد بصورة حادة بسبب عدم وجود فهم واضح لما إذا كان إجراء معين يُعد تصعيدياً من وجهة نظر العدو.

في الوثائق الاستراتيجية لروسيا والولايات المتحدة، صُنفت الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والطائرات من دون طيار على أنها تهديدات عسكرية حالية.

وكما يتبين من المبادئ التوجيهية النهائية، فهناك تطور في مفهوم التصعيد، إذ ينظر بصورة متزايدة إلى استخدام الأسلحة النووية خياراً خلال عمليات قتالية في مراحل مبكرة من سلم التصعيد.

ومع إدراك روسيا والولايات المتحدة التهديد المتزايد الذي تشكله الطائرات من دون طيار وأنظمة الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، إلا أنهما لا تشرحان دور هذه التقنيات في الوثائق الرسمية. لذلك، في حين أن الاستخدام القتالي للطائرات من دون طيار والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت لا يبرر في حد ذاته خفض العتبة النووية، فإن استخدامها من قبل الدول ذات القدرات النووية قد يحمل مع ذلك خطر التصعيد غير المقصود. مما يعني أنه حتى في صراع غير نووي مثل الصراع الأوكراني فإن أخطار تصاعد حرب محدودة إلى حرب شاملة ليست تافهة وتتطلب اهتماماً أوثق، في الأقل تحليلياً.

وفي حين يظل إظهار العزم رادعاً رئيساً، فإن ضبط النفس لا يقل أهمية، خصوصاً عندما لا تُصعد الإجراءات المحددة بصورة متعمدة، في حين أن البيانات العامة الأحادية الجانب، مثل إعادة تأكيد البيان المشترك الصادر خلال يناير (كانون الثاني) 2022 لقادة الدول الخمس الحائزة للأسلحة النووية في شأن منع الحرب النووية وسباق التسلح، لا يمكن أن تحل محل الحوار الشامل لحل سوء الفهم الأساس، فإنها لا تزال قادرة على المساعدة في تخفيف ردود الفعل قصيرة المدى إلى خطوات تصعيدية محتملة.

وتمتلك أوكرانيا بدعم من الدول الغربية القدرة على تصنيع الطائرات من دون طيار غير المكلفة على نطاق واسع في المرائب والشركات الصغيرة والمصانع في جميع أنحاء أراضي البلاد تقريباً، وتزويدها بالموارد وأجزاء تكنولوجيا المعلومات.

من الصعب منع هذا. ولكن من الممكن إذا قطعت الكهرباء عن المنشآت الصناعية التي تقوم بعمليات التصنيع. لكن القوات المسلحة الأوكرانية تتلقى بالفعل كميات كبيرة من الصواريخ بعيدة المدى من الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى، التي يمكن أن تنال من أهداف استراتيجية مهمة، مثل محطات الطاقة النووية الروسية التي تعد أخطر الأهداف.

وقال نيكولاي شولغين الذي خدم في قوات الصواريخ الاستراتيجية لفترة طويلة، إن "الضربات التي قد تستهدف محطات الطاقة النووية يمكن أن تسبب عواقب يمكن أن تؤثر في بيئة أوروبا بأكملها".

ولفت الانتباه إلى تقارير عن هجمات شنتها أربع طائرات أوكرانية من دون طيار على محطة "لوتش" الفرعية في إنيرغودار خلال 19 يونيو (حزيران) الماضي وهجوم على محطة رادوغا الفرعية في محطة زابوريجيا للطاقة النووية في 21 يونيو.

 

وفي 22 يونيو الماضي، أفادت وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي عن محاولات معادية خلال النهار لمهاجمة محطة الطاقة النووية بمدينة كورشاتوف في منطقة كورسك بصواريخ "هيمارس".

ونقلت أن استهداف محطات الطاقة النووية يمكن أن يؤدي إلى مآسٍ ستكون أخطر بكثير مما حدث في محطة تشيرنوبل للطاقة النووية. ثم في عام 1986، شارك الاتحاد السوفياتي بأكمله في القضاء على هذه الحالة الطارئة. والآن، إذا حدث شيء مماثل نتيجة لضربات القوات المسلحة الأوكرانية على محطات الطاقة النووية الروسية، فسيكون ذلك مأساة على نطاق عالمي.

ويعتقد مجتمع الخبراء أن كييف، على خلفية مثل هذه الأعمال، قادرة على تجميع الموارد القتالية. وأفادت وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية في أوكرانيا، أن الغرب بدأ بصورة نشطة ومكثفة في إمداد أوكرانيا بالأسلحة والذخائر والمتخصصين والمتطوعين، حتى تشن القوات المسلحة الأوكرانية هجوماً خلال الأشهر المقبلة على قطاعات خاركوف وزابوريجيا على الجبهة، وكذلك في دونباس. يجب أن تثبت هذه الإجراءات قدرة القوات المسلحة الأوكرانية على القيام بأعمال هجومية ويجب أن تتم قبل حلول فصل الشتاء.

وتماشياً مع هذه الخطط، يبدو أن الغرب يستعد أيضاً لتجديد إمكاناته القتالية، وعلى أساسها تقديم المساعدة إلى كييف، إذ أعلنت شركة "راينميتال" الألمانية، أنها تلقت أكبر طلبية في تاريخها لقذائف 155 ملم بقيمة 8.5 مليار يورو.

وبحسب التقديرات التقريبية فإن هذا يصل إلى 2.5 مليون قذيفة. يقول المتخصص العسكري اللفتنانت جنرال المتقاعد يوري نتكاتشيف، "معهم، إذا نُقلوا إلى القوات المسلحة الأوكرانية، في ظل حدة الصراع الحالية، فيمكنهم القتال لمدة عام كامل في الأقل".

وذكرت وسائل إعلام أن ألمانيا تخطط أيضاً لطلب 105 دبابات "ليوبارد" من أحدث طراز من مجموعة "كا أن دي أس" الألمانية الفرنسية مقابل 2.93 مليار يورو. ويمكن لهذه الدبابات، في حال عملت في منطقة العمليات العسكرية، بحسب الجنرال، تجهيز لواء ميكانيكي كامل. وافتتحت شركة "كونغسبيرغ غروبن" النرويجية الأسبوع الماضي مصنعاً جديداً للصواريخ في كونغسبرج، على بعد 90 كيلومتراً شمال أوسلو. هناك سينتجون صاروخ "أن أس أم" المضادة للسفن، وهو نظير لصواريخ "جي أس أم" للمقاتلة الأميركية من الجيل الخامس " أف-35" ويمكن تكييف هذه الصواريخ لتتناسب مع طائرات "أف-16" التي يتم نقلها إلى القوات المسلحة الأوكرانية. وسيكون بمقدرة هذه الصواريخ مواصلة محاربة الأهداف البحرية لأسطول البحر الأسود الروسي. ويشير نتكاتشيف إلى أن هذا عامل مثير للقلق.

بالتالي، فإن عسكرة اقتصادات بعض الدول الأوروبية من أجل محاربة الاتحاد الروسي والمزاج الداعم لكييف على المدى الطويل قد يشيران إلى أن الغرب لا ينوي إنهاء الصراع مع الاتحاد الروسي وسيستمر لفترة طويلة.

دفع أوكرانيا للهجوم

من الناحية الموضوعية والواقعية، تحاول كييف وحلف شمال الأطلسي بالفعل زيادة الهجمات على روسيا. ويتم ذلك، من بين أمور أخرى، من أجل خلق عوامل تساعد على دعم القوات المسلحة الأوكرانية في اتجاه خاركوف.

 تهدف هذه الإجراءات أيضاً إلى فترة أطول قليلاً: هذا تحضير لهجوم محتمل قبيل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، نظراً لأن احتمالات دعم القوات المسلحة الأوكرانية بعدها ليست واضحة. لكن نقطة الضعف في أوكرانيا هي السكان الذين لا يريدون استمرار التعبئة.

ولا يزال التصعيد الجديد للحرب من قبل أوكرانيا يقلق غالبية المواطنين الروس والأوكرانيين. ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة الأسبوع الماضي، فإن غالبية المواطنين يهتمون بسير العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا وكل ما يتعلق بها، ويطلقون عليها الحدث الرئيس في كل أسبوع تقريباً.

 

اليوم يمكننا القول، إن هناك مراجعة جذرية لمواقف وموارد الأطراف وتصعيد محتمل للصراع، مما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الهجمات والنشاط على خط المواجهة، وربما الهجمات على الأهداف الخلفية. 

والتصعيد المحتمل للصراع ينطوي على ثلاثة أخطار رئيسة يمكن تصنيفها بحسب درجة الشدة والخطر، أي عالية ومتوسطة ومنخفضة. الخطر الأكبر الآن هو رفع الوقف الاختياري لاستخدام الأسلحة الغربية بعيدة المدى عبر الأراضي الروسية، فإذا كانت كييف تطالب منذ فترة طويلة برفع جميع القيود، فإن الغرب في البداية عارض ذلك بشدة، والآن نرى كيف تخفف المواقف تدريجاً، وهناك تصريح من بلينكن، غير متبلور إلى حد ما، أنه بعد نقل الأسلحة بالنسبة لأوكرانيا، فهي ملك لها، وهي التي تحدد بنفسها كيفية استخدامها.

يقول ستولتنبرغ نفس الشيء، من ثم أعتقد أنه في المستقبل القريب قد تتم مراجعة هذا الإجماع على المواقف القائلة إنه لا ينبغي استخدام الأسلحة الغربية على الأراضي الروسية. وهذه جولة جديدة من التصعيد ستؤدي إلى تفاقم الوضع في منطقة الصراع. 

"اختبار القوة" الأولي سيستمر بقوة حتى موعد انعقاد ما يسمى قمة السلام خلال نوفمبر المقبل. ويشكل هذا الحدث جدول الأعمال ويجبر الأطراف على الرد بطريقة أو بأخرى، وتوجيه إشارات صارمة، وإعطاء تقييمات صارمة، من أجل جذب الانتباه، وإلى حد ما، الرد على التقدم الناجح الذي تحققه روسيا اليوم في منطقة "دونباس" في شمال شرقي أوكرانيا.

الطائرات من دون طيار ليست سلاح النصر

الهدف الآخر لضربات الطائرات الأوكرانية من دون طيار هو إضعاف القدرات العسكرية الروسية. وفيما لا تمتلك أوكرانيا القوة الجوية التي تمتلكها روسيا تحاول استعادة نوع من التكافؤ من خلال حرب الطائرات من دون طيار، على اعتبار أن الطائرات من دون طيار أرخص بكثير من الصواريخ.

وعلى رغم الضجيج الذي تحدثه وسائل الإعلام لأهمية هذه الغارات، فإن الفعالية العسكرية لضربات كييف لا ينبغي المبالغة فيها، لأنها من وجهة نظر عسكرية بحتة، فإنها لن تغير الكثير.

وفي الوقت نفسه، تحصل أوكرانيا من هذه الغارات على مزايا من خلال إظهارها للشركاء أن الأمر يستحق الاستثمار فيه. وأن الأوكرانيين يستحقون ضخ الأموال الغربية.

من غير المعروف عدد الطائرات من دون طيار الأوكرانية التي أسقطها الجيش الروسي، والمعلومات حول هذا الأمر تخضع لحراسة دقيقة من قبل الجانبين.

في مواجهة الهجمات المقبلة من كييف، يجب على القيادة الروسية أن تقرر ما يجب فعله: نشر الهياكل الدفاعية النهائية لحماية موسكو أو الجنود على خط المواجهة. فأي شيء يمكن أن يقلل أو يعطل تدفق الموارد إلى الجبهة، سواء كان رجالاً أو أسلحة، فهو ذو قيمة.

مخاطرة محسوبة

من الواضح أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة لا تريد التورط مباشرة في الحرب الأوكرانية، إلا أن تصاعد هذا الصراع إذا استمرت كييف في مهاجمة الأهداف الروسية بصورة أكثر عدوانية لا يمكن التنبؤ به. هناك كثير من الخطوط الدقيقة والتوازنات الصعبة.

ليس من الواضح تماماً كيف سيتم تجاوز كل هذا، ولكن مع ذلك، لا يزال هذا التهديد قائماً، وهذا سيؤدي أيضاً إلى تصعيد الصراع، لأن المسؤولين الروس قد صرحوا بالفعل بأنهم سيعدون الدول التي تجيز لأوكرانيا ضرب أراضيهم بأسلحتها متورطة مباشرة في الحرب ضج روسيا، وذلك قد يؤدي إلى تصادم.

عندما نتحدث عن رفع القيود المفروضة على استخدام الأسلحة الغربية بعيدة المدى. دعنا نقول، نعم، سُيرفع هذا القيد، والمسألة مسألة وقت فقط، ولكن ماذا في ذلك بالضبط، ما هي تدابير الاستجابة الممكنة التي يمكن اتخاذها هنا؟ وينطبق الشيء نفسه على نقل الوحدات العسكرية للدول الأعضاء في كتلة "الناتو" إلى أراضي أوكرانيا. 
يبدو لي أن الرد الأكثر فاعلية يتلخص في تكثيف الهجمات على البنية الأساسية للطاقة في أوكرانيا. وبالنظر إلى الأضرار التي حدثت خلال الأشهر الأخيرة، فالقوات الروسية لديها الأدوات والإرادة السياسية والعسكرية لتصعيد هذا الوضع. والسؤال الآخر هو هل يؤدي هذا إلى مزيد من التطور في التصعيد؟
يبدو أن الأحداث تنحرف نحو بؤر توتر جديدة قد تنشأ حولها. لن يدعو أحد أوكرانيا إلى "الناتو"، إذا حكمنا من خلال تصريحات ستولتنبرغ والقادة الغربيين. ومن المؤكد، كما حدث في الماضي، أن حلف شمال الأطلسي سيحاول التعويض عن ذلك، في الأقل في وسائل الإعلام.

ولا يستبعد أن يكون التعويض برفع القيود المفروضة على استخدام الصواريخ بعيدة المدى، أو إنشاء صندوق خاص من أجل زيادة حجم المساعدات المخصصة، وهو ما سيبدو بالتأكيد في نظر الكرملين وكأنه جولة جديدة من التصعيد، وتحد جديد.
المشكلة الرئيسة هنا هي أن الشروط التي يقدمها كل جانب حالياً غير مقبولة بصورة أساسية للجانب الآخر، والأهم من ذلك: لا أحد من أولئك الذين يمكن أن يضمنوا الوفاء بالالتزامات بموجب هذه المفاوضات حتى لو جرت لأنه عندما يعلن الجانب الأوكراني اليوم أن الضمانات اللازمة ضرورية للحفاظ على استقلال أوكرانيا وسيادتها، فمن الواضح أنه لا يمكن لأحد أن يعطي مثل هذه الضمانات في ظروف تكون فيها أوكرانيا فقدت بالفعل جزءاً كبيراً من أراضيها. وبهذا المعنى، فمن المستحيل الحديث عن أي خطوات من هذا القبيل إلى الأمام.
بصورة عامة، سيكون موضوع المفاوضات حاضراً باستمرار على أمل أن يتخذ أحد الطرفين خطوة نشطة للغاية إلى الأمام ولن يتمكن من العودة إلى موقفه السابق من دون أن يفقد ماء الوجه.

المزيد من تقارير