ملخص
شهدت الحدود اللبنانية تصعيداً خطراً بين إسرائيل و"حزب الله" إذ نفذت القوات الإسرائيلية عمليات عسكرية ضد الحزب بما في ذلك استهداف شبكات الاتصالات واغتيالات لقادة في وحدة "الرضوان". في المقابل رد "حزب الله" بإطلاق صواريخ متطورة على شمال إسرائيل. وكثفت إسرائيل غاراتها الجوية إذ شنت قرابة 1000 غارة استهدفت مواقع للحزب في الجنوب والبقاع باستخدام قنابل خارقة للتحصينات.
خلطت سلسلة العمليات الأمنية والعسكرية الأخيرة التي نفذتها إسرائيل في لبنان أوراق الحرب على "الجبهة الشمالية"، سواء تفجير شبكة الاتصال الخاصة "البيجر" والأجهزة اللاسلكية أو اغتيال القادة العسكريين والأمنيين في وحدة "الرضوان" وعلى رأسهم من يعد قيادياً كبيراً في الحزب إبراهيم عقيل، وتبدلت عناوين المعركة لدى الطرفين، إذ أعلنت إسرائيل البدء بالمرحلة الثانية من الحرب، في حين أبقى "حزب الله" توسيع معركة "الإسناد" تحت عنوان "معركة الحساب المفتوح".
وانعكس إعلان الطرفين عن انتقالهما إلى مرحلة جديدة من القتال، مع توسيع نطاق العمليات الحربية وإدخال وسائل قتالية في الميدان لم تستخدم طوال الأشهر الماضية، إذ رفعت إسرائيل وتيرة العمليات العسكرية والضربات على "بنك الأهداف" لتتجاوز الـ150 غارة جوية في اليوم الواحد وعبر "حزام نار" يصل من الجنوب إلى عمق البقاع (شرق لبنان) والحدود السورية، إضافة إلى استخدام القنابل الارتجاجية الخارقة للتحصينات والأنفاق تحت الأرض.
في المقابل، أدخل "حزب الله" صواريخ جديدة من نوع "فادي 1" و"فادي 2" خلال استهداف مناطق في إسرائيل بعمق يصل إلى حدود 40 إلى 50 كيلومتراً، ومن ضمنها قاعدة رامات ديفيد الجوية شرق حيفا.
صواريخ "كروز"
ويشهد لبنان هجوماً جوياً استثنائياً إذ تشن أسراب الطائرات الحربية الإسرائيلية هجمات واسعة النطاق على البلدات والقرى في الجنوب وكذلك في البقاع، طالت بصورة كبيرة منازل ومنشآت صناعية ومراكز دينية، يقول الجيش الإسرائيلي، إن "حزب الله" يستخدمها في أنشطته العسكرية وإنه يخزن في بيوت المدنيين صواريخ من ضمنها صواريخ "كروز" الاستراتيجية، إضافة إلى مسيرات تحمل رؤوساً متفجرة ومجهزة للانطلاق باتجاه شمال إسرائيل.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن عن "إحباط محاولة حزب الله إطلاق صواريخ كروز من منزل في جنوب لبنان"، وأنه كشف طريقة "حزب الله" في إخفاء صاروخ "كروز" داخل منزل، إذ يقوم بإنشاء فتحة مخصصة لإطلاق الصاروخ. وقال الجيش الإسرائيلي في رسم بياني، إن صاروخ "كروز" المستخدم "DR-3" يصل مداه إلى 200 كيلومتر، ويحمل رأساً حربياً يصل وزنه إلى 300 كيلوغرام.
1000 غارة
ووفق مصادر عسكرية، شنت إسرائيل خلال أسبوع واحد قرابة 1000 غارة جوية معظمها خارج نطاق القرى والبلدات في جنوب لبنان، استهدفت منصات إطلاق صواريخ وفتحات أنفاق وبنى تحتية عسكرية تابعة لـ"حزب الله"، وهي تشكل خطوط الدفاع الأمامية للحزب، الأمر الذي برأيها يضعف قدرات الحزب الدفاعية والهجومية بصورة كبيرة، في حين لم يصدر أي بيان من "حزب الله" يوضح طبيعة تلك الاستهدافات ومدى تأثيرها في قدراته.
في السياق كشف المتخصص العسكري المتخصص في المتفجرات تيدي عواد، أن "إسرائيل استخدمت إحدى أكبر القنابل في ترسانتها على هدف عسكري جنوب لبنان"، مشيراً إلى أن "القنبلة الثقيلة الموجهة الخارقة للتحصينات GBU-28 هي قنبلة تزن نحو ألفي رطل (نحو 900 كيلوغرام) تم تطويرها من قبل الولايات المتحدة خلال الثمانينيات، وتستخدم بصورة رئيسة لتدمير الأهداف المحصنة مثل المخابئ تحت الأرض، وذلك بفضل تصميمها الذي يتيح لها اختراق التحصينات قبل الانفجار.
ولف إلى أن "GBU-28" تتميز بنظام توجيه دقيق يعتمد على نظام الملاحة بالقصور الذاتي وأجهزة توجيه تعتمد على الليزر، مما يزيد من دقتها في إصابة الأهداف. استخدمت لأول مرة في حرب الخليج عام 1991 وأثبتت فعاليتها في تدمير الأهداف الصعبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مدن صاروخية
في المقابل، تحاول أوساط "حزب الله" التخفيف من فعالية تلك الغارات، والإشارة إلى أن الحزب جهز نفسه طوال الأعوام الماضية لمواجهة الاستهدافات الإسرائيلية بما فيها القنابل الارتجاجية التي تنفجر في باطن الأرض عبر بناء مدن صاروخية في باطن الجبال والوديان.
وأكد العميد المتقاعد من الجيش اللبناني منير شحادة، أن هناك صعوبة على إسرائيل أن تطال الأنفاق والقواعد العسكرية التي أنشأها "حزب الله" تحت الأرض، بسبب مدى عمقها واتساعها وتشعبها في باطن الأرض، إضافة إلى صعوبة اكتشاف هذه المنشآت "السرية للغاية".
بدوره يؤكد العميد المتقاعد هشام جابر، أن "طبيعة الأرض في جنوب لبنان حيث توجد جبال وتلال، مثالية لحفر المنشآت العسكرية تحت الأرض، وهي محمية طبيعياً لأنها في قلب الجبل"، مشيراً إلى أن "الطائرات لا تستطيع أن تصل إلى هذه المنشآت من الجو، ويمكن للمقاتلين البقاء داخلها ما بين تسعة أشهر وعام لأنها تضم كل الإمكانات من طاقة وغذاء ودواء". وبرأيه، "تستطيع إسرائيل مواصلة قصفها لأشهر وأن تواصل تدمير لبنان من دون أن تصل إلى المنشآت العميقة".
إلا أن الخبيرة في شؤون "حزب الله في المعهد الإسرائيلي للدراسات في الأمن القومي أورنا مزراحي قالت رداً على سؤال لمكتب "وكالة الصحافة الفرنسية" في القدس، "نعرف بوجود أنفاق (حزب الله) منذ فترة"، مضيفة أن الجيش الإسرائيلي "اكتسب خبرة جيدة" حول الأنفاق من الحرب في قطاع غزة حيث تملك "حماس" شبكة واسعة منها، "وسيكون عليه التعامل معها، في حال دخل لبنان مجدداً".
مليون نازح
ومع تفاقم الأوضاع، إذ تمر البلاد بأكثر الأيام عنفاً منذ تفجر الحرب الإسرائيلية في غزة، وسقوط أكثر من 100 قتيل وإصابة نحو 500 بينهم أطفال ونساء، يشهد الجنوب اللبناني حركة نزوح كبيرة للسكان باتجاه بيروت وجبل لبنان، إذ تشير التقديرات إلى أن عدد النازحين الذي وصل إلى 120 ألفاً خلال الأشهر الماضية، مرشح لتجاوز المليون في حال تطورت التهديدات الإسرائيلية نحو صيدا أو الضاحية الجنوبية أو المخيمات الفلسطينية.
وتلقى نحو 80 ألف مواطن في جنوب لبنان رسائل واتصالات هاتفية تطلب منهم إخلاء بيوتهم في حال كانت قريبة من مراكز تابعة لـ"حزب الله"، كذلك اخترقت الإذاعات إذ بُثت رسائل تهديد عبرها.
ويبدو أن الاستهدافات تتوسع بصورة خطرة نحو قرى البقاع أيضاً إذ تصل رسائل نصية تطلب من المواطنين الابتعاد أكثر من 1000 متر عن أي مركز تابع للحزب.
وشهدت شوارع مدينة صيدا الرئيسة (جنوب لبنان) زحمة خانقة، بعدما أوقفت المدارس والمعاهد فيها التدريس وطلبت من الأهالي اصطحاب أبنائهم بسبب تطور الأوضاع في الجنوب، كما شهد المدخل الجنوبي زحمة سير في اتجاه المدينة، بسبب حركة نزوح أهالي عدد من القرى والبلدات، ووثقت عدة صور ومقاطع مصورة نزوح مئات السيارات من مناطق في الجنوب نحو الداخل.
الحزب يتحدى
وكان الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، قد توعد إسرائيل بـ"حساب عسير وقصاص عادل"، أثناء خطاب له تعليقاً على الهجوم الذي استهدف أجهزة اتصالات لاسلكية، مشدداً على أن هدف التصعيد الإسرائيلي "الضغط على الحزب للانسحاب من معركة إسناد المقاومة في غزة"، مؤكداً أن "جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف الحرب على غزة"، متحدياً في خطابه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، قائلاً "لن تستطيعوا إعادة السكان إلى الشمال، وهذا هو التحدي بيننا".