Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

المواجهة بين أوروبا وروسيا غير آمنة بسبب أميركا

تقارب ترمب وبوتين يدفع القارة إلى تشكيل تحالف دفاعي جديد بعيداً من "الناتو" لكبح جماح موسكو

وصف فلاديمير بوتين قرار وجود قوات حفظ السلام بأنه ليس سوى ستار تدفع من ورائه البلدان أعضاء حلف "الناتو" (أ ف ب)

ملخص

فيما بدا أنه يشبه الإجماع حول ما بادر بإعلانه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول إرسال قوات حفظ السلام إلى أوكرانيا وتعزيز دعمها العسكري والمالي، شهدت الأيام القليلة الماضية سباقاً محموماً بين رؤساء الدول والحكومات الأوروبية للانضمام إلى فريق الصقور الذين لم يغب عنه سوى رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان ورفيقه رئيس حكومة سلوفاكيا روبرت فيتسو. وها هو فريدريش ميرتس صاحب الفرصة الأوفر حظاً للفوز بمنصب المستشار الألماني الجديد يعلن انضمامه إلى هذا الفريق، ويدعو إلى العودة إلى خمسينيات القرن الماضي، ويطرح فكرة إنشاء تحالف دفاعي أوروبي جديد بدلاً من حلف شمال الأطلسي.

في الوقت الذي تتواصل فيه المشاورات حول بعض جوانب التسوية السلمية للأزمة الأوكرانية في مدينة الرياض السعودية بين ممثلي روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة، بما يبدو معه التقارب في الآراء والرؤى بين موسكو وواشنطن واضحاً أكثر من أي وقت مضي، تشهد الأيام الأخيرة تحولاً واضحاً في ميول الكثير من بلدان الاتحاد الأوروبي صوب تصعيد الصراع مع روسيا، على اعتبار أنه يشكل تهديداً وجودياً لوجودها.

وما إن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن موقفه من الصراع الروسي- الأوكراني، بما في ذلك ما بدا من جانبه نحو تحميل المسؤولية كاملة للاتحاد الأوروبي، حتى هرعت الدول الكبرى في هذا الاتحاد، إلى البحث عن سبيل يقيها "شرور" تبعات هزيمة أوكرانيا التي اعتبرتها هزيمة للنظام العالمي الغربي بأسره.

وكان ترمب أعلن قبوله الكثير من الأسباب التي سبق وساقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضمن أسباب عمليته العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، ومن هذه الأسباب ما قاله بوتين حول رفضه التام لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وضرورة إعلان أوكرانيا لوضعيتها الحيادية، وإخلاء أراضيها من الأسلحة الاستراتيجية، وذلك فضلاً عن نزع سلاحها وإخلائها ممن سماهم بالنازيين الجدد.

بوتين يصلي من أجل ترمب

بل وأعلن ترمب عن إمكانية رفع العقوبات التي كان أكثر الزعماء الأميركيين إقراراً لها في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين، وذلك فضلاً عما صار يربط الزعيمين الروسي والأميركي من "صداقة شخصية" أكدها المبعوث الشخصي للرئيس الأميركي ستيفن ويتكوف بقوله إن "بوتين لا يريد السيطرة على كل أوكرانيا وأوروبا، وهو ليس شخصاً سيئاً". وأضاف أن ترمب أعرب منذ فترة طويلة عن إعجابه ببوتين، ووصفه بأنه "عبقري" و"زعيم قوي" وغيرها من مصطلحات "الإشادة"، مما دفع منتقدي ترمب إلى اتهامه بموالاة الكرملين، ووصف ويتكوف تواصل ترمب مع بوتين بالعقلانية وتأكيد الرئيس الأميركي أنه "يعرف" بوتين جيداً".

وأعرب ويتكوف عن ارتياحه لأن العلاقات بين الطرفين لم تتدهور بعد اتهامات ضد موسكو في عام 2016 بالتدخل المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ونقلت صحيفة "بوليتيكو" عن ستيف ويتكوف قوله إن الرئيس بوتين "صلى من أجل صديقه" ترمب بعد نجاته من محاولة اغتياله، وكان ترمب نفسه "متأثراً بشكل واضح" عندما سمع ذلك.

وتعزيزاً للصداقة الشخصية بين الزعيمين، قال ويتكوف إن بوتين أرسل إلى الرئيس الأميركي "صورته الجميلة" من رسم فنان روسي لم يشر إلى اسمه.

ترمب واضطلاع أوروبا بمسؤولية أمنها

وقد أثارت هذه التصريحات حفيظة كبريات الدول الأوروبية، ولا سيما في ما يتعلق منها بضرورة اضطلاع البلدان الأوروبية بمسؤولية أمنها، وزيادة حصتها الدفاعية في حلف شمال الأطلسي من اثنين في المئة إلى خمسة في المئة من الدخل القومي، وذلك في إطار أولوية مصالح الولايات المتحدة التي يضعها الرئيس دونالد ترمب في المقام الأول، وهو ما دفع الكثيرين من قيادات الاتحاد الأوروبي ومنهم رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين، ومفوضة الشؤون الخارجية كايا كالاس إلى الجنوح صوب العمل من أجل التركيز على الدعم العسكري والمالي للنظام القائم في كييف، ولا سيما بعد "المواجهة" التي شهدها البيت الأبيض، وما أسفرت عنه من قرارات تعكس توجهات ترمب صوب وضع ما قاله حول ضرورة اضطلاع أوروبا بأعباء الحفاظ على أمنها، والتخلص من تحمل واشنطن لمجمل مسؤوليات الحفاظ على النظام العالمي، والتركيز على القضايا الداخلية.

 

 

وذلك ما دفع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى الدعوة إلى عقد قمة طارئة عاجلة لحلفاء أوكرانيا على خلفية تفاقم العلاقات بين كييف وواشنطن بعد المشادة الكلامية بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب، والأوكراني المنتهية ولايته فلاديمير زيلينسكي.

وفيما لوح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتهديداته النووية، ووعد بتوفير الغطاء النووي للقارة الأوروبية، خرج عن الصف رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان ليقول إن حلفاء أوكرانيا في قمتهم التي عقدت في لندن في مطلع مارس (آذار) الجاري اتخذوا خياراً خطيراً وخاطئاً لدعم الصراع العسكري بدلاً من إنهائه، وإن القادة الأوروبيين قرروا أنهم بحاجة إلى الحرب، وليس السلام، وأن أوكرانيا يجب أن تواصل الحرب، ليخلص إلى القول إن نتيجة القمة في لندن بشأن أوكرانيا "خطيرة وخاطئة".

أما ستارمر فقد حاول استمالة ترمب بقوله إن بريطانيا العظمى وفرنسا ودول أخرى ستعمل مع أوكرانيا على خطة لوقف الأعمال العدائية، ومناقشة هذه الخطة مع الولايات المتحدة، والمضي معاً نحو تنفيذها بدعم قوي من جانبها.

الأمين العام لحلف "الناتو" مارك روته قال إن "المزيد من الدول الأوروبية ستزيد من الإنفاق الدفاعي"، وأضاف "يجب أن تكون الخطوة الأولى هي إبرام اتفاق سلام قبل مناقشة كيفية ضمانه".

وخلص المجتمعون إلى ما هو أقرب إلى الاتفاق حول قوات حفظ السلام التي سبق وأعلن بوتين عن رفضه لها وقال إنها لن تكون سوى ستار تدفع من ورائه البلدان أعضاء حلف "الناتو" بوحداتها العسكرية إلى مقربة مباشرة من الحدود الروسية، وهو ما يظل يرفضه بشكل نهائي.

اقرأ المزيد

وكان رئيس تشيكيا الجنرال السابق في قوات "الناتو" بيتر بافيل أشار في تصريحاته التي أدلي بها إلى صحيفة "البرافدا الأوروبية" قبيل زيارته الأخيرة إلى كييف، إلى أن جمهورية تشيكيا هي جزء بالفعل من تحالف الراغبين في إرسال قوات حفظ السلام إلى أوكرانيا والمؤيدين لزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا.

وأضاف الرئيس التشيكي "من الضروري أن تُمنح أوكرانيا عضوية حلف ’الناتو‘ بمجرد انتهاء الحرب"، على حد تعبيره. وعلى النقيض من مثل ذلك الموقف عارض فيكتور أوربان إرسال أي قوات إلى أوكرانيا، وأعاد أوربان طرح موقفه الذي سبق وأعلنه في أكثر من مناسبة.

ميرتس ينضم إلى قائمة "الصقور"

وفيما بدا أنه يشبه الإجماع حول ما بادر بإعلانه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول إرسال قوات حفظ السلام إلى أوكرانيا وتعزيز دعمها العسكري والمالي، شهدت الأيام القليلة الماضية سباقاً محموماً بين رؤساء الدول والحكومات الأوروبية للانضمام إلى فريق الصقور الذين لم يغب عنه سوى فيكتور أوربان ورفيقه رئيس حكومة سلوفاكيا روبرت فيتسو. وها هو فريدريش ميرتس صاحب الفرصة الأوفر حظاً للفوز بمنصب المستشار الألماني الجديد يعلن انضمامه إلى هذا الفريق، ويدعو إلى العودة إلى خمسينيات القرن الماضي، ويطرح فكرة إنشاء تحالف دفاعي أوروبي جديد بدلاً من حلف شمال الأطلسي.

وكان ميرتس أعلن أيضاً عن الحاجة إلى مزيد من الدعم العسكري والمالي لكييف و"انتقد" ترمب على "الموقف الذي وصفه بـ"السطحي" تجاه أوروبا والالتزامات عبر المحيط الأطلسي" على حد قوله.

وذلك يعيد إلى الأذهان ما سبق وأعلنه ميرتس حول استعداده لتزويد أوكرانيا بصواريخ كروز بعيدة المدى من طراز تاوروس، التي امتنع عنها سلفه أولاف شولتز، خشية سقوط ألمانيا في شرك مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، ومع ذلك، فقد أبدى سابقاً تحفظات مختلفة بشأن شروط تسليم القذائف، بما في ذلك، على سبيل المثال، تنسيقها في إطار الشراكة عبر المحيط الأطلسي.

ومن اللافت في هذا الصدد ما أشارت إليه "الصحيفة المستقلة" الروسية حول ما قاله ميرتس بشأن "أن الأطروحة القائلة بأن الحلفاء يجب أن يكونوا مستعدين لتشكيل نظامهم الدفاعي الخاص لأوروبا من دون حلف شمال الأطلسي، أو جنباً إلى جنب مع التحالف، تعيد في واقع الأمر أوروبا إلى خمسينيات القرن الماضي، عندما ظهرت خطة مجتمع الدفاع الأوروبي، التي طور وزير الدفاع الفرنسي آنذاك رينيه بليفن نسختها الأصلية".

وقالت الصحيفة الروسية إنه وعلى رغم أن ظروف ظهور هذه الخطة كانت مختلفة اختلافاً كبيراً عن الوضع الحالي في القارة، إلا أنها لم تترك أبداً جدول أعمال السياسيين الأوروبيين المعنيين بإضعاف مصلحة الولايات المتحدة في أوروبا، وبالتالي دور الولايات المتحدة كضامن للأمن الأوروبي.

روسيا تعارض

وكانت موسكو أعلنت عن إدانتها للمساعدات المقدمة إلى كييف، وقالت إنها لن تغير من نتيجة الصراع، ولكنها ستطيله فقط. وكان الرئيس بوتين أعاد في أكثر من مناسبة ما سبق وأوجزه في اجتماعه مع قيادات وزارة الخارجية الروسية في يونيو (حزيران) من العام الماضي حول رؤيته لتسوية الأزمة الأوكرانية، وما تتضمنه من شروط سبق وأودعها ضمن مذكرتيه اللتين بعث بهما إلى كل من الإدارة الأميركية السابقة وحلف شمال الأطلسي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، أي قبيل بدء عمليته العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا" في فبراير (شباط) 2022.

 

 

واتهمت وزارة الخارجية الروسية الاتحاد الأوروبي بتصعيد الصراع في أوكرانيا، وقالت في بيانها الصادر بهذا الشأن إن المناقشات التي أجريت خلال تلك القمة "وبدلاً من تقديم مساهمة إيجابية في البحث عن طرق سلمية لحل النزاع، أعلن الاتحاد الأوروبي خططاً لزيادة سريعة في المساعدات العسكرية والمالية لكييف، وبالتالي تأجيج التصعيد عمداً وإزالة احتمال الحوار".

وأضافت الخارجية الروسية أن المسار المعلن للعسكرة القسرية لأوروبا محير أيضاً، كل هذا يأتي متستراً بكلمات حول "التهديد الروسي"، ولكن وفقاً لوزارة الخارجية الروسية "في الواقع لا يوجد رد فعل على الضرر المباشر الذي لحق بأمن الطاقة لعدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من قبل نظام كييف".

وأشار البيان الروسي أيضاً إلى أن "بروكسل تواصل لعب ألعاب جيوسياسية خطيرة، متجاهلة العواقب الحقيقية لقراراتها"، كما أكدت الوزارة الروسية أن مسار المناقشات ونتائج قمة الاتحاد الأوروبي الاستثنائية، المكرسة لبناء القدرات الدفاعية للاتحاد الأوروبي وخطه الإضافي تجاه أوكرانيا، تؤكد فقط التقييمات التي قدمها الجانب الروسي مراراً وتكراراً للانحطاط السريع لمشروع التجارة والتكامل الاقتصادي الذي كان ناجحاً ذات مرة إلى "جمعية عسكرية"، مهووسة بفكرة إلحاق "هزيمة استراتيجية" بروسيا.

وخلصت الخارجية الروسية في بيانها إلى أن "عدم وجود رد فعل حاسم على الضرر المباشر لنظام كييف لأمن الطاقة لعدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هو دليل على أن حماية الأعضاء الأفراد في الجمعية ومصالحهم ليست ضمن أولويات أنشطة المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية".

ومن جانبه، أعلن المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن القيادة السياسية الروسية تراقب عن كثب ما وصفه بعسكرة الاتحاد الأوروبي، وقال إن هذه العملية موجهة في المقام الأول ضد روسيا، على حد تعبيره.

وكانت قمة رؤساء بلدان الاتحاد الأوروبي توصلت إلى الموافقة على خطة لتعزيز القدرة الدفاعية لأوروبا، والتي ستتطلب استثمارات بقيمة 800 مليار يورو (865.78 مليار دولار)، كجزء من هذه الخطة، سيتعين على المفوضية الأوروبية إيجاد مصادر إضافية لتمويل المشاريع الدفاعية على مستوى الاتحاد بأكمله، وهذه هي أول وثيقة عسكرية معتمدة في أوروبا، والتي لا تذكر الولايات المتحدة.

المزيد من تقارير