ملخص
تعكس هذه النزاعات تصورات مجتمعية ترتكز على مفاهيم مثل الشرف والعار والخطيئة، وهي مفاهيم وإن كانت ذات طابع قيمي إلا أنها تستخدم كأدوات لإضفاء الشرعية على خطاب معين، وهنا تحضر المرأة التي يتم توظيفها كرمز جماعي لتمثيل الجماعة أو الأمة.
لم يعد الخلاف بين الجزائر والمغرب مقتصراً على الجانب السياسي فقط، بل توسع ليشمل أبعاداً اجتماعية وثقافية وتاريخية تتجلى في استخدام النساء كأداة للوصم، بعدما أصبحت منصات مواقع التواصل الاجتماعي بيئة حاضنة لخطاب الكراهية والتحريض ضد المغربيات أو الجزائريات.
على صفحات جزائرية ومغربية تنشر صور لنساء مغربيات أو جزائريات كن يعملن في الدعارة مجبرات في فترة الاستعمار الفرنسي، ويستخدم النشطاء تلك الصور لوصم بعضهم البعض، أو إعادة نشر مقالات تاريخية عن دور الدعارة في فترة الاستعمار للتقليل من قيمة نساء البلدين.
الشرف والعار والخطيئة
ولفهم توظيف التاريخ في هذه الصراعات يقول الباحث في التاريخ والتراث يوسف المساتي، "تعكس هذه النزاعات تصورات مجتمعية ترتكز على مفاهيم مثل الشرف والعار والخطيئة، وهي مفاهيم وإن كانت ذات طابع قيمي إلا أنها تستخدم كأدوات لإضفاء الشرعية على خطاب معين، وهنا تحضر المرأة التي يتم توظيفها كرمز جماعي لتمثيل الجماعة أو الأمة، ويصبح "الطعن" القيمي أو الأخلاقي فيها وفي تاريخها وسيلة لانتزاع مشروعية الآخر أو العكس، بمعنى آخر نحن أمام عنف رمزي يوظف مفاهيم الشرف والعار والأخلاق ويحولها إلى أدوات لتقويض مكانة الخصم".
شرف النساء
يقول المساتي، "أعتقد أن هذا التركيز يرتبط بفكرة (الأم) وهي فكرة ذات جذور عميقة ترجع إلى مجتمعات الطوارق (الأميسية)، حيث كانت الأم محوراً مركزياً في كل مظاهر الحياة، وكان تقديسها عنصراً مهماً في هذه الثقافات في شمال أفريقيا، مما يجعل أي طعن في شرف المرأة بمثابة طعن في جوهر الجماعة، وهنا يظهر أننا أمام تناقض عميق، فبينما يتم استخدام المرأة وتاريخها من منظور ذكوري للسيطرة الاجتماعية، ومن ناحية أخرى هي أداة لممارسة العنف الرمزي على الآخر".
ويعتبر أنه، "خلال الفترة الأميسية كانت المجتمعات في شمال أفريقيا تحتفي بالأم وتضعها في قلب البناء الاجتماعي، ويمكن الإشارة إلى كيفية تطور ذلك حيث أصبحت المرأة في قلب الصراعات الحديثة".
توظيف التاريخ لأجل الوصم
يشار إلى أن فرنسا خلال فترة الاستعمار شيدت في المغرب والجزائر وتونس بيوت الدعارة، كانت فيها النساء محتجزات في أحياء تشبه السجون تحرسها الشرطة الفرنسية، ولم يكن يسمح لهن بالخروج منها إلا مرة في الأسبوع، وكانت مهمتهن تكمن في إرضاء رغبات الفرنسيين الجنسية.
وتزامناً مع وصول القوات الاستعمارية الفرنسية في المغرب والجزائر وتونس، أشرفت فرنسا على بناء أحياء الدعارة في الجزائر العاصمة وفي الدار البيضاء وبعض المدن التونسية. ويتم توظيف صور هؤلاء النساء في الصراع الافتراضي الحالي بين مغاربة وجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يضيف الباحث في التاريخ، "إن توظيف التاريخ وخصوصاً المرتبط بالمرأة، في النزاعات ذات الطبيعة السياسية أو الجغرافية أو الثقافية هو عملية معقدة ترتبط بعدة مستويات، من بينها أن التاريخ لا يزال يشكل مصدراً أساساً لإضفاء المشروعية السياسية والثقافية والاجتماعية والجغرافية، حيث يستند كل طرف إلى التاريخ لتأكيد أحقيته ومشروعيته، وفي المقابل الطعن في مشروعية الآخر".
ويوضح المساتي أن ذلك يفسر التعامل بشكل انتقائي مع التاريخ، "حيث يتم تضخيم بعض الأحداث وتقديسها، بينما تشوه أو تطمس أجزاء أخرى، وهذا الانتقاء يؤدي إلى بناء هويات "متعالية ومغلقة" محكومة بأطر تاريخية "متخيلة".
النظرة الدونية للمرأة
ويشدد على أن أهمية التاريخ تكمن في استحضاره وليس بناء سرديات أو نفيها، "لكنه ضروري لفهم الحاضر واستشراف المستقبل، وعندما يغيب سؤال الفهم يتحول التاريخ إلى سلطة، وفقاً للفيلسوف والمؤرخ الفرنسي ميشيل فوكو، حيث تصبح الغاية من التاريخ إضفاء المشروعية على سردية في مقابل قمع السرديات المضادة وتحويلها إلى أداة".
وفي السياق ذاته، يشير الباحث في الأنظمة المعرفية للخطاب محسن الودواري، إلى "أن خطاب الكراهية المتبادل بين المغاربة والجزائريين يعكس في عمقه أزمة انحدرت من مستوى سياسي كان من الممكن حلها إلى سياق التدافع بين الطرفين إلى مستوى اجتماعي مشحون بالكثير من الانفعالات العاطفية والنفسية".
يضيف الباحث المتخصص في الأنظمة المعرفية للخطاب، "هذه الأزمة تكشف لنا قاسماً مشتركاً بين الطرفين، وهو نظرتهما الدونية للمرأة واختزالها في أنماط وتصنيفات سائدة لدى المجتمعين، على رغم أنهما يرغبان في إظهار نوع من الدفاع عن الذات الجمعية".
ويوضح الودواري، "أعتقد أن إشكالية الكراهية بين بعض المغاربة والجزائريين دخلت إلى منطقة محظورة اجتماعياً لدى الطرفين، ما يعكس في عمقه أزمة في القيم المجتمعية التي لا تظهر أي احترام للمرأة ككيان مستقل بذاته، ومن طبيعة الحال هذه ستكون له تداعيات مستقبلاً، إن لم يتم وضع حد لذلك بإرادة سياسية".
"لا يمكن التنبؤ بالعواقب"
يوضح الودواري، "هذا الصراع يكشف لنا تداعيات الأزمة السياسية على المستوى الاجتماعي، وكيف أسهمت في تأجيج خطاب الكراهية ضد النساء، ولا يمكن التنبؤ بعواقبها ودرجة تطورها في حال استمرت على هذا المنحى، خصوصاً أننا في عصر رقمي ليس من السهل أن يتم نسيان كل المحتويات الموثقة لخطاب الكراهية، وأيضاً لا بد أن نشير إلى أن منصات التواصل الاجتماعي هي أيضاً تستثمر آلياً في هذه الصراعات التي تبخس من قيمة الإنسان".
وبحسب المؤرخة الفرنسية كريستيل تارو، في كتابها "التهميش والدعارة والاستعمار في المغرب الكبير"، فإنه تم تشييد أول أحياء الدعارة في عام 1831 بالجزائر العاصمة ثم تونس في 1889 لتليها المغرب عام 1914.
وفق دراسة استقصائية أجراها المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للدول العربية في 2020، فإن 49 في المئة من النساء المشاركات عبرن عن عدم شعورهن بالأمان على الإنترنت، وتشير الدراسة إلى "أن خطاب الكراهية ضد النساء هو أحد أكثر أشكال المحتوى الضار انتشاراً على الإنترنت، وله تداعيات خطيرة تؤثر في سلامة المجتمع وأفراده".
يشار إلى أن خطاب الكراهية يتضمن أي محتوى، سواء كان نصياً أو بصرياً، يستهدف فئة معينة بالهجوم أو التحريض بشكل متعصب ومتحيز.