Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إجهاض وتشوهات للأجنة... كابوس نساء غزة المتفاقم

أطباء وخبراء أمميون يرون في القنابل الإسرائيلية سبباً لتعريض 60 ألف جنين للموت في بطون أمهاتهم

نساء غزة يواجهن ظروفا قاسية تؤثر في أجنتهن (رويترز)

ملخص

أظهرت فحوصات فلسطينية أجريت على عدد كبير من جرحى الحرب، أن إسرائيل استخدمت مواد سامة في أسلحتها، تؤدي إلى تهتك خلايا الجسم وبتر أجزاء منها، إلى جانب قنابل فسفورية أدت ملامستها أو استنشاقها إلى احتراق الجسم بصورة خطرة للغاية.

داخل خيمة متهالكة في رفح باغتت آلام المخاض نورا عياش (27 سنة) خلال شهرها السابع لتعتريها حال من الخوف والهلع، ليس من عملية الولادة المبكرة بحد ذاتها بقدر ما كانت على ما تحمل في رحمها، إذ كانت على يقين بأن الدخان الذي استنشقته طوال فترة الحرب على غزة منذ أكثر من عام سيؤثر في جنينها لا محالة، خصوصاً أن المنطقة التي نزحت منها شمال القطاع تعرضت لذخائر تحمل مادة الفسفور الأبيض، وبدلاً من شعور الفرح والارتياح لرؤية مولود جديد، خرجت عياش من المستشفى تحمل جثة طفلها الأول الذي لم تكتب له النجاة بسبب تشوهات في القلب.

لا تزال الآثار الصحية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 تظهر شيئاً فشيئاً، وأظهرت فحوصات وتحليلات مخبرية فلسطينية أجريت على عدد كبير من جرحى الحرب أن إسرائيل استخدمت مواد سامة في أسلحتها، تؤدي إلى تهتك خلايا الجسم وبتر أجزاء منها، إلى جانب قنابل فسفورية أدت ملامستها أو استنشاقها إلى احتراق الجسم بصورة خطرة للغاية. وتعد قنابل الفسفور الأبيض من الأسلحة الحارقة المحرمة دولياً بحسب اتفاق جنيف لعام 1980 لاحتوائها على مادة كيماوية تتفاعل مع الأوكسجين وتنتج دخاناً ساماً يترك آثاراً خطرة على الجهاز التنفسي والجسد بصورة عامة.

ووفقاً لمكتب الإعلام الحكومي في غزة، استخدمت إسرائيل تسع قنابل وصواريخ محرمة دولياً في الأقل ضد المدنيين والأطفال والنساء، تنوعت بين القنابل الخارقة للحصون من أنواع ((BLU-113 و(BLU-109) و(SDBS) والأميركية من نوع (GBU-28) والموجهة بنظام) جي بي أس) بهدف تدمير البنية التحتية، والفوسفور الأبيض و"الدايم" وقنابل "جدام" الذكية وصواريخ من نوع "هالبر". وأكد المكتب أن "تلك القنابل فضلاً عن قدرتها على القتل في غضون ثوان تسببت في أضرار دائمة للمصابين كالتشوهات والإعاقات، إلى جانب الأخطار البيئية المترتبة عليها جراء إطلاق إشعاعات سامة".

وحذرت الأمم المتحدة من أن الأعمال المتعلقة بالألغام والتعرض للذخائر الإسرائيلية غير المنفجرة في غزة ومخلفات الحرب الأخرى التي تشمل المواد المشعة والفوسفور الأبيض والهالوجينات والمعادن الثقيلة، تسبب ضرراً كبيراً على صحة سكان القطاع خلال المديين القريب والبعيد. وبحسب دراسة لمركز أبحاث Social Science Research Network فإن الحجم الهائل من الانبعاثات خلال الشهرين الأولين فقط من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يفوق البصمة الكربونية السنوية لأكثر من 20 دولة، من أكثر دول العالم في الانبعاثات.

تشوهات

أطباء ومتخصصون في مجال صحة المرأة حذروا من أن خطورة الحرب الإسرائيلية والقنابل والمتفجرات التي تسقط على الأحياء والمنازل السكنية داخل قطاع غزة، تنذر بزيادة معدلات الإجهاض والتشوهات الخلقية، ووفقاً للتقديرات فإن نحو 60 ألف جنين داخل غزة معرضون للموت في بطون أمهاتهم نتيجة الغازات المنبعثة من الأسلحة الإسرائيلية. وخلال الوقت الحالي الذي يرى فيه أطباء فلسطينيون وغيرهم أن الفسفور الأبيض وغيره من المواد المتفجرة التي تستخدم في الصواريخ والقذائف والغازات المنبعثة منها مجهولة التأثير، يؤكد آخرون أن استعمال الجيش الإسرائيلي لليورانيوم المنضب وغيره من المواد تؤدي إلى تشوهات للأجنة، خصوصاً مع انعدام الأمن الصحي والغذائي وسوء التغذية والتلوث الذي تتعرض له الأمهات الحوامل.

وتنحسر حالات التشوه في وجود التشوه الدماغي المعروف بـ(الاستسقاء) وهو تشوه أجنة من النادر حدوثه على مستوى العالم، إضافة إلى فتاق العصعص وتشوهات الرأس وحدوة الحصان (تشوه الأطراف) ونقص الأطراف، إلى جانب تشوهات القلب والعمود الفقري والدماغ وهي تمثل نحو 20 في المئة من التشوهات.

 

 

وبحسب دراسة بحثية سابقة لأستاذ علم وظائف الأعضاء بالجامعة الإسلامية ماجد ياسين فإن تعرض خلايا الجنين لإشعاعات وهي في حال انقسام مستمر وسريع جداً وبخاصة خلال الأشهر الثلاثة الأولى، يؤدي لتكسر الحامض النووي لها ويتسبب في إحداث تشوهات في أعضاء الطفل، التي لن تتمكن بفعل الإشعاعات من استكمال انقسامها الطبيعي، فينقص العضو الذي تشكله أو يزيد حجمه أو لا يستطيع أداء وظيفته.

ويوضح ياسين أن الإشعاع يحول المياه الموجودة في الخلايا إلى جزيئات من الأوكسجين النشط الذي يؤكسد الخلايا ويدمرها، بالتالي يحدُث تشوه في الأعضاء، موضحاً أن الإشعاعات الصادرة عن اليورانيوم المستنفد مهما كانت قليلة لها تأثيرات خطرة على الأجنة والإنسان في جميع مراحل عمره. ونبه إلى أن الإنسان إذا استنشق ذرات اليورانيوم يمكن أن تسبب تشوهات لأطفاله في المستقبل، لافتاً إلى أن نسبة التشوهات في الأجنة ارتفعت من خمسة إلى 15 في المئة، وفق نتائج أولية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكدت لجنة الطوارئ الصحية في القطاع أن وزارة الصحة بغزة لا تستطيع أن تقدم أرقاماً دقيقة عن عدد حالات التشوهات الخلقية بين المواليد الجدد في غزة، لأن المنظومة الصحية منهارة بفعل الحرب وجعلت من عملية التواصل والرصد بين مستشفيات الشمال والجنوب في ظل قطع الاتصالات والإنترنت فائقة الصعوبة ومعقدة.

حروب متلاحقة

وبحسب ما جاء في بيانات صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية فإن نسبة تشوه الأجنة قبل عام 2006 كانت ثابتة ومتماشية مع الأرقام العالمية بوصولها إلى 40 حالة لكل ألف مولود، لكنها ارتفعت بعد عام 2010 بنحو 50 في المئة، فأصبحت نحو 63 حالة تشوه لكل 1000 مولود، ثم حدثت زيادة أخرى بعد حرب 2012 وزيادة أكبر بعد عام 2014 بنحو الضعفين، وتخطت حاجز 100 حالة لكل ألف حالة ولادة وهي في ارتفاع مستمر، مما يرجح فرضية الفلسطينيين أن الحروب الإسرائيلية المتلاحقة على القطاع المحاصر هي السبب المباشر في تلك التشوهات.

ووفقاً لما رصدته جهات محلية متخصصة في القطاع فإن 70 في المئة من حالات تشوه الأجنة تأتي من المناطق التي تعرضت خلال الحرب لغازات سامة ومواد كيماوية، منها مادة "الدايم" و"التنغستن" والفسفور الأبيض التي تصنف من أخطر المواد الثقيلة المستخدمة في إنتاج الأسلحة المتفجرة، لكونها تهاجم البصمة الوراثية التي تعمل على حدوث تفاعلات ضارة داخل جسم الإنسان، والتي قد تكون سبباً في تزايد نسبة التشوهات لدى الأطفال حديثي الولاد في قطاع غزة. كما أن محدودية الموارد الطبية وإجراء عديد من العمليات القيصرية والولادات من دون إمدادات وأدوات أساس نظيفة أو تخدير ومن دون أية رعاية ما بعد الولادة، يعرض كثيراً من النساء بصورة كبيرة لخطر النزف والالتهابات في الجروح القيصرية التي قد تودي بحياتهن، وهذه الظروف الخطرة ذاتها على الأطفال حديثي الولادة، الذين قد يموتون بسبب نقص البيئة المعقمة.

إجهاض متكرر

مخاوف الغزيِّات الحوامل والأمهات من التشوهات الخلقية لدى الأجنة لم تكن بعيدة من ارتياب وزارة الصحة الفلسطينية في القطاع من خطر ارتفاع معدلات الإجهاض إلى ثلاثة أضعاف، عما كانت عليه في السابق، وأن 40 في المئة من اللاتي خسرن حملهن كن في الأشهر الأولى من الحمل.

وبحسب تصريحات عضوة هيئة العمل الوطني والأهلي الفلسطيني رتيبة النتشة ارتفع الإجهاض لدى النساء الحوامل داخل غزة إلى 10 حالات يومياً، جراء تعرضهن للإجهاد الشديد مع استمرار حال النزوح من مكان إلى آخر، إضافة إلى نقص المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والأدوية وافتقارهن وسائل النظافة الشخصية ونقص المياه، مما عرض كثيرات منهن بعد الولادة لمضاعفات خطرة. وقالت كبيرة منسقي الشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة سيغريت كاغ إن الأطباء في غزة يلاحظون ارتفاعاً في معدلات الإجهاض من دون معرفة الأسباب وراء ذلك، مشيرة إلى أن سكان القطاع يعيشون في "بؤس رهيب".

 

 

وبدوره، قال رئيس قسم أمراض النساء والتوليد في مستشفى العودة رائد السعودي إن سوء التغذية وفقر الدم والهزال العام يعد أحد الأسباب الرئيسة التي قد تؤدي لحدوث الإجهاض. وذكرت منظمة الصحة العالمية أن 95 في المئة من النساء الحوامل والمرضعات في غزة يواجهن فقراً غذائياً حاداً بسبب نقص الغذاء الكافي، في حين أكدت هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن ما لا يقل عن 557 ألف امرأة داخل غزة يواجهن انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، وأن 76 في المئة من النساء الحوامل كن مصابات بفقر الدم، و99 في المئة يواجهن تحديات في الوصول إلى الإمدادات التغذوية والتكميلية بما يهدد صحة الأمهات والمواليد. ومن بين الأسر التي تشمل أمهات مرضعات قالت 99 في المئة منهن إنهن يواجهن تحديات في تأمين ما يكفي من لبن الأم.

أمراض سرطانية

ومنذ بداية حربها خلال السابع من أكتوبر 2023 ألقت إسرائيل على غزة أكثر من 80 ألف طن من المتفجرات، قلبت منظومة الصحة العامة لسكان القطاع. وبحسب التقييم الأولي للآثار البيئية الناجمة عن القصف على غزة والذي أجرته الأمم المتحدة للبيئة خلال يونيو (حزيران) الماضي، ووصفتها بــ" غير المسبوقة"، تعرض الغزيون لمعاناة فاقمت مشكلة تلوث التربة والمياه والهواء بصورة سريعة وبنظمها الإيكولوجية الطبيعية والتي لا يمكن إصلاحها. وأفاد التقرير الأممي بأن الذخائر المستخدمة تحوي معادن ثقيلة ومواد كيماوية متفجرة في المناطق المكتظة بالسكان، وأدت إلى تلويث التربة ومصادر المياه وتشكل خطراً على صحة الإنسان سيستمر فترات طويلة.

وبين مرصد الصراع والبيئة في دراسة أن المباني التي تعرضت بصورة مباشرة للذخائر أو تضررت من خلال موجات الضغط الناتجة من الانفجارات، تولد كميات كبيرة من الغبار غير المتجانس من المواد، مثل الأسمنت والمعادن ومركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور والسليكا والأسبستوس والألياف الاصطناعية الأخرى، والتي تتسبب في أمراض الجهاز التنفسي وأمراض أخرى وكذلك السرطان. وبحسب الرابطة الطبية الأوروبية الشرق أوسطية الدولية فإن تلوث الهواء بسبب الجسيمات العالقة من المتفجرات يزيد من احتمالية حدوث سرطان الرئة خصوصاً عند الأطفال غير مكتملي الرئة، إذ يؤدي التعرض للمواد الحارقة أثناء القصف إلى تدمير الأغشية المخاطية داخل الجهاز التنفسي.

 

 

وأكد أطباء في الرابطة أن الفوسفور الأبيض وما يتسبب به من حرق في القصبات الهوائية يؤدي إلى أورام في البلعوم والقصبات. وأشار أستاذ علم وظائف الأعضاء بالجامعة الإسلامية ماجد ياسين إلى أن مرض سرطان الدم (اللوكيميا) عند الأطفال الذي ينتج من زيادة عدد خلايا الدم البيضاء بصورة كبيرة، وهو ما تضاعف خلال الآونة الأخيرة نتيجة زيادة الإشعاعات التي يتعرض لها الأطفال داخل قطاع غزة.

وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، ارتفع معدل الإصابة بالسرطان في قطاع غزة خلال الأعوام الستة الماضية من 89 حالة لكل 100 ألف نسمة، إلى 91.3 حالة خلال عام 2021. وأشارت إلى أن سرطان الدم (اللوكيميا) هو أكثر أنواع السرطان شيوعاً لدى الأطفال في غزة ويشكل نصف حالات أورام الأطفال. في حين أكدت منظمة الصحة العالمية أن 122 طفلاً في القطاع شخصت إصابتهم بالسرطان عام 2022 معظمهم بسرطان الدم، موضحة أنهم لا يتلقون إلا جزءاً من رعاية مرضى السرطان اللازمة لهم داخل غزة بسبب الافتقار إلى بعض الخدمات الخاصة بمرضى السرطان.

وكان تقرير سابق أصدرته لجنة New weapons أشار إلى احتواء تربة غزة على (35) معدناً ساماً ومسرطناً، ووجود تركيزات غير عادية للعناصر النادرة في التربة، ومن أهمها التنجستن والكوبالت، وأن وجود هذه العناصر تظهر آثاره السلبية على الإنسان والنبات في صورة خلل جيني وتشوهات خلقية وأمراض سرطانية.

المزيد من تقارير