Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريق موسم التنزيلات في تونس يخفت بتشريعات بالية وقدرة شرائية ضعيفة

إجماع من التجار على أن التظاهرة صارت تقليداً غير مربح وسط تراجع في المبيعات يتجاوز 35 في المئة

تقر وزارة التجارة بأن التظاهرة التي بدأت قبل 5 أعوام آخذة في الضعف (أ ف ب)

ملخص

استعد تجار تونس لتحقيق صفقات بيعية قوية بنسبة 40 في المئة، وفق دراسة سابقة للمعهد الوطني للاستهلاك.

انتهى موسم التنزيلات في تونس منذ بضعة أيام مُخلفاً خيبة آمل واسعة لدى عموم التجار ممن كانوا يأملون في حسن توظيف هذه التظاهرة لتجاوز الركود التجاري الذين يعانونه، في ظل عزوف لافت من المواطنين عن اقتناء الملابس والأحذية.

واستعد تجار تونس لهذا الحدث التجاري لتحقيق صفقات بيعية قوية بنسبة نمو 40 في المئة، وفق دراسة سابقة للمعهد الوطني للاستهلاك، لكن منذ أكثر من خمسة أعوام بدأ موسم التنزيلات أو موسم "الصولد" مثلما يطلق عليه في تونس، في فقدان بريقه وتوهجه، وصار مجرد تظاهرة بسيطة لم تعد تجلب اهتمام المستهلكين في ظل لا مبالاة وزارة التجارة بالاهتمام به.

ودفع هذا الوضع عموم المهنيين والتجار إلى الإسراع بعملية "ليفتينغ" أو تجميل جذرية لموسم الخفوض أو التنزيلات عبر إقرار تغيير واسع للقانون المنظم لهذه التظاهرة التجارية الآخذة في الاضمحلال داخل تونس.

وتنظم وزارة التجارة التونسية بالاتفاق مع المهنة دورتين لموسم التنزيلات، إحداهما صيفية عادة ما تنطلق في أغسطس (آب) من كل عام والثانية شتوية تنطلق في فبراير (شباط).

غلاء المعيشة

ويشكو التونسيون خلال الأعوام الأخيرة من الآثار السلبية لارتفاع نسب التضخم، ولا سيما غلاء أسعار المواد الغذائية وأثمان مستلزمات العودة المدرسية والجامعية ومصاريف النقل فضلاً عن تعاقب المواسم الاستهلاكية الكبرى مثل شهر رمضان وعيد الأضحى، مما جعل التونسيون يفكرون في الاستجابة إلى الضرورات الاستهلاكية الأساسية وعدم التفكير في التوجه إلى المحال التجارية لاقتناء ملابس أو أحذية في فترة التنزيلات.

ويكاد اهتمام المواطنين حالياً يقتصر على التجوال وسط العاصمة، مركز الثقل التجاري في البلاد، ومشاهدة أسعار المنتجات المعروضة مندهشين من ارتفاع أثمانها على رغم الخفوض.

في غضون ذلك تبرز بيانات معهد الإحصاء الحكومي حول مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي لشهر سبتمبر (أيلول) الماضي زيادة نسق تطور أسعار المواد الغذائية بحساب الانزلاق السنوي (9.2 في المئة خلال سبتمبر في مقابل 8.5 في المئة في أغسطس).

وأشار معهد الإحصاء إلى أنه باحتساب الانزلاق السنوي ارتفعت أسعار المواد الغذائية 9.2 في المئة، مشيراً إلى أن ذلك يعود بالأساس لارتفاع أسعار لحم الضأن 22.8 في المئة وأسعار الزيوت الغذائية 15.1 في المئة، وأسعار الأسماك الطازجة 13.2 في المئة، والخضراوات الطازجة 13 في المئة، ولحم البقر 12.4 في المئة والدواجن 12.2 في المئة.

في الأثناء، هرب التونسيون إلى محال وأسواق الملابس المستعملة التي صارت تعرض منتجات عالمية وذات جودة عالية بأسعار لا تقبل المنافسة من تلك المحال التجارية وسط العاصمة تونس. ويبرر عدد منهم ذلك بأن أسواق الملابس المستعملة أضحت ملاذهم في ظل غلاء المعيشة وارتفاع كلفة الملابس المعروضة التي تكون جودتها في غالب الأوقات متدنية للغاية.

نتائج كارثية

تعليقاً على التراجع اللافت في موسم التنزيلات، قال رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس الجاهزة التابعة لمنظمة "الأعراف التونسية" محسن بن ساسي إن نتائج موسم الخفوض الصيفي الأخير كان كارثياً ككل عام لأسباب جرى التنبيه عليها، مثل انتشار الفوضى التي يصفها أصحاب المحال التجارية للأحذية بـ "الإرهاب الاقتصادي"، في سوق استحوذ عليها المهربون وبضاعة معروضة بطرق ملتوية. وأضاف أنه عكس ما يعرضه المهربون فإن البضاعة المعروضة للبيع في المحال التجارية المرخص لها تتضمن زهاء 60 في المئة من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، في ظل غياب وزارة التجارة وعدم التزامها بواجبها في وقف هذا النزف أو تحمل مسؤوليتها، بحسب قوله.

 

وانتقد عدم تجاوب وزارة التجارة مع مقترحات المهنة بقرار إجراءات جذرية على رغم كثرة اللقاءات، مؤكداً أن فترة التنزيلات صارت غير مربحة ويجب إلغاؤها تماماً.

خسائر ملموسة

وأجمع عدد من التجار المستجوبين من "اندبندنت عربية" على أن موسم التنزيلات عرف هذا العام تعثراً واضحاً، كاشفين عن التراجع في رقم التعاملات خلال هذه التظاهرة التجارية في صيف 2024 بنحو 35 في المئة مقارنة بالعام الماضي. وأكدوا أن مبيعات قطاع الملابس الجاهزة منذ وباء كورونا بدأت في التراجع بصورة ملاحظة من عام إلى آخر، لاعتبارات أبرزها غلاء أسعار الملابس الجاهزة مقارنة بالمقدرة الشرائية للمواطن التونسي وبسبب ارتفاع كلفة اليد العاملة والزيادة في كلفة الإنتاج.

قانون بالٍ

ويعود القانون المنظم لموسم الخفوض في تونس لـ 26 عاماً من خلال القانون عدد 40 لسنة 1998 المنظم لطرق البيع والإشهار التجاري، إذ لم يشهد إدراج تنقيحات تساير الأنماط التجارية والاستهلاكية في البلاد وتأخذ في الاعتبار تطور القدرة الشرائية وارتفاع كلفة الإنتاج وبروز طرق جديدة للبيع منها، بخاصة ما تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي من سهولة في البيع. وفي هذا الخصوص دعا التجار إلى إعطاء "جرعة أوكسجين" للقطاع عبر تنفيذ عدد من الإجراءات ومن أهمها تنقيح القانون المنظم للخفوض وإدخال تنقيحات طال انتظارها من طرف المهنيين وأهل القطاع، على رغم عدد من الوعود التي تلقوها بخصوص التعديل.

وبما أنه قانون قديم وقع تشريعه منذ 26 عاماً، ولاسيما النقطة التي تنص على إدراج المنتجات المتعلقة بـ "الصولد" التي لا تقل مدة وضعها في المحل على ثلاثة أشهر، إذ إن المجموعة الجديدة يُمنع بيعها في التنزيلات، فإنهم يقترحون التقليص في زمن إدراج المنتجات من ثلاثة أشهر إلى شهر. وطالب التجار بالاقتصار على أن تكون فترة الخفوض شهراً واحداً فقط، مشيرين إلى أن فترة أربعة أسابيع كافية.

تنقيح جذري لم ير النور

وأكد المدير العام للمنافسة والأبحاث الاقتصادية بوزارة التجارة التونسية الصادرات حسام التويتي أن النصوص القانونية المنظمة لموسم التنزيلات ستشهد عملية تنقيح جذرية تقطع مع نصوص لم تعد تواكب الأنماط الاستهلاكية والتسويقية الجديدة من جهة، ولإعطاء دفع جديد لتظاهرة تجارية أصبحت مهددة بالاندثار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولاحظ أن هذه التظاهرة التي بدأت قبل خمسة أعوام بدأت تفقد بريقها وأصبحت تقليدية، مبرراً ذلك بعوامل عدة من أهمها الجانب التشريعي الذي لم يتطور وظل جامداً، والحال أن كلاً من الجانب الاقتصادي والعادات الاستهلاكية في تونس تغيرا بصورة متسارعة من عام لآخر، بخاصة مع تنامي بروز التكنولوجيات الحديثة للاتصال التي خلقت أنماطاً جديدة من التجارة. وأبرز من ناحية أخرى أن الأنماط التسويقية الجديدة أصبحت تستقطب المستهلك أكثر على مدى العام على غرار البيوع التنموية والتظاهرات التجارية الخصوصية، مثل اليوم التنموي والـ "بلاك فرايدي" والتجارة الإلكترونية والبيع على الخط، تطورت بشكل لافت. وأوضح المسؤول أن رؤية الوزارة تتمحور حول ثلاثة محاور كبرى، الأول التعريف القانوني للخفوض والذي يعوق في حد ذاته هذه التظاهرة، مبيناً أن الرؤية تنحو إلى توسيع مفهومه من خلال عدم الاقتصار فقط على تشكيلات المنتوجات الزائلة أو الموضة.

ويتمثل المحور الثاني في العمل على تطوير التصاريح في اتجاه الاعتماد على الرقمنة في عمليات التسجيل في المشاركات، أما الثالث فهو تقنين العمليات التسويقية الأخرى والبيع عبر الإنترنت و الـ "بلاك فرايدي" والأيام التنموية، إذ إنها لن تكون مفتوحة في كل الفترات، ملاحظاً أنها تضر بعدد كبير من التجار.

ومع ذلك يبدو مشروع التنقيح إلى الآن على أرفف الوزارة ولم يخرج من دوائرها، ويبدو أيضاً أنه لا يمثل أولوية وليس ضمن الملفات العاجلة وفي مقدمها تطويق التجارة الموازية والترفيع من نسق التزويد والتركيز على القدرة الشرائية المهترئة.

اقرأ المزيد