Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البحرية... قوة أميركا المطلقة "العائمة"

لماذا باتت مآلتها معركة الرئيس الأميركي القادم؟

حاملة الطائرات الأكبر في العالم "يو أس أس جيرالد آر فورد" تبحر إلى جانب "يو أس أن أس لارامي" أثناء التزود بالوقود بشرق البحر الأبيض المتوسط (القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية/ الأسطول الأميركي السادس/ رويترز)

ملخص

ما من بديل عن وسائل عصرانية لبحرية أميركية متجددة إن أرادت واشنطن أن تبقي على هيمنتها وريادتها وفقاً لخططها القديمة نسبياً، مثل مشروع القرن الأميركي للمحافظين الجدد عام 1997 وما يعرف بالـ"باكسا أميركانا"، أي زمن السلام الأميركي، على وزن "باكسا رومانا" في زمن الإمبراطورية الرومانية الغابرة

في منتصف شهر سبتمبر (أيلول) الماضي أصدرت رئيسة العمليات البحرية المعينة حديثاً من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن الأدميرال ليزا فرانشيتي خطة الملاحة الخاصة بها للبحرية الأميركية المقاتلة في كلية الحرب البحرية. ما خطة الملاحة البحرية هذه؟ وما أهميتها في هذا التوقيت؟ وهل باتت البحرية الأميركية عن بكرة أبيها هي قضية الرئيس الأميركي القادم بوصفها أحد أعمدة القوة المسلحة الأميركية المتميزة؟

المؤكد أن البحرية الأميركية هي واحدة من أقوى خمس قوات بحرية عرفها التاريخ، وهي بالترتيب الزمني البحرية اليونانية ثم الفارسية ثم الصينية، وتالياً البريطانية، وصولاً إلى الأميركية.

ويكمن التأريخ الحديث للبحرية الأميركية من عند عام 1945 حين خرجت منتصرة من حرب المحيطين، وخاضت حملتين مختلفتين للغاية في كل منهما، ففي المحيط الهادئ كان لزاماً على البحرية الأميركية أن تواجه المكاسب التي حققتها اليابان من الفيليبين إلى جزر سليمان، وفي المحيط الأطلسي كانت البحرية الأميركية مسؤولة عن التخفيف من تهديد الغواصات الألمانية وإجراء غزوات لشمال أفريقيا وإيطاليا وفرنسا.

 

غير أنه بعد موقعة "بيرل هاربر" بنوع خاص ازدهرت صناعة بناء السفن الأميركية لتعويض الخسائر والاستعداد للحرب، وتمكنت البحرية الأميركية في وقت مبكر من النمو السريع وبنجاح كبير، فمن 790 سفينة في ديسمبر (كانون الأول) 1941 إلى 6768 سفينة بحلول أغسطس (آب) 1945، وانتقلت البحرية من 17 سفينة حربية  وسبع حاملات أسطول و171 مدمرة و112 غواصة إلى 23 سفينة حربية و28 حاملة أسطول و377 مدمرة و232 غواصة.

كما قدمت 71 حاملة طائرات مرافقة أو "جيب" و2547 سفينة برمائية مزيداً من الدعم للحرب في البحر، حتى إن البحرية الأميركية كان لديها مكون بري، وست فرق مشاة بحرية، وخمسة أجنحة جوية مشاة بحرية قاتلت من جزيرة غوادالكاتال إلى جزيرة أوكيناو. وانطلاقاً من هذه القوة لم تخسر البحرية الأميركية معركة واحدة بعد عام 1942، وتم دفع البحرية الإمبراطورية اليابانية المتضائلة بلا هوادة إلى أقصى الشرق، حتى استسلام اليابان في أغسطس 1945، ومنذ ذلك الوقت استعلنت البحرية الأميركية سيدة العالم، ووفت للولايات المتحدة ميزة السيطرة على البحار والمحيطات.

فهل اليوم تبدو أميركا في حاجة إلى مراجعة أوراق هذه القوة البحرية في ضوء أكثر من تحد وتصد، يبدأ من عند ظهور تقنيات عسكرية حديثة، تجعل عديداً من ركائز سلاح البحرية الأميركية معطلاً في طريق حروب أميركا الجديدة، ويمر بتحالفات دولية صاعدة تضع العصا في دواليب تلك البحرية، وصولاً إلى الحاجة لأسلحة عصرانية، وكل هذا سيكون بمثابة أحد أهم الملفات على مكتب الرئيس الأميركي الجديد؟

 

خطة الملاحة البحرية الأميركية

ما هذه الخطة؟ تقول الأدميرال فرانشيتي إنها توجيه الاستراتيجية الشاملة لجعل بحريتنا أكثر استعداداً مع إعطاء الأولوية لرفع مستوى جهوزيتنا للصراع المحتمل مع جمهورية الصين الشعبية بحلول عام 2027 مع تعزيز ميزة البحرية في الحرب على المدى الطويل. وتضيف "تستمر خطة الملاحة من حيث انتهت خطة الملاحة لسلفي، وتحدد مسارنا لرفع مستوى استعداد أسطولنا الأساس، ووضع مزيد من اللاعبين المستعدين في الميدان، وبسط المنصات الجاهزة بالقدرات والأسلحة والدعم اللازمة والأشخاص المستعدين بالعقلية والمهارات والأدوات والتدريب الصحيح".

هل تستعد الولايات المتحدة لحرب قريبة في المحيط الهادئ أو بحر الصين الجنوبي وبقية ميادين المياه المفتوحة حول العالم؟

من المؤكد أن إرشادات الأدميرال فرانشيتي التي أطلق عليها "المشروع 33" تتناول، أول الأمر، الاستعداد للحرب مع الصين في غضون فترة زمنية قصيرة، والمشكلات الناجمة عن الجاهزية القديمة، وعجز التجنيد والسفن والطائرات الموجودة حالياً في المخزون. وتتابع "لا يمكننا أن ننشئ بحرية تقليدية أكبر في غضون سنوات قليلة، ولن نعتمد على الكتلة البحرية من دون القدرات المناسبة للفوز بمسابقة السيطرة البحرية"، وتضيف "لكن من دون هذه الموارد، سنستمر في إعطاء الأولوية للاستعداد والقدرات والإمكانات، وبهذا الترتيب يجب أن ندرك أن البحرية تواجه قيوداً مالية وصناعية حقيقية، بما في ذلك الكلفة التي لا تتكرر إلا مرة واحدة في الجيل لإعادة تمويل رادعنا النووي الاستراتيجي المتمركز في البحر".

وتحدد معالم "المشروع 33" سبعة مجالات تحتاج إلى تحسين، وأهمها نشر السفن والغواصات والطائرات القادرة على أداء المهام، ويتلخص الهدف في زيادة ما يصل إلى 80 في المئة من الأسطول السطحي كجزء مما يسمى "قوة الاستعداد القتالي" التي ستكون متاحة في غضون مهلة قصيرة للعمليات القتالية.

وتبدو البحرية الأميركية، وعن حق في سباق مع الوقت، وكأن موعد الحرب البحرية محدد سلفاً، مما تبدى واضحاً في تصريحات أخيرة لقائد قوات الأسطول الأدميرال داريل كودل الذي اعتبر أن البحرية الأميركية لن تتمكن من تحقيق تلك الجهوزية إلا من خلال إدخال المنصات وإخراجها من الصيانة في الوقت المناسب، إضافة إلى ذلك، يجب أن تتبنى بحرية بلاده نهجاً جديداً للتدريب والتجهيز والتحديث والدعم للوصول إلى القوة المنشودة، وحال المضي في هذا السياق بجد، فإنه بحلول عام 2027، ستحقق البحرية الأميركية جاهزية بنسبة 80 في المئة من السفن والغواصات والطائرات المستعدة للقتال.

 

هل أعمال الاستعداد متأخرة بالفعل؟

تشير أرقام البحرية الأميركية تأخر أعمال الصيانة للقوة البحرية السطحية، الطرادات والمدمرات والسفن الحربية البرمائية وسفن القتال الساحلية، نحو 2700 يوم، ووفقاً لبنود "المشروع 33"، فقد تم تكليف نائب رئيس العمليات البحرية الأدميرال جيم كيلبي الإشراف على تقليص هذا التراكم من أجل إنشاء قوة الطوارئ.

البحرية الأميركية ومواجهة التفوق الصيني

هل بات من المؤكد أن خيوط وخطوط الاستراتيجية البحرية الأميركية كافة، هدفها وضع الخطط واضحة أمام الرئيس القادم، والذي سيكون من حظه ونصيبه، في غالب الأمر، أن يواجه "فخ ثيوسيديديس" المنتظر في بحر الصين الجنوبي، تلك المعركة التي قد تمتد إلى نهاية العقد الحالي؟

يبدو تاريخ 2027 موعداً يقض مضاجع القيادات العسكرية والاستخباراتية الأميركية، ذلك أنه التاريخ الذي ضربه الزعيم الصيني شي جينبينغ لقواته للاستعداد لغزو محتمل لجزيرة تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي، والتي تعدها بكين جزءاً تاريخياً من البر الرئيس.

الخطة الاستراتيجية لفرانشيتي تتركز على الكيفية التي يمكن بها للبحرية الأميركية من ملاقاة القوات البحرية الصينية والصاعدة في أعلى عليين في العقدين الأخيرين، وبما يخل بالتوازن الاستراتيجية للقوى مع واشنطن. والسؤال المهم "هل تجد الأدميرال فرانشيتي دعماً من الرأي العام الأميركي ومن أطراف وأطياف القيادات السياسية في الداخل الأميركي؟".

عند النائب جو كورتني الديمقراطي من ولاية كونيتيكت العضو البارز في اللجنة الفرعية للقوة البحرية التابعة للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب أن فرانشيتي كانت "على المسار الصحيح" باستراتيجيتها، مشيراً إلى الجهود المبذولة لزيادة أعمال الصيانة في أحواض بناء السفن. ويضيف "البحرية لا تتحدث عن هذا الأمر فحسب، وأعتقد أن هناك تقدماً مشجعاً حقاً"، وأن هذا "المشروع 33" الذي يتناول توقعات 2027، جدير بأن يجد كثيراً من الرعاية والدعم، لا سيما أنه من خلاله تتم بلورة رؤية لمواجهة الكتلة البحرية للعسكرية الصينية.

 

ما المتوقع لبحرية "التنين الصيني" بنهاية العام 2025؟

بحسب معلومات استخبارات وكالة الدفاع الأميركية سيكون لبكين نحو 395 سفينة و435 سفينة بحلول 2030 في حين تدير البحرية الأميركية 296 سفينة، ومن المرجح أن يبلغ عددها 294 بحلول نهاية السنة المالية 2030، وهي المعلومات عينها المؤكدة من خلال هيئة أبحاث الكونغرس.

وتشمل السفن البحرية التي تنشرها كل من الصين والولايات المتحدة حاملات طائرات كبيرة وغواصات وسفناً مدمرة مقاتلة وسفناً هجومية برمائية سريعة وغيرها.

أما جوشوا تاليس الباحث الكبير في مركز التحليلات البحرية، فيرى أنه "سيكون من الخطأ ببساطة أن يحسب الأميركيون السفن الصينية والسفن الأميركية، ثم يفترضوا أن دولة واحدة تتمتع بميزة على الأخرى"، ويضيف "الطريقة الصحيحة لفهم قدرة البحرية الأميركية على مواجهة هذا التهديد هي فهم البحرية الأميركية في سياق هذا النظام البيئي الحربي المشترك الأكبر بكثير". وتابع أن استراتيجية البحرية "هي خطوة قوية في الاتجاه الصحيح". ومع ذلك فإن أعداد السفن تشكل أهمية كبيرة في واشنطن التي تحاول، بنشاط، حل المشكلة قبل أي صراع صيني محتمل.

البحرية الأميركية ومشكلة الكم

هل لدى بحرية واشنطن إشكالية حقيقية من حيث الكم؟

المؤكد أن صناعة بناء السفن في الولايات المتحدة تواجه اليوم تحديات كبرى، ففي ثمانينيات القرن الـ20، كان لدى الولايات المتحدة نحو 330 حوض لبناء السفن، واليوم لا يزيد عددها على 20 حوضاً، كما قلصت الولايات المتحدة قدرتها على الصيانة مع خفض عدد الأرصفة العائمة المخصصة للسفن المدمرة والغواصات.

هل كانت نهاية الحرب الباردة هي السبب؟

مؤكد أن الجهوزية العسكرية للولايات المتحدة خلال الفترة الممتدة منذ خمسينيات وحتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، كانت في أعلى درجاتها، انطلاقاً من الصراع المحتدم في ذلك الوقت مع حلف "وارسو" بقيادة الاتحاد السوفياتي.

غير أنه حين بدت الساحة خالية من عدو استراتيجي كبير، تم تقليص غالبية الموازنات العسكرية الأميركية، ومنها موازنة البحرية، ما جعل معدل التخلص من السفن أسرع من معدل بنائها، مما أدى، تالياً، إلى تقليص حجم الأسطول الأميركي.

غير أنه، ومنذ بداية الألفية الثالثة، وبخاصة منذ أوائل العقد الثاني منها، وضح جلياً كيف أن هناك قوى قطبية بحرية قادمة في طريق الشراكة، مما استدعى خططاً سريعة لاستنقاذ الموقف، ومنها خطة لبناء السفن مدتها خمس سنوات من شأنها أن تزيد من حجم الأسطول  إلى ما نحو 181 سفينة إجمالية على مدى 35 عاماً.

غير أن مكتب المحاسبة الحكومي قال في منشور له في شهر أغسطس الماضي، إن جهود بناء السفن في البحرية وخفر السواحل متأخرة عن الجدول الزمني، وتتجاوز الموازنة بمليارات الدولارات، إذ تستغرق عمليات التصميم والبناء وقتاً طويلاً لدرجة أنها تسفر عن سفن مبنية بأنظمة قديمة.

وتبدو هذه المعلومات وراء دعوة بعض الخبراء في الداخل الأميركي إلى زيادة الدعم لصناعة بناء السفن التي يتعامل معها الآن بصورة حصرية تقريباً من قبل المقاولين من القطاع الخاص الذين يواجهون صعوبات في توفير الموظفين أو مواجهة عقبات أخرى.

أما المشرعون فيبذلون جهوداً لمعالجة أزمة بناء السفن، فعلى سبيل المثال يشير السيناتور مارك كيلي الديمقراطي البارز من أريزونا، والنائب مايك وولز الجمهوري من فلوريدا، إلى أنهما يخططان لتقديم مشروع قانون قريباً للمساعدة في استعادة القدرة على بناء السفن وجعلها أكثر فاعلية من حيث الكلفة.

في هذا الصدد يؤكد وولز أن "البحرية الصينية تنمو وتتوسع بسرعة"، محذراً من مشكلة أعمق وهي أنه إذا اندلعت حرب من الصين فإن الأمر لا يهم العسكريين فحسب، "بل ينسحب كذلك على المدنيين، والسبب هو أن 50 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي يقع في تلك المنطقة، وعليه إذا تمكنت الصين من السيطرة على تلك المنطقة أو إكراهها، فهذه ستكون خطوة ضخمة نحو الهدف المعلن للرئيس شي جينبينغ في استبدال الولايات المتحدة كزعيم عالمي". على أن البعض يتساءل هل الخوف يتأتى فقط من جانب الصين فحسب؟ أم أن هناك تحالفاً ما بعينه يمتد من المواجهة في البر إلى البحر، ومن الأرض إلى السماء، ويجعل من منطقة شرق آسيا برمتها ميدان ضرب نار للقوى القطبية الآسيوية القائمة والقادمة دفعة واحدة؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مواجهة تحالف روسي - صيني

لعل المشكلة الجديدة التي تواجه البحرية الأميركية، موصولة بالتحالف الذي يجري بين روسيا والصين، لا سيما بعد أن عززت روسيا أنشطتها البحرية والجوية قرب الأرضي الأميركية وفي منطقة المحيطين الهادئ والهندي، وهي تعمل من كثب مع الصين، وأخيراً أجرت سفن حربية روسية وأربع سفن حربية صينية دوريات مشتركة في غرب المحيط الهادئ في أعقاب تدريبات بحرية.

هل موسكو وبكين في حاجة إلى شكل من أشكال التعاون البراغماتي في مواجهة الولايات المتحدة بنوع خاص؟

مؤكد أن الأمر يمضي بالفعل على هذا النحو، فروسيا، بحسب المنظور الأميركي، قد تدهورت قدراتها العسكرية، بصورة كبيرة، بسبب الخسائر الفادحة في أوكرانيا، إذ تم تدمير مئات الطائرات والسفن الحربية، وفي حين أن الصين تتمتع بأكبر قوة بحرية في العالم، فإن خبرتها العملياتية محدودة، ولهذا ترى أن هناك فرصة كبيرة سانحة للتعاون مع الروس، وبهدف واضح لا يغيب عن الأعين موصول بالتسبب في الإزعاج للجانب الأميركي، حتى وإن كان الأخير على خبرة عالية بشؤون البحار.

ما الذي جرى على وجه التحديد في المناورات الروسية - الصينية الأخيرة؟

الثابت أن تلك المناورات شملت مدمرتين روسيتين، وثلاث سفن حربية، وغواصة واحدة وطراداً صينياً، ومدمرة واحدة، وفرقاطة واحدة، وناقلة نفط للأسطول لتزويد السفن الحربية بالوقود أثناء الإبحار، وخرجت مجموعة العمل الروسية - الصينية المشتركة إلى البحار بعد مناورة بحرية واسعة النطاق بين البحرية الروسية وقوات بحرية جيش التحرير الشعبي.

وأجرت السفن الحربية أنشطة روتينية مضادة للسفن السطحية والغواصات والدفاع الجوي، وتعد المناورة المشتركة مجرد نشاط آخر يهدف إلى تقريب الجيشين الروسي والصيني، وهذه المرة لم تقترب مجموعة العمل المشتركة من المياه الأميركية، بل عملت قرب حلفاء مهمين للولايات المتحدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية.

والمعروف أنه خلال الصيف الماضي، اضطرت القوات الجوية وخفر السواحل الأميركية إلى التعامل مع توغلات من قبل طائرات، وسفن روسية وصينية قرب المياه والمجال الجوي الأميركي، وبخاصة حول ألاسكا.

هل تسببت تلك المناورات في إزعاج حقيقي؟

الشاهد أن كثيراً من القواعد الأميركية والكندية، تلقت إنذارات بسبب تحليق الطائرات الصينية والروسية بما في ذلك القاذفات الاستراتيجية القادرة على حمل أسلحة نووية تنطلق من الجو، داخل منطقة تحديد الدفاع الجوي في ألاسكا. ولعل ما يزعج البحرية الأميركية بنوع خاص، هو أن البحرية الصينية، وعلى رغم أنها أقل من حيث الجودة والخبرة العملياتية، إلا أنها يوماً تلو آخر تكتسب أمرين: الأول هو المزيد من الخبرة والمهارة، لا سيما في ظل التعاون الكبير مع البحرية الروسية، والأمر الآخر هو الإمكانات الاقتصادية الصينية، القادرة على أن توفر لها موازنات هائلة وطائلة، تجعلها اليوم تمتلك 600 سفينة حربية، متجاوزة ما لدى الولايات المتحدة، وهو رقم قابل للزيادة بدوره في قادم الأيام.

وعلى رغم أن بكين لا تستطيع نشر ثلاث حاملات طائرات عاملة إلى جانب حاملات الطائرات العملاق التي تمتلكها الولايات المتحدة، فإن الأميركيين منزعجون من سباق القوة البحرية - الصينية في الحال والاستقبال. ما السبب الرئيس إذاً؟

 تراجع حقيقي يزعج الأميركيين

ربما هناك مجموعة من الأسباب لمحنا إليها مقدماً تتسبب في تحديات حرجة للبحرية الأميركية في سعيها إلى تلبية المطالب العالمية وسط تقلص الأسطول وأزمة التجنيد، ومع عدم القدرة على بناء أحواض سفن جديدة تواكب الحاجات في وقت السلم ونقص مشاة البحرية التجارية لدعم السفن الحربية، مما يجعل من القدرات التشغيلية للبحرية الأميركية في تراجع حقيقي، لا سيما بعد أن أصبحت منطقة المحيطين الهندي والهادئ ذات الأهمية الجوية للمصالح الأميركية، معرضة للخطر مع تحويل الموارد إلى أماكن أخرى، وبخاصة في الشرق الأوسط.

ومع تصعيد الصين لما تعتبره واشنطن عدواناً في منطقة بحر الصين الجنوبي، فإن عجز البحرية عن إعطاء الأولوية لمنطقة المحيطين الهادئ والهندي يهدد بتقويض الموقف الاستراتيجية لأميركا، مما يتركها عند مفترق طرق في ديناميكيات القوة العالمية.

وفي حقيقة الأمر فإن الولايات المتحدة تجد نفسها اليوم في بيئة جيوسياسية محفوفة بالأخطار، وفي الوقت نفسه أصبح حجم الجيش الأميركي، وبخاصة البحرية، في أصغر مستوياته منذ سنوات ما بين الحربين العالميتين.

من جانب آخر، تعاني البحرية التجارية الأميركية من قصور شديد في القوى العاملة، وهي عنصر دعم أساس للأسطول الأميركي العالمي، والعهدة هنا على صحيفة "نيويورك بوست" الأميركية، إذ ليس هناك ما يكفي من البحرية التجارية لتشغيل جميع السفن في وقت واحد. وتعد هذه مشكلة حقيقية لأن السفن الحربية التابعة للبحرية الأميركية المنتشرة في المنطقة، والتي تحاول حالياً استعادة الردع المفقود لأميركا عبر قوس أوراسيا تحتاج إلى دعم البحرية التجارية. وحال لم يكن هناك ما يكفي من البحرية التجارية لتشغيل جميع سفن الإمداد التي تعمل بها البحرية التجارية الأميركية فستكون هناك تعقيدات شديدة في سلسلة الإمداد للبحرية التي تقف على شفا حرب عالمية. ولعل الأمر الأكثر أهمية من ندرة الدعم المادي للبحرية، هو أزمة التجنيد الواضحة التي أصابت الخدمة البحرية. فقد ذكرت مجلة "نيوزويك"، في يوليو (تموز) 2024، أن "التجنيد النشط في الجيش والبحرية انخفض بنسبة 30 في المئة إلى 40 في المئة عن أهداف التجنيد خلال الشهر الثاني من السنة المالية الحالية 2024.

في الوقت عينه شهدت فروع القوات المسلحة الأميركية كافة اتجاهاً قائماً نحو الانحدار في التجنيد على مدى العقد الماضي، وهذه مشكلة متجذرة لا تتفاقم إلا بسبب أزمة الثقة والإنفاق الحكومي على الجيش، وفقاً لمقال دينيس لابيش في مجلة "نيوزويك".

هل من جزئية عسكرية بعينها تجعل البحرية الأميركية في خطر؟

حاملات الطائرات توابيت متحركة

عبر مجلة Naval News التي تعنى بشؤون البحرية الأميركية كتب أخيراً كارتر جونسون تحت عنوان "لا توجد حاملات طائرات تابعة للبحرية الأميركية في المحيط الهادئ"، ويسلط المقال على كيف أن "البحرية الأميركية تواجه نقصاً في حاملات الطائرات في المحيط الهادئ مع استمرار الحشد في الشرق الأوسط، مما أدى إلى وجود فجوة حرجة في غرب المحيط الهادئ.

هل الحل في زيادة عدد حاملات الطائرات الأميركية؟

عبر "بوليتيكو" الأميركية الشهيرة تطالعنا قراءة لمايا كارلين عنوانها "توابيت عائمة لقواعد جوية عائمة"، تتناول فيه شؤون وشجون حاملات الطائرات التي كانت يوماً ما حجر الزاوية في الهيمنة البحرية الأميركية.

ويزعم المنتقدون أن الصواريخ المضادة للسفن والمركبات الجوية غير المأهولة مثل DF-21D الصينية، تشكل تهديدات خطرة لهذه السفن الضخمة، ما يشير إلى أن حاملات الطائرات أصبحت عتيقة.

والمقطوع به أنه منذ الحرب الباردة، تمتع الجيش الأميركي بتفوق لا يضاهى في البحار، ومع وجود عدد من حاملات الطائرات في الخدمة يفوق عدد حاملات الطائرات في أي دولة أخرى، بدت الولايات المتحدة قادرة عل نشر قواتها العسكرية لدعم مصالحها في أي وقت، لكن في الآونة الأخيرة، تغيرت ساحة التهديد، وأصبحت المنافسة بين القوى العظمى هي القاعدة الجديدة وتعمل كل من الصين وروسيا على تطوير برامج الأسلحة الأسرع من الصوت القادرة على التهرب من أنظمة الدفاع الجوي التي تستخدمها الولايات المتحدة حالياً.

هل من بديل في الأفق لحاملات الطائرات؟

من الواضح أن الأميركيين يفكرون في نوعية جديدة من تلك الحاملات، من نوعية سلسلة "فوردو"، وتهدف حاملات الطائرات الجديدة التي من المقرر أن تحل محل السفن الحربية من طراز "نيميتز" الموجودة حالياً واحدة تلو الأخرى، إلى تزويدها بتقنيات متطورة مثل نظام إطلاق الطائرات الكهرومغناطيسي، غير أن العقلية العلمية العسكرية الأميركية لا تعدم وسيلة أخرى تعزز وجودها. ماذا عن هذا الطريق؟

الزوارق السريعة والسلاح السري

جاءت فكرة الزوارق الصاروخية أو السفن الصاروخية في مقال نشر عام 2019 في مجلة PROCEEDINGS الصادرة عن معهد البحرية الأميركية، فقد قدم خمسة خبراء من بينهم قبطان متقاعد في البحرية، وعقيد متقاعد في مشاة البحرية، اقتراحهم لشراء وتجهيز سفن الشحن التجارية بسرعة للعمليات القتالية.

وقال القبطان يومها "يجب على البحرية اقتناء وتسليح السفن التجارية وتزويدها بالأسلحة والأنظمة المعيارية للاستفادة من تحسن التكنولوجيا وظروف سوق الشحن مع توفير القدرات بصورة أسرع وبكلفة أقل من جهود الاستحواذ التقليدية".

وتتمثل الخطوة الأولى لبناء أسطول من الزوارق الصاروخية في شراء هياكل السفن التجارية للشحن، وهو ما قد يكون مسعى سهلاً إلى حد ما إذا اندلعت حرب في المحيط الهادئ، وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى ثلث التجارة العالمية تبحر عبر بحر الصين الجنوبي على أساس سنوي، وبمجرد أن تتمكن البحرية الأميركية من شراء السفن بنفسها، فإنها تستطيع أن تبدأ المهمة نسبياً المتمثلة في إعادة تجهيزها لاستخدامها كقوارب صواريخ.

هل من خلاصة؟

يدرك الأميركيون جيداً أنه على رغم السباق العسكري المسلح في الجو والبر، فإن البحر عالم تظل له أهميته الاستراتيجية، لا سيما أن 79 في المئة من مساحة الكرة الأرضية مطمورة في المياه، و21 في المئة يابسة.

يعني ذلك أنه ما من بديل عن وسائل عصرانية لبحرية أميركية متجددة إن أرادت واشنطن أن تبقي على هيمنتها وريادتها، وفقاً لخططها القديمة نسبياً، مثل مشروع القرن الأميركي للمحافظين الجدد عام 1997، وما يعرف بالـ"باكسا أميركانا"، أي زمن السلام الأميركي، على وزن "باكسا رومانا" في زمن الإمبراطورية الرومانية الغابرة. وفي كل الأحوال فإن من المؤكد أن ملف البحرية الأميركية سيكون له أهمية خاصة في الرئاسة الأميركية القادمة.

المزيد من تقارير