Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حنين إلى ديار ملغومة... السودانيون وهلاك العودة

المواجهات العسكرية لا تزال مستعرة ومخلفات الحرب في كل مكان والأوضاع الأمنية متدهورة والتلوث يفوق التصور

أحياء خالية من السكان بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وعمليات النهب والسرقة الممنهجة التي تشكل هاجساً (أ ف ب)

ملخص

إزاء هذا الواقع الماثل، هل ستصمد الأسر التي عادت أخيراً إلى منازلها في مدن العاصمة الثلاث، أم ستعيد رحلة النزوح مجدداً بحثاً عن ملاذات أخرى؟

بعد غياب دام أكثر من عام قررت بعض الأسر السودانية النازحة في الولايات الآمنة ودول الجوار، بخاصة مصر، العودة إلى منازلها في أم درمان القديمة والخرطوم بحري، بعد الانتصارات التي حققها الجيش السوداني في أجزاء واسعة من المدينتين، فضلاً عن الاستجابة للنداءات المتواصلة التي أطلقها عديد من الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي للعودة من أجل الإسهام في إعادة تعمير وتهيئة المناطق التي بسط الجيش سيطرتها عليها أخيراً، بخاصة من ناحية توفير الخدمات الأساسية.

لكن جملة صعوبات وتحديات ستواجه الأسر العائدة، إذ إن المواجهات العسكرية بين الجيش وقوات "الدعم السريع" لا تزال قائمة في مدن العاصمة الثلاث، مما يجعل الأسر تعيش في حال خوف دائم بسبب القذائف الصاروخية والمدفعية التي تسقط على المنازل بصورة عشوائية، والتي أسهمت بدورها في إزهاق آلاف الأرواح.

 

 

وعلى رغم تخلص الأسر النازحة من الأعباء الاقتصادية التي أرهقتها، سواء في داخل البلاد وخارجها، فإن الواقع يشير إلى أن الحياة ستكون أكثر قسوة، إذ إن مدينتي أم درمان والخرطوم بحري تعانيان أزمات صحية وإنسانية متفاقمة، إضافة إلى مخلفات الحرب والتلوث البيئي بسبب انتشار الجثث، واستمرار عمليات القصف المدفعي العشوائي من قبل قوات "الدعم السريع" على الأحياء السكنية.

إزاء هذا الواقع الماثل، هل ستصمد الأسر التي عادت أخيراً إلى منازلها في مدن العاصمة الثلاث، أم ستعيد رحلة النزوح مجدداً بحثاً عن ملاذات أخرى؟

واقع مختلف

سارة عبدالحفيظ، التي فضلت العودة إلى منزلها في ضاحية أمبدة بمدينة أم درمان تقول، "ظللنا نعاني لأكثر من عام في مراكز الإيواء بولاية نهر النيل شمالاً في مدينة عطبرة التي تفتقد أبسط مقومات الحياة، لكن لم يكن لنا خيار في ظل شح الموارد المالية، وفي ظل هذه الأوضاع المتردية قررنا العودة إلى منزلنا بعد تحرير الجيش مناطق في أم درمان القديمة في أغسطس (آب) الماضي، لكن للأسف وجدنا الواقع يختلف عما تتناقله مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن أن الأحياء خالية من السكان بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وعمليات النهب والسرقة الممنهجة التي تشكل هاجساً للسكان العالقين، إلى جانب التدوين العشوائي بسبب المواجهات بين طرفي الصراع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تشير سارة إلى "خلو الأسواق من المواد الاستهلاكية، وحتى إن وجدت فإن أسعارها مرتفعة يصعب توفيرها بعد فقد مصادر الدخل، ناهيك بتردي الخدمات الطبية وانحصارها في مستشفى النو الحكومي الذي يعاني اكتظاظ المرضى ومصابي العمليات العسكرية ونقصاً حاداً في الأدوية المنقذة للحياة، وغياب الكوادر الطبية، إلى جانب مشكلات المياه والكهرباء التي ظلت مقطوعة منذ اندلاع الصراع".

وتضيف، "ما نواجهه الآن هو خطر القذائف الصاروخية والدانات التي يطلقها (الدعم السريع) نحو قاعدة كرري، والتي حصدت المدنيين، فهذا هو الواقع المرير الذي نتعايش معه وينتظر كل من يريد العودة، ومن وجهة نظري فإن الوضع ما زال متدهوراً أمنياً وبيئياً، بخاصة مع استمرار الحرب، فضلاً عن أن مظاهر الحياة الطبيعية تكاد تكون معدومة، بالتالي من الضروري التأني في أية خطوة تهدف إلى عودة الأسر بالذات، وذلك حتى يتوقف صوت المدافع وتكون العودة آمنة".

تدهور الجنيه

بدورها رأت ولاء عوض، العائدة من القاهرة بعد رحلة نزوح استمرت عاماً وثلاثة أشهر، أن "الظروف الاقتصادية كانت من أقوى الدوافع التي أجبرت أسرتي على اتخاذ قرار العودة إلى السودان والاستقرار في منزلنا بضاحية شمبات في الخرطوم بحري، فقد مررنا بصعوبات بالغة خلال فترة وجودنا في مصر، بالنظر إلى ارتفاع كلفة المعيشة التي تفوق قدراتنا المالية، كنا نعتمد على الدعم الذي يصل إلينا من الأقرباء المغتربين في دول الخليج، فضلاً عما يحول لنا من بعض الخيرين الموجودين داخل السودان، لكن مع تدهور الجنيه السوداني أصبح من الصعب الالتزام بجميع مستلزمات الحياة بخاصة الإيجار، بالتالي أصبحت الحياة طاردة لأفراد أسرتي".

 

 

وتابعت "حالنا في مصر ينسحب على آلاف ممن لجأوا إلى دول الجوار في أوغندا وإثيوبيا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وغيرهم من ناحية عدم توفر المقدرة المادية في ظل تطاول أمد الحرب إلى قرابة 18 شهراً من دون بارقة أمل في توقفها، لا سيما أن المشكلة التي باتت تؤرق الأسر هي العجز عن إلحاق أبنائها بالمدارس بسبب عدم مقدرتهم دفع الرسوم الباهظة". وأضافت "من الممكن أن تحمل الحياة بعد العودة تحديات كثيرة، لكننا سنحاول التغلب عليها، لا سيما أن المواد الغذائية متوافرة نسبياً، إلى جانب وجود المطابخ الخيرية التي ظلت تدعم الأسر الضعيفة غير القادرة على تأمين طعامها بصورة يومية، فضلاً عن توفر الرعاية الصحية على رغم قلة المستشفيات التي ظلت صامدة في تقديم الخدمات، إضافة إلى أننا على أعتاب فصل الشتاء الذي تقل فيه انقطاعات الكهرباء وأزمة المياه، وسنتعايش كحال السكان العالقين الذين رفضوا مغادرة منازلهم".

عودة مبكرة

في السياق ذاته قال عضو غرفة طوارئ أم درمان أحمد عبدالرحمن إن "العودة المبكرة للمواطنين النازحين إلى أم درمان والخرطوم بحري تثير الدهشة في ظل تجدد الاشتباكات بين طرفي النزاع، فتحرير أجزاء محدودة لا يعني استقرار البلاد، لا سيما أن قوات (الدعم السريع) تنتشر بكثافة في شوارع الخرطوم ولا توجد ممرات آمنة، وهناك أزمات صحية وإنسانية متفاقمة". وأضاف "المشكلة أن موسم الخريف الذي انتهى أخيراً أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة مثل الملاريا والكوليرا والتيفود وإصابات بأمراض أخرى لا نعرف لها تسميات، مما جعلنا في حال طوارئ لتقديم العون والمساعدة في ظل عدم توافر الخدمات العلاجية".

ولفت عضو "طوارئ أم درمان" إلى أن "من الأفضل عدم الاستعجال في العودة، بخاصة بالنسبة إلى الأسر، وتحمل مآسي النزوح مهما بلغت، بدلاً من المخاطرة غير المحسوبة، لأن الحرب لم تنته بعد، وقد يتفجر الوضع بصورة أعنف مما كان عليه، إلى جانب انعدام أساسات الحياة، بخاصة في مجالات الكهرباء والمياه والاتصالات وتفشي الجوع الذي بات مأساة إنسانية".

إزالة الأخطار

على صعيد متصل أوضح مدير المركز القومي لمكافحة الألغام خالد حمدان أن "الجهود مبذولة حالياً في منطقة أم درمان القديمة في جانب العمل على إزالة الأخطار من مخلفات الحرب، التي من شأنها إحداث إصابات بالغة بالسكان، بيد أن الفرق استطاعت تنظيف 90 في المئة من تلك المخلفات، على رغم أن العمل يتسم بالدقة والتعقيد، مما يتطلب جهداً كبيراً في ظل عدم استقرار الأوضاع في بعض المناطق".

 

 

وبين حمدان "عمل المركز يتضمن برامج توعوية للمواطن في كيفية تجنب المناطق الملوثة بالألغام، فضلاً عن أن المسح يشمل مدينة بحري بعد تحرير بعض المناطق لضمان عودة آمنة لسكانها"، منوهاً بأن "عودة المواطنين إلى أم درمان وبحري تتطلب مزيداً من الصبر إلى حين إعلان الجهات الرسمية أن الأوضاع في البلاد أصبحت مستقرة".

تدفقات الأسر

وكانت أعداد كبيرة من السودانيين بدأت العودة الطوعية إلى السودان عقب سيطرة الجيش السوداني على مناطق واسعة في العاصمة، إذ استقبل معبر "أشكيت" الحدودي بمدينة حلفا في الولاية الشمالية ما يفوق الـ8 آلاف مواطن سوداني قادم من مصر خلال شهر أغسطس (آب)، وارتفع العدد إلى 12 ألفاً في سبتمبر (أيلول) الماضي.

ومن المتوقع أن تشهد المعابر مزيداً من التدفقات للأسر في ظل رغبتهم في الاستقرار وأمل العودة مجدداً بعد رحلات نزوح طويلة وشاقة.

وكانت هيئة الموانئ البرية المصرية أعلنت حالة الطوارئ بالتنسيق مع عدد من الجهات على الحدود بين السودان ومصر، خصوصاً في ميناءي "آرقين" و"قسطل" بسرعة التعامل مع تكدس وزحام المسافرين.

المزيد من تقارير