Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أمسية بيروتية يخيم عليها طيف الحرب

أوجه الحرب تسود بيروت وتصادر الحياة اليومية فيها على رغم محاولة الناس الانشغال بمشاغل حيواتهم. فضوضاء الحرب دفين تارة ويصم الآذان تارة أخرى

غسيل علقه نازحون على درابزين الرصيف البحري (منال نحاس)

ملخص

الحياة اليومية في العاصمة اللبنانية تبدو معلقة تارة في انتظار مستقبل مجهول وتارة أخرى يشعر سكانها بأنها في خضم الحرب حين يتردد فيها أصوات القصف القريب

الوقت معلق. هادئ. هدوء لا يحتمل. هدوء ينخره طنين طائرة درون وكأنها تمخر عبابه. طنينها لا يحتمل مثل الهدوء. فهو مثقل بالآتي القاتم ووعيد يخبط خبط شعواء. المدنيون "هدف مشروع" في غزة تقول وزيرة الخارجية الألمانية. هم مدنيون من طينة أخرى في عينيها. وقد نصبح منهم في أي لحظة مثل لحظة استهداف مبنى بلدية النبطية (جنوب لبنان) بمن فيه من مدنيين لا يستحقون الحياة في عين بنيامين. مسيرات أو "مركبات غير مأهولة" على ما تسمى في ترجمة حرفية شائعة، تسجل سكناتنا وتحركاتنا. هي من الجماد على رغم حركتها. هي تسجل حياة الآخرين ولكن محركها من بعد في وسعه الانصراف إلى حياته اليومية وربما تقبيل زوجته أو والدته أو صديقته بعد إطلاقه قذيفة تودي بعشرات من الناس. وجل ما فعل أنه ضغط زر ولم ير من سقط ولفظ أنفاسه بضربة زر باردة.

 

 

كورنيش بيروت مسرح للانتظار. فقد يلقى المرء شاباً يحمل على ظهره شنطة ظهر باهظة الثمن من قماشة المخمل ويجر حقيبة بيضاوية الشكل أنيقة سوداء ويمشي متجهاً إلى لا مكان وكأنه في مطار لا يفضي إلى وجهة. ربما أعد حقيبته على عجل حين المغادرة بعد صدور أوامر بإخلاء قرى ومبان. رجل آخر يجر حقيبة لونها بامبي وفي جواره زوجته ربما كذلك تجر الحقيبة المثقلة بالملابس وربما بأشياء أخرى. يمشيان وكأنهما في المطار على السجادة المتحركة. وكأن لسان الحال قول الشاعر إبراهيم شحرور بالعامية اللبنانية عن التهجير: "مجبور  حزني  إتركو بالبيت : ما في  وْلا شنته قادرَه تْساعو … [لا يتسع في حقيبة]". تمر سيدة تحمل في يدها اليسرى لوحة مخطوط عليها سورة قرآنية باللون الذهبي مغلفة ببرواز زجاجي وبيدها اليمنى حقيبة يد وكأنها على عجل حملت بقايا أثاث حياتها اليومية الأثير على قلبها. على قارعة الكورنيش حرام من الصوف لونه خمري. أودعه صاحبه أو صاحبته إسفلت رصيف بيروت البحري في منطقة المنارة. وربما على أمل الالتحاف به مساء. على الرصيف مجموعة شباب مستلقية على بعض الفرش الإسفنجية تتجاذب أطراف الحديث وواحد منهم ينفث دخان النارجيلة ويحرك جمرات فحمها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

آخر على مقعد يشكو الملل، فالنهار خاو وطويل ليس هناك ما يقطعه [يملأه]. يسر إلى صاحبيه "اتصلت بفلان وسيؤمن لي موتو (دراجة نارية) أسوقها ذهاباً وإياباً على الكورنيش. كنت أنزعج من تهور شباب بقيادة دراجات نارية على ممشى مخصص للمشاة منهم أطفال فرحون بخطواتهم الأولى ولكنني منذ سمعته تفهمت أنه يُزجي الوقت المديد والثقيل والخاوي من حياة يومية وشخصية.

صوت الراحل أمين عام حزب الله السابق، يعلو من مسجلة سيارة. "الموت لنا عادة" يصرخ. قيل أن مثل هذه التسجيلات مولودة من توليف خطب سابقة. بعد مقتله، بثت إحدى القنوات شريطاً سابقاً فاعترت ناسه حماسة وبعضهم في محلة زقاق البلاط والملا أطلق الرصاص احتفالاً بما خالوه عودته. وربما يستعان بالذكاء الاصطناعي لاجترار صوته وبث خطب جديدة له.

حين العودة إلى المنزل، يعلو صوت طفل نزح  قبيل قصف المبنى حيث كانوا يقيمون في محلة الليلكي بالضاحية الجنوبية. هو يجهش بالبكاء يريد العودة إلى "بيتهم". نحن معلقون، والخوف كل الخوف من أن نلقى مصير غزة.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات