ملخص
ربما تكون الفكرة جذابة ولاقت صدى واسعاً لدرجة أن الكتاب قفز لقوائم الأكثر مبيعاً على مواقع المتاجر الإلكترونية وبعدما كان ثمنه 14 دولاراً وصل إلى 17، لكنها أيضاً تفتح نقاشاً آخر حول الصورة التي يظهر بها كل من هاريس، والمرشح الجمهوري دونالد ترمب بين صفحات الكتاب.
بات الهجاء السياسي بين مؤيدي مرشحي السباق الرئاسي نحو البيت الأبيض أشد شراسة، متخطياً أساليب الإشاعات والمبالغات، وحتى الصور والفيديوهات المزيفة والساخرة، وكذلك التحريض المباشر والاتهامات، ليصل إلى حد إنجاز كتاب كامل مطبوع على ورق فاخر بين دفتي غلاف جذاب، فقط كي ينعم قارئه بصفحات ناصعة فارغة من المحتوى، والهدف هنا هو التدليل بصورة ملموسة حرفياً على أن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس لا تصلح لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية لأنها بلا سيرة ذاتية مرموقة، وبلا نجاحات سياسية، ويدعو الناخبين بصورة غير مباشرة لكنه مؤثر لعدم التصويت لها في عملية الاقتراع المقررة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
الكتاب الذي يتضمن صفحات قليلة مكتوبة تعد القارئ بأن يستكشف بنفسه إنجازات هاريس بعد 20 عاماً في العمل العام بينها أربعة كنائبة للرئيس جو بايدن، ويضع يده على ما قدمته للبلاد في الملفات المختلفة، ثم تتوالى الصفحات المعنونة بأسماء فصول تعبر عن قضايا ملحة وشديدة الأهمية بينما المجهودات التي بذلتها قبل هاريس لتحسين مستواها، هي صفرية من وجهة نظر الكاتب جيسون دوداش.
ربما تكون الفكرة جذابة ولاقت صدى واسعاً لدرجة أن الكتاب قفز لقوائم الأكثر مبيعاً على مواقع المتاجر الإلكترونية وبعدما كان ثمنه 14 دولاراً وصل إلى 17، لكنها أيضاً تفتح نقاشاً آخر حول الصورة التي يظهر بها كل من هاريس، والمرشح الجمهوري دونالد ترمب بين صفحات الكتاب، لا سيما أن الأول حريص منذ عشرات الأعوام على أن يسجل آراءه وسيرته ومسيرته الاقتصادية والسياسية في بعض الأوقات بين الصفحات الورقية، في حين يبدو إنتاج هاريس قليلاً للغاية، وقد يكون من أشهر أعمالها في هذا الصدد "حقائق نتمسك بها... رحلة أميركية" الذي صدر قبل نحو خمسة أعوام، وتصفه بأنه رحلة ساحرة، لفتاة مكافحة منحدرة من أب جماياكي وأم هندية وكلاهما لديه مهنة مرموقة لكنهما نشطا في مجال الحقوق المدينة، وتسرد هاريس في سيرتها كيف أثرت تلك البيئة المثالية في خطواتها ومسيرتها الشخصية والسياسية حتى وصلت إلى منصب أول امرأة تعمل نائباً للرئيس بالولايات المتحدة، وهي على بعد قصير من تحقيق حلم تاريخي بتولي منصب الرئيس.
احتفاء بالصفحات البيضاء
قبل العودة إلى سيرة هاريس الذاتية التي دونتها بنفسها ووضعت عليها صورتها وهي طفلة جادة عابسة ومتطلعة، يمكننا أولاً استعراض الصدى الذي أحدثه كتاب إنجازاتها الفارغ، فعلى رغم عدم تعليق حملتها على موجات السخرية وعلى الفعل نفسه، فإن التعليقات تتوالى من قبل المطلعين على الكتاب الذين أثارهم الفضول لاقتنائه وربما أيضاً العداء لهاريس، إذ تمتلئ صفحة الكتاب على متجر أمازون في نسخته الأميركية، بأكثر من 200 تعليق غالبيتها تمنح الكتاب خمس نجوم في خانة التقييمات، ويدخل أصحابها في كتابة آراء تحليلية مطولة تبدو في كلماتها أكثر عدداً من كلمات الكتاب نفسه الواقع في 190 صفحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حرص كثير على التعبير عن دهشتهم من الفكرة وتقديرهم لها مشيرين إلى أن هناك بعض الأطراف تعتقد أنها تحتكر الحقيقة وما دون ذلك تضليل، ولذلك فالكتاب في رأيهم يرد بالحقائق أيضاً على هؤلاء المدعين، قاصدين هاريس وفريقها بالطبع، هذا بخلاف كثير من الفيديوهات التي يستعرض فيها القراء صفحات الكتاب شبه الخالي من الكلمات إذ يكتفي المؤلف بكتابة عناوين الفصول فقط وبينها الهجرة والرعاية الصحية والوظائف، واللافت أنه لا معلومات كافية متاحة عن المؤلف جيسون دوداش وولائه السياسي، ولا تتضمن صفحته على المتجر سوى كتاب هاريس فقط الذي يتوسط غلافه صورة لها بالأبيض والأسود وهي تضحك ضحكتها الشهيرة التي تعرضت للانتقادات بسببها، بينما يدها على صدرها تعبيراً عن الامتنان وكأنه يسخر منها بصورة مبطنة، في حين جاءت الخلفية باللونين الأزرق والأحمر لكن بدرجات باهتة، رمزاً لألوان العلم الأميركي.
اتهامات بالسرقة
اللافت أنه في الفترة نفسها واجهت هاريس موقفاً محرجاً آخر في ما يتعلق بسمعتها، مرتبطاً كذلك بتأليف الكتب، إذ تم التحقق عبر أكثر من شخص وجهة بينها "فوكس نيوز" من تورطها في السرقة الأدبية والغش، في كتابها الصادر عام 2009 حينما كانت مدعية عامة، بعنوان "الذكاء في التعامل مع الجرائم: خطة المدعي العام المهني لجعلنا أكثر أماناً"، وشارك في تأليفه معها جوان أو سي هاملتون، يتناول رؤيتها لتحقيق العدالة والإستراتيجيات الفعالة والذكية لمكافحة الجرائم، وجاء في التفاصيل أن العمل تضمن أكثر من 25 اقتباساً من مؤلفين آخرين دون الإشارة إليهم، إذ كانت العبارات المنقولة متطابقة تقريباً.
سيرة دعائية
أما رحلة السيرة الذاتية لهاريس، فجاءت وفقاً لهواها هي، حيث تظهر كامرأة مناضلة ولديها معايير عالية وأهداف محددة لتحقيق المساواة كونها ابنة مهاجرين، ونشأت في كنف عائلة لديها اهتمام خاص بتحقيق العدالة، حيث تربت هي وشقيقتها على أصول وقيم وأهداف تصب في هذا الاتجاه، وعلى رغم أن الكتاب الواقع في ما يقارب 400 صفحة يبدو وكأنه خطاب انتخابي مطول، نظراً إلى طريقته الدعائية في تقديم الشخصية لذاتها، ولكنه شيء معتاد في كتب السير الذاتية لمن لا يزالون في خضم المنافسة السياسية، إذ عادة ما تنشر السير التي تحمل صبغة اعتراف ومكاشفة بعد خروجهم من المناصب وبطبيعة الحال هاريس النائب العام السابق بولاية كاليفورنيا والعضو السابق في مجلس الشيوخ ونائبة الرئيس الطامحة لمكانة الرئيس ليست استثناءً.
كذلك دخلت هاريس صاحبة الـ59 سنة والمحامية البارزة، عالم الأطفال بمؤلفات عدة حول رحلة حياتها وبينها "قصة كامالا هاريس: سيرة ذاتية للقراء الصغار"، من تأليف تونيا ليزلي، إضافة إلى "فكرة كامالا ومايا الكبيرة" من تأليف ابنة شقيقتها مينا هاريس، و"الأبطال الخارقون في كل مكان"، ومثلها أيضاً "كامالا هاريس... الجذور والعائلة" لنيكي غرايمر، وهي أعمال تمتدح مسارها الشخصي والمهني وتقدمها بصورة محفزة للطامحين لصنع التاريخ، وقد صعدت غالبيتها في قوائم الأعلى قراءة بعد وقت قصير من ترشح هاريس رسمياً، في حين صدر قبل أربعة أعوام كتاب لسيرتها يتضمن تحليلاً لشخصيتها بعنوان "داخل عقل كامالا هاريس"، وركز في مجمله على القضايا التي تؤمن بها هاريس، ويقدمها على أنها ناشطة في مجال الحقوق المجتمعية حققت هدفها بالوصول إلى أعلى المراتب وصنعت اسماً وازناً في عالم السياسة.
البحث عن أميركا العظيمة
على الجانب الآخر لا تحضر السياسة كثيراً في الكتب التي ارتبطت باسم دونالد ترمب (78 سنة)، قد يكون أحدثها "أنقذوا أميركا"، الذي صدر قبل نحو شهر ونصف الشهر، وهو كتاب مصور يحمل تعليقات من ترمب حول بعض إنجازات فترة رئاسته، وبنيها ملفات مثل تأمين الحدود والضرائب والتقدم الدبلوماسي للبلاد، ويحمل الكتاب صبغة دعائية واضحة تبشر بفترة أكثر إشراقاً للولايات المتحدة إذا ما عاد ترمب للبيت الأبيض مجدداً، بينما اختار صورة الغلاف لمحاولة اغتياله الأولى حينما كان يلوح بقبضته.
فيما استهل ترمب فترة حملته الانتخابية قبل نحو ثمانية أعوام حينما كان يستعد لدخول البيت الأبيض للمرة الأولى باعتباره الرئيس الـ45 للولايات المتحدة، بكتاب له عنوان يعبر عن طريقته الصدامية في تسمية الأشياء وتوصيفها وهو "أميركا المريضة: كيف نستعيد عظمة أميركا"، يستعرض فيه أيضاً رؤيته للقضايا الملحة في البلاد وبينها الاقتصاد والرعاية الاجتماعية وكيف يمكن تحقيق الإصلاح في تلك الملفات، وتجاوز العقبات، فيما تضمن كتابه "أعظم خطابات دونالد ترمب" 2022، أبرز كلماته للأمة الأميركية خصوصاً التي جاءت مؤثرة وقوية بحسب وصفه، ووضع مقدمة الكتاب المؤرخ الشهير كريج شيرلي كاتب سيرة حياة الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان.
كما طرح قبل عام أيضاً كتاباً يحمل مخاطباته على مدار مسيرته بصفته رجل أعمال وسياسياً مع عدد من قادة العالم ومشاهير الرياضة والمجتمع، وحمل عنوان "رسائل إلى ترمب"، كما صدر له عام 2000 كتاب بعنوان "أميركا التي نستحقها"، يستعرض فيه وجهة نظره في سياسة البلاد وكيف يمكن أن تحقق نمواً كبيراً وتصبح أعظم مما هي عليه، إضافة إلى كتب أخرى على الشاكلة نفسها وبينها "رحلتنا معاً" الذي صدر قبل عامين وحقق مبيعات ضخمة بين أنصاره وكان يستعرض من خلاله رأيه في خصومه السياسيين.
نصائح لتحقيق الثروة الترمبية
لدى ترمب الذي درس علوم الاقتصاد بجامعة بنسلفانيا، أكثر من 15 مؤلفاً بعضها بمفرده وأخرى بمشاركة آخرين، وجميعها تعتمد على الصور البراقة والطبعات الفاخرة، وعدد ضخم من الصفحات، كما أن غالبيتها تتحدث عن نصائحه ورحلته كقطب عقارات ناجح وملياردير متعدد الاهتمامات والاستثمارات، وقد يكون من أبرزها كتاب "فن الصفقة" الذي صدر عام 1987، وكتبه بالاشتراك مع توني شوارتز، وفيه يتحدث عن إستراتيجيته في التفاوض، وكيف ساعده أسلوبه العفوي وغير الرسمي على تكوين الثروات والحصول على صفقات ضخمة، مشدداً على أنه لا يهوى الاجتماعات في حد ذاتها ولا يلجأ إليها إلا إذا اقتضت الحاجة، بخلاف ذلك يعتمد على التفكير الحر والموهبة.
الكتاب صدر في بداية تكوينه لإمبراطوريته وتحقيقه للنجاح في عالم المال والأعمال، وتبعه عدد كبير من المؤلفات تدور في الفلك نفسه، وتعتبر بمثابة سيرة ذاتية لمراحل من حياة ترمب، يعطي من خلالها النصائح عن كيفية الاستمرار على القمة، وأسلوبه في الوصول لأهدافه في وقت قياسي معدداً فيها مهاراته والمواقف الاستثنائية في حياته، وبنيها "فكر كالبطل، والبقاء على القمة، وكيف تصبح غنياً وفن العودة، وفكر مثل الملياردير، ولماذا نريدك ثرياً"، والأخير صدر عام 2006 وقد كتبه بالاشتراك مع متخصص التنمية البشرية ورجل الأعمال البارز روبرت كيوساكي، ويقدم فيه خلاصة تجربته في التفكير المالي داعياً إلى عدم الارتكان إلى المناطق الآمنة والمكوث من دون تحرك واختيار المغامرات المحسوبة لصنع إمبراطورية اقتصادية ناجحة، بخلاف ذلك هناك عشرات الأعمال التي حاولت تحليل شخصية دونالد ترمب بصفته سياسياً مثيراً للجدل، إذ إن كثيراً منها لم يكن ينظر لجوانب شخصيته الإيجابية فقط بل يستعرض سقطاته أيضاً.