Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إدمان الاقتراض يهدد بأزمة ديون عالمية كبرى

تشجع السياسيون على تقديم الوعود الانتخابية بالإنفاق أكثر مما تسمح الإمكانات

يقترب حجم الدين العام الحكومي من نسبة 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحسب تقديرات البنك الدولي (أ ف ب)

ملخص

يصل حجم إجمال الدين لدول الاقتصادات الصاعدة إلى 105 تريليونات دولار مع نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي في غاية الخطورة إذ تصل إلى 257 في المئة

يطغى ملف الدين العالمي على الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين نهاية هذا الشهر، في ظل الارتفاع غير المسبوق للدين العالمي ونسبته من الناتج المحلي الإجمالي العالمي الذي يهدد بانفجار فقاعة ديون تهز النظام المالي العالمي كله.

بحسب تقديرات المؤسستين الماليتين الدولتين وغيرهما من المؤسسات الكبرى في العالم فإن مستوى الدين الحالي في العالم غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية قبل نهاية النصف الأول من القرن الماضي، وحتى ذلك الوقت، كانت الحكومات تقترض في ظل الظروف الاستثنائية والعوامل الخارجية التي لا يد لها فيها مثل الحروب الكبرى وما شابه، ففي تلك الأوقات تضطر الحكومات إلى الإنفاق بأكثر مما يسمح الدخل القومي وناتج اقتصادها.

في العقود الأخيرة أدمنت الحكومات الاقتراض لسد العجز في الموازنة وتمويل الإنفاق العام الذي يتجاوز قدرات البلاد، أي أصبحت الدول تعيش ليس بقدر ما لديها كما ذكر موقع "كلير فاينانس"، ومع ذلك تتباين الدول من جهة حجم دينها العام بغض النظر عن كونها دولاً غنية أم صاعدة أم فقيرة.

تشجع السياسيون على تقديم الوعود الانتخابية بالإنفاق أكثر مما تسمح الإمكانات للحصول على الأصوات ثم بمجرد وصولهم إلى الحكم يقترضون لسد فجوة العجز بين الدخل والإنفاق العام، ولعب الاقتصاديون دوراً في تسهيل الاقتراض بنظريات حول أهميته لتمويل الاستثمار في الاقتصاد الذي يشجع النمو المرتفع، ومع نمو الناتج المحلي الإجمالي تقل نسبة الدين إليه وتصبح الحكومة قادرة على الوفاء بالتزاماتها.

إجمالي الدين العالمي

لكن قواعد الانضباط المالي لا تطبق في غالب الدول بالمعايير النظرية، علاوة على أن الدول المصنفة "غنية" تميل إلى الاقتراض أكثر مدعومة بثقة واسعة لدى المقرضين في قدرتها على سداد ديونها، وما حدث في العقود الأخيرة منذ أواخر القرن الماضي أن إدمان الاقتراض أصبح خللاً هيكلياً في النظام المالي العالمي كله، وبذلك يقترب حجم الدين العام (الحكومي) العالمي من نسبة 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بحسب تقديرات البنك الدولي، ويزيد الدين العام في العالم حالياً على 100 تريليون دولار تمثل نحو ثلث إجمال الدين في العالم.

يشمل إجمال الدين العالمي إلى جانب الدين العام الحكومي ديون الشركات والديون الشخصية للمستهلكين، ويجرى الاقتراض، سواء بالنسبة إلى الحكومات أو الشركات، عبر إصدار أذون الخزانة للحكومات أو سندات الدين للحكومات والشركات والأعمال وعبر الاقتراض من السوق الأولية بواسطة أدوات دين مختلفة، إضافة طبعاً إلى القروض المباشرة وغيرها من وسائل الائتمان المختلفة، أما القروض الشخصية فغالباً من البنوك والمؤسسات عبر القروض ووسائل الائتمان الأخرى.

بحسب أرقام معهد التمويل الدولي بنهاية مايو (أيار) الماضي، وصل إجمال الدين العالمي إلى 315 تريليون دولار، فيما وصفه تقرير المعهد بأنها "أكبر وأسرع زيادة في حجم الدين العالمي وأوسعها نطاقاً منذ الحرب العالمية الثانية".

من بين إجمال الدين العالمي، وصل الدين العام (الحكومي الخارجي والمحلي) إلى 91.4 تريليون دولار، بينما كانت ديون الشركات والأعمال عند 164.5 تريليون دولار، في حين شكلت ديون القطاع المالي وحده منها 70.4 تريليون دولار، أما الديون الشخصية للمستهلكين، مثل قروض الرهن العقاري وديون بطاقات الائتمان وديون الطلاب وقروض السيارات وغيرها فكانت عند 59.1 تريليون دولار، وبالطبع ارتفعت تلك الأرقام في الأشهر الأربعة الأخيرة حتى الآن، وتشير كل التقديرات إلى أن نمو الدين العالمي يزيد بوتيرة غير مسبوقة في العام الحالي والعام السابق.

تباين الدول من جهة حجم الدين

طبقاً لبيانات وأرقام معهد التمويل الدولي، فإن نحو ثلثي إجمال الدين في العالم مستحق على اقتصادات الدول الموصوفة بأنها "متقدمة" والمعروفة بـ"الدول الغنية"، وتأتي الولايات المتحدة واليابان في صدارة قائمة الدول المديونة في العالم. ربما يبدو ذلك منطقياً في ظل حجم تلك الاقتصادات المتقدمة، لكن إذا أخذنا في الاعتبار نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي يظهر أن تلك الدول لا تلتزم قواعد الانضباط المالي بالنسبة إلى الاقتراض العام، وينسحب ذلك بالتالي على الشركات والأعمال وحتى على المستهلكين الأفراد بالإغراق في الدين والاعتماد على الائتمان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يصل حجم إجمال الدين لدول الاقتصادات الصاعدة إلى 105 تريليونات دولار، مع نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي في غاية الخطورة إذ تصل إلى 257 في المئة. ويقدر تقرير المعهد أن ذلك أعلى ارتفاع لهذه النسبة منذ ثلاث سنوات، وتأتي الصين والهند والمكسيك في مقدمة دول الاقتصادات الصاعدة الأكبر مديونية.

تعد سنغافورة الدول الوحيدة تقريباً في العالم التي ليس لديها مشكلة دين عام (حكومي)، إذ تتبع سياسة مالية منضبطة تجعل الإنفاق العام لا يزيد على الدخل القومي، ومن ثم لا تعاني عجزاً في الموازنة تضطر إلى تمويله بالاقتراض، لكن ذلك لا يعني أن الشركات والأعمال في سنغافورة ليست عليها التزامات دين، كما أن هناك ديوناً شخصية أيضاً.

هناك عدد قليل من الدول التي تتبع الانضباط المالي أيضاً بحيث لا تصل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي مستوى 50 في المئة، وفي مقدمة تلك الدول إستونيا، وهي دولة صغيرة لكنها منضبطة مالياً ولا تزيد نسبة الدين إلى الناتج المحلي فيها على 18 في المئة، وكذلك كانت روسيا قبل حرب أوكرانيا (حسب بيانات وأرقام عام 2020) بنسبة دين عام إلى الناتج المحلي عند 19 في المئة فحسب.

تأتي بعد ذلك دول عدة لا تعد "مثقلة بالدين العام" مثل بقية العالم المتقدم والصاعد، منها على سبيل المثال النرويج والسويد والدنمارك وسويسرا وتايوان وكوريا الجنوبية، وتراوح نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في غالب تلك الدول ما بين نحو 30 في المئة إلى ما يزيد قليلاً على 40 في المئة.

وبغض النظر عن معيار نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، الذي يستخدم لقياس قدرة أي بلد على الوفاء بالتزاماته الائتمانية، فإن حجم الدين العالمي بصورة عامة ونحو ثلثه المتمثل في الدين العام للحكومات يمثل قنبلة موقوتة، ويخشى من استمرار هذه الشره الائتماني والإدمان على الاقتراض إلى وصول فقاعة الدين العالمي إلى نقطة الانفجار، وربما يؤدي ذلك إلى أزمة غير مسبوقة تتجاوز الأزمة المالية العالمية في 2008 – 2009.

اقرأ المزيد