Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تطبيقات المراهنات في مصر وجه آخر للنصب إلكترونيا

أكثر من 4.5 مليون مواطن وقعوا في فخها خلال العام الماضي وأنفقوا نحو مليار و200 مليون دولار والغالبية من الشباب

المراهنات على نتائج مباريات كرة قدم أحد أشكال القمار الإلكتروني في مصر (رويترز)

ملخص

"شاركت في تطبيقات المراهنات الإلكترونية، وراهنت على أكثر من لعبة، كنوع من التسلية والتجربة، ومع مرور الوقت أصبح اللعب إدماناً، خصوصاً مع توالي المكسب والربح بصورة يومية". هكذا يقع المصريون في فخ المراهنات الإلكترونية.

بين عشية وضحاها انقلبت حياة أحمد مصطفى (اسم مستعار) رأساً على عقب بعد سقوطه فريسة في فخ عصابات النصب والاحتيال المالي في تطبيقات المراهنات الإلكترونية أو ما يعرف بـ"القمار الإلكتروني"، إذ لم يكن يدرك الشاب المصري، الذي يعمل موظفاً بإحدى شركات الاتصالات الخاصة، أن دخوله مجال الألعاب الإلكترونية سينتهي بخسارته "تحويشة العمر".

"كنت فريسة"

يقول الشاب الثلاثيني خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "أثناء تصفحي 'فيسبوك' ظهرت مجموعة من الألعاب الإلكترونية، من بينها 'الكوتشينة' و'الطائرات'، فقررت التجربة، ولاحظت أن رصيداً مالياً باللعبة يسمح لأي شخص باللعب به، فلعبت وربحت أكثر من مرة في البداية".

"مع مرور الوقت وجدت مسؤولي اللعبة يطلبون مني الدخول على 'تيليغرام' من أجل شحن رصيد مالي حقيقي يجري إرساله عبر إحدى المحافظ الإلكترونية لاستكمال ومواصلة اللعب، فوافقت على طلبهم، وبدأت في إرسال الأموال وتقديم 'إسكرين شوت' بتنفيذ معاملة الدفع المالي بعد الانتهاء منها"، بحسب مصطفى.

اندفع الشاب إلى تلك المغامرة من أجل مضاعفة أرباحه باللعبة، إذ دفع مبلغاً مالياً يقدر بـ118 ألف جنيه (2,425.96 دولار) نظير المشاركة في باقات مضاعفة قيمة الأرباح المالية، إلا أنه فوجئ مع مرور الوقت بحظر "الأكاونت" الشخصي نهائياً، وفقدان كل رصيده المالي.

بصوت يملؤه الحزن يقول مصطفى "حاولت التواصل مع مسؤولي غروب الـ'تيليغرام' والمسؤولين عن تطبيقات تلك الألعاب بأي وسيلة إلا أنهم اختفوا نهائياً، ولم يكن هناك استجابة لاتصالاتي وفقدت كل أموالي وشعرت في تلك اللحظة أنني كنت فريسة لعملية نصب واحتيال مالي".

وقبل أيام ضبطت وزارة الداخلية المصرية تشكيلاً عصابياً تخصص في الاستيلاء على أموال المواطنين تحت مظلة إدارة وترويج المراهنات الإلكترونية، إذ ضبط 25 متهماً بحوزتهم 441 شريحة هاتف محمول، و100 هاتف محمول، ومحافظ مالية إلكترونية بها ما يعادل مليون جنيه.

وتبين قيام عدد من الأشخاص بنطاق محافظتي (الوادي الجديد – أسيوط) بتجميع عدد من خطوط الهاتف المحمول المفعل عليها محافظ مالية وشرائها من المواطنين مقابل مبالغ مالية، واستخدام تلك المحافظ الإلكترونية في تداول الأموال على مواقع المراهنات بالمخالفة للقانون.

تسلية ثم إدمان

حال أحمد يوسف (اسم مستعار) لا يختلف كثيراً عن مصطفى، إذ خسر أيضاً 200 ألف جنيه (4,111.80 دولار) نظير اشتراكه في مراهنات تطبيقات "التعارف والغرف المغلقة". يقول الرجل الخمسيني، مالك إحدى شركات المقاولات، "بدأت المشاركة في تطبيقات المراهنات الإلكترونية يناير (كانون الثاني) الماضي، وراهنت على أكثر من لعبة، وبدأت اللعب نوعاً من التسلية والتجربة، ومع مرور الوقت أصبح اللعب إدماناً، خصوصاً مع توالي المكسب والربح بصورة يومية".

يضيف يوسف خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "دفعت 200 ألف جنيه من رصيد شركتي من أجل مضاعفة أرباحي، ووصل رصيدي في اللعبة إلى مليون جنيه (20,559 دولار)، لكن فوجئت في مايو (أيار) الماضي، بإغلاق الألعاب والحسابات مما تسبب في فقدان رصيدي بالكامل".

بصوت خافت يقول الرجل الخمسيني، "شعرت أنني خسرت كل شيء، ولم أتمكن من التواصل مع مسؤولي اللعبة، وحاولت البحث عن أي وسيلة لاستعادة أموالي مرة أخرى، لكن فشلت كل محاولاتي".

 

مأساة المرأة الأربعينية حنان مصطفى (اسم مستعار) لا تختلف كثيراً عمن سبقوها، إذ قررت هي الأخرى خوض مغامرة عالم الألعاب الإلكترونية كنوع من الترفيه، وبدأت بالمراهنة على ألعاب "الكوتشينة"، ومع مرور الوقت بدأت تتجه لزيادة الأرباح من أجل مضاعفة مكاسبها المالية.

تقول حنان (ربة منزل)، "بدأت في يناير (كانون الثاني) الماضي الدخول في عالم المراهنات على الألعاب الإلكترونية، وتحول الأمر من التسلية إلى الرغبة في مضاعفة أرباحي المالية خلال فترة زمنية قصيرة، وحاولت زيادة المبالغ المالية التي أشترك بها في باقات الألعاب من أجل تحقيق مكاسب طائلة".

تضيف حنان، "شاركت بـ20 ألف جنيه (411.18 دولار)، وتضاعف رصيدي في اللعبة، وكنت أحول المبالغ المالية لشحن الرصيد على إحدى المحافظ الإلكترونية، وأتواصل مع مسؤولي التطبيق عبر 'تيليغرام' في حالة الاستفسار عن أي شيء، إلا أنني فوجئت بغلق الحساب الخاص بي فجأة، ودون أي إنذار مسبق وسحب كل ما وضعته من أموال".

تستكمل المرأة الأربعينية، "حاولت تقديم شكاوى عديدة، إلا أنها لم تلقَ أي استجابة، وحينما طالبت مسؤولي التطبيق بأموالي هددوني بفضح صوري الشخصية وبياناتي التي حصلوا عليها خلال اشتراكي في فترة اللعب كنوع من الابتزاز من أجل الصمت وعدم المطالبة بأموالي".

هكذا تدار 

إلى ذلك يفند المتخصص في أمن المعلومات وليد حجاج شبكة تطبيقات المراهنات الإلكترونية بأنها "يشترك فيها أكثر من طرف، وهم: مستخدمو ومشتركو التطبيقات، وكذلك المنصات التي يتعاملون من خلالها، والوسطاء الذين يتولون مهمة تسييل الأموال عبر المحافظ الإلكترونية، وغالباً ما تجري إدارتها من دول مثل الصين"، مشيراً إلى أن تلك الجرائم "انتشرت قبل عامين في أشكال مراهنات على ألعاب إلكترونية أو نتائج مباريات كرة قدم أو رهانات على غرف مغلقة وتطبيقات تعارف (غير أخلاقية).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف حجاج، الذي يشغل أيضاً منصب عضو الهيئة الاستشارية العليا للأمن السيبراني، خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "محتالو تلك التطبيقات يعملون في مجالات شرعية ستاراً للتغطية على جرائمهم ويلجأون إلى استخدام محافظ إلكترونية ليست بأسمائهم الحقيقية عبر استخدام بطاقات لأشخاص متوفين أو استغلال المحافظ الإلكترونية لأشخاص بسطاء نظير منحهم مبالغ مالية زهيدة، أو جمع خطوط هواتف محمولة مفعل عليها محافظ مالية، واستخدامها في تداول الأموال على مواقع المراهنات الإلكترونية، بالمخالفة للقانون".

ويشير مساعد وزير الداخلية لأمن المعلومات سابقاً اللواء محمود الرشيدي إلى أن هناك أكثر من 4.5 مليون مواطن مصري استخدموا مواقع المراهنات الإلكترونية على منصات التواصل الاجتماعي خلال العام الماضي، منفقين عليها نحو مليار و200 مليون دولار، و90 في المئة من مستخدميها شباب". مضيفاً، خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "غالب عمليات الاحتيال كانت تتم عبر تطبيق 'أكسبت وان' الشهير الذي أسس في روسيا، وأعلن إفلاسه منذ فترة، والمسؤولون عن ذلك التطبيق أصبحوا يمارسون أنشطتهم غير المشروعة من دول أخرى".

ويعتقد الرشيدي أن سبب بروز تلك الألعاب هو "الانتشار الواسع للهواتف الذكية، علاوة على النظرة الدونية من المجتمع لمن يلعبون القمار، إذ يتجهون إلى الرهان الإلكتروني في الخفاء"، كاشفاً عن أن حكومات دول أجنبية "تأخذ نسبة من أرباح تطبيقات المراهنات".

وكان الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أوقف قبل أيام خطوط الهاتف المحمول والمحافظ الإلكترونية المستخدمة في أنشطة مراهنات التطبيقات الإلكترونية، دون الحصول على ترخيص بذلك من الجهات المتخصصة وبالمخالفة لأحكام القانون، ومن بينها تطبيق "أكسبت وان".

جرائم على هامش المراهنات

ويشير مساعد وزير الداخلية لأمن المعلومات إلى أن الشركات ومنفذي تلك التطبيقات "لديهم كفاءة في استخدام الذكاء الاصطناعي، وتحليل بيانات وشخصيات المستخدمين أنفسهم، فغالب محتالي تلك التطبيقات يستخدمون الألعاب والأموال الوهمية فخاً لاصطياد الضحايا، ويقومون بإغرائهم بأرباح مالية ثم قطع خطوط الاتصال معهم فجأة"، مشدداً على ضرورة التوعية التكنولوجية ومحو الأمية الرقمية، وأن يجيد المواطن التكنولوجيا الحديثة، وتغليظ العقوبات في القانون على محتالي تلك التطبيقات.

 

وتنص المادة "14" من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، على عقوبات رادعة في حق مرتكبي جرائم المراهنات الإلكترونية، إذ يعاقب كل من يدخل عمداً إلى مواقع أو أنظمة معلوماتية محظورة بالحبس لمدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه (1,028.17 دولار)، وتشدد العقوبات في حال كان المتورطون جزءاً من شبكات منظمة تهدف إلى التحايل على القوانين، وتحقيق أرباح غير مشروعة.

وأقرت المادة 352 من قانون العقوبات كل من أعد مكاناً لألعاب القمار وهيأه لدخول الناس فيه يعاقب هو وصيارف المحل المذكور بالحبس وبغرامة لا تجاوز ألف جنيه وتضبط جميع النقود والأمتعة في المحال الجاري فيها الألعاب المذكورة ويحكم بمصادرتها.

وكان مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أعلن أن المراهنات التي يجريها المشاركون على مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات المختلفة، ويدفعون أموالاً في حساباتها، ثم يأخذ هذه الأموال الفائز منهم فحسب، ويخسر الباقون، هي عين القمار المحرم.

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية شهدت مصر عديداً من الجرائم الأسرية الناجمة عن تطبيقات المراهنات الإلكترونية، ففي أغسطس (آب) الماضي أقدم شاب على إزهاق روح جدته التي كانت تقطن منطقة الخليفة بمحافظة القاهرة، بسبب أحد تطبيقات المراهنات على الإنترنت.

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي أنهى شاب حياته بتناول مادة سامة داخل المنزل في إحدى قرى مركز نجع حمادي شمال محافظة قنا، بعد خسارته 70 ألف جنيه (1,439.13 دولار) في لعبة مراهنات على تطبيق شهير، إذ كان ينوي شراء سيارة بالمبلغ حسب رغبة والده، وفي الشهر نفسه أقدم شاب على شنق نفسه في منزله في مركز بني مزار بمحافظة المنيا بصعيد مصر لخسارته في إحدى ألعاب المراهنات الإلكترونية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات