ملخص
أثار تزايد جرائم القتل في الجزائر قلقاً واسعاً في البلاد وسط مطالبات بتشديد العقوبات، بينما يرى متخصصون أن التصنيف مهم، إذ يكون الإعدام للمتعمد وتكييف العقوبات الباقية بحسب النوع.
عاد الحديث مجدداً بالجزائر في شأن تزايد جرائم القتل "المروعة" التي باتت تسجل من حين لآخر في مناطق عدة، وبطرق "هيتشكوكية" مثيرة للاستغراب. وعلى رغم أن وراء كل جريمة قصة، فإنه لا يمكن تبرير العنف الذي ينخر المجتمع، وما زاد من التخوف هو دخول المرأة عالم القتل الوحشي، وهو حال السيدة "خيرة" التي لقبت بـ"سفاحة الجزائر".
عندما تتحول الأنوثة إلى "سفاحة"
واستحوذت جرائم السيدة "خيرة" على صفحات الصحف والنشرات الإخبارية في مختلف القنوات، ناهيك بحديث الشارع، لفظاعة ما أقدمت على ارتكابه، وهي محسوبة على "الجنس اللطيف"، وتقطن بمنطقة "سيق" بولاية معسكر (غرب الجزائر). وكشف وكيل الجمهورية الجزائرية لدى محكمة المدينة، المسعود ضحوي، عن قتل "خيرة" أربعة أشخاص وتنكيلها بجثثهم وتقطيعها إلى أجزاء، مشيراً إلى أن إحدى الجثث عثر عليها مدفونة في منزل المتهمة، بينما تم استخراج ثلاث جثت أخرى من أحد الوديان المحاذية للقرية، حيث مقر سكن "خيرة"، كان أصحابها يعدون مفقودين.
وأوضح القاضي أن "سفاحة معسكر" ورطت أفراداً من عائلتها من بينهم والدتها التي كانت على علم بالجرائم التي ارتكبتها ابنتها ولم تبلغ عنها، وكذلك شقيقها الذي اعترف لدى القبض عليه بأنه ساعدها وشريكها المدعو "ط. ب"، في دفن الجثة داخل المنزل. وأضاف القاضي أن القبض على المتهمين تم بعد وفاة الشريك (ط. ب) في حادثة مرور، فيما اعتقل المتهمة الرئيسة "خيرة" في مدينة المحمدية، في الولاية ذاتها، قبل أن يتم تقديمهم من بين 9 متهمين آخرين، أمام النيابة، فيما لا يزال ثلاثة آخرون فارين.
صدمة البشاعة
وليست عمليات القتل فقط ما أحدث صدمة في أوساط الجزائريين، بل ما تبعها من أعمال وحشية بشعة، إذ وبحسب ملف القضية، فإن المتهمين لوحقوا بتهم عدة، أبرزها جناية القتل العمد المصاحب لجناية قتل أخرى، وجنحة تشويه جثة بارتكاب أعمال وحشية عليها لطمس آثار الجريمة، وجناية الحصول على أشياء مختلسة ومتحصل عليها من جناية، وجنحة إخفاء جثة، وجنحة عدم التبليغ عن جناية يعلم بوقوعها فعلاً، وجناية السرقة مع توفر ظروف التعدد والعنف، وجناية إخفاء أشياء مختلسة ومتحصل عليها من جناية، إضافة إلى جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وجناية تكوين جمعية أشرار بغرض الإعداد لارتكاب جنايات ضد الأشخاص والممتلكات.
صيف ساخن
كذلك سجلت جريمة لا تقل بشاعة عما قامت به "خيرة"، إذ تعرض منذ شهر المغني خير الدين حليلو للقتل بطريقة مروعة على يد "مؤثرة" معروفة تدعى "هديل. ل" بمساعدة شقيقتها، وذلك عبر صب البنزين عليه وإشعال النار فيه. كما عاشت منطقة "باب الزوار" بالعاصمة الجزائرية خلال الشهر الماضي جريمة شنيعة أثارت موجة من الغضب والاستياء راح ضحيتها رضيع عمره 16 شهراً يعاني "متلازمة داون"، بعد تعرضه للتعذيب والقتل على يد والديه، وهم في الثلاثينيات من العمر.
وفي شهر أغسطس (آب) الماضي استيقظ سكان مدينة "تاجنة" بولاية الشلف غرب الجزائر على وقع جريمة قتل مروعة راحت ضحيتها عجوز سبعينية أمام زوجها الثمانيني، من قبل أربعة شباب تراوح أعمارهم ما بين 20 و30 سنة، حاولوا سرقة أموال ومجوهرات من منزل الضحيتين بدافع تأمين كلف رحلة هجرة غير شرعية باتجاه إسبانيا.
إلى ذلك شهدت مدينة عنابة بشرق الجزائر في يوليو (تموز) الماضي جريمة قتل راحت ضحيتها أستاذة متقاعدة وحفيدها كانا بالبيت ساعة دخول الجناة بغرض السرقة. وقبلها بنحو 3 أسابيع قتل شاب مدمن والدته خنقاً وهي نائمة بولاية الجلفة، بينما استيقظت مدينة البويرة بوسط الجزائر، على وقع جريمة قتل زوج لزوجته (28 سنة) وهي أم لرضيعة، إذ رفع صوت الموسيقى في المنزل، وعذبها قبل القضاء عليها. وكانت مدينة البليدة قرب العاصمة، مسرحاً لمقتل سيدة تبلغ من العمر 37 سنة، وهي أم لأربعة أطفال، على يد زوجها بمطرقة وهي نائمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أسباب تطور الجرائم
وأمام هذه الجرائم التي كشف عنها خلال فترة الصيف الماضي يبقى البحث عن أسباب هذا "التهافت" على إزهاق الأرواح أكبر انشغال تقف أمامه الحكومة والمتخصصين والخبراء والشارع عاجزين، إذ يرجع الحقوقي فوزي بلعقل ارتفاع جرائم القتل في الجزائر إلى "أسباب عدة أهمها الإدمان على المخدرات والمهلوسات والمؤثرات العقلية، وأيضاً تأزم أوضاع الجزائريين الاجتماعية والمالية بفعل تدهور القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار، بدليل اختفاء الطبقة الوسطى التي كانت إلى وقت قريب تملأ الفجوة بين الأغنياء والفقراء"، موضحاً أن "الدراسات التي تجريها مختلف الجهات تؤكد أن الإدمان يولد الجريمة، لكن مع توسع دائرة العوز والحاجة دخلت الجريمة إلى بيوت الجزائريين بقوة، على اعتبار أن المشكلات العائلية كثرت وبات الجميع تحت الضغط".
ويتابع بلعقل أنه "في السنوات الأخيرة تطورت الجريمة بصورة خطرة تكشف عن تغيير سلبي في عقلية الجزائريين، إذ إن نوعية جرائم القتل تكشف عن روح انتقامية غير مفهومة، وعنف بشع يبرز الحالة النفسية التي بات عليها المجتمع"، مشدداً على أن "الوازع الديني كما الأخلاقي أصبحا غائبين من قاموس الجزائريين بصورة لافتة، إذ إن العادات تغيرت في اتجاه غير الذي يحافظ على تماسك الأسرة، بدليل طريقة الكلام أو الحديث والتفكير والأكل واللباس خرجت عن دائرة الثقافة الجزائرية، واختلطت بعادات مختلف الشعوب، بالتالي فإن المجتمع بات مبعثراً بين الماديات بعيداً من الروحانيات، فبين تصفية حسابات قديمة وديون عالقة وخيانة زوجية وسرقة هواتف نقالة، وغيرها من الحوادث، تسقط أرواح دون أدنى اعتبار".
تفعيل عقوبة الإعدام
من جانبه اعتبر المستشار القانوني عبدالحفيظ كورتل أن "جرائم القتل صارت طاغية ومتكررة، بل وأصبحت متسلسلة تمس عائلة بأكملها مع استخدام السلاح الأبيض في كل الجرائم"، مشيراً إلى "وجوب إجراء دراسات من قبل خبراء في الإجرام للخروج بحلول مستعجلة". وأضاف أن "هذه الجرائم أصبحت تمس فئات شبانية وعائلية، مما يدل على أن مؤشر الجريمة في تصاعد كبير، وتجلت أبشع مظاهرها في القتل المصحوب بالتنكيل، وبصورة علنية، وفي الشوارع الرئيسة، بعدما كانت في ما مضى تتم بسرية تامة، ما يعني أن الخوف لم يعد يتسلل إلى أنفس المجرمين، وترسخت لديهم ثقافة اللاخوف، باعتبار أن عقوبة الإعدام لن تمسهم حتى وإن تم النطق بها".
ورأى كورتل أن "استهلاك المخدرات وتعاطيها فاقم حدة الأمر، مع انعدام الخوف من سلطة الدولة والقانون"، مشيراً إلى أنه "لا بد من تفعيل عقوبة الإعدام، بخاصة في ما يتعلق بعقوبة القتل الوحشي، وهي التي تصنفها بعض الأنظمة في الفئة الأولى التي لا تقبل فيها أي أعذار ويمر فيها المتهم إلى غرفة الإعدام مباشرة، على اعتبار أن الردع هو رسالة لعامة المجتمع، بأن القاتل يقتل". وشرح أن "مجرد إنزال حكم الإعدام في حق القتلة سيثير الخوف في نفوس الآخرين". وأضاف أن "الظرف الحالي يفرض ضرورة إعادة النظر في تدابير قانون العقوبات لأن الإشكال المطروح حالياً هو أن المجرمين السابقين كانوا متهمين بجرائم بسيطة، ولكن كانت لديهم النية المبيتة في الانتقام، لذلك فإن الظاهرة تحتاج إلى معالجة اجتماعية". وقال إنه "يجب تصنيف جرائم القتل حسب الفئات، إذ تكون عقوبة الإعدام للفئة الأولى وهي القتل المتعمد على أن يتم تكييف بقية الفئات بحسب نوع جريمة القتل المرتكبة، إضافة إلى مداهمة أوكار الجريمة، وتعقب حاملي الأسلحة البيضاء لأنهم ببساطة يعدون مشروع قتلة جدد".