يرى المتخصص في التقنية زياد يوسف عبدعون أن الذكاء الاصطناعي ليس تقنية جديدة بل إن تطبيقه بصورة واسعة هو الجديد، مضيفاً "خلال الأربعينيات من القرن الـ20، قدم عالم رياضيات والحاسوب البريطاني آلان تورنغ أسساً لنظرية للحوسبة من خلال مفهوم آلة تورنغ، وهي نموذج رياضي للحاسوب يمكنه تنفيذ أية خوارزمية حسابية".
وتابع عبدعون أنه خلال عام 1950 نشر تورنغ ورقة علمية بعنوان "الحوسبة والذكاء" إذ قدم ما يعرف الآن بــ"اختبار تورنغ"، مشيراً إلى أن هذا الاختبار يهدف إلى تحديد ما إذا كانت الآلة قادرة على إظهار سلوك ذكي لا يمكن تمييزه عن الذكاء البشري، لافتاً إلى أنه "بناء على أعمال تورنغ يمكن القول إن بدايات الذكاء الاصطناعي تعود إلى الأربعينيات من القرن الـ20".
وأكد عبدعون أنه على رغم أن مصطلح "الذكاء الاصطناعي" لم يصغ رسمياً حتى عام 1956 خلال مؤتمر "دارتموث" فإن إسهامات تورنغ وضعت الأسس النظرية التي بني عليها هذا المجال.
وحول التأثير الفريد للذكاء الاصطناعي في الحياة داخل الشرق الأوسطـ، قال عبدعون "يعد الشرق الأوسط منطقة غنية بالتاريخ والتقاليد ومع ذلك يقف على حافة تقدم تكنولوجي سريع، وهذا التناقض يخلق بيئة فريدة إذ يتم تبني الذكاء الاصطناعي بوتيرة متسارعة ومقيدة خلال الوقت نفسه بالمعايير الاجتماعية".
أضاف أن هذا يحدث على عكس الدول الغربية، إذ إن الفردية غالباً ما تدفع إلى تكامل التكنولوجيا وتضع المجتمعات الشرق أوسطية تركيزاً قوياً على المجتمع والتقاليد، لافتاً إلى أن هذا الإطار الثقافي يؤثر في كيفية استقبال ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية.
تنويع الاقتصاد والذكاء الاصطناعي
وأشار عبدعون إلى أنه بالنسبة إلى عديد من دول الشرق الأوسط يقدم الذكاء الاصطناعي مساراً لتنويع الاقتصادات التي تعتمد بصورة كبيرة على النفط، إذ استثمرت الحكومات بصورة كبيرة في أبحاث وتطوير الذكاء الاصطناعي بهدف إنشاء مراكز ابتكار تنافس "وادي السيليكون".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينما تتقدم المراكز الحضرية مثل دبي والرياض بمشاريع المدن الذكية والخدمات العامة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي، تواجه المناطق الريفية خطر التخلف، مما يزيد من الفجوات الاجتماعية والاقتصادية القائمة.
في المقابل، تمتلك عديد من الدول الغربية بنية تحتية تكنولوجية موزعة بصورة أكثر تساوياً، مما يسمح بتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي بصورة أكثر انتظاماً.
التعليم وتحول القوى العاملة
ورأى المتخصص في التقنية أن دمج الذكاء الاصطناعي في سوق العمل الشرق أوسطي يقدم فرصاً وتحديات على حد سواء، موضحاً "فمن ناحية هناك إمكانية لخلق وظائف عالية المهارة وتطوير جيل جديد من رواد الأعمال التقنيين، بينما من ناحية أخرى هناك تهديد متزايد بأن الأتمتة ستزيح العمال في صناعات مثل التصنيع واستخراج النفط".
وتابع أن "الأنظمة التعليمية تتسابق للتكيف"، مستدركاً "لكن لا يزال هناك فجوة في مواءمة المناهج مع المهارات المطلوبة في اقتصاد يقوده الذكاء الاصطناعي"، قائلاً "من خلال خبرتي يتناقض هذا مع مناطق مثل أميركا الشمالية وأوروبا، حيث يوجد نظام أكثر رسوخاً للتعلم المستمر وإعادة التدريب المهني". وأشار إلى أنه يجب على دول الشرق الأوسط الاستثمار في إصلاح التعليم والتدريب المهني لتجهيز شبابه بالمهارات اللازمة للنجاح في مستقبل يهيمن عليه الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي والحوكمة والديناميكيات الاجتماعية
وأكد عبدعون أن بعض الحكومات في الشرق الأوسط تستفيد من الذكاء الاصطناعي في الحوكمة والمراقبة بهدف تعزيز الأمن وتبسيط الخدمات العامة، وعلى رغم أن هذه الجهود يمكن أن تؤدي إلى إدارة أكثر كفاءة فإنها تثير أيضاً مخاوف في شأن الخصوصية والحريات المدنية، مشيراً إلى أن السياق الثقافي هنا محوري، فالمجتمعات التي تعطي الأولوية للأمن الجماعي قد تكون أكثر قبولاً لتقنيات المراقبة من تلك التي تؤكد الحريات الفردية، علاوة على ذلك يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً في وسائل التواصل الاجتماعي ونشر المعلومات، مما له تداعيات فريدة في الشرق الأوسط، إذ يمكن أن يكون أيضاً أداة للرقابة والدعاية.ودعا عبدعون الحكومات "إلى إيجاد التوازن ما بين تسخير الذكاء الاصطناعي للمنفعة الاجتماعية وتخفيف إمكانية إساءة استخدامه، مضيفاً "هو توازن دقيق تستمر المنطقة في التعامل معه".
وحول التحديات الصحية، قال عبدعون إن الشرق الأوسط تحديات صحية محددة بما في ذلك إدارة الأمراض المزمنة وتحسين الوصول إلى الخدمات الطبية في المناطق النائية، مضيفاً "لدى الذكاء الاصطناعي القدرة على إحداث ثورة في تقديم الرعاية الصحية من خلال الطب من بعد والتحليلات التنبؤية وخطط العلاج الشخصية".
تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصادات المعتمدة على النفط
وحول الاقتصادات المعتمدة على النفط، قال عبدعون إنه مع انتشار الذكاء الاصطناعي تقف الاقتصادات المعتمدة على النفط في الشرق الأوسط أمام مفترق طرق حاسم، موضحاً "يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون محفزاً لتحديث قطاع النفط من خلال تحسين عمليات الاستخراج والإنتاج والتوزيع مما يزيد من الكفاءة ويقلل الكلف"، وأشار إلى أنه مع ذلك قد يؤدي التقدم في تكنولوجيا الطاقة المتجددة المدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى تقليل الاعتماد العالمي على النفط كمصدر رئيس للطاقة.
واختتم المتخصص في التقنية التكنولوجية الدكتور زياد يوسف عبدعون حديثه قائلاً "تأثير الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط هو تفاعل معقد بين الطموح والتقاليد والابتكار على عكس المناطق الأخرى، إذ قد يتبع تبني الذكاء الاصطناعي مساراً أكثر خطية، فإن رحلة الشرق الأوسط متعددة الأوجه"، مضيفاً أن "التراث الثقافي الفريد للمنطقة والأهداف الاقتصادية والهياكل الاجتماعية تشكل كيفية تصور وتنفيذ الذكاء الاصطناعي، بينما نتقدم من الضروري أن يتعاون صناع السياسات وقادة الصناعة في الشرق الأوسط على استراتيجيات تستفيد من فوائد الذكاء الاصطناعي مع التخفيف من أخطاره، من خلال إعطاء الأولوية للتعليم الشامل وفرص الاقتصاد العادلة والحوكمة الأخلاقية، إذ يمكن للشرق الأوسط أن يرسم مساراً مميزاً وناجحاً في مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي"، وتابع أنه في ضوء التحديات التي تواجه الاقتصادات المعتمدة على النفط يصبح تبني الذكاء الاصطناعي ليس خياراً بل ضرورة، إذ تقف المنطقة في لحظة حاسمة مع إمكانية ليس فحسب اللحاق بالركب بل أيضاً قيادة الابتكار العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي، شريطة أن تتنقل في هذا المشهد المعقد بطريقة مدروسة وشاملة.