ملخص
أياً كان الشكل الذي يتخذه هذا الفصل من المحاسبة بعد أحداث الـ11 من أيلول، وأياً يكُن وقت حدوثه، فمن الواضح أنه حتى بعد عقود من ذروة الحرب على الإرهاب، لا يزال عدد كبير من الأسرار مدفوناً في وقت تحافظ الولايات المتحدة على صمتها
في سبتمبر (أيلول) عام 2006، هبطت طائرة شحن عسكرية أميركية من طراز سي-17 في خليج غوانتانامو في كوبا وأودعت 14 سجيناً جديداً هناك. سبق أن اعتُقل أولئك الرجال في سجون سرية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية CIA في أنحاء العالم حيث خضع كثر منهم للتعذيب خارج إطار القانون الأميركي.
عمار البلوشي هو أحد هؤلاء السجناء وواحد من بين الرجال الخمسة الذين يواجهون محاكمة عسكرية في معتقل غوانتانامو بتهمة مساعدته خاطفي الطائرات التي نفذت هجمات الـ 11 من أيلول. وقبل وصوله إلى سجن الجزيرة، تعرض البلوشي للعزل في السجن الانفرادي والحلاقة القسرية والضرب والغمر بالماء المثلج والبقاء في أوضاع مرهقة بما في ذلك تقييده بالسقف والحرمان من الطعام. وفي إحدى الحوادث المروعة بصورة خاصة، اصطف عدد من المحققين المتدربين وضربوا رأسه بالحائط مراراً وتكراراً للتدرب على تقنية تُعرف باسم "الضرب بالحائط" walling، مما أدى إلى إصابته بضرر وتلف في الدماغ، وفقاً لتقرير صادر عن وكالة الاستخبارات المركزية رفعت السرية عنه عام 2022.
ولدى وصوله إلى القاعدة العسكرية الأميركية في الجزيرة الكوبية إلى جانب الرجال الـ13 الآخرين، نُقلوا على الفور إلى سجن مظلم وسري آخر هو المعسكر رقم 7.
كان المعسكر رقم 7، قبل إغلاقه عام 2021، الجزء الأكثر سرية في معتقل غوانتانامو إذ كان يخضع لحراسة مشددة لدرجة أن موقعه الدقيق وتصميمه وكلفه كانت كلها سرية للغاية. وضم بعض أكثر المعتقلين أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة على غرار البلوشي وعمه، العقل المدبر لهجمات الـ11 من سبتمبر خالد شيخ محمد.
ولكن بعد ما يقارب العقدين على وصول هؤلاء المعتقلين إلى غوانتانامو، من المحتمل أن تؤدي دعوى قضائية جديدة إلى كشف النقاب عن مزيد من التفاصيل حول ما كان يجري في ذلك المعسكر وسواء كان يخضع "للسيطرة التشغيلية" الكاملة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية.
في التفاصيل أنه أول من أمس الإثنين، طلب الاتحاد الأميركي للحريات المدنية من المحكمة العليا النظر في قضية "كونيل ضد وكالة الاستخبارات المركزية" التي تزعم أن وكالة الاستخبارات تمكنت بصورة خاطئة من التهرب من طلب الحصول على سجلات حول ارتباطاتها بالمعسكر 7. وقد يتحول ما يبدو وكأنه معركة قانونية غامضة حول سياسة السجلات إلى أمر يسلط الضوء على أحد أبرز الأسرار المستمرة في الحرب على الإرهاب.
تنبع تلك القضية من الدفاع القانوني الذي قدمه البلوشي. فالبلوشي الذي ولد في الكويت واعتقل في باكستان عام 2003، اتهم بتوفير الأموال وترتيبات السفر لمنفذي هجمات الـ11 من سبتمبر بناء على طلب عمه. وقال المواطن الكويتي إنه لم يكُن يعرف بالتحديد ما الذي كان متلقو دعمه يخططون للقيام به، ولم تتم إدانته بأي جرائم.
عام 2017، تقدم جيمس كونيل الثالث محامي البلوشي بطلب الحصول على المعلومات من وكالة الاستخبارات المركزية في إطار قانون حرية الحصول على المعلومات. وارتبطت تلك المعلومات المطلوبة بالفترة التي أمضاها موكله في المعسكر 7 وهي منشأة وصفها تقرير التعذيب الصادر عن مجلس الشيوخ الأميركي عام 2014 بأنها خاضعة "للسيطرة التشغيلية" لوكالة الاستخبارات خلال الفترة التي وصل فيها البلوشي إليها. أجابت الوكالة بتقديم ثلاثة سجلات، ولكنها حجبت سجلاً رابعاً بمجمله ورفضت توضيح ما إذا كانت هناك أية سجلات أخرى تربط بين وكالة الاستخبارات المركزية والمعسكر 7.
وأشار الاتحاد الأميركي للحريات المدنية إلى أن رد وكالة الاستخبارات بنمط "لا يمكننا التأكيد أو النفي"، المعروف باسم دفاع "غلومار" (Glomar هو مصطلح في قانون الولايات المتحدة يعبر عن أن الجهة "لا تؤكد أو تنفي المعلومة" وهو استجابة لقانون حرية المعلومات الأميركي (FOIA) الذي ينص بصورة عامة على أن لكل مواطن أميركي الحق في طلب الوصول إلى سجلات أي وكالة حكومية أميركية)، يتحدى المنطق العام لأن تقرير التعذيب وشهادات اللجنة العسكرية في غوانتانامو والوثائق التي أُفرج عنها تؤكد جميعها وجود أنشطة للوكالة في المعسكر رقم 7.
وفي بيان، قال بريت ماكس كوفمان أحد محامي الاتحاد الأميركي للحريات المدنية الذين يرافعون في القضية: "يُعتبر ادعاء وكالة الاستخبارات المركزية بالسرية في هذه القضية متطرفاً بقدر ما هو سخيف، نظراً إلى السجل العام المستفيض والشامل حول ارتباط وكالة الاستخبارات المركزية بمعسكر 7. لقد وسعت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مرة أخرى مفهوم ’غلومار’ إلى أقصى الحدود، ولا ينبغي للمحاكم أن تؤيد مهزلة السرية التي يعتمدونها".
تواصلت "اندبندنت" مع وكالة الاستخبارات المركزية طلباً للتعليق وأحالت وزارة الدفاع طلبات الحصول على المعلومات إلى وكالة الاستخبارات.
وفي سياق متصل، انحازت بعض المحاكم إلى جانب وكالة الاستخبارات المركزية، إذ وجدت أن القضاة في قضايا السجلات لا يحتاجون إلى البحث بعيداً من المسار عن المعلومات التي قد تتناقض مع صمت أي وكالة. ولكن يعتبر الاتحاد الأميركي للحريات المدنية أن محاكم الاستئناف منقسمة في شأن هذه المسألة، ولا ينبغي للقضاة أن "يدفنوا رؤوسهم في الرمال" إذا كانت هناك مؤشرات على أن أي وكالة ترفض الاعتراف بالمعلومات التي من المحتمل أن تمتلكها، وربما الكشف عنها.
وفي هذا الإطار أيضاً، تشير مجموعات الحقوق المدنية إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية تقوم بصورة دورية باستغلال رد "غلومار" وتستخدمه لتقنية لصرف النظر عن الاستفسارات حول قضايا مثيرة للجدل مثل الهجمات بطائرات من دون طيار (مسيّرات) وعمليات القتل خارج نطاق القضاء لمواطنين أميركيين ومسائل التجسس المحتمل على الكونغرس.
ويثير ما هو معلن عن معسكر رقم 7 وأنشطة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في غوانتانامو قلق كثير من المراقبين. فعام 2019، تقدم قائد سابق بشهادته في قضية الـ11 من أيلول، قائلاً إن المعتقلين هناك كانوا تحت حراسة وحدة سرية تسمى "فرقة العمل البلاتينية" أو البريتورية. وارتدى أفراد تلك الفرقة زياً عسكرياً أميركياً يحمل أسماء مستعارة بدلاً من الأسماء الحقيقية ومن دون أي مؤشرات تشير إلى رتبهم، مما يوحي للمراقبين بأنهم كانوا عملاء لوكالة الاستخبارات المركزية أو متعاقدين متنكرين في هيئة جنود (وفي جلسة الاستماع نفسها، شهد ضابط سابق في الجيش استدعته الحكومة بأنه هو وقواته تولوا حراسة السجناء عندما وصلوا، مما زاد من غموض الصورة حول من كان في الواقع يتحكم في المعسكر رقم 7).
كما سادت تساؤلات حول ما إذا كان المعتقلون في المعسكر 7 تعرضوا لمزيد من انتهاكات حقوقهم المدنية أثناء الاستجواب في القاعدة البحرية. وفي غوانتانامو، تم استجواب ضحايا التعذيب السابقين من قبل وكالة الاستخبارات المركزية مرة جديدة، وهذه المرة من قبل عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الذين تم إرسالهم عام 2007، على أمل في أن تتمكن الحكومة من انتزاع المعلومات من دون استخدام التعذيب حتى يتم استخدامها في المحكمة في وقت لاحق.
في غضون ذلك، زعم محامو الدفاع بأن الأدلة المستخرجة من هذه المقابلات التي أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالي غير صالحة أيضاً لأن المعتقلين كانوا محتجزين في ظروف تشبه إلى حد كبير الفترة التي قضوها في المواقع السرية والتي ربما خضعت لإشراف وكالة الاستخبارات المركزية. ولعل المعتقلين لم يكونوا على علم بإمكان رفضهم الامتثال لهذه المقابلات أو كانوا خائفين من تعرضهم للتعذيب مرة أخرى.
فضلاً عن ذلك، برزت أدلة تشير إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان منتظماً ومتورطاً في عمليات الاستجواب الدولية الأساسية في سجون وكالة الاستخبارات المركزية حيث تم التعذيب. وفي هذا السياق، عام 2019 شهد أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه أرسل مئات الأسئلة إلى شبكة السجون السرية حيث تعرض رجال مثل البلوشي للتعذيب قبل نقلهم جواً إلى غوانتانامو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تم إقفال المعسكر 7 عام 2021، ولكن معركة السجلات لا تشكل سوى واجهة واحدة من حرب قانونية أكبر بكثير تتعلق بسلوك الحكومة في مطاردة الرجال الذين نفذوا هجمات الـ11 من أيلول.
وفي أغسطس (آب) الماضي، ظهر البلوشي في أول صورة تُنشر علناً لمعتقل في أحد المواقع السرية، وهو يقف عارياً ونحيلاً مقيداً بالأغلال وحليق الرأس، وشكلت تلك الصورة جزءاً من مجموعة مؤلفة من 14 ألف صورة من تلك المواقع السرية السوداء التي ورد أن الحكومة تحتفظ بها، ولا تزال معظمها سرية. وألهم التعذيب الذي تعرض له البلوشي تصوير مشاهد في فيلم "زيرو دارك ثيرتي" Zero Dark Thirty عام 2012، ولا تزال تلك مسألة حيوية في قضية الإعدام الجارية في هجمات الـ11 من أيلول، إذ يزعم محامو الدفاع منذ فترة طويلة أن الأدلة التي تم الحصول عليها تحت التعذيب يجب أن تكون غير مقبولة.
ويبدو الحل في أي من هذه المسائل بعيد المنال. ففي أغسطس الماضي، ألغت وزارة الدفاع صفقة إقرار بالذنب شملت محمد واثنين آخرين، على رغم إعادة العمل بها الأربعاء الماضي. ومن المرجح ألا تبدأ محاكمة المتهمين الباقين في هجمات الـ 11 من أيلول قبل عام 2026.
أياً كان الشكل الذي يتخذه هذا الفصل من المحاسبة بعد أحداث الـ11 من أيلول، وأياً يكُن وقت حدوثه، فمن الواضح أنه حتى بعد عقود من ذروة الحرب على الإرهاب، لا يزال عدد كبير من الأسرار مدفوناً في وقت تحافظ الولايات المتحدة على صمتها.
© The Independent