Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إجراءات وتحركات إسرائيلية تنذر باستمرار الحرب على القطاع حتى عام 2025

المعابر والطرق التي قطعت أوصال غزة أشبه "ببؤر عسكرية فائقة الحماية"

تلقى ضباط وجنود في الخدمة النظامية والاحتياط رسماً بيانياً يوضح إستراتيجية الجيش للقتال حتى عام 2025 (أ ف ب)

ملخص

تلقى ضباط وجنود في الخدمة النظامية والاحتياط رسماً بيانياً يوضح إستراتيجية الجيش للقتال حتى عام 2025 وقال ضباط إسرائيليون إن محور "كيسوفيم" سيكون مشابهاً جداً لمحور "فيلادلفي"، وإن "نقاط عبور النازحين التي تبدو كحواجز عسكرية حالياً، ستصبح أشبه بمحطة حدودية منظمة بين دولتين".

وسط حرب مدمرة تشنها إسرائيل على قطاع غزة للعام الثاني على التوالي، عاش يزيد سالم (40 سنة) وهو أب لخمسة أطفال، طوال 400 يوم من المعارك، على أمل العودة إلى منزله شمال القطاع الذي فر منه إلى جانب أكثر من مليون فلسطيني، إلا أن اليأس إلى جانب ما يكابده من جوع وحصار فتك بأحلامه، فما تقوم به القوات الإسرائيلية في مناطق عدة من قطاع غزة من توسيع البنية التحتية وتعبيد طرق واسعة وتركيب أنظمة اتصالات وإعداد مناطق مخصصة للسكن والخدمات، إلى جانب بنية تحتية للمياه والصرف الصحي والكهرباء، ليس مخصصاً للمناطق الآمنة التي جرى الحديث عنها كثيراً، وإنما من أجل بقاء الجيش لفترة طويلة في المنطقة. ولم يعد يرى الغزاويون "نتساريم" الذي يقسم القطاع إلى شمال وجنوب و"مفلاسيم" الذي يقسم بلدات شمال القطاع عن مدينة غزة و"فيلادلفي" بين سيناء وغزة، مجرد محاور إسرائيلية تتردد أسماؤها في نشرات الأخبار كأوراق مساومة تستخدمها إسرائيل في المفاوضات مع "حماس"، بذريعة أن من شأنها القضاء على قدرات الحركة واستعادة المختطفين، بل باتوا متأكدين أن تلك المحاور والطرقات التي قطعت أوصال القطاع وهدم من أجل توسعتها آلاف المنازل ومن بينها منزل سالم، أشبه ببؤر استيطانية عسكرية فائقة الحماية. كيف لا وقد تحول محور "نتساريم" الذي شقه سلاح الهندسة عند بداية الحرب لاستخدامه كممر لوجستي للقوات العاملة لإدخال المساعدات الإنسانية من بضعة كيلومترات إلى جيب إسرائيلي طوله ثمانية كيلومترات وعرضه سبعة كيلومترات، مع مواقع دائمة مريحة وشارع أعلام يؤدي إلى مكان كانت توجد فيه مستوطنة "نتساريم". واستولى الجيش بالمجمل على 56 كيلومتراً مربعاً في المنطقة، وهي مساحة تعادل سدس مساحة قطاع غزة قبل اقتطاع أية مساحات أخرى.

وفقاً لحسابات صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تم إجراؤها على أساس تحليل صور الأقمار الاصطناعية وغيرها من مصادر المعلومات المرئية، فإن مساحة الأراضي التي سيطر عليها الجيش الإسرائيلي خلال الأشهر التسعة الأولى من الحرب، تصل إلى 26 في المئة من قطاع غزة. ويدل "الرسم البياني القتالي لعام 2025"، الذي تلقاه ضباط وجنود في الخدمة النظامية والاحتياط، في الأسابيع الأخيرة، على استمرار تموضع الجيش في القطاع حتى العام المقبل. وبحسب هيئة الأمم المتحدة، نزح 1.9 مليون شخص من أصل 2.4 مليون نسمة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2024.

 


تطوير سريع

بادعاء "ألا تشكل خطراً على الجنود" جرد الجيش مساحات كبيرة داخل القطاع، ودمر مباني وبنية تحتية موجودة تمهيداً لفتح محاور وشق شوارع عريضة، في حين أكد ضباط وجنود في منطقة محور "نتساريم" أنه توجد داخل حاويات محصنة نقاط كهرباء ومكيف هوائي بمستوى أعلى من معظم المواقع العسكرية الأخرى، إلى جانب مطبخ لمنتجات الألبان وآخر لمنتجات اللحوم، وكنيس، وغرف محصنة لقيادة العمليات. فيما أشار آخرون إلى أنهم يتجولون من دون خوذ ودروع واقية ويلعبون كرة قدم داخل الموقع العسكري. ووفقاً لما نقلته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن أحد الجنود قوله "في نتساريم كنا نشوي اللحوم كل مساء ولم يكن هناك شعور بأننا نوجد في منطقة حرب". وبيَّن جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة أن العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ خمسة أسابيع تسببت في "تدمير كلي لأكثر من 2000 مبنى ومنزل في شمال القطاع". وأشار إلى أن "الجيش الإسرائيلي يعمل بصورة منهجية على تسوية المباني التي لا تزال قائمة بالأرض، خصوصاً في مسافة كيلومترات عدة من المحاور اللوجستية ومناطق وجود الجيش".

 


وبحسب الخطة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي، فإنه يعمل من أجل السيطرة لفترة طويلة على أربع مناطق كبيرة في الأقل في القطاع، من بينها تلك التي أخلي منها قسم من المستوطنات عام 2005. وإلى جانب محور "نتساريم" الذي يفصل جنوب القطاع عن شماله، استحدث الجيش الإسرائيلي محوراً جديداً باسم "مفلاسيم" يعزل محافظة شمال غزة التي تضم جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا عن محافظة غزة، والذي من أجله شق طريقاً وأقام سواتر ترابية على طول الطريق الواصل من السلك الحدودي الواقع بمحاذاة مستوطنة "مفلاسيم" في أقصى شمال شرقي قطاع غزة، وصولاً إلى شاطئ بحر مدينة بيت لاهيا. وعلى رغم أن الجيش لم يبسط سيطرته بعد على المحور الجديد بالكامل، لكنه يوجد في أجزاء واسعة منه، خصوصاً في الجزء الشرقي منه، حيث أقام في تلك المنطقة حاجزاً عسكرياً، وعمد إلى استخدام أحد المباني السكنية الكبيرة هناك كمركز للعمليات وموقع لوجود الجنود.

الجيش الذي لا يرى أية أهمية في الاحتفاظ بمحور "فيلادلفي" عند الحدود مع مصر، خضع لمطالب الحكومة الإسرائيلية التي تصر على ضرورة البقاء فيه، وعمل على تجريد أراضٍ عند هذا المحور يبلغ عرضها ما بين كيلومتر وثلاثة كيلومترات، وهو ما فتح شهية المستوى السياسي الإسرائيلي لمطالبة الجيش بمزيد من التوسعة وإضافة أكثر من كيلومتر آخر، فيما يقول الجيش إن هذا سيكون مقروناً بتدمير أحياء كاملة في رفح، وسيؤدي إلى غضب دولي. واعتبر مراقبون أن توسيع السيطرة على المحور، الذي اقتطع حتى الآن نحو 28 كيلومتراً، من شأنه إنهاء حرية حركة الفلسطينيين نحو مصر ولو تحت رقابة دولية. إضافة إلى كل تلك المحاور عملت المنطقة العازلة المقامة على طول الحدود الشمالية والشرقية من القطاع منذ مطلع الحرب، التي يبلغ عمقها من كيلومتر واحد إلى ثلاثة كيلومترات في بعض المناطق، لاقتطاع نحو 120 كيلومتراً مربعاً أخرى في الأقل، بحسب مراقبين.

 


محور جديد

وإلى جانب "مفلاسيم" و"نتساريم" و"فيلادلفي" نشر الجيش في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري صوراً لعمليات بناء وترميم هندسية لإعادة فتح معبر "كيسوفيم" الذي كان الطريق الرئيس لحركة المرور إلى مستوطنات غوش قطيف الاستيطانية الإسرائيلية حتى عام 2005، قبل أن يُغلق كجزء من خطة فك الارتباط. وبذريعة فتح المعبر من جديد في المنطقة الفاصلة بين دير البلح وقرارة خان يونس، ادعى الجيش أنه بحاجة إلى حماية المعبر والقوات العاملة فيه، بزعم أنه سيفتح الطريق لمرور شاحنات المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، تلبية للمطالب الأميركية التي هددت قبل مدة بتقليص الدعم العسكري لإسرائيل في حال عدم زيادة حجم المساعدات والمواد الغذائية إلى القطاع. وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إلى أن ما يجري من عملية هدم وتدمير في منطقة "كيسوفيم" لم يصل إلى نهايته، إذ ادعى ضباط إسرائيليون أن محور "كيسوفيم" سيكون مشابهاً جداً لمحور "فيلادلفي"، وأن "نقاط عبور النازحين التي تبدو كحواجز عسكرية حالياً، ستصبح أشبه بمحطة حدودية منظمة بين دولتين". ووفقاً لمنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، تضمنت قافلة المساعدات التي دخلت عبر معبر "كيسوفيم"، "الغذاء والماء والمعدات الطبية ومواد مخصصة لمراكز الإيواء"، وتوجهت إلى مناطق وسط القطاع وجنوبه.

 


في المقابل قللت مؤسسات أممية وفلسطينية من جدوى المعبر الجديد، وأكدت الأمم المتحدة أن 85 في المئة من محاولاتها لتنسيق قوافل المساعدات والزيارات الإنسانية إلى شمال القطاع، حيث ينتشر الجوع الشديد بسبب الهجوم والحصار الإسرائيلي، رُفضت أو عُرقلت من قبل السلطات الإسرائيلية. ووفق ما ذكره المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، لم يحصل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا" من بين 98 طلباً قدم إلى السلطات الإسرائيلية للحصول على تصريح للعبور عبر نقطة التفتيش على طول وادي غزة، إلا على موافقات بعبور 15 فقط منها. وأمام تراجع المساعدات لقطاع غزة، قال مدير تحليل الأمن الغذائي والتغذية لدى برنامج الأغذية العالمي جان مارتن باور، إن "هناك احتمالاً قوياً أن المجاعة تحدث أو أنها وشيكة في أجزاء من شمال غزة نتيجة النزوح على نطاق واسع، وانخفاض التدفقات التجارية والإنسانية إلى غزة، وتدمير البنية الأساسية والمرافق الصحية، والوضع الصعب المتعلق بعمل الـ‘أونروا‘". وبيَّن باور أن "انخفاض تدفقات المساعدات أدى إلى مضاعفة أسعار المواد الغذائية في شمال غزة خلال الأسابيع الماضية، وهي الآن أعلى بنحو 10 أضعاف مما كانت عليه قبل اندلاع الحرب". من جانبها، أكدت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين أنه من المرجح أن المجاعة تحدث أو على وشك الحدوث في شمال غزة. وقالت في تغريدة على منصة "إكس"، "لا بد من اتخاذ خطوات فورية للسماح بتدفق آمن وسريع ومن دون عوائق للإمدادات الإنسانية والتجارية لمنع وقوع كارثة شاملة". بيد أن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان طالب أخيراً الجهات الرسمية المعنية والمنظمات الدولية والأممية المختصة بإعلان "المجاعة" رسمياً في شمال قطاع غزة، مع مرور أكثر من 50 يوماً على منع إسرائيل إدخال أي مساعدات أو بضائع لمئات آلاف السكان المحاصرين.

 


جرائم حرب

وفيما يبدو أنه أول اعتراف رسمي من إسرائيل بأنها تُخلي الفلسطينيين بصورة منهجية من شمال القطاع، أكد الجيش الإسرائيلي أن قواته تقترب من الإخلاء الكامل لشمال غزة ولن يُسمح للسكان بالعودة إلى منازلهم. وقال العميد في الجيش الإسرائيلي، إيتزيك كوهين في مؤتمر صحافي إنه "سيُسمح للمساعدات الإنسانية بالدخول بصورة منتظمة إلى جنوب القطاع، ولكن ليس إلى الشمال، حيث لم يعد هناك مدنيون متبقين". ووفقاً لما نقلته هيئة البث الإسرائيلية الرسمية فإن "تقديرات الجيش تفيد بأن آلافاً فقط من الفلسطينيين لا يزالون في المناطق المركزية بشمال قطاع غزة، بين 1000 و3 آلاف في بيت لاهيا، ونحو 1000 في جباليا". واعترف كبار المسؤولين في الجيش خلال المؤتمر بأن "القرار هو قطع شمال قطاع غزة عن مدينة غزة، من دون مزيد من الإيضاحات".

وأشار تقرير اللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وغيره من المواطنين العرب في الأراضي المحتلة التابعة للأمم المتحدة، قبل أيام، إلى أن ممارسات إسرائيل خلال الحرب على غزة "تتسق مع خصائص الإبادة الجماعية". وأن إسرائيل "استخدمت التجويع كأسلوب من أساليب الحرب وفرض عقاب جماعي على الفلسطينيين". في حين أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها في الـ 14 من نوفمبر الجاري، أنها جمعت أدلة كثيرة على اعتماد الجيش الإسرائيلي سياسة التهجير القسري في قطاع غزة، الذي أدى إلى نزوح أكثر من 90 في المئة من سكان القطاع". وطالبت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية "بالتحقيق في جرائم إسرائيل بقطاع غزة".

وجاء في افتتاحية صحيفة "لوتان" السويسرية الأحد أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "لم تعد تهتم بتزايد الاتهامات والشهادات في شأن انتهاكات إسرائيل القانون الدولي في قطاع غزة، بل على العكس من ذلك تتحدى الأمم المتحدة بدعم أميركي". كذلك فإن المؤرخ الإسرائيلي عاموس غولدبرغ أعلن في مقابلة حديثة مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، أن "كثيراً من الحقوقيين في جميع أنحاء العالم مقتنعون بأن إسرائيل قد تجاوزت عتبة الإبادة الجماعية". وأضاف "لإسرائيل الحق المطلق في الدفاع عن نفسها، لكنها بالغت في رد فعلها بطريقة إجرامية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أرقام صادمة

وفيما يؤكد الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، مدير المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبدالله الدردري، خلال مؤتمر صحافي في العاصمة الأردنية عمان، في أكتوبر الماضي، أن "إعادة الإعمار في قطاع غزة قضية مكلفة للغاية ستستغرق وقتاً طويلاً". وقدرت الأمم المتحدة كلفة إعادة إعمار قطاع غزة بنحو 40 مليار دولار، وأن التعافي من الدمار الهائل وغير المسبوق الذي لحق بالقطاع قد يستغرق 80 عاماً. وهي مهمة يقول خبراء إنه لم يسبق للمجتمع الدولي أن تعامل معها منذ الحرب العالمية الثانية. وبحسب تقييم البناء الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإنه إذا تحققت أفضل الاحتمالات مع افتراض تسليم مواد البناء أسرع بخمسة أضعاف مما كانت عليه الحال في حرب غزة السابقة عام 2021، يمكن إعادة بناء المنازل المدمرة بحلول عام 2040. بينما تراجعت التنمية البشرية في القطاع بكل مكوناتها من صحة وتعليم واقتصاد وبنى تحتية 40 عاماً إلى الوراء. وقد أظهرت آخر البيانات الأممية أن إجمالي الركام الذي تراكم حتى الآن في غزة بفعل الحرب يكاد يبلغ الـ 40 مليون طن.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير