ملخص
هنا السؤال الحيوي والجوهري: ماذا سيكون من شأن المؤسسة العسكرية حال أصدر ترمب بصفته القائد العام للقوات المسلحة الأميركية قرارات لا تجد صدى الرضا والقبول من جانب كبار جنرالات المؤسسة العسكرية؟
ما الذي يجري خلف أسوار "البنتاغون"؟ يبدو أنها مواجهة مبكرة جداً، وصراع ظل تحت الرماد لسنوات أربع ماضية، استشعر فيها دونالد ترمب أن القوات المسلحة الأميركية قد خذلته، وها هو الآن في موضع قوة، بعد سطوة موجة حمراء على سماوات الولايات المتحدة الأميركية، ما يسمح له باتخاذ ما يرى من قرارات.
والشاهد أن اختيار ترمب لمذيع قناة "فوكس نيوز" بيت هيغسيث ربما كان بمثابة قمة جبل الجليد الغاطس في قاع المحيط، وقد جاء كاشفاً عن كثير من الخبايا والقضايا المتعلقة بترمب من جهة، وبتوجهات وزارة الدفاع الأميركية من جهة ثانية.
ومن بين ما لا يعرفه كثر من المراقبين أن ترمب كان حلم حياته أن يضحى أحد رجالات تلك النخبة الأميركية العسكرية يوماً ما. وقبل أكثر من نصف قرن، وفي عام 1959 تحديداً، ألحق فريد كريست ترمب ابنه ذا الـ13 ربيعاً دونالد بمدرسة داخلية عسكرية خاصة تقع شمال ولاية نيويورك تسمى New York Military Academy سعياً إلى غرس صفات الجدية والالتزام والانضباط التي فشلت العائلة في تربية ابنهم المدلل عليها.
قضى الشاب دونالد خمس سنوات في المدرسة العسكرية تألق خلالها وانضبط كثيراً وصار شاباً رياضياً ملتزماً، بخاصة بعدما اعتاد على بدء يومه قبل السادسة صباحاً وإنهائه قبل العاشرة مساءً. وبعد تخرجه في المدرسة لم يلتحق بكلية عسكرية كما كان يرغب. فهل ترك ذلك ندبة في نفسه وجدت متنفساً له حين صار رئيساً؟
أزمات ترمب مع المؤسسة العسكرية
من الواضح أن هناك إسقاطات نفسية عديدة من طرف ترمب تبدت واضحة جداً خلال سنوات ولايته من 2016 إلى 2020. ففي بدايات حكمه حاول ترمب "عسكرة" البيت الأبيض بصورة غير مسبوقة، وهو ما أسهم في ظهور نقاشات داخل وخارج واشنطن لم يتخيل أحد أن تجرى مثل هذه النقاشات من قبل، وتتعلق بكثير من القضايا المثيرة للجدل، منها على سبيل المثال العلاقات المدنية العسكرية الأميركية، وبعضها الآخر يتعلق بالتبعات الخطرة لعسكرة البيت الأبيض على السياسة الخارجية.
ولقد ظهرت معالم تأثر وإعجاب ترمب بالعسكرية الأميركية بداية في اختياراته لمن يشغل عدداً مهماً من أرفع المناصب في إدارته. وعلى عكس القوانين المتعارف عليها جاء ترمب بالجنرال جيمس ماتيس وزيراً للدفاع، وهو المنصب الذي تعود معظم رؤساء أميركا على تسمية شخصية مدنية له، واحتاج ماتيس إلى موافقة مجلس الشيوخ باستثنائه من قانون يحظر على العسكريين السابقين تولي منصب وزير الدفاع لمدة سبع سنوات بعد تقاعدهم.
واختار ترمب كذلك الجنرال مايكل فلين الجنرال السابق مستشاراً للأمن القومي، والذي خدم بضعة أسابيع قبل أن يضطر إلى تقديم استقالته لأسباب تتعلق بكذبه على نائب الرئيس مايك بنس، بخصوص تحقيقات التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية.
كذلك سمى ترمب عسكرياً سابقاً في منصب وزير الأمن الداخلي، وهو الجنرال جون كيلي الذي انتقل لاحقاً ليضحى كبير موظفي البيت الأبيض واستقال لاحقاً. أضف إلى ذلك اختياره العسكري السابق مايك بومبيو مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، قبل أن ينتقل ويصبح وزيراً للخارجية. أما ستيف بانون ضابط البحرية الأميركية السابق، فقد كان بمثابة أهم المستشارين الاستراتيجيين من حول ترمب.
وعلى رغم ذلك امتلأت فترة رئاسته بالانتقادات للمؤسسة العسكرية، وكثيراً ما كان يعارض القرارات التي اتخذها العسكريون، وأحياناً ينتقدهم بصورة علنية.
ويمكن لنا هنا وقبل الدخول في عمق المواجهة القائمة والقادمة، بين ترمب العائد من جديد إلى البيت الأبيض، والمؤسسة العسكرية أن نتساءل: ما هي العلاقة بين الطرفين بحسب الدستور الأميركي؟ الجواب سيضع كثيراً من المحددات، وما هو خارجها يعني، من دون تهوين أو تهويل، مساراً لانقلاب مباشر أو مقنع من "البنتاغون" على الدستور الأميركي، وهو أمر كثر الحديث عنه أخيراً.
الرئيس القائد العسكري الأعلى
تظهر روح سلطة الرئاسة كما حددها الدستور عبر القسمين الثالث والرابع، إذ تتولى أقسام عدة تعريف الرئاسة في بعدين اثنين، هما الرئيس باعتباره رئيس الدولة، والرئيس باعتباره رئيس الحكومة. وعلى رغم أن هذه ستكون موضع معالجة مستقبلاً، إلا أن الرئاسة لا يمكن فهمها إلا من خلال مزيج من البعدين. ويتحدد وضع الرئيس كرئيس للدولة بثلاثة بنود دستورية تمثل مصدراً لبعض السلطات بالغة الأهمية التي يستطيع الرؤساء أن يستخدموها، وفي مقدمها البند العسكري.
عسكرياً، يمد القسم الثاني من الدستور الرئيس الأميركي بالسلطة باعتبار أنه "القائد الأعلى لجيش وبحرية الولايات المتحدة، ولميليشيات مختلف الولايات، عندما تدعى إلى الخدمة الفعلية للولايات المتحدة".
ويجعل منصب القائد الأعلى من الرئيس الرتبة العسكرية العليا في الولايات المتحدة، مع السيطرة على المؤسسة العسكرية بأكملها، ومع ذلك فإن تفضيل السيطرة المدنية على القوات المسلحة قوي إلى درجة أنه لا يوجد رئيس يجرؤ على أن يرتدي زياً عسكرياً في المناسبات الرسمية، حتى لو كان جنرالاً سابقاً مثل دوايت أيزنهاور.
ويترأس الرئيس كذلك الهيكل الوظيفي للاستخبارات السرية التي لا تتضمن فقط وكالة الاستخبارات المركزية CIA، لكن تشمل كذلك مجلس الأمن القومي NSC ووكالة الأمن القومي NSA ومكتب التحقيقات الفيدرالي FBI وعدداً آخر من وكالات الأمن الدولية والمحلية الأقل شهرة، وإن كانت ليست بالضرورة أقل قوة.
هل يعني ذلك أن الرئيس الأميركي يظل هو صاحب الكلمة العليا في ما يخص شؤون العسكرية الأميركية، لا سيما بالنسبة إلى اختيار وزير الدفاع وتعيين رئيس الأركان وكبار الجنرالات ورؤساء الأجهزة الاستخباراتية؟
ذلك كذلك، قولاً وفعلاً، غير أنه وفي كل الأحوال، تبقى هناك مساحة من عدم التوافق تبدأ من عند عدم تقبل قرارات الرئيس، أي رئيس، وقد تصل إلى المرحلة الضبابية التي تجرى فيها السيناريوهات كافة، ومنها ما جرى بين جون كينيدي وبين المجمع الصناعي العسكري، إذ لا يزال اللغز قائماً، والجريمة غامضة.
هل اليوم شبيه بالأمس؟ دعونا لكي نرى...
"البنتاغون" وخلافات مع ترمب سابقاً
خلال الإدارة السابقة لترمب أوضح في مواقف كثيرة أنه لا يوجد توافق كبير بين الجانبين، ربما لأن ترمب تنقصه الكفاءة العسكرية التي لدى جنرالات الأربع نجوم.
يذكر بعض ممن شاركوا في اجتماعات مع الرئيس ترمب حول أزمات عسكرية شديدة الخطورة أنه وفي حالات كثيرة بدا أنه لا يدرك ما تعنيه هذه الأزمات.
على سبيل المثال خلال اجتماع مع قادة "البنتاغون" حول أزمة حرية الملاحة في الخليج العربي ومضيق هرمز، عقب التفجيرات التي استهدفت بعض ناقلات النفط في صيف 2019، والتي اتهمت إيران بالوقوف وراءها، قال ترمب "المرة المقبلة إذا اقتربت سفن إيرانية من مضيق هرمز فعليكم تدميرها على الفور". وأظهر ذلك عدم دراية ترمب بقوانين واتفاقات حرية الملاحة الدولية، وأن إيران هي أهم الدول المشرفة على مضيق هرمز.
لم يتورع ترمب عن انتقاد عديد من كبار القادة العسكريين، مثل الجنرال ماتيس وزير الدفاع السابق الذي استقال من منصبه في ديسمبر (كانون الأول) 2018، بسبب خلافات مع سياسة ترمب في شأن سوريا، إذ كان من المعترضين مع عدد من الجنرالات الذين رأوا في هذا القرار مدخلاً لترويج الفوضى في المنطقة، وأمراً يفيد القوى المعادية مثل إيران وروسيا، غير أن ترمب كان لا يزال يرى أن الشرق الأوسط لا يوجد به سوى الرمال والدماء والدموع.
ولعل ما لا تنساه الذاكرة الأميركية الخلاف شديد الوقع الذي جرى بين ترمب والجنرال مارك ميلي رئيس الأركان المشتركة، بعد احتجاجات الأميركيين من أصول أفريقية، على مقتل جورج فلويد، على يد شرطي عنصري أبيض. فقد اتهم ترمب ميلي وقيادات عسكرية أخرى بالتردد في اتخاذ قرارات صارمة في شأن الرد على الاحتجاجات، وهو ما أدى إلى توتر ولاحقاً ترد في العلاقة بين ترمب وبعض القيادات العسكرية.
تالياً ستكون هناك معركة كبرى بين الجنرال ميلي وترمب جراء أحداث السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 وما عرف بـ"موقعة الكونغرس"، وهذه قد يعاد فتح أوراقها من جديد في عهد ترمب الثاني.
لم ينفك ترمب يتحدث عن الدولة الأميركية العميقة ودورها الفاعل داخل "البنتاغون"، وكثيراً ما ادعى أن هناك قيادات عسكرية تعمل ضد أجندته السياسية.
وكان ترمب من أشد المعارضين للحروب طويلة الأمد، مما دفعه إلى سحب بعض من القوات الأميركية من أماكن مثل أفغانستان والشرق الأوسط، في محاولة لتقليص التورط الأميركي في الحروب الخارجية، بينما كانت المؤسسة العسكرية الأميركية ترى في هذه القرارات مخاطرة قد تضر بالمصالح الاستراتيجية الأميركية في مناطق حيوية حول العالم.
لكن، وعلى رغم التوتر مع القادة العسكريين، كان ترمب يحظى بدعم عدد كبير من القاعدة الشعبية من العسكريين، الذين كانوا يرون في سياساته العسكرية في بعض الأحيان نهجاً أكثر مباشرة لمواجهة التهديدات.
لماذا انفجرت المخاوف، مرة جديدة، من حدوث مواجهة بين ترمب و"البنتاغون"، في الوقت الحاضر، وعما قريب مع ولايته القادمة؟
ترمب يختار هيغسيث لـ"البنتاغون"
فاجأ الرئيس المنتخب ترمب "البنتاغون" وعالم الدفاع الأوسع بترشيحه بيت هيغسيث مقدم البرامج في قناة "فوكس نيوز" لتولي منصب وزير الدفاع، واختار شخصاً عديم الخبرة، وغير مجرب، إلى حد كبير على المسرح العالمي لتولي قيادة أكبر وأقوى جيش في العالم.
هذا الخبر أثار قلق وحيرة كثر في واشنطن، إذ استبعد ترمب عدداً من كبار المسؤولين في مجال الأمن القومي، واختار رائداً في الحرس الوطني بالجيش معروفاً في الدوائر المحافظة كمضيف مشارك في برنامج "فوكس نيوز أند فريندز ويك إند" على قناة "فوكس نيوز".
لماذا يبدو مثل هذا الترشيح مقلقاً لكثر في الداخل الأميركي، وفي مقدمهم المؤسسة العسكرية؟
باختصار، لأنه يؤدي إلى إحداث تغييرات جذرية في المؤسسة العسكرية. فقد أوضح في برنامجه في المقابلات أنه مثل ترمب، يعارض برامج "الوعي" التي تعزز المساواة والاندماج. كما شكك دوماً في دور المرأة في القتال، ودعا إلى العفو عن أفراد الخدمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب.
في يونيو (حزيران) من العام الحالي، وفي أوج المعركة الانتخابية الرئاسية، خلال تجمع جماهيري في لاس فيغاس، شجع ترمب أنصاره على شراء كتاب هيغسيث، وقال إنه لو فاز بالرئاسة، "فإن الأشياء التي تدعو إلى اليقظة ستختفي خلال فترة 24 ساعة. أستطيع أن أؤكد لكم ذلك".
يعرف هيغسيث البالغ من العمر 44 سنة بأنه محافظ متشدد يتبنى سياسة ترمب "أميركا أولاً"، ويضغط من أجل جعل الجيش الأميركي أكثر فتكاً، وخلال مقابلة مع "بودكاست" The Shawn Show قال إن السماح للنساء بالخدمة في القتال يضر بهذا الجهد، وإن كل ما يتعلق بخدمة الرجال والنساء معاً، يجعل الوضع أكثر تعقيداً، "والتعقيد في القتال يعني أن الخسائر أسوأ".
وبينما قال إن التنوع في الجيش يشكل قوة، إلا أنه أضاف أن السبب في ذلك هو أن الرجال من الأقليات والبيض يمكنهم الأداء بصورة مماثلة، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى النساء.
يشيد ترمب بهيغسيث ويصفه بأنه "قوي وذكي ومؤمن حقاً بأميركا أولاً"، غير أن آخرين سارعوا بالإشارة إلى افتقار شخصية تلفزيونية مثله إلى الخبرة.
هنا يطفو على السطح تساؤل ماورائي خطر ومثير، "هل هيغسيث سيكون مجرد ستار، وأن أمور البنتاغون ستدار من داخل البيت الأبيض، وبتعليمات مباشرة من ترمب والعقول التي تعمل معه، مما يفيد بأن سيد البيت الأبيض الجديد يتجهز حقاً لصراع شديد المراس قادم لا محالة؟
"البنتاغون" وفتنة ترشيح هيغسيث
على رغم أن تثبيت ترشيح هيغسيث لا بد أن يمر بمجلس الشيوخ أول الأمر، قبل إعلانه رسمياً وزيراً للدفاع الأميركي، فإن مسؤولي "البنتاغون" لم يوفروا إظهار قلقهم العميق من مجرد الكشف عن اسم المرشح.
ويقول الراوي المتخفي في وزارة الدفاع إنه إذا أكد مجلس الشيوخ ترشيح هيغسيث، فسيقود 3.1 مليون جندي في الخدمة فعلاً، وأكثر من 750 ألف مدني، ويعقد اجتماعات مثيرة للجدال مع حلفاء الولايات المتحدة، ويطور خيارات الضرب ضد تنظيم "داعش" والوكلاء الإيرانيين.
وبمجرد الإعلان عن اسمه قال مسؤول في وزارة الدفاع مستنكراً، "هل يثق أحد في قدرة هيغسيث على إدارة وول مارت؟". وأكد أن الناس أصيبت بالصدمة، لا سيما أنه مجرد شخصية في قناة "فوكس نيوز" ولم يعمل قط في الحكومة.
في اليوم التالي لإعلان ترمب عن ترشيح هيغسيث قامت مجلة "بوليتيكو" الأميركية الشهيرة بالتواصل مع ستة مسؤولين حاليين وسابقين في وزارة الدفاع الأميركية، وقد ظهر جلياً أنهم مثل عديد من المسؤولين الآخرين في واشنطن، لم يفاجأوا بهذه الخطوة فحسب، بل شككوا، أيضاً، في قدرة هيغسيث على إدارة مثل هذه البيروقراطية المعقدة.
يقول أحد المسؤولين، الذي رفض بالطبع الكشف عن اسمه "إنها وظيفة خطرة للغاية، ويبدو لي أن هذا الشخص يعتمد في المقام الأول على الأداء، وهو معروف بالحديث عن الوعي وعدم القيام بأي شيء ذي معنى في ما يتعلق بالأمن القومي بعد الخدمة في الجيش".
مسؤول ثانٍ في "البنتاغون" يخبر مراسل "بوليتيكو" جاك ديتش بالقول، "بالكاد كنت أعرف من هو". في وقت قال عديد من الدبلوماسيين الأجانب إنهم سارعوا إلى طلب أحدث كتاب لهيغسيث عبر الإنترنت بعد الإعلان عن ترشيحه، إذ يكافح الحلفاء للتعرف على شخص لم يسمعوا به من قبل، وليس لديهم أي فكرة عن أولوياته.
وبتصفح بعض من آراء هيغسيث، يخلص المرء إلى القول إن خوفاً كبيراً يلم بكبار الرتب في داخل "البنتاغون"، ذلك أن هيغسيث لم يكتفِ بالهجوم على برامج التنوع والشمول في "البنتاغون" فحسب، بل دعا ترمب إلى إقالة كبار ضباطه العسكريين مثل رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال سي كيو براون، مما أثار مخاوف من أن الوزير الجديد مستعد لإشعال حرائق في "البنتاغون".
حديث الحرائق الداخلية في وزارة الدفاع الأميركية بدأت تسريباته بعد ساعات فقط من تقرير صحيفة "وول ستريت جورنال"، الذي أفاد بأن فريق ترمب الانتقالي كان ينظر في مسودة أمر تنفيذي لإنشاء "مجلس محاربين" من الضباط العسكريين المتقاعدين لمراجعة أسماء ومواقف الجنرالات والأدميرالات الحاليين، مما أثار، بالفعل، قلق مسؤولي "البنتاغون".
هل هناك بالفعل مذبحة معنوية تعد من جانب إدارة ترمب القادمة، مذبحة هي الصنو والمرادف لروح الانتقام الترمبية من المؤسسة العسكرية الأميركية، تلك التي لم تناصره في أزمته خلال الانتخابات الرئاسية 2020 الماضية؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قائمة بأسماء الضباط المقالين
بحسب وكالة "رويترز" قال مصدران إن أعضاء فريق الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الانتقالي يعدون قائمة بضباط الجيش الذين سيتم فصلهم، وربما تشمل القائمة رؤساء الأركان المشتركون في ما قد يكون تغييراً غير مسبوق في تاريخ وزارة الدفاع الأميركية.
المصدران المشار إليهما قالا إن التخطيط للإقالات ما زال في مرحلة مبكرة، بعد فوز ترمب في الانتخابات، غير أن أحدهما تساءل عن جدوى إطلاق النار الجماعي على "البنتاغون".
على أن السؤال المثير "هل ترمب وراء الأمر؟".
لم يتضح ما إذا كان ترمب نفسه سيؤيد الخطة، على رغم أنه في الماضي انتقد بشدة قادة الدفاع الذين انتقدوه، وتحدث خلال الحملة الانتخابية عن إقالة الجنرالات "المستيقظين" والمسؤولين عن الانسحاب المضطرب من أفغانستان عام 2021.
المصدر الثاني الذي تحدث لـ"رويترز" يؤكد أن الإدارة القادمة ستركز على الأرجح على الضباط العسكريين الأميركيين الذين ينظر إليهم على أنهم مرتبطون بمارك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق في عهد ترمب.
هل سيعمد ترمب إلى الانتقام من كل من دار في فلك الجنرال مارك ميلي؟
يبدو أن الأمر يجري على هذا النحو بالفعل، بمعنى أن كل شخص تمت ترقيته وتعيينه من قبل ميلي فإنه سيرحل، وأن هناك قائمة مفصلة للغاية بأسماء كل من كان مرتبطاً بميلي وسوف يرحلون معه.
والمعروف أن هيئة الأركان المشتركة تضم أعلى الضباط رتبة في الجيش الأميركي، كما تضم رؤساء الجيش والبحرية ومشاة البحرية والقوات الجوية والحرس الوطني وقوة الفضاء.
هل هيغسيث كان العقل المخطط لمثل هذا الانقلاب على "البنتاغون"؟ وهل هو من تلقاء ذاته يفكر؟ أم أن هناك دوائر فكرية يمينية متشددة للغاية تدعم الرجل فكراً وقولاً؟".
مهما يكن من شأن الجواب، فإن الحقيقة غير المنكرة، هي أن هيغسيث، وفي كتابه الصادر عام 2024 بعنوان "الحرب على المحاربين وراء خيانة الرجال الذين يحفظوننا أحراراً"، "يحتاج الرئيس القادم للولايات المتحدة إلى إصلاح جذري للقيادة العليا في البنتاغون لتجهيزنا للدفاع عن أمننا وهزيمة أعدائنا، ولهذا يجب طرد كثر من الناس". وفي الكتاب عينه استهدف هيغسيث خليفة الجنرال ميلي الجنرال في القوات الجوية سي كيو براون متسائلاً عما إذا كان سيحصل على الوظيفة لو لم يكن أسود اللون "هل كان ذلك بسبب لون بشرته؟ أم بسبب مهاراته؟
ويجيب "لن يعرف ذلك أبداً، ولكننا دائماً نشك في ذلك، وهو ما يبدو في ظاهره غير عادل بالنسبة لسي كيو"، ولكن نظراً إلى أنه جعل من بطاقة العرق واحدة من أكبر بطاقاته الدعائية، فإن الأمر لا يهم حقاً".
وعلى رغم أن هيغسيث علق على عديد من قضايا السياسة الخارجية الساخنة، بما في ذلك المنافسة مع الصين والحرب في أوكرانيا، فقد صور نفسه إلى حد كبير في صورة المحارب الصليبي ضد ما يراه كثر على اليمين تسييساً للجيش.
والرجل يمتلك خبرة 20 عاماً في الجيش، والعهدة هنا على جيريمي هريب وهالي بريتسكي من شبكة CNN الإخبارية الأميركية.
وقد خدم في الحرس الوطني للجيش كضابط مشاة من عام 2002 إلى عام 2021، وترك الخدمة برتبة رائد. ووفقاً لسجلات الخدمة العسكرية، فقد خدم في جولة قتالية لمدة 11 شهراً في العراق من سبتمبر (أيلول)، وجولة لمدة ثمانية أشهر في أفغانستان، كما عمل حارساً في القاعدة العسكرية الأميركية في خليج غوانتانامو بكوبا.
هل سيقف "البنتاغون" وضباطه مكتوفي الأيدي أمام ما يحيكه لهم ترمب في الأعوام المقبلة؟ أم أن لديهم رؤاهم وسيناريوهاتهم الاستباقية في هذا الشأن؟
سيناريوهات عسكرية استباقية
بحسب ما يروج في وسائل الإعلام الأميركية فإن مسؤولين في "البنتاغون" يعقدون مناقشات غير رسمية حول كيفية استجابة وزارة الدفاع إذا أصدر دونالد ترمب أوامر بنشر قوات محلياً، وطرد أعداداً كبيرة من الموظفين غير السياسيين.
كان ترمب قد أثار مخاوف المؤسسة العسكرية الأميركية بالفعل حين قال خلال حملته الانتخابية إنه سيكون منفتحاً على استخدام قوات الخدمة الفعلية لإنفاذ القانون المحلي والترحيل الجماعي، كما أشار إلى أنه يريد ملء الحكومة الفيدرالية بالموالين وتطهير الجهات الفاسدة في مؤسسة الأمن القومي الأميركية.
وتقول شبكة CNN إن المسؤولين في "البنتاغون" يعملون الآن على دراسة سيناريوهات عدة استعداداً لحركة تجديد "البنتاغون". ويصرح أحدهم "نحن جميعاً نستعد ونخطط لأسوأ السيناريوهات، لكن الواقع هو أننا لا نعرف بعد كيف ستسير الأمور".
هنا يطرح سؤال بنفسه على موائد النقاش "هل سنرى أميركا منقسمة على نفسها بين مدنيين وعسكريين؟".
الثابت أن المخاوف التي تكلم عنها الجميع من قبل، كانت في شأن أن تسود الفوضى ويعم الاحتراب الأهلي بين الجماهير الأميركية من وراء نتيجة الانتخابات الرئاسية.
غير أن الأميركيين أثبتوا أنهم أكثر وعياً وحفاظاً على أمن بلادهم، وربما أسهم في ترسيخ هذا الشعور، الفوز الكاسح لترمب، والذي لا يمكن معه الادعاء بالتزوير.
الآن، يبدو المشهد مخيفاً، ما بين كونغرس بغرفتيه مسيطر عليه من قبل الجمهوريين، أي السلطة التشريعية، فيما السلطة التنفيذية في يد رئيس جمهوري، والسلطة القضائية في المحكمة العليا بها ستة قضاة من تعيين ترمب ويدينون له بالولاء.
هنا السؤال الحيوي والجوهري: ماذا سيكون من شأن المؤسسة العسكرية حال أصدر ترمب، بصفته القائد العام للقوات المسلحة الأميركية، قرارات لا تجد صدى الرضا والقبول من جانب كبار جنرالات المؤسسة العسكرية؟
يقول مسؤول دفاعي آخر "إن القوات ملزمة بموجب القانون بمخالفة الأوامر غير القانونية، لكن السؤال هو ما الذي سيحدث بعد ذلك؟".
الجواب هو إما أن يقدم كبار الجنرالات استقالاتهم، وهنا سينظر لهم نفر كبير من الأميركيين على أنهم تخلوا عن شعبهم، أو أنهم سيرفضونها ويصرون على مواقفهم ويستندون إلى امتلاكهم القوة المسلحة، وساعتها ستكون أميركا دخلت في ما يمكن أن يطلق عليه، بكل وضوح، حال انقلاب عسكري.
هل هناك إجراءات وتغييرات أساسية أخرى يخطط ترمب لإحداثها في الكونغرس؟ هل الرجل بذلك يستعلن نوعاً من الحرب ضد الدولة الأميركية العميقة؟ ما الأوراق التي يديه؟ وهل يكفيه الفوز الشعبوي والنخبوي الأخير لمواجهة أساطين تلك القوى والمؤسسات غير الظاهرة على سطح الأحداث؟ أم أن مصيراً غامضاً ينتظره لا يقل هلعاً عن مصير جون كينيدي؟