Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشو دا تشين يروي واقع الصين الراهن سياسيا

سيرة متخيَّلة لمسؤول يحارب الفساد في رواية "انتهى العرض والجمهور لم يغادر"

الحياة الصينية اليومية (سوشيل ميديا)

ملخص

"بعد النهاية" رواية للكاتب الصيني تشو دا شين، ترجمها من الصينية إلى العربية يحيى مختار، تتعرض للفساد السياسي في الصين، وتواكب مناخاً رسمياً مواتياً، ولم يكن متاحاً لها أن تصدر في هذا البلد، لولا موجة تعقب المفسدين التي تلقّت قبولاً واضحاً داخل مجتمع طامح إلى مجابهة كل ما يعيق تطوره على مختلف الصعد.

لعل النهاية المقصودة في عنوان هذه الرواية هي موت بطلها "أويانغ وانتونغ"، في العام 2015، ومن ثم استعادته عبر مجموعة أشخاص ممن عرفوه، سواء عن كثب أو في شكل عابر، منذ أن كان طفلاً نشأ في أسرة ريفية فقيرة في زمن الثورة الثقافية الكبرى، إلى أن أصبح حاكماً لإحدى المقاطعات الصينية، في ذروة اتجاه الصين نحو الانفتاح الاقتصادي، وما ترتب على ذلك من أعمال فساد في دوائر صغار الموظفين وكبارهم، عبر تعاملاتهم مع المستثمرين ورجال الأعمال والطامحين في المناصب والمكاسب المادية عبر طرق غير قانونية. "بعد النهاية" (بيت الحكمة وضفاف والاختلاف) للكاتب تشو دا شين، ترجمها من الصينية إلى العربية يحيى مختار، علماً أنها صدرت عن دار نشر "أدب الشعب" في بكين عام 2015 تحت عنوان "انتهى العرض والجمهور لم يغادر"، والذي تحول إلى عنوان فرعي على الغلاف الأمامي للنسخة العربية.

وجرأة هذه الرواية في التعرض للفساد السياسي في الصين، وفي مواكبتها مناخاً رسمياً مواتياً، ومن ثم ما كان لها أن تصدر في هذا البلد لولا موجة تعقب المفسدين التي تلقى قبولاً واضحاً داخل مجتمع طامح إلى مجابهة كل ما يعيق تطوره على مختلف الصعد، في الداخل والخارج على حد السواء. ومع ذلك فإن هذه الرواية وإن كانت سياسية في ظاهرها، فإن باطنها - كما يقول يحيى مختار في تقديمه لترجمتها إلى العربية- "يجسد علاقات مجتمعية وعاطفية متشابكة ومعقَّدة". تتألف الرواية السيرية هذه من 27 فصلاً، يتولى السرد في كل منها رجل أو امرأة ممن تعاملوا مع بطلها الراحل خلال حياته التي انتهت بموته على إثر أزمة قلبية وهو في نحو الخامسة والستين من عمره. وقام بجمع بجمع شهادات هؤلاء الأشخاص كاتب كلَّفته أرملة الراحل "تشانغ شياو يون بهذه المهمة، وهو نفسه الروائي تشو دا شين.

التخييل والواقع

تطلبت تلك المهمة أن يجري الكاتب مقابل أجر معلوم، مقابلات مع 26 شخصاً، في مقدمهم تلك الأرملة التي أرادت تخليد ذكرى ذلك الزوج، والتباهي في الوقت نفسه بأنها كانت زوجة حاكم مقاطعة، في مجتمع يقدر جداً أصحاب المناصب الرسمية، ويبجلهم، منذ العهد الإمبراطوري وحتى العصر الحديث، مما أضفى على هذا العمل طايعاً تسجيلياً أو توثيقياً، كاد يطغى على الطابع الفني على عمل تخييلي. كما أن هذا التكنيك أثقل السرد بتكرار الحديث عن وقائع محددة، ومن ثم كان يمكن حذف مقاطع كثيرة منها من دون أن يخل ذلك بأبعادها الفنية والجمالية. تبدأ الرواية على نحو يشي بواقعية أحداثها، من خلال نص نعي "الرفيق أويانغ وانتتونغ، الحاكم السابق لمقاطعة تشينغ خه، ونائب سكرتير اللجنة الحزبية في المقاطعة ذاتها". لكن لا توجد في الواقع مقاطعة صينية بهذا الاسم. وبالتالي فالمكان المركزي هذا هو مكان افتراضي، وإن كان يحيل إلى شخصية تشنغ خه أو حجّي محمود شمس الدين، وكان بحاراً ورحَّالة مسلماً ولد عام 1371 وهو من قومية هوي في مقاطعة يونان في جنوب غرب الصين.

ولكن لم يرد في الرواية ما يشير إلى هذا الربط بين اسم تلك المقاطعة الافتراضية وهذا الشخص الذي احتفلت الصين عام 2005 بمرور 600 سنة على أولى رحلاته البحرية، معتبرة أياه "رسول المهمات الدبلوماسية، ورجل السلام الذي جاب المحيطات ولم يشعل حرباً ولم يقتل أحداً، وكان من أهم أقواله: "في سبيل إقامة العلاقات الودية بين الصين والدول الأخرى لا نعبأ حتى بالموت". وكما بدأت الرواية التي جاءت في نسختها العربية في 562 صفحة من القطع الوسط، على نحو يوحي بالواقعية، فإنها انتهت على النحو ذاته، بإيراد بيان بالمقتنيات التي احتفظ بها وانتونغ في خزانة أحد البنوك، وبما أسماه المؤلف الافتراضي "التقرير الوارد في جريدة تشينغ خه المسائية حول مراسم تأبين جثمان أويانغ تونغ".

لحن ولوحة

عبر هذه الرواية، يجد القارئ نفسه أمام شخص ذي سيرة عطرة إجمالاً، لكن الأمر لن يخلو من مخالفات ارتكبها خلال صعوده الوظيفي وحتى استقالته من منصبه الأخير تحت ضغوط لم يستطع تحملها، كان هدفها أن يمضي بعيداً في التغاضي عن وقائع فساد أو أن يتواطأ مع راغبين في انتهاك القوانين واللوائح لجني المال؛ حتى ولو كان على حساب صحة ملايين من الفقراء، أو حتى السلام الاجتماعي والتعافي الاقتصادي للبلد الأكثر سكاناً في العالم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان أويانغ وانتونغ في طفولته يهوى الرسم والعزف على آلة "السونا" وبعد موته وجدوا في خزنته الخاصة في أحد البنوك نوتة موسيقية قديمة للحن "مئات الطيور تتجه نحو العنقاء"، ولوحة قام برسمها بنفسه، "تميل للصفرة، وبخلاف وجود رسوم لبعض الأشجار والسحب، لا توجد سوى رسمة لطائر إوز بري كبير يخلق في السماء". كان يمكن له أن يمضي في تنمية موهبته والعمل موسيقياً أو رساماً، لكن جده عندما لاحظ نباهته في الدراسة أصرَّ على أن يكمل تعليمه تمهيداً لأن يحظى بوظيفة رسمية ويترقى في المناصب إلى أبعد مدى ممكن، حتى لا يتجرأ أحد من ذوي النفوذ في القرية على أن يلحق بأهله أي أذى.        

البداية كانت في تولي أويانغ وانتونغ وظيفة صغيرة عشية موت الزعيم ماوتسي تونغ في بداية سبتمبر 1976، ومحاكمة "عصابة الأربعة". ويصل إلى أن يكون أحد صغار كبار المسؤولين، فهو لم يصل مطلقاً إلى أي من المناصب المركزية في بكين. في ذلك الوقت كان طالب الجامعة يعامل على أنه شبه موظف رسمي، وبعد التخرج يمكنه العمل كادراً في المؤسسات الحزبية والحكومية.

رحلة الصعود

في 1978 ترك وظيفته في "الكومونة"، وهي مزرعة جماعية على النمط الشيوعي، والتحق بمرحلة الدراسات العليا في قسم التاريخ في جامعة تشينغ خه. والوظيفة الرسمية الأولى له حصل عليها بعد أن تزوَّج من ابنة محافظ إحدى المدن، مضحياً بعلاقته العاطفية بفتاة قروية كانت تشجعه على تنمية مواهبه الفنية، وكان أهلها يستعدون لتزويجها إياه. وهكذا بدأت رحلة الصعود على نحو لا يخلو من انتهازية، كادت تكلفه لاحقاً خسارة كل ما سعى لتحقيقه بعدما تورطت زوجته تلك في فساد وظيفي ترتب عليه سجنها، وعزله من وظيفة عمدة إحدى المدن. مرت تلك الأزمة بسلام بعدما ثبت للمسؤولين عدم علم وانتونغ بما خططت زوجته لارتكابه للحصول على المال. وحتى الزوجة الثانية التي كانت تصغره في العمر على نحو ملحوظ، كانت تعمل شرطية وقد سبق لها الزواج من شخص تورط هو الآخر في عمليات فساد، أودت به إلى العزل من وظيفته والسجن. وهذه الزوجة التي سعت إلى تخليد ذكرى ذلك الحاكم "النزيه"، لم تسلم هي الأخرى من الإغواء الهادف إلى التأثير على زوجها ليقبل برشاوى من هذا أو ذاك.

المقتنيات التي احتفظ بها وانتونغ كان بينها خطاب تهديد من دون توقيع، ولكن مضمونها يشي بأنها من أحد ذوي النفوذ ممن كان يتصدى الراحل لفسادهم، ومما جاء فيها: "يمكنك أن تستخدم السلطة التي منحتها لك الحكومة لكبح جماحنا، ولكننا يمكننا أيضاً استخدام سلطتنا الخاصة لكبح جماحك" ص 548. أما جنازته فشهدت تجمع عشرات الآلاف من الناس لتوديعه، كما شهدت عزف مقطوعة "مئات الطيور تتجه نحو العنقاء" التي كان المتوفى يحب سماعها دوماً في حياته؛ "حين دوى صوت آلة السونا المبهج داخل القاعة، ومع انتهاء عزف هذا اللحن، انهارت زوجته تشانغ شياو يون من شدة البكاء أمام نعشه". وفي المقابل كانت هناك مجموعات من الرجال والنساء (خارج البوابة الرئيسة لقاعة الجنازة) يرتدون كمامات ونظارات سوداء يقفون بصمت، "بعضهم يقرع الطبول، بينما يرفع آخرون لافتة حمراء ضخمة كتب عليها: فلنبتهج جميعاً بإرسال المسؤول الإقطاعي أويانغ وانتونغ إلى الجحيم، بينما كانت الشرطة تتمركز أمام البوابة لمنعهم من الدخول".  

ويمكن القول إن تشو دا شين، المولود في العام 1952، اختار تلك المقاطعة المتخيلة، لتعبر عن راهن الصين المنفتح على العالم وربطه بأساطيرها المتوارثة منذ آلاف السنين، ورؤاها الفلسفية، ومن ثم الحفاظ على هويتها الثقافية باعتبارها أخطر ما تواجهه من تحديات ترتبط بسعيها إلى الارتقاء إلى مرتبة القوى الاقتصادية الكبيرة في العالم.                            

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة