Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

تأثير عودة السوريين في الاقتصاد التركي... إيجابيات وسلبيات

متخصصون: كلف الإنتاج سترتفع وتتراجع المبيعات لكن التضخم سينخفض في المقابل وتقل أسعار الإيجارات

في طريق العودة عند بوابة معبر "سيلفيجوزو" الحدودي بين سوريا وتركيا بعد إطاحة الأسد (أ ف ب)

ملخص

مغادرة السوريين تركيا وعودتهم لبلدهم، ستؤثر بالضرورة وبصورة مباشرة في الاقتصاد التركي، سواء على نحو إيجابي أو سلبي، فيعيش في تركيا 3.7 مليون سوري، بين لاجئ ومقيم، ويشكلون ثلاثة في المئة من إجمالي القوى العاملة في البلاد.

بعد عقد ونيف على بدء التغريبة السورية التي أشغلت أجندة السياسيين في مختلف دول العالم، من الهاربين على الحدود اليونانية إلى حملة اللجوء في أقصى الشمال الأوروبي، ومن القاطنين في مخيمات إدلب إلى أقصى الجنوب اللبناني، فيما تحدث الساسة كثيراً حول ضرورة إيجاد حل لملف اللجوء السوري، مما عجز عنه المجتمع الدولي، تبيّن لاحقاً أن الحل يكمن في إزالة المتسبب في اللجوء، لذلك أزيح ملف اللاجئين السوريين من أجندة الساسة بمجرد سقوط نظام بشار الأسد وبدأت رحلة العودة.

على مد البصر عند الحدود التركية – السورية، تصطف طوابير العائدين للوطن القديم المتجدد، وبسبب الازدحام أعلن معبر "باب السلامة" على الحدود مع تركيا في ريف حلب الشمالي فتح العودة الطوعية أمام السوريين العائدين لبلادهم على مدى الـ 24 ساعة، وأصدرت إدارة المعبر بياناً جاء فيه "إلى أهلنا السوريين المقيمين في تركيا، نعلمكم بأن العودة الطوعية لسوريا الحرة أصبحت متاحة على مدى 24 ساعة، وبإمكان العائدين اصطحاب أثاث منازلهم ونقله بالسيارة إلى المعبر السوري".

 

تزامناً مع البيان، أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا رفع القدرة الاستيعابية اليومية للمعابر الحدودية مع سوريا من 3 آلاف إلى ما بين 15 و20 ألف شخص، وعلى رغم هذا لا تزال الطوابير تتشكل فيعود يومياً من تركيا عشرات آلاف السوريين المنحدرين من 14 محافظة سورية، غالبيتهم يحملون "بطاقة الحماية الموقتة" التي تصدرها الحكومة التركية والتي تنتهي صلاحيتها إلى الأبد بمجرد مغادرة الأراضي التركية.

أرقام وإحصاءات

مغادرة السوريين تركيا وعودتهم لبلدهم سيؤثر بالضرورة وبصورة مباشرة في الاقتصاد التركي، سواء على نحو إيجابي أو سلبي، إذ يعيش في تركيا 3.7 مليون سوري بين لاجئ ومقيم، يشكلون ثلاثة في المئة من إجمالي القوى العاملة في البلاد، و71 في المئة من القوى العاملة السورية في تركيا هم من الرجال، و97 في المئة ليست لديهم أذونات عمل ولا ضمانات اجتماعية ويتقاضون رواتب أقل بكثير من نظرائهم الأتراك، ويتركز عملهم في مصانع وورشات حياكة الألبسة وقطاع الزراعة، خصوصاً جنوب تركيا ووسطها، وقطاع المطاعم في إسطنبول والمدن الكبرى.

وبالنسبة إلى رؤوس الأموال والاستثمارات السورية في تركيا، لا يوجد رقم دقيق لحجم الاستثمارات السورية، فبينما يقدرها بعضهم بنحو ملياري دولار، يقول آخرون إنها تصل إلى 10 مليارات دولار، إلا أنه لم يصدر أي إحصاء رسمي حول حجم الاستثمارات السورية في تركيا، لكن عضو تجارة إسطنول توشكان طارق يقول إن رقم 10 مليارات دولار هو الأقرب لأن يكون حجم الاستثمارات السورية في تركيا، حيث إن مساهمة الاستثمارات السورية في تركيا تزيد على اثنين في المئة من الناتج المحلي للبلاد.

اقرأ المزيد

يضيف أن "السوريين يستثمرون في مجالات عدة ومتنوعة، لكن غالبية مشاريعهم تراوح ما بين الصغيرة والمتوسطة مثل محال الألبسة التجارية والمطاعم وتجارة المنسوجات والجلود ويبتعدون من المشاريع الكبيرة، فيما تتمركز الاستثمارات السورية في تركيا ضمن ولايات إسطنبول وغازي عينتاب وكلس وأوروفا، وبالطبع هناك استثمارات في بقية الولايات، لكن الولايات التي ذكرتها هي أماكن تمركز الاستثمارات السورية".

سلبيات وإيجابيات

المتخصص في الشأن الاقتصادي مخلص الناظر يقول إنه "بالتأكيد ستكون هناك تأثيرات واضحة في الاقتصاد التركي نتيجة عودة السوريين، لكن هذه التأثيرات ليست كلها بالمعنى السلبي، هناك بالفعل تأثيرات سلبية لذلك، وفي المقابل توجد إيجابيات تعود على الاقتصاد التركي، فمن الناحية السلبية سيفقد الاقتصاد التركي مصدراً رئيساً بالنسبة إلى العمالة الرخيصة التي يمكنها أن تعمل في أي قطاع ومن دون ضمانات اجتماعية، مما سيرفع كلف الإنتاج على عدد من القطاعات، بخاصة قطاعات الزراعة والسياحة والصناعة التحويلية مثل قطاع الملابس، ومن الآثار السلبية أيضاً تراجع الطلب على السلع نتيجة مغادرة عدد كبير من السكان، فهذه المغادرة ستجعل الطلب على السلع الأساسية ينخفض، مما قد يتسبب في خسائر لبعض الشركات أو تراجع كبير في مبيعاتها".

يضيف الناظر أنه "من جانب آخر، فإن مغادرة عدد كبير من اللاجئين سيؤدي بالضرورة إلى خفض التضخم بنسبة واحد أو اثنين في المئة لأن تدني الطلب على بعض السلع يسهم في نزول التضخم، أما في ما يتعلق بقطاع العقارات فسنجد تراجعاً ملحوظاً في أسعار إيجارات المنازل نتيجة لمغادرة المستأجرين، والغالبية العظمى من السوريين هم مستأجرون وليسوا ملّاكاً. في المقابل سيخسر قطاع البناء والإنشاءات عدداً كبيراً من العمال، مما سيتسبب في تباطؤ سرعة البناء وارتفاع الكلف، وقد ينعكس عليها ارتفاع في أسعار العقارات".

 

ويتابع أن "هناك أيضاً مسألة مساهمات السوريين في الاستثمارات، إذ أسس السوريون خلال الأعوام الماضية آلاف الشركات في مختلف أنحاء تركيا وفي المجالات شتى، ويتجاوز عدد الشركات السورية في تركيا 10 آلاف شركة، وجميع هذه الشركات لديها موظفون أتراك وتسهم في ما نسبته ثلاثة في المئة من إجمالي الناتج المحلي التركي، وفي حال غادرت أو غادر جزء منها ستؤثر في الناتج المحلي لتركيا وتتسبب في ارتفاع نسبة البطالة، باختصار يمكنني القول إن النتائج النهائية لمغادرة السوريين تركيا على الصعيد الاقتصادي ستكون متوازنة، فسلبيات المغادرة تقابلها إيجابيات أيضاً".

الصحافي السوري المقيم في إسطنبول ناصر العدنان يرى أن "الكتلة الاقتصادية للسوريين في تركيا ستتأثر بصورة تدريجية بعد إسقاط نظام بشار الأسد، أولاً الشركات والمؤسسات والمحال والمصالح التجارية للسوريين في تركيا كانت تعتمد بالدرجة الأولى على العمالة السورية، وهذه العمالة كانت تواجه مشكلات أبرزها امتلاك بطاقة الحماية الموقتة المعروفة بـ’الكملك‘، والغالبية العظمى من حملة هذه البطاقة سيعودون لسوريا لأسباب متعددة من بينها أن الحكومة التركية ستنفذ برنامج ’العودة الطوعية‘ على نطاق واسع للسوريين المقيمين على أراضيها. وبعيداً من العمال، فحتى أصحاب رؤوس الأموال السوريين قد يفكرون بالعودة لبلادهم والاستثمار هناك، لا سيما في المناطق القادرة على استيعاب مصالحهم، خصوصاً في المدن التي لم تتضرر كثيراً أو تتعرض للدمار مثل دمشق أو حماة أو اللاذقية أو غيرها، لذلك أعتقد بأن مثل هذه المدن ستكون آمنة نسبياً إذا ما ارتبطت بخطة وطنية شاملة لتوفير الأمن الاقتصادي والشخصي لمثل هؤلاء المستثمرين، فكما هو معروف فإن رأس المال جبان، وبالنتيجة أعتقد بأن هناك تأثيراً كبيراً في الصعيد الاقتصادي في تركيا بسبب مغادرة السوريين".

الفراغ المتوقع

ويتشارك مدير "مجموعة المصدر الإعلامية" المتخصصة في الشأن التركي نورس العرفي وجهة النظر ذاتها، فيوضح أنه "على الصعيد الاقتصادي أعتقد بأن السوريين بالفعل يشكلون رقماً صعباً، ليس فقط في تركيا بل في دول أخرى مثل مصر، حيث تمكن المستثمرون السوريون من إنشاء أعمال أثبتت نجاحها، بل نافست في بعض الأحيان المنتج المحلي للدول التي لجأوا إليها، أما بالنسبة إلى تركيا فنحن هنا نتحدث عن عدد يتجاوز ثلاثة ملايين شخص، جزء كبير منهم أيدي عاملة مهمة ويعملون في الورشات والمعامل والمصانع والمطاعم وغيرها ويقدمون خدمات أساسية، ومن وجهة نظري إذا تمت عودة السوريين بصورة غير منظمة، فإن ذلك سيتسبب في مشكلات عدة للاقتصاد التركي، وسيؤدي هذا بالفعل إلى توقف بعض المصانع، فضلاً عن رؤوس الأموال الكبيرة التي يستثمر بها السوريون في تركيا، وهي تقدر بعشرات ملايين الدولارات، وإذا سحبها السوريون سيتسبب ذلك بتشكيل فراغ، مما سيؤثر أيضاً بصورة سلبية في الاقتصاد التركي، لذلك أرى أن الحكومة التركية ستعمل على تنظيم حركة العودة بصورة تدريجية ومدروسة لتفادي ضررها على الاقتصاد، ومن المتوقع أن تُقدم تسهيلات جديدة للعمال السوريين في تركيا".

 

أحد تجار الذهب في مدينة إسطنبول ينحدر من مدينة حلب السورية يقول إنه لا يفكر في العودة "أو الاستثمار في سوريا في الوقت الراهن، لأنه ليس من الواضح إلى أين تتجه الأمور هناك، وكيف ستكون الدولة الجديدة وما هو مستوى الأمان الذي سيتم توفيره".

ويؤكد التاجر الحلبي أن "بلدنا أولى بنا، ومن واجبنا العودة والاستثمار هناك، لكن هناك عوامل يجب أن تتوافر قبل العودة، أولها كما أسلفت العامل الأمني، فمن دون استقرار أمني لا يمكن أن يحصل ازدهار اقتصادي، وبعد ذلك يجب النظر إلى عجلة الاقتصاد السوري الجديد، وكذلك هناك عقوبات أميركية وغربية على النظام السابق، ويجب إزالة هذه العقوبات لكي يتم السماح للمستثمرين السوريين وغير السوريين بالمشاركة في إعادة إعمار البلد الذي أنهكته الحرب".

الانفراجة المنتظرة

وعلى عكس غالب الآراء المذكورة أعلاه، يقول العضو في حزب "الظفر" التركي المعارض أحمد بيرات إن "عودة السوريين لبلدهم ستشكل انفراجة حقيقية للاقتصاد التركي، إذ إن ملايين الشباب الأتراك العاطلين من العمل سيحلون محل السوريين الذي سيغادرون، وبذلك ستنخفض البطالة كما أن التضخم سيتراجع عندما يهوي عدد السكان بالملايين بصورة مفاجئة وسريعة". ويضيف بيرات أنه يدعم "بصورة مطلقة العودة الفورية والعاجلة للسوريين، نحن سعداء بأنه لم تعُد هناك ديكتاتورية في سوريا، والآن من المقرر أن تكون هناك فرص عمل بالملايين لأنهم يجب أن يبنوا بلداً بأكمله، وأعتقد بأن السوريين سيحتاجون إلى عمالة من الخارج بسبب كثرة الأعمال التي يجب القيام بها في سوريا خلال الفترة المقبلة، أما بالنسبة إلى الاقتصاد التركي فأعتقد بأنه سيخرج من أزمته بمجرد رحيل اللاجئين".

بطبيعة الحال، تركيا أحد أهم اللاعبين الإقليميين في الملف السوري، ومع سقوط نظام الأسد من المتوقع أن تدخل سوريا مرحلة إعادة إعمار، في وقت تعدّ الشركات التركية من أهم الشركات التي من المحتمل أن تسهم في ذلك، وأفادت وكالة "بلومبيرغ" بأن أشهر شركات البناء التركية قفزت بنسب متفاوتة وصل بعضها إلى 10 في المئة بعد سقوط النظام السوري بسبب "تكهنات بأن تضطلع الشركات التركية بدور محوري في إعادة إعمار سوريا"، وهذا ما أكده على الصعيد الرسمي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي قال في تصريحات أمام مجموعة من السفراء في أنقرة إن بلاده "ستعمل على ضمان عودة طوعية وآمنة للسوريين وستسهم في إعادة الإعمار".

المزيد من تقارير