Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دمار الحرب في لبنان... هل يبتلع البحر أطنان الركام؟

مصير مجهول للردميات التي لا تزال في مكانها ومطالبات باعتماد اختيارات مسؤولة

في الجنوب اللبناني قرى دمرت بالكامل وأزيلت معالمها بسبب القصف الإسرائيلي العنيف (رويترز)

ملخص

يختلف الوضع اليوم عما كان عليه بعد حرب 2006. كان التمويل متوافراً آنذاك، فيما تتشدد الجهات المانحة حالياً، ما يفسر البطء في سير عملية إعادة الأعمار ورفع الركام.

منذ انتهاء الحرب في لبنان، برزت مسألة رفع الردم كإشكالية جديدة لا بد من مواجهتها، ومع انقضاء قرابة ثلاثة أسابيع على وقف إطلاق النار، لا تزال الردميات موجودة بالأطنان في المناطق التي تعرضت للقصف والدمار، بانتظار قرار رسمي في شأن إزالتها، لتبقى شاهدة على مآس وتمنع عودة الحياة الطبيعية على رغم محاولات المواطنين وحرص كثيرين على استعادة شيء من حياتهم التي سبقت الحرب.

وطالما أن عملية إعادة الإعمار لم تنطلق بخطواتها الأولى التي تقضي برفع الركام من هذه المناطق، لا يمكن أن تكتمل عودة الأهالي إلى مناطقهم. وحالياً، تتعدد الطروحات والفرضيات في شأن الردميات، وأياً كانت الاختيارات المتاحة والحلول التي يمكن اللجوء إليها، تستمر المناكفات في هذه القضية، ويمكن القول إن عملية إعادة الإعمار تبدو ضبابية، وهي على الأرجح طويلة، بما أن أياً من التفاصيل والخطوات المتعلقة بها لم يتضح بعد، فيما نحن على أبواب الشتاء والأمطار.

مقررات واستهتار

بتاريخ الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أصدرت وزارة البيئة بياناً يحمل كل التفاصيل المتعلقة بالردميات وسبل رفعها بطرق فيها الحد الأدنى من الضرر البيئي. وقد شددت فيه على ضرورة إعطاء الأولوية للمواقع المتدهورة بيئياً الأقرب جغرافياً، كمواقع للتجميع الموقت والمعالجة والتخلص النهائي، وذلك ضمن نطاق كل محافظة، وتحديداً المقالع الموجودة على أملاك عامة أو تلك الموجودة على أملاك خاصة بعد موافقة أصحابها. وفي حال تعذر وجودها، تحول الردميات إلى أملاك عامة تخصص كمواقع تجميع موقتة وفق ما ورد في البيان، مع ضرورة إبلاغ وزارة البيئة والمحافظين بالمواقع المعتمدة، ومع التذكير بضرورة عدم الرمي العشوائي لردميات الحرب، وإيلاء السلامة العامة الأولوية القصوى، وكذلك مبدأ الفرز أولوية أيضاً بهدف إعادة الاستعمال والتدوير. 

وأضاف البيان تفاصيل حول عملية الفرز وأهمية فصل المواد الملوثة والخطرة عن بقية الردميات تمهيداً لمعالجتها، وفصل المواد ذات الطابع الأثري. أما المخلفات التي لا يمكن إعادة استعمالها أو تدويرها، فيتم العمل على استخدامها في تأهيل المقالع. وتضمن البيان جدولاً بمواقع جميع المقالع التي يمكن استخدامها.

على أرض الواقع يبدو هذا البيان حبراً على ورق. فحتى اللحظة، لا تزال قضية إزالة ركام الحرب موضوع جدل مستمر تتواجه فيه مختلف الأطراف من دون التوصل إلى نتيجة واضحة، في ظل تخوف البعض من فرضية ردم البحر مع ما قد يخلفه ذلك من أضرار بيئية، إضافة إلى خسائر اقتصادية مرتبطة بهذه الخطوة التي فيها كثير من الاستهتار.

في المرحلة الحالية، يبقى المواطن في حال ترقب لما ستؤول إليه الأمور، آملاً بأن يتم الاتفاق على أي صيغة، حتى تنطلق عملية الإعمار التي تسير بوتيرة دون المستوى المطلوب. فالمواطن الذي يتحرق شوقاً للعودة إلى بيته ومنطقته، لا يجد أمامه سوى جدال لا نتيجة له. في هذه الأثناء، لا يزال الركام موجوداً ليذكره بمآسي الحرب حتى بعد انتهائها، فيما ينتظر الانطلاقة الجدية لعملية إعادة الإعمار.

للربح السريع أولوية

تتخطى كمية الردم الذي خلفته الحرب الإسرائيلية الأخيرة بمعدل ثمانية أضعاف أو أكثر مما نتج من حرب 2006، ما يستدعي الانطلاق بأسرع وقت ممكن في عملية إعادة الإعمار كي يتمكن الناس من العودة إلى حياتهم الطبيعية، ولتستعيد هذه المناطق نشاطها الاقتصادي وعافيتها فتعوض جزءاً من الخسائر التي تكبدتها في الحرب. 

حتى اللحظة لم تظهر بعد خطة واضحة، لكن وفق ما توضحه النائبة نجاة عون صليبا يبدو أن عملية رفع الركام انطلقت بطريقة عشوائية، ومن دون مراعاة لأي من المطالبات باتباع الأصول التي فيها الحد الأدنى من الضرر البيئي، وفي الوقت نفسه تشكل مكسباً اقتصادياً، حتى إن البيان الذي أصدرته وزارة البيئة لم يلق آذاناً صاغية، وكانت أصوات المستفيدين الأعلى، وعلى رغم أن وزير البيئة قام بعمله، إلا أن خطواته لم تجد نفعاً، على حد قولها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

انطلاقاً من ذلك، تشدد صليبا على أهمية تسليط الضوء على الأضرار التي يمكن أن تلحقها بالبيئة تلك الخطوات العشوائية وغير المسؤولة في إزالة الردميات، وتقول "تبين لي على أثر ملاحقة الأعمال التي تحصل في الضاحية الجنوبية، أن عملية إزالة الردميات قد انطلقت بالفعل من دون أي مراعاة للأصول، ومن دون أي فرز للحديد ولا طحن للإسمنت. وهي تنقل مباشرة إلى البحر وهذا أخطر ما يحصل، ما يقتضي الإسراع بالتحرك لوقف هذه الجريمة".

وأضافت، "أرسلنا كتاباً إلى الحكومة، شرحنا فيه كل التفاصيل المتعلقة بالأضرار البيئية التي يمكن أن تنتج من ردم البحر. كما أشرنا فيه إلى القوانين المنتهكة، والحلول التي يمكن اللجوء إليها. ونؤكد فيه على حجم الضرر الذي يحصل، سواء بالنسبة للبحر أو البيئة أو الحياة البحرية وقطاع الأسماك. من ناحية أخرى، هناك ضرر كبير على البيئة بسبب اللجوء مجدداً إلى تدمير الجبال بهدف الحصول على مواد البناء، بدلاً من الاعتماد على إعادة التدوير للإسمنت والحديد ومواد أخرى من الركام. هذا، إضافة إلى ما يشكله ذلك من خسارة على المستوى الاقتصادي". 

بعد التقدم بهذا الكتاب الذي تضمن كل التفاصيل المتعلقة بالجوانب البيئية والقانونية والتجارية، من المفترض أن ينشر في الجريدة الرسمية، ويجري التواصل بعدها مع الجهات المانحة، لكن يبدو أن ثمة أعمال انطلقت بطريقة عشوائية وحتى قبل اتخاذ قرارات رسمية بهذا الشأن. أما اللجنة التي كانت قد تشكلت، وكان وزير البيئة ضمنها، فيبدو أنه لم يعد لها أي دور في هذه القضية. وهنا تكمن الخطورة الحقيقية في ما يحصل، ما يستدعي التحرك وتسليط الضوء.

وفق ما يوضحه المهندس الصناعي والبيئي زياد أبي شاكر، هناك أرباح كثيرة يمكن تحقيقها في حال اعتماد الاختيار الصديق للبيئة في عملية إزالة الردم، وذلك عبر إعادة تدوير الحديد. فعلى سبيل المثال، بعد حرب 2006، كان هناك أكثر من 4000 أو 5000 طن من الحديد في الردميات، وفي النهاية تم اللجوء إلى مطمر "كوستا برافا".

يشدد أبي شاكر على ضرورة عدم التفريط بالردميات بعشوائية، طالما أن خيار إعادة التدوير متاح ليشكل ربحاً على المستويين البيئي والاقتصادي. فيكون في ذلك مساراً ذكياً يمكن المضي فيه لإدارة الأمور بطريقة صحيحة، خصوصاً أن الدولة كانت قد أصدرت قراراً بوقف الكسارات ومنعها، ما يجعلها متوافرة كاختيار في المرحلة الحالية لتوفير المواد المطلوبة.

ومن الخطوات المطلوبة حالياً، وفق أبي شاكر، فتح باب استيراد الإسمنت لمدة عام على الأقل لتسيير عملية إعادة الإعمار، ولتجنب استغلال الجبال وتدميرها، وعندها لا يعود من الممكن استعادة ما تمت خسارته. وهذه المقترحات، على رغم أهميتها والفائدة من ورائها لا تناسب المسؤولين لأنهم يفضلون اللجوء إلى الخطوات السهلة التي تسمح بتحقيق الربح السريع والمباشر من خلال تعهدات ومشاريع يمكن الاستفادة منها. وبالنسبة إليهم، يمكن الاكتفاء برمي هذه الردميات في مطمر "كوستا برافا" لتحقيق الربح المباشر. أما هذه المقترحات، فتقدم أرباحاً غير مباشرة ويمكن الاستفادة منها للمدى البعيد.

التمويل غائب هذه المرة

أقر مجلس الوزراء بالفعل خطة لمسح الأضرار وإزالة الردم، كما يوضح نقيب المقاولين مارون الحلو. كما أقر مبلغ 44 مليون دولار للبدء بالمسح ورفع الأنقاض. أيضاً، جرى توزيع الأدوار عبر تكليف المجالس والوزارات للقيام بأعمال المسح ولعملية رفع الأنقاض من دون تحديد مصير واضح للردميات وكيفية التعامل معها. وفي هذا التكليف تم تفويض مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة بعملية رفع الأنقاض في الجنوب، ويشرف عليها مجلس الإنماء والإعمار. كما طلب من وزارة الأشغال العامة والنقل تحديد مواقع الردم واستحداث أماكن لتجميع الركام، والتنسيق مع الإدارات والهيئات المحلية في إنجاز هذه المهمة.

هذا، في ما من المفترض أن تتولى هيئة الإغاثة رفع الردم في البقاع. وصحيح أن ثمة اتجاهات للبعض إلى اعتماد اختيار ردم بحر الأوزاعي أو اعتماد مطمر "كوستا برافا"، لكن لم يكن هناك بعد تصريح رسمي من مجلس الوزراء بهذا الشأن. ويشير الحلو في حديثه بالدرجة الأولى إلى أن مبلغ 44 مليون دولار الذي خصص لرفع الردميات ليس كافياً، ويعتبره بمثابة خطوة أولى وبداية لانطلاق عملية إعادة الإعمار.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير