ملخص
تحدث مبارك باستخفاف عن "حماس"، التي تقول إنها مسلمة، لكنها اتبعت مساراً غير مقبول. وقال إنه من المهم أن لا ندع الأميركيين يفقدون صبرهم. والجائزة التي ستعود على إسرائيل هي أن تكون لها حدود مفتوحة، لكن آمنة، وأن تعيش في سلام مع جيرانها، وأن لا تعاني الاستنزاف المستمر داخلياً. ومن شأن التسوية أن تعطي دفعة نفسية للعالم العربي
في الأول من أبريل (نيسان) 1993، استضاف رئيس الوزراء البريطاني جون ميجور، في عشاء عمل الرئيس المصري حسني مبارك في لندن. حضر العشاء مسؤولون مصريون وبريطانيون بارزون. وخلال اللقاء تناول الرئيس مبارك عدة قضايا إقليمية، أبرزها عملية السلام في الشرق الأوسط. إذ أعرب عن أمله في إتمام السلام بنهاية العام، والحفاظ على الزخم في المفاوضات.
وفي الشأن السوري أشار مبارك إلى أهمية حل قضية مرتفعات الجولان بشكل كامل، مع احتمال تنفيذ الاتفاق على مرحلتين. وفي القضية الفلسطينية، شدد على أهمية تحقيق الحكم الذاتي، مشيراً إلى أن المستوطنات تمثل مشكلة كبرى. كما تحدث عن دور ياسر عرفات في المفاوضات و"حماس". مؤكداً ضرورة الحفاظ على دعم أميركا للتسوية، لتحقيق استقرار وأمن لإسرائيل وتعزيز مكانتها.
السلام الفلسطيني والعلاقات العربية
أقام رئيس الوزراء عشاء عمل للرئيس مبارك هذا المساء، وكان مبارك برفقة وزير خارجيته، ووزير الإعلام، ووزير شؤون مجلس الوزراء، ورئيس جهاز المخابرات المصري، والسفير المصري في لندن. ومن الجانب البريطاني، حضر وزير الخارجية، والسفير البريطاني في القاهرة، السير مايكل بيرتون، والسيدة نيفيل جونز.
قبل الوجبة، أمضى رئيس الوزراء البريطاني والرئيس المصري نصف ساعة. وفي ما يتعلق بعملية السلام، أكد مبارك أهمية ياسر عرفات، وعدم أهمية زعيم الوفد الفلسطيني، فيصل الحسيني (وهي النقطة التي عاد إليها لاحقاً). كما ناقش أمر الملك حسين ملك الأردن. وعلى رغم عدم شعبية الأخير في العالم العربي، استمر الملك حسين في تلقي الإعانات المالية من السعودية وحتى من أمير الكويت في بعض الأحيان.
خلال اللقاء، تحدث مبارك عن المشكلات الداخلية في مصر، والدعاية التي يوجهها ضده الأصوليون المسلمون. وقال إنه نجح في السيطرة على البلاد، وسيعمل بحزم شديد للحفاظ على القانون والنظام. وشكر رئيس الوزراء مبارك على تدخله في قضيتي بول كوليت ومورين باليسكي. وقال مبارك إنه رتب لإطلاق سراحهما كخدمة شخصية لرئيس الوزراء. وكان الأميركيون يضغطون من أجل ممارسة الرأفة بالمثل نيابة عن المواطنين الأميركيين المسجونين في مصر، لكن مبارك رفض.
كان مبارك يأمل في أن تكتمل عملية السلام بحلول نهاية العام. وكان من الضروري أن لا نفقد الزخم، وإلا فقد يتحول الانتباه إلى بعض المشكلات الأخرى العديدة في العالم. ومن الواضح أن سوريا تحتاج إلى اتفاق بشأن مرتفعات الجولان. والسيطرة الجزئية لن تكون كافية. لكن الاتفاق يمكن أن يجري تنفيذه على مرحلتين، ربما بمساعدة قوة متعددة الجنسيات لمدة عامين.
وبالنسبة للفلسطينيين، كانت المستوطنات مشكلة كبرى. وبتشجيع من وزير الخارجية، وافق مبارك على أن إسرائيل تحتاج أيضاً إلى تحويل عرض الحكم الذاتي إلى حقيقة واقعة. وكان الفلسطينيون على استعداد تقريباً الآن لقبول عرض كامب ديفيد، الذي رفضوه في ذلك الوقت، لكن من الضروري عدم ذكر كامب ديفيد.
وقال عمرو موسى إن هناك مشكلتين تواجه رئيس الوزراء رابين، الأولى هي أن حزب الليكود أصبح تحت قيادة جديدة عدوانية مع انتخاب نتنياهو، وسوف يهاجمه إذا لم تسفر عملية السلام عن نتائج. وثانياً، كان عليه أن يواجه فترة طويلة من خمس سنوات يتم خلالها تطبيق نظام الحكم الذاتي، وكان على السوريين أن يتخذوا قراراتهم خلال تلك الفترة.
وسأل رئيس الوزراء من هم اللاعبون الحاسمون في المفاوضات؟ فأجاب مبارك بأن عرفات ما زال الشخصية الرئيسة، سواء أحببنا ذلك أم لا. وكان يعتقد أن عرفات يتمتع بالسيطرة الفعلية. وعلاوة على ذلك، كان عرفات يملك المال. وكان يدفع ثمن الإمدادات للمبعدين، إذ كان يرسل الأموال أيضاً إلى قطاع غزة. وعلى رغم أنه نفى ذلك، فإن منظمة التحرير الفلسطينية ما زالت ثرية، بخاصة من الأموال التي جمعت قبل حرب الخليج.
وتحدث مبارك باستخفاف عن "حماس"، التي تقول إنها مسلمة، لكنها اتبعت مساراً غير مقبول. وقال إنه من المهم أن لا ندع الأميركيين يفقدون صبرهم. والجائزة التي ستعود على إسرائيل هي أن تكون لها حدود مفتوحة، لكن آمنة، وأن تعيش في سلام مع جيرانها، وأن لا تعاني الاستنزاف المستمر داخلياً. ومن شأن التسوية أن تعطي دفعة نفسية للعالم العربي."
قضايا مصر والشرق الأوسط
وكان وزير الخارجية البريطاني قد قام بزيارة ودية استمرت أربعين دقيقة إلى الرئيس محمد حسني مبارك، وذلك في مقر إقامته بفندق كلاريدجز بالعاصمة البريطانية لندن في الـ 31 من مارس (آذار). حضر اللقاء وزير الخارجية المصري، إلى جانب أسامة الباز.
خلال اللقاء، سأل وزير الخارجية البريطاني عن الأوضاع الداخلية في مصر. أجاب الرئيس مبارك بأن كل شيء يسير على ما يرام. بعد ذلك، استفسر وزير الخارجية البريطاني من الرئيس مبارك عن تطورات عملية السلام في الشرق الأوسط. وكان الرئيس مبارك متفائلاً.
"قال الرئيس مبارك إنه واثق من أنه يمكنه إيجاد حل لمشكلة الترحيل. لقد تحدث إلى الرئيس الأسد في الـ 27 من مارس. كان عرفات أيضاً في القاهرة. اقترح عرفات أن يقاطع الفلسطينيون المفاوضات، لكنه في الواقع كان بحاجة إلى لفتة لإنقاذ ماء وجهه. لقد عرض الإسرائيليون السماح بعودة 36 مبعداً آخرين، في حين قال الفلسطينيون إنهم سيعودون إلى المفاوضات، على أن يتبع ذلك مزيد من المبعدين عندما تستأنف المفاوضات. لكنهم كانوا متمسكين بموعدهم في نهاية ديسمبر (كانون الأول) للعودة النهائية لكل المبعدين. وكان الأمر يتطلب المزيد. فقد وجهت "حماس" تهديدات صريحة بقتل كبار المفاوضين الفلسطينيين إذا عادوا إلى طاولة المفاوضات في ظل الظروف الحالية.
وسأل وزير الخارجية رابين عما إذا كان بوسعه أن يقوم بأي تحرك آخر. فقال الرئيس مبارك إنه يعتزم التحدث إلى رابين شخصياً. وسوف يترك له أن يقرر كيف يعرض تحركه على الرأي العام الإسرائيلي. فهو لا يرغب في إحراج رابين أو إضعاف موقف ائتلافه. ولا يتطلب الأمر من الإسرائيليين اتخاذ أي خطوة كبيرة.
ووصف وزير الخارجية محادثاته مع وارن كريستوفر في واشنطن. ففي الوقت الحالي، كانت الإدارة الأميركية منخرطة في الأمر بحماسة، وعرضت أن تلعب دور "الشريك الكامل" في المفاوضات. لكن إذا ما قوبلت بالرفض شهراً بعد شهر، فقد تصاب بالإحباط. وقد وافق على ذلك. إن هذا سيكون خطيراً.
سأل وزير الخارجية عن موقف سوريا. قدم الرئيس مبارك نبذة مختصرة عن نصيحته للسوريين منذ بداية عملية مدريد لاختبار مدى التقدم الذي يمكن إحرازه من خلال المشاركة الكاملة. لقد اقتنع السوريون الآن تماماً. قال وزير الخارجية إنه وجد فيما كان السوريون على استعداد لقوله الآن تناقضاً ملحوظاً. سأل عن صحة الرئيس الأسد. نفى الرئيس مبارك كل الإشاعات حول مشكلات صحية خطيرة، وكلها مجرد إشاعات. كان على اتصال متكرر بالأسد. قال وزير الخارجية إن بقاء الأسد أصبح مهماً. وافق الرئيس مبارك: الأسد أفضل بكثير من صدام وغيره من الرفاق السوريين. لكنه رفض فرص قبول نجل الأسد كرئيس. لم يكن لديه الحق. سوريا ليست ملكية."
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العراق ومواقف المعارضة
تناول النص نقاشات بين الرئيس المصري حسني مبارك ووزير الخارجية البريطاني دوغلاس هيرد حول الأوضاع في العراق، وموقف المجتمع الدولي من نظام صدام حسين. يشير النص إلى تقييم المعارضة العراقية، بما في ذلك فكرة تشكيل حكومة في المنفى والدعم المحتمل من دول الخليج، بخاصة السعودية. كما مواقف الأطراف المختلفة بشأن مصداقية المعارضة العراقية، ومستقبل نظام صدام حسين، إلى جانب الوضع الداخلي المتدهور في العراق وقدرة النظام على قمع المعارضة.
"تحدث وزير الخارجية البريطاني، دوغلاس هيرد، عن اجتماعه في 30 مارس مع المؤتمر الوطني العراقي. كان الرئيس مبارك بحاجة إلى أن يشرح له هيرد من هم هؤلاء الأشخاص. (عند ذكر ممثل الشيعة، كرر مرتين أنه لا يستطيع أن يثق في أي معارض شيعي على الإطلاق). وصف وزير الخارجية فكرة المؤتمر الوطني العراقي في تطوير جناح عسكري. بطبيعة الحال، يتطلب هذا المال، وهو ما لم يكن لديهم.
قال الرئيس مبارك إنه إذا تمكنوا من تطوير والحفاظ على علاقات سرية كبيرة مع شخصيات عسكرية في بغداد، فقد تكون لديهم بعض الفرص لتحقيق تقدم. من دون هذا، لن يكون لديهم أي شيء. اقترح أن صدام قد يشعر بالتوتر إذا شكلت المعارضة حكومة في المنفى.
ولقد أشار الرئيس مبارك إلى بعض الإيحاءات التي تفيد بأن الولايات المتحدة وبريطانيا قد غيرتا موقفهما تجاه العراق وصدام حسين، في بيان مشترك، صدر أخيراً. وقد أوضح وزير الخارجية هذا الموقف: لقد اضطر الممثل الدائم للولايات المتحدة في نيويورك إلى الاعتراف بأن التخلص من صدام حسين لم يكن منصوصاً عليه في أي من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن العراق. وقد تطور هذا إلى قصة إخبارية كاذبة. لكن موقفنا لم يتغير. فقد ظل الامتثال العراقي الكامل لجميع القرارات أمراً ضرورياً. وفي تقديرنا فمن غير المرجح أن تكون الحكومة العراقية في ظل حكم صدام حسين على استعداد لتلبية هذه المتطلبات.
وبالعودة إلى مسألة الحكومة في المنفى، قال وزير الخارجية إنه يرغب في مناقشة هذا الأمر مع رئيس الوزراء، لكن رد فعله الأول كان أن شخصيات المعارضة الحالية لا تتمتع بالقدر الكافي من الثقل، لكي تكون ذات مصداقية كحكومة. ومع ذلك، قد يكون من الأفضل لنا جميعاً أن نمنح المؤتمر الوطني العراقي مزيداً من التشجيع، بما في ذلك الدعم المالي.
وأكد الرئيس مبارك أن هذه المجموعة، في نظر العرب، لن تتمتع بقدر كبير من المصداقية. قال وزير الخارجية إنه أوضح للمؤتمر الوطني العراقي في أثناء اجتماعه أنه يتعين عليهم التوصل إلى موقف علني واضح بشأن سيادة الكويت داخل حدودها المعترف بها دولياً.
سأل وزير الخارجية عن الحالة الداخلية للعراق. قال الرئيس مبارك إن الأمور تتجه نحو الأسوأ تدريجاً، لكن صدام حسين كان وحشياً في سحق كل معارضة. كان من حوله يعرفون أنهم سيسقطون معه، وسيُقتلون، بالتالي كانوا يدافعون عن أعناقهم، وليس عن صدام حسين نفسه".
العراق بعد صدام: بين الملكية والديكتاتورية العسكرية
يناقش النص مداولات بين الرئيس المصري حسني مبارك ووزير الخارجية البريطاني دوغلاس هيرد حول احتمالات الحكم في العراق بعد صدام حسين. تتناول المحادثة إشاعات تتعلق بخطط الملك حسين للعب دور إقليمي موسع، بما في ذلك فكرة مثيرة للجدل حول عودة الملكية الهاشمية للعراق.
يعبر الطرفان عن شكوكهما تجاه قبول الشعب العراقي لمثل هذه السيناريوهات. ويؤكد مبارك أن العراق، في ظل تاريخه السياسي والاجتماعي، لن يكون ملكياً أو ديمقراطياً، وأن مستقبل الحكم يعتمد على شخصية عسكرية قوية قادرة على السيطرة على الوضع.
"سأل وزير الخارجية عن الملك حسين. قال مبارك إن حسين صديق لبريطانيا. لقد سمع وزير الخارجية بنفسه قصة غريبة مفادها أن الملك حسين كان يرغب في ترسيخ نفسه ملكاً لدول كردية وعراقية وفلسطينية وأردنية منفصلة. كان هذا سخيفاً: لن يقبله العراقيون أبداً. كانت هناك قصة غريبة منفصلة، أعادت نشرها المجلات العربية مفادها أن الإجابة الصحيحة للعراق بعد صدام حسين هي عودة ملك هاشمي (الشريف علي). حتى إنه قيل إن الأميركيين والبريطانيين مهتمون بهذا. قال وزير الخارجية إنه كان لديه انطباع في بعض الأحيان بأن الملك حسين قد لعب بهذه الفكرة، لكنها ربما لم تكن واقعية. لم نعتقد أنها ستنجح.
كرر الرئيس مبارك أن العراقيين لن يقبلوا بها أبداً. سأل وزير الخارجية عما إذا كان من الصحيح أن يكون خليفة صدام حسين على الأرجح شخصية عسكرية. وافق الرئيس مبارك، مضيفاً أن هذا يجب أن يكون لفترة طويلة. فقط شخصية عسكرية ذات يد حاسمة يمكنها إبقاء العراق تحت السيطرة. لن يكون العراق ديمقراطياً أو ملكياً أبداً".