Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فلسطينيون عاشوا التعذيب في سجون إسرائيل فلم تفارقهم آثاره

روايات متعددة عن المعاناة في الاعتقال ولاعب كمال أجسام يخرج من الاحتجاز هزيلاً ومصاباً باضطراب ما بعد الصدمة

لاعب كمال الأجسام الفلسطيني معزز عبيات (رويترز)

ملخص

الجيش الإسرائيلي ينفي الانتهاكات الممنهجة التي يرتكبها جنوده، ويقول إن نحو 6000 من سكان غزة اعتقلوا خلال الحرب الأخيرة.

كان لاعب كمال الأجسام الفلسطيني معزز عبيات مفتول العضلات قوي البنيان، لكن بعد الإفراج عنه في يوليو (تموز) الماضي عقب تسعة أشهر من الاحتجاز في سجن إسرائيلي، أضحى حتى عاجزاً عن المشي من دون مساعدة.

واعتقله جنود مرة أخرى في مداهمة ليلية لمنزله في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وقبل توقيفه في المرة الثانية، شخص أطباء مستشفى بيت لحم للطب النفسي حال الرجل البالغ من العمر 37 سنة، وهو أب لخمسة أبناء، باضطراب ما بعد الصدمة الشديد جراء احتجازه في سجن كتسيعوت النائي في النقب، وفقاً للملاحظات الطبية التي اطلعت عليها "رويترز" من المستشفى، وهو مركز طبي عام في الضفة الغربية المحتلة.

وجاء في الملاحظات أن عبيات عانى في سجنه "عنفاً جسدياً ونفسياً وتعذيباً"، وسردت أعراضاً من بينها القلق الشديد والابتعاد من أسرته وتجنب مناقشة الأحداث المؤلمة والشؤون الحالية.

وتجدد التركيز على اتهامات الانتهاكات وإلحاق الأذى النفسي بالمعتقلين الفلسطينيين في السجون والمعسكرات الإسرائيلية وسط جهود مكثفة للوسطاء الدوليين خلال ديسمبر (كانون الأول) الجاري للتوصل إلى وقف لإطلاق النار قد يشهد الإفراج عن آلاف السجناء الذين اعتقلوا أثناء حرب غزة وقبلها، مقابل الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة "حماس" في قطاع غزة.

وقال قدورة فارس رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية وهي هيئة حكومية في الضفة الغربية إنه في حال إطلاق سراح دفعات من المعتقلين في أي صفقة مقبلة، فإن عدداً منهم "سيكون بحاجة إلى رحلة علاج طويلة كي يشفى مما تعرض له من تعذيب نفسي وجسدي"، مشيراً إلى أنه على علم بحال عبيات.

ومن أجل هذه التغطية، تحدثت "رويترز" إلى أربعة فلسطينيين احتجزتهم إسرائيل منذ اندلاع الحرب التي أشعلتها هجمات "حماس" على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر عام 2023، واعتقل الأربعة أشهراً عدة بتهمة الانتماء إلى تنظيم غير قانوني، وأُفرج عنهم من دون توجيه اتهامات رسمية أو إدانتهم بأي جرائم.

وتحدث الجميع عن معاناتهم آثاراً نفسية دائمة جراء ما قالوا إنها انتهاكات شملت الضرب والحرمان من النوم والطعام والتقييد لفترات طويلة في أوضاع مرهقة، ولم تتمكن "رويترز" من التحقق بصورة مستقلة من ظروف احتجازهم.

وتتفق رواياتهم مع نتائج تحقيقات متعددة أجرتها جماعات لحقوق الإنسان أفادت بحدوث انتهاكات جسيمة بحق الفلسطينيين داخل مراكز احتجاز إسرائيلية.

وفي أغسطس (آب) الماضي، نشر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تحقيقاً تضمن تقارير موثقة عن انتشار "التعذيب والاعتداء الجنسي والاغتصاب وسط ظروف وحشية غير آدمية" في السجون منذ اندلاع الحرب.

ويصف البيت الأبيض التقارير عن التعذيب والاغتصاب والانتهاكات بأنها "مقلقة للغاية".

 

 

وقال الجيش الإسرائيلي إنه يحقق في اتهامات عدة  بضلوع عسكريين في انتهاكات بحق معتقلين في غزة، لكنه رفض "بصورة قاطعة" اتهامات الإساءة الممنهجة داخل مراكز الاحتجاز التابعة له.

ورفض الجيش التعليق على حالات بعينها، وقالت مصلحة السجون الإسرائيلية التي تخضع لوزير الأمن الوطني اليميني المتطرف إيتمار بن غفير وجهاز الأمن الداخلي إنه لا يمكنها التعليق على حالات فردية.

وأوضح مكتب بن غفير أن "الإرهابيين يحصلون في السجون الإسرائيلية على ظروف معيشية خاضعة للإشراف وإقامة مناسبة للمجرمين"، مضيفاً أن المرافق تعمل وفقاً للقانون، وأردف أن "المعسكر الصيفي انتهى".

وقالت تال شتاينر المديرة التنفيذية للجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، وهي جماعة حقوقية إسرائيلية، إن الأعراض التي وصفها الرجال كانت شائعة ويمكن أن تترك أثراً طوال حياتهم، وكثيراً ما تحطم أسرهم، وتابعت أن "التعذيب في السجون الإسرائيلية تفجر منذ السابع من أكتوبر، وسيكون له تأثير مدمر في المجتمع الفلسطيني، وقد حدث هذا بالفعل".

وفي حديثه من سريره في المستشفى في يوليو الماضي، وصف عبيات الذي يعاني الهزال الشديد المعاملة التي لاقاها هو وزملاؤه السجناء بأنها "مقززة"، وعرض ندوباً على ساقيه الهزيلتين ووصف العزلة والجوع والأصفاد وانتهاكات بواسطة قضبان معدنية، من دون إعطاء تفاصيل.

وفي المقابل، يظهر عبيات مفتول العضلات في صور التقطت له قبل سجنه.

وفي الـ19 من ديسمبر الجاري، أمرت المحكمة العليا في إسرائيل الحكومة بالرد على التماس رفعته جماعات حقوقية حول نقص الغذاء الكافي للسجناء الفلسطينيين.

وتتحدث إسرائيل هي الأخرى عن انتهاكات تعرض لها عدد من مواطنيها البالغ عددهم 251 الذين اقتيدوا إلى غزة بعد هجمات "حماس"، وذكر تقرير لوزارة الصحة الإسرائيلية نشر السبت الماضي أن الرهائن تعرضوا للتعذيب، بما في ذلك الاعتداء الجنسي والنفسي، فيما نفت "حماس" مراراً إساءة معاملة الرهائن.

 من دون تهمة

يقول نادي الأسير الفلسطيني إن عبيات معتقل حالياً في مركز احتجاز صغير في عتصيون جنوب بيت لحم، موضحاً أنه موقوف لمدة ستة أشهر تحت "الاعتقال الإداري"، وهو شكل من أشكال الحبس من دون تهمة أو محاكمة، وأشار إلى أن السبب الرسمي لاحتجازه غير معروف.

ولم يرد الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي ومصلحة السجون على أسئلة عن قضيته.

وقالت اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل إن 56 فلسطينياً في الأقل لقوا حتفهم أثناء الاحتجاز خلال الحرب، مقارنة بواحد أو اثنين فقط سنوياً أثناء الأعوام  التي سبقت الحرب، وذكر الجيش الإسرائيلي أنه بدأ تحقيقات جنائية في جميع حالات وفاة الفلسطينيين أثناء احتجازهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وزاد عدد السجناء الفلسطينيين في إسرائيل والضفة الغربية أثناء الحرب إلى الضعف في الأقل ليبلغ أكثر من 10 آلاف، وفقاً لتقديرات اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، استناداً إلى وثائق قضائية وبيانات حصلت عليها عبر طلبات الحق في الوصول إلى المعلومات.

وقال الجيش الإسرائيلي رداً على استفسار من "رويترز" إن نحو 6 آلاف من سكان غزة اعتقلوا خلال الحرب، وعلى النقيض من فلسطينيي الضفة الغربية الذين يحتجزون بموجب القانون العسكري، يحتجز الفلسطينيون من غزة في إسرائيل بموجب قانون المقاتلين غير الشرعيين.

ووفقاً للباحث الإسرائيلي المتخصص في حقوق الإنسان والقانون الدولي في جامعة كوين ماري في لندن نيف غوردون، فقد تم استخدام القانون لاحتجاز الناس بمعزل عن العالم الخارجي، وحرمانهم من حقوقهم كأسرى حرب أو سجناء تحت الاحتلال العسكري، وسجنهم لأشهر من دون اتهامات أو محاكمات.

وشبّه نادي الأسير الفلسطيني الاعتقالات بالاختفاء القسري، بينما رفضت مصلحة السجون الإسرائيلية التعليق على أعداد السجناء والوفيات.

 معتقل سدي تيمان

كان فادي أيمن محمد راضي (21 سنة) وهو طالب هندسة سابق من خان يونس في غزة، واحداً من بين 24 فلسطينياً أُفرج عنهم عند معبر كرم أبو سالم إلى غزة في الـ20 من أغسطس الماضي.

ووصف راضي معاناته لتمديد أطرافه بعدما جرى تكبيله وتقييده بالسلاسل لمدة أربعة أشهر في معتقل سدي تيمان العسكري الإسرائيلي، وهو منشأة موقتة لفرز السجناء، وقال "هم ما حققوا معنا، هم دمرونا".

ووفقاً لمبلغين عن المخالفات من بين حراس المعسكر، كان سدي تيمان الواقع في صحراء النقب مسرحاً لانتهاكات جسيمة بما في ذلك الاغتصاب.

وتحقق إسرائيل حالياً في ما وصفتها الأمم المتحدة بأنها "حال مروعة بصورة خاصة" تتعلق باتهامات بانتهاك جنسي في سدي تيمان حيث يواجه خمسة جنود اتهامات بوضع قضيب في مؤخرة أحد المعتقلين اخترق أعضاءه الداخلية.

وقال راضي إنه تعرض للضرب بصورة متكررة وتعسفية وجرى تقييده على نحو دائم وتعصيب عينيه وتعليقه في أوضاع مجهدة، وأجبر على الجلوس على الأرض بصورة شبه مستمرة من دون أن يتحرك.

وفي إحدى المرات، قال إنه حرم من النوم لمدة خمسة أيام متتالية في مكان أوضح أن جنود الاحتلال أطلقوا عليه اسم "غرفة الديسكو"، حيث تعرض لموسيقى صاخبة، لكنه لم يصِف العنف الجنسي الذي تعرض له.

 

 

وكشف راضي عن أنه يجد صعوبة في النوم وأن مجرد الحديث عن محنته يجعله يعيشها من جديد، وأضاف الشاب الذي اعتقله جنود إسرائيليون في غزة في الرابع من مارس (آذار) الماضي أنه "كل مرة يكرر هذه الكلمات، يتخيل التعذيب وكأنه يحصل الآن".

ولم تتمكن "رويترز" من التحقق من قصته بصورة مستقلة، وقال الجيش الإسرائيلي إنه لا يستطيع التعليق، مشيراً إلى أنه لم يتمكن من العثور على ملفات راضي لأن "رويترز" لم تمدّه برقم هويته.

وذكرت اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل أنه على رغم قرار الحكومة بالتخلص التدريجي من سدي تيمان، فإن المعتقل لا يزال يعمل.

 عوفر وكتسيعوت

ووردت تقارير عن انتهاكات واسعة النطاق في مرافق أقدم مثل سجن كتسيعوت في النقب، ومعسكر عوفر العسكري بجنوب رام الله في الضفة الغربية.

وبعد جمع الأدلة وشهادات 55 سجيناً فلسطينياً سابقاً، أصدرت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بتسيلم في وقت سابق من هذا العام تقريراً يتهم إسرائيل بتحويل نظام السجون عمداً إلى "شبكة من معسكرات التعذيب".

وباستخدام تشريع طارئ جرى إصداره بعد هجوم "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 أمر بن غفير، الوزير المتشدد، بتقليل ظروف احتجاز "السجناء الأمنيين"، وهي فئة تضم الفلسطينيين بالكامل تقريباً.

وشبّه نيف غوردون ما قاله عن استخدام التعذيب في سجون إسرائيل بالإرهاب.

وقال غوردون الذي شارك في تحرير كتاب عن الانتهاكات في نظام السجون الإسرائيلي "الإرهاب عادة ما يكون عملاً محدوداً في عدد الأشخاص المتأثرين به بصورة مباشرة، لكن التأثير النفسي الاجتماعي كبير للغاية، الأمر نفسه ينطبق على التعذيب".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير