ملخص
مبيعات وكلاء السيارات المعتمدين لم تنم سوى اثنين في المئة إلى أواخر العام الماضي
استأثر نشاط بيع السيارات بمختلف أنواعها وأصنافها في القطاع الموازي أو السوق السوداء في تونس بأكثر من 28 في المئة من إجمال معاملات القطاع حتى نهاية عام 2024، وفق بيانات رسمية صادرة عن الغرفة الوطنية التونسية لوكلاء بيع السيارات.
على رغم ذلك لم يتطور بيع العربات من طرف وكلاء البيع المعتمدين والمرخص لهم سوى اثنين في المئة إلى أواخر العام الماضي، وتترجم هذه المؤشرات مدى تموقع السوق السوداء في بيع السيارات في تونس وتوغلها أكثر في المشهد العام لهذا القطاع الذي يشكو صعوبات هيكلية وتنظيمية لعديد السنوات.
ويعكس تفوق السوق السوداء لبيع السيارات في تونس على القطاع المنظم مدى الصعوبات التي يعترضها التونسيون في الحصول على سيارة باتت أكثر من ضرورية أمام متشعب متطلبات الحياة واهتراء أسطول النقل الحكومي، وما ينجم عنه من تذمر مستمر من عموم التونسيين.
ويضم المشهد العام لسوق السيارات في تونس 36 وكيل بيع، وترويج أكثر من 50 صنفاً من السيارات جلها سيارات آسيوية، في ظل غياب أرقام رسمية عن رقم معاملات القطاع.
تغلغل السوق السوداء
وتمكن وكلاء بيع السيارات المعتمدون في تونس من ترويج 52 ألف سيارة إلى أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في مقابل 50961 سيارة في الفترة ذاتها من عام 2023، بزيادة طفيفة بنسبة اثنين في المئة.
وأظهرت إحصاءات صادرة عن الغرفة الوطنية لوكلاء السيارات أن السوق السوداء واصلت تطورها بصورة لافتة لتنمو بنسبة 32.8 في المئة، إذ بيعت 20183 سيارة خلال الأشهر الـ11 الأولى من السنة الماضية في مقابل 15191 سيارة في الفترة نفسها من عام 2023، وأنها صارت حالياً تمثل نحو 28 في المئة من حجم إجمالي المبيعات في السوق التونسية في مقابل 23 في المئة إلى أواخر نوفمبر 2023.
وتعليقاً على هذه المؤشرات قال المتحدث الرسمي للغرفة الوطنية لوكلاء بيع السيارات ومدير إحدى علامات بيع السيارات الآسيوية في تونس مهدي محجوب إن "بيع السيارات في السوق الموازية ما انفك يزدهر، إذ ارتفع من 19 في المئة في عام 2022 إلى 23 في المئة في 2023، ليزيد إلى مستوى 28 في المئة من إجمال المبيعات بحلول العام الماضي".
وأضاف في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن التونسيين يلجأون إلى السوق الموازية لاقتناء السيارات لتوفرها وتفادي مدة الانتظار، إلى جانب أن سعرها قد يكون مناسباً للمشتري، على اعتبار أن الأسعار المتداولة لدى الوكلاء المعتمدين أعلى بسبب الأداءات والمعاليم الباهظة.
"إزاء المنافسة غير المتوازنة تضغط غرفة وكلاء بيع السيارات على وزارتي التجارة والمالية من أجل تقليص الأداءات والمعاليم حتى يتنفس القطاع نسبياً، وتنخفض الأسعار بما يعود بالنفع على المواطنين"، بحسب ما يضيف المتحدث.
صعوبة الحصول على سيارة في تونس
يلتقي عدد من التونسيين تحدثت إليهم "اندبندنت عربية" في أن الحصول على سيارة في تونس صار صعباً للغاية، نظراً إلى ارتفاع سعرها بصورة لافتة وسط أزمة اقتصادية ومالية خانقة، جعلتهم لا يحصلون على القروض البنكية بسبب الفوائد العالية من جهة وعدم توفر السيارات لدى الوكلاء المعتمدين من جهة أخرى.
ويقر المستجوبون بأن مدة الانتظار أضحت طويلة لتصل إلى نحو سنتين أو أكثر بسبب تأثيرات الحرب الروسية - الأوكرانية من جهة، وارتفاع الطلب إزاء ضعف العرض من جهة أخرى.
وبسبب الضوابط التي تفرضها وزارة التجارة التونسية والبنك المركزي التونسي للحفاظ على رصيد العملة، فإن الحصة الإجمالية القانونية لبيع السيارات في تونس لا تتعدى 52 ألف سيارة أمام طلب ما انفك يرتفع من عام لآخر، مما يبرر لجوء عدد لا بأس به من التونسيين إلى السوق السوداء لشراء سيارة.
وأثرت الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها تونس بصورة ملموسة في النشاط التجاري عموماً، مما أثر بدوره في نشاط بيع السيارات والعربات والشاحنات لتتراجع بصورة لافتة في السنوات الأخيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتأثر نشاط بيع السيارات في تونس بصورة لافتة بتراجع ملاحظ لقدرة التونسيين الشرائية، مدفوعة بارتفاع مستويات التضخم 6.2 في المئة في ديسمبر (كانون الأول) 2024، فوقفوا عاجزين عن اقتناء السيارات التي صارت ضرورية بالنسبة إليهم، بسبب مشكلات النقل العمومي والضغط اليومي للحياة.
وحتى ما يعرف بـ"السيارات الشعبية" فصارت أسعارها غير شعبية ولم تعد في متناول الموظفين وشريحة الطبقة المتوسطة بسبب ارتفاع أثمانها بصورة صاروخية في السنوات الأخيرة، مما دفع عدداً من التونسيين إلى "الهرب" إلى قطاع السيارات المستعملة التي عرفت بدورها زيادة في الأثمان.
واقتصر وكلاء بيع السيارات على ترويج 6098 سيارة شعبية إلى أواخر نوفمبر 2024، في مقابل 6454 سيارة في الفترة نفسها من عام 2023.
في غضون ذلك تراجع قائم القروض البنكية الموجهة لاقتناء سيارات من 408.7 مليون دينار (131.8 مليون دولار) في سبتمبر (أيلول) 2023 إلى من 396 مليون دينار (127.7 مليون دولار) في الفترة ذاتها من 2024.
وتترجم هذه البيانات الإحصائية في علاقة بقائم القروض البنكية غير المهنية التي تعد ضعيفة جداً، وعروض البنوك التي صارت تفرض شروطاً صعبة في إسناد مختلف أنواع القروض للأشخاص الطبيعيين، إضافة إلى إحجام الشركات والمواطنين عن طلب قروض بنكية بسبب نسب الفائدة الموظفة على القروض التي يرونها مجحفة ومشطة.
ضرورة خفض الأداءات الجمركية
من جانبه يقر رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي بتنامي ظاهرة لجوء عدد كبير من التونسيين إلى السوق الموازية أو السوداء لاقتناء سيارة بسبب غلاء الأسعار عند الوكلاء المعتمدين، مرجعاً ذلك أساساً إلى ارتفاع الأداءات والضرائب الموظفة على بيع السيارات في تونس.
وقال لـ"اندبندنت عربية" إن الأداء على الاستهلاك والضرائب الجمركية الموظفة على السيارات يصل إلى مستوى 40 في المئة، مما يجعل ثمنها عند البيع مرتفعاً، مما يستعصي معه على المواطن اقتناؤها.
وأكد أن أثمان السيارات بمختلف أصنافها تقل بصورة لافتة عما هو معمول به لدى وكلاء بيع السيارات المرخص لهم في البلاد، وأوضح أن هناك ممارسات في بيع السيارات تحولت مع الوقت إلى عمليات تكاد تكون مشروعة من خلال بيع تونسيين لامتياز إعفائهم الضريبي على توريد سيارة عائلية للمهاجرين إلى تونسيين مقيمين في البلاد، وذلك بواسطة عقد في الغرض ممضى بين الطرفين في البلديات.
وأبرز المتحدث أن هذه العملية، وإن كانت تعد غير قانونية فإنها معمول بها لعديد السنوات، وتشكل مخرجاً قانونياً لاقتناء سيارة بطرق سهلة ومن دون تعقيدات إدارية أو حتى انتظار أشهر للحصول على سيارة من أحد الوكلاء المعتمدين.
ولفت إلى انتشار محال في السنوات الأخيرة على قارعة الطريق وفي بعض مناطق البلاد تعرض سيارات جديدة ومستعملة بأثمان معقولة وقابلة أيضاً للنقاش والتفاوض، وبأسعار أقل بكثير من الأسعار المتداولة من طرف وكلاء البيع.
ولتطويق انتشار السوق السوداء في تونس، اقترح لطفي الرياحي على وزارتي المالية والتجارة وجوب الخفض في الأداءات الجمركية الموظفة على وكلاء البيع لترويجها في السوق التونسية بأثمان معقولة، فضلاً عن مزيد منح الوكلاء حصة أكبر لبيع السيارات التي بالكاد تتجاوز 50 ألف سيارة سنوياً، في مقابل الاحتياجات المتزايدة من التونسيين للحصول على سيارة.